بعد تسريب "وثائق باندورا" التي كشفت تورط عدد من زعماء العالم والمسؤولين والشخصيات الهامة، في إخفاء ثرواتهم، يثار الجدل مجدداً عن أبرز الملاذات الضريبية حول العالم.

بعد مجهود استقصائي ضخم، ضم عدداً كبيراً من الصحفيين من دول مختلفة في العالم، نشر الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية يوم الأحد 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تحقيقاً مفصلاً تحت عنوان "وثائق باندورا"، حول الثروات والمعاملات المالية السرية لعدد من القادة والشخصيات السياسية الهامة حول العالم، يدّعي فيها تورطهم في إخفاء ثروات ضخمة عبر شركات خارجية بهدف التهرب الضريبي.

وإن كان الخبر الصادم أثار ضجة كبيرة وجدلاً واسعاً، فإنه سلّط الضوء مجدداً على قضية الملاذات الضريبية التي طالما أربكت مراكز التحقيق والرقابة المصرفية والمالية حول العالم، وأنهكت اقتصاد حكومات كثيرة وعديداً من الشعوب مقابل رفاهية أطراف معينة.

ما الملاذات الضريبية؟

على الرغم من أنه لا تعريف متفقاً عليه عالمياً لمصطلح "الملاذ الضريبي"، فإنه يُستخدم في العموم للإشارة إلى أي بلد أو إقليم يستطيع جلب الاستثمارات الأجنبية مقابل الحد الأدنى من المسؤولية الضريبية، ويمكّن بالتالي سواء الشركات متعددة الجنسيات أو بعض الأشخاص من التهرب من سيادة القانون في بلدانهم التي يعملون أو يعيشون فيها، ليدفعوا ضرائب أقلّ مما ينبغي.

ففي الوقت الذي تسمح فيه الملاذات الضريبية بالتحايل على قوانين الضرائب، فإنها تتيح الفرصة أيضاً لهؤلاء للالتفاف على متطلبات الشفافية واللوائح المالية حول العالم.

وفي السياق ذاته، فإن من الشائع أيضاً استخدام مصطلح "الولاية القضائية السرية" بدلاً من الملاذ الضريبي، للإشارة إلى السلطات القضائية المتخصصة في تمكين الأفراد من إخفاء ثرواتهم ومعاملاتهم المالية عن سيادة القانون.

ولمعرفة هذه الملاذات الضريبية، حددت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1998 مجموعة من المعايير الأكثر شيوعاً حول العالم، أهمها انعدام الأنشطة الحقيقية، وغياب الشفافية وعدم وجود أي تبادل حقيقي للمعلومات، إضافة إلى تحديد ضريبة رمزية على المداخيل، وأحياناً لا تحدد أي ضريبة.

ورغم أن هذه البلدان والأقاليم تفرض في الغالب ضرائب رمزية فإنها بذلك تجذب عديداً من الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى بنوكها ومؤسساتها المالية، فتنجح بالتالي في ضخّ القطاع المالي لديها بعديد من المداخيل، كما أن استثمارات هذه الشركات المتعددة الجنسيات تساهم في توفير عديد من مواطن الشغل لسكان البلاد، وتوفر دخلاً لخزانة هذه البلدان.

في المقابل فإن هذه الشخصيات الثرية والشركات، تحظى بضرائب رمزية وأحياناً تُعفَى بالكامل من دفع الضرائب لتتضخم ثروتها، في الوقت الذي كان عليها فيه دفع ضرائب ضخمة في بلدانها.

أبرز الملاذات الضريبية

عادة عندما يبحث الأثرياء وكبرى الشركات في العالم عن ملاذ ضريبي لحماية ثرواتهم، فإنهم يتوجهون بالأساس إلى المناطق التي تتوافر فيها عدة ميزات ومؤهلات، بالإضافة إلى المعدل المنخفض من الضريبة الذي يُعتبر الشرط الأول والرئيسي في ذلك.

ومن هذه المحددات الإضافية التي تقع على نفس الدرجة من الأهمية، الاستقرار السياسي، أي وجود نظام سياسي واضح غير مهدَّد بانقلاب أو بحرب أو معارك أهلية قد تعطّل الاستثمار.

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر السرية في المعاملات المصرفية والتجارية أيضاً شرطاً هامّاً، ويُقصد بذلك عموماً قدرة النظام المصرفي في تلك الدولة أو الإقليم على إخفاء الأموال، ومن بين ذلك تحليل تسجيل الملكية، وشفافية الكيان القانوني، واللوائح الضريبية والمالية، والتعاون مع المعايير الدولية وغيرها.

كما يمثل الموقع الجغرافي للملاذ الضريبي وإمكانية الوصول والتواصل شرطاً لا يقلّ أهمية عن بقية الشروط، ومعياراً تفضيلياً بين مختلف الملاذات حول العالم.

وقد نشرت في وقت لاحق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بالإضافة إلى مجلة "موي نيغوثيوس إي إيكونوميا" الإسبانية، تقريرا أميط فيه اللثام عن آخر ترتيب لعام 2021 لأهمّ هذه الملاذات الضريبية حول العالم.

وتحتل جزر فيرجن البريطانية المركز الأول، بنسبة 6.4% من مخالفات ضرائب الشركات في العالم، وتستضيف نحو 2.3% من النشاط المالي للشركات متعددة الجنسيات في جميع أنحاء العالم، تليها في ذلك جزر كايمان بنسبة 6%، كما أنها ليس فيها ضرائب على الدخل الشخصي، ولا ضرائب على أرباح رأس المال، ولا حتى ضرائب على الرواتب، أو ضرائب على الشركات. تليهم في الترتيب برمودا بنسبة 5.7% من التجاوزات الضريبية للشركات العالمية، وتستقبل 1.6% من النشاط المالي للشركات العالمية.

ولا يزال عديد من الحقائق اليوم والوثائق السرية، يظهر تباعاً ليكشف تورُّط عديد من الشركات الكبرى والدول في مساعدة الأثرياء والزعماء وقادة الحكومات حول العالم في إدارة ثرواتهم، بلا أي مسؤولية ضريبية، كما تخفي في الوقت ذاته جميع معاملاتهم المالية المشبوهة.

TRT عربي