حسين الطيب
يقول بعض إن تغير فى أسلوبه بسبب وتأثيرهم بعد أن هاجر إلى المدينة.
ويرد على هذه الفرية د. عبدالرحمن بن عبدالجبار هو ساوى أستاذ علوم القرآن المساعد بجامعة الملك فهد بالسعودية فيقول:
قمة السذاجة أن يقال هذا، صحيح أن الأسلوب المدنى قد اختلف عن الأسلوب المكي، لكن ليس بسبب اليهود، بل بسبب تغيّر الموضوعات والحاجة إلى تغيير الأسلوب ليناسب عرضها، فالموضوعات فى العهد المكى كانت تدور حول الدعوة إلى الله، وإثبات التوحيد والرسالة، واليوم الآخر وتفصيلاته، من ذكر القيامة وأهوالها، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها.
كما أكثر من مجادلة المشركين بالبراهين العقلية، ولفت أنظارهم إلى فى الكون والنفس، كما تناول الأسس العامة للتشريع بإجمال، وفضح جرائم المشركين المنافية للتوحيد والإنسانية.
وأكثر من ذكر والأمم السابقة تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذى عانوا من الظلم والاضطهاد، لذلك تميز أسلوب العرض بقصر الآيات وكثرة الفواصل، وقوة جرسها، وشدة قرعها على المسامع، وصعقها للقلوب، مع كثرة ورود القسم المصاحب للموضوعات.
وأما موضوعات العهد المدنى فاختلفت، وتبعاً له اختلف أسلوب عرضها، فقد عنى العهد المدنى بتفصيل التشريعات، من عبادات ومعاملات، وأنظمة وحدود، وأحكام الأسرة وقسمة المواريث، والعلاقات الدولية فى الحرب والسلم، لذلك تميزت الآيات بطول المقاطع؛ ليتم بسط الأحكام وتفصيلها خلافاً للأسلوب المكي، وكذلك تناولت الآيات مخاطبة أهل الكتابين ودعوتهم للإسلام، وحيث إنهم أهل دين ربانى فقد اقتضى الأمر اختلاف أسلوب مخاطبتهم عن أسلوب مخاطبة أهل الأوثان، فهناك نقاط مشتركة انطلق منها القرآن، كما واجههم بكشف التحريفات وإقامة الحجة عليهم.
كذلك تناولت آيات كثيرة الحديث عن المنافقين وكشفت خططهم ومؤامراتهم، بل خصصت سورة كاملة تقريباً للحديث عنهم، وطبيعى أن يختلف أسلوب مخاطبة المشركين عن أسلوب مخاطبة أهل الكتاب عن أسلوب مخاطبة المنافقين، فتغيّر الأسلوب اقتضاه الموضوعات لا الأشخاص، لكن ينبغى ملاحظة أن فصاحة القرآن وبلاغته، وتأثيره على القلوب وإقناعه للعقول لم يتغير، فدرجته فى العهد المدنى لا تختلف عنها فى العهد المكي، فسبحان الحكيم الذى أحاط بكل شيء علما، وأعطى كل ذى حق حقه.