إعداد: عبدالعزيز عبدالحليم
الرجل الذى كان قبل دقائق استخلافه يضمخ ثيابه بالعطور، ويسكن أغلى القصور، ويلبس أبهى الحلل، ويأكل أطيب الطعام، ويركب الصافنات الجياد، ويبلغ دخله السنوى أربعين ألف دينار.
هذا الرجل يصير بعد دقائق - لا أيام ولا ساعات - إنساناً آخر، عطره عرقه.. وجياده قدماه .. وملبسه من أخشن الثياب.. ومطعمه من أجشب الطعام.. ودخله لا شىء» هكذا كان وصف الأستاذ خالد محمد خالد ل.. الذى يصفه المؤرخون وكتاب السير عن حث وصواب بأنه خامس الخلفاء الراشدين بعد «أبوبكر وعمر وعثمان وعلى» رضى الله عنهم.
ولد فى المدينة، وكان مولده فى السنة الواحدة والستين للهجرة، ونشأ فى نعيم ورفاهية، حيث كان أبوه أميراً على ، وعمه الخليفة عبدالملك، وهذا لم يمنعه من حفظه للقرآن، وتلقيه للعلم على يد أكابر الكرام، كعبادة بن الصامت، وعبدالله بن عمر
- رضى الله عنهما - كما أنه تلقى العلم من كبار التابعين، كسعيد بن المسيب، بالإضافة إلى تعلمه اللغة العربية، ومما زاد فى استقامته ودينه تعلقه بعم أمه عبدالله بن عمر رضى الله عنه.
تعلم عمر بن عبدالعزيز كثيراً من الصحابة الكرام، وكان يذهب إلى العلماء والفقهاء، ليتعلم منهم، مما دفعه إلى ترك صحبة أقرانه من الشباب، وكان يكثر الجلوس فى مجالس العلم.
تولى عمر إمارة المدينة فى عهد الوليد، وكان ذلك فى السنة السادسة والثمانين من الهجرة، وبقى إلى السنة الثالثة والتسعين للهجرة، واستعان بعشرة من أفاضل المدينة فى حكمه، ليكونوا أنصاراً له فى الحق، وقام بتوسعة المسجد النبوى، ثم اتسعت ولايته فصار والياً على الحجاز، ونشر الأمن والعدل، وبدأ بحفر الآبار والطرق، وأعاد الأموال العامة إلى كرامتها وحرمتها.
لما مرض سليمان بن عبدالملك طلب منه من حوله بالخلافة لعمر بن عبدالعزيز، فأوصى بالخلافة له من بعده، وأشهد عليها من كان عنده، فلما توفى؛ أصبح عمر أميراً للمؤمنين، وصعد المنبر وقال: «إن هذا الأمر ما سألته الله قط»، لكن عمر بخبرته فى ولاية المدينة قرابة السبع سنوات اكتسب المهارة فى ولاية الدولة.
واشترط ثلاثة شروط للولاية، وهى: أن يعمل بالحق والعدل بين الناس، ألا يظلم أحداً، ألا يأخذ من بيت مال المسلمين ويعطى إلا من كان له حق.
عين عمر عشرة من فقهاء المدينة للشورى، وحرص على أموال الدولة، وكان دقيقاً فى اختيار ولاته على الأمصار بناء على معرفته الكاملة بأخلاقهم وقدراتهم، وكان يراقب أعمالهم ويتابعها، ومنعهم من الأعمال الأخرى، كالتجارة، وأعطاهم من المال ما يكفيهم ويغنيهم عن طلب الرزق، واكتفى هو بالحياة الخشنة؛ استشعاراً منه بحجم المسئولية التى أوكلت إليه.
كان لعمر بن عبدالعزيز الكثير من الإنجازات فى خلافته، منها: الإصلاحات التنموية، من خلال حفظ الأمن، والقضاء على الفتن، وإعادة توزيع الثروة والدخل، وزيادة الإنفاق على الفقراء والمحرومين، الإصلاح الثقافى، من خلال تدوين الحديث الشريف، والاهتمام بالدعوة إلى الإسلام، وتشجيع غير المسلمين فى الدخول فى الإسلام،و إعطائهم من سهم المؤلفة قلوبهم.