مع حلول شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل سنة، تتجه الأنظار نحو الفائزين من العلماء والأدباء والسياسيين في العالم، الذين قدّموا منفعة أو خدمة بارزة للبشرية في عدة مجالات، ليُتوَّجوا بجائزة نوبل العالمية.

لطالما كان نيل جائزة نوبل حلماً يراود كثيرين طوال عقود، وبينما لا تزال الإنجازات تخلّد أسماء أصحابها في التاريخ، فإن نوبل تمنح صاحبها رمزية كبيرة، وسط احتفاء عالمي كبير يُشيد بما قدّمه وبذله في سبيل البشرية.

ولكن أرقى جائزة في العالم، أثير حولها جدل محموم، إذ ارتبطت بأسماء شخصيات يشوبها لغط ووُجّه إليها عديد من الاتهامات، وبعضها تورط في جرائم تتنافى مع المبدأ والقيمة التي قامت عليها الجائزة.

ما قصة الجائزة؟

تبدأ الحكاية مع عالم الكيمياء السويدي ألفريد نوبل الذي اخترع الديناميت عام 1867، وكان شخصية محبة للسلام. وتشير سيرته الذاتية إلى أن صحيفة فرنسية نشرت عن طريق الخطأ خبر وفاته في مقال تحت عنوان "وفاة تاجر الموت"، إذ إن الخلط حدث بينه وبين أخيه الذي توُفّي جراء انفجار في إحدى التجارب التي نفّذها. وورد في الصحيفة أن ”الدكتور ألفريد نوبل، الذي أصبح غنياً من خلال إيجاد طرق لقتل مزيد من الناس أسرع من أي وقت مضى، توُفّي أمس”.

وأثر ذلك في نوبل كثيراً، إذ كان يعتبر نفسه داعياً ومحباً للسلام. وخشية أن يكون الموت إرثه الوحيد، تَبرَّع قبل وفاته بنحو 94% من ثروته واستثماراته البالغة حينها أكثر من 31 مليون كرونة سويدية، وأوصى بأن تُستثمر أمواله ويُعطى بها جوائز للإنجازات المتميزة في مجالات الأدب والسلام والاقتصاد والطب والعلوم، بلا تمييز في الجنس أو الجنسية.

وبعد وفاة العالم السويدي متأثراً بجلطة دماغية، كُشف النقاب عن وصية نوبل وجميع تفاصيلها، وسط نقد وتشكيك في مصداقيتها، ورفض البرلمان السويدي حينها تنفيذ الوصية، فيما حاولت السلطات الفرنسية وضع يدها على أملاك نوبل لتحصيل ضرائبها، لأنه اتخذ من فرنسا مقراً لأعماله قبل وفاته.

وعلى الرغم من كل هذه العقبات وحملات التشكيك، واعتراضات المسؤولين، تمكن سفراء نوبل وأصدقاؤه وورثته من الإقناع بتنفيذ وصيته، وعيّن البرلمان السويدي إثر ذلك لجنة تهتمّ بذلك. وفي عام 1900 صدّق الملك أوسكار الثاني قانوناً بتأسيس مؤسسة جائزة نوبل. ومُنحت أول جائزة عام 1902، ومنذ ذلك الحين حضر ملوك السويد مراسم تسليم جوائز نوبل في ستكهولم.

فائزون مثيرون للجدل

كان الأساس الذي تُمنح وفقه جائزة نوبل هو ضرورة تقديم منفعة أو خدمة للبشرية، بلا اعتبار للجنس أو الجنسية. وقد حصلت بذلك عدة شخصيات شهيرة على هذا التكريم العالمي، لتخلّد اسمها في صفحات التاريخ.

إلا أن كثيرين انتقدوا آلية اختيار اللجنة بعض الفائزين الذين اعتبرهم كثيرون غير جديرين بها. وكان من هذه الجوائز جائزة نوبل للطب التي حصل عليها عام 1949 الطبيب البرتغالي أنطونيوس إيجاس مونيز، لاختراعه عملية فصل الفص المخي الجبهي للمرضى الذين يعانون الوسواس القهري والفصام والاكتئاب، إلا أن هذه العملية أثبتت فشلها بعد ذلك.

أما جائزة نوبل للسلام عام 1953 فقد فاز بها رئيس الصليب الأحمر الأمريكي جورج مارشال مؤسس "مشروع مارشال" لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، الذي كان هو نفسه قائداً للقوات العسكرية الأمريكية في أثناء الحرب الأمريكية-الفلبينية.

وفي عام 1997 مُنحت جائزة نوبل للاقتصاد للاقتصاديَّيْن الأمريكيين روبرت ميرتون ومبيرون سكولس، وذلك لفتحهما آفاقاً جديدة في مجال التقييمات الاقتصادية، إلا أن الصناديق والشركات المالية التي طبّقَت نظريتهما خسرت بعد ذلك مليارات الدولارات، وينتقدها إلى اليوم عديد من الخبراء والمختصين.

وكانت المفاجأة بحصول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على جائزة نوبل للسلام عام 2009، بعد أشهر قليلة من تولّيه الحكم. فانتقد كثيرون خيار اللجنة، معتبرين أن أوباما لم يقدم شيئاً للسلام بعد في سنة حكمه الأولى.

أما في عام 2018 فقد تقرر حجب جائزة نوبل للآداب، بعد أن تقدمت 18 سيدة بادعاءات تحرش جنسي ضد المصور الفرنسي جان كلود أرنو المتزوج بعضوة سابقة في الأكاديمية السويدية.

وتطول القائمة في ذلك، لتطرح أسئلة جادَّة عن المعايير والاعتبارات الحقيقية التي تقف وراء قرارات اللجنة، وإن كانت تحاول فقط التحري لمنح الأكْفاء والجديرين بالجائزة.

TRT عربي