شهدت العلاقات التركية الإفريقية خلال الأعوام الماضية تطوراً ملحوظاً متعدّد الجوانب والأبعاد، وصلت معه الشراكة السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية إلى مستوى غير مسبوق، فيما تقوم تلك الشراكة على مبدأ المنفعة المشتركة، فاتحةً بذلك أفقاً استراتيجياً رحباً بين أنقرة وعديد العواصم الإفريقية.

ومع جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجديدة إلى إفريقيا المنوي بدؤها الأحد المقبل الموافق 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري وتستمر 4 أيام، يبلغ إجمالي الدول الإفريقية التي زارها الرئيس التركي 30 بلداً، قفز خلالها عدد السفارات التركية في إفريقيا من 12 سفارة فقط إلى 43 سفارة العام الحالي.

الرئيس أردوغان.. رحلة طويلة لـ30 بلداً إفريقياً

بدأت رحلة أردوغان مع القارة السمراء، في أثناء توليه منصب رئاسة الوزراء، إلى مصر عام 2004، وفي العام التالي زار أردوغان إثيوبيا وجنوب إفريقيا وتونس والمغرب. ثم عاد مجدداً لزيارة مصر عام 2006، وتبع ذلك زيارته إلى السودان والجزائر في العام ذاته.

واستمر الرئيس التركي في نشاطه الملحوظ بالقارة الإفريقية حيث زار إثيوبيا مجدداً عام 2007، ثم أتت سلسلة من الزيارات المتعاقبة بين عامي 2009 و2011، أجرى خلالها أردوغان زيارة واحدة أو أكثر إلى مصر وليبيا والصومال وتونس وجنوب إفريقيا.

وبعد انطلاقة الربيع العربي، استكمل أردوغان جولاته الإفريقية زائراً 7 دول في عامين، وتأتي في مقدمتها مصر التي زارها عام 2012، ثم عاد في العام التالي إلى القاهرة مجدداً، بجانب زيارته الغابون والنيجر والسنغال والمغرب والجزائر وتونس في العام ذاته.

وفي عام 2014، تابع أردوغان زيارته إلى عديد الدول الإفريقية، هذه المرة رئيساً للجمهورية التركية، حيث ذهب إلى غينيا الاستوائية والجزائر، وتبعهما في العام التالي بزيارة مكثّفة إلى دول القرن الإفريقي القابعة بشرق القارة السمراء، وتحديداً الصومال وجيبوتي وإثيوبيا.

وشهد عام 2016 رقماً قياسياً لزيارات الرئيس التركي إلى إفريقيا في عام واحد، حيث ذهب إلى السنغال وساحل العاج وغينيا ونيجيريا وغانا في غرب إفريقيا، ثم زار الصومال وكينيا وأوغندا بالقرن الإفريقي. ولم يمكث الرئيس التركي طويلاً حتى انطلق في رحلة إلى تنزانيا وموزمبيق ومدغشقر والسودان وتشاد وتونس جاءت كلها في عام 2017.

وكان أردوغان أجرى جولاته الإفريقية الأخيرة إلى الجزائر وموريتانيا والسنغال ومالي وجنوب إفريقيا وزامبيا في عام 2018، ثم زار تونس عام 2019، وعاد مجدّداً إلى الجزائر ثم غامبيا والسنغال في 2020.

وبعد زيارته المقرّرة الأحد 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري يرتفع إجمالي البلدان التي زارها الرئيس أردوغان خلال توليه منصب رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، إلى 30 بلداً إفريقياً، فيما زار بعض هذه البلدان لأكثر من مرة، وبات الرئيس التركي أكثر زعيم من خارج القارة السمراء يزور دولاً إفريقية.

تعاون متعدد الأبعاد

تأتي المقاربة التركية نحو القارة الإفريقية في إطار الشراكة ومبدأ "رابح-رابح"، بعيداً عن عقلية المستعمر الغربي الذي يسعى إلى نهب موارد القارة وإفقارها، وكثيراً ما ندّدت أطراف وازنة في الإدارة التركية، في مقدمتها الرئيس أردوغان، بسياسات ونهج الدول الغربية في التعامل مع الدول الإفريقية.

وبدأ الانفتاح التركي نحو إفريقيا قبل 23 عاماً، وذلك في إطار السياسة الخارجية متعددة الأبعاد التي تتبعها تركيا منذ ذلك الحين، وترتكز الخطة التي أُعِدّت عام 1998 على تحقيق نقلة نوعية على صعيد العلاقات السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية بين تركيا والدول الإفريقية.

وأعدت مستشارية التجارة الخارجية في الجمهورية التركية عام 2003 "استراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية"، فيما أعلنت أنقرة عام 2005 "عام إفريقيا"، ثم نالت تركيا صفة المراقب في الاتحاد الإفريقي في أبريل/نيسان من العام ذاته.

وحصدت العلاقات التركية الإفريقية نتاج تلك الجهود من خلال تطوّر وتنوّع ملحوظ في العلاقات الاستراتيجية، وذلك بفضل زيادة عدد الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الجديدة، وإنشاء الآليات الثنائية الاقتصادية والسياسية وتشجيع الزيارات المتبادلة للوفود التجارية.

وترتكز أنقرة في سياستها إزّاء القارة الإفريقية على أربعة أبعاد، سياسية وإنسانية واقتصادية وثقافية، هادفةً بذلك إلى المساهمة في السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة، فضلاً عن تطوير العلاقات الثنائية على أساس الشراكة المتساوية والمنفعة المتبادلة.

ومع الخطوات المتّخذة في هذا السياق، ارتفع عدد السفارات في إفريقيا، الذي بلغ 12 فقط في عام 2002، إلى 43 سفارة في عام 2021.

ولم يتوقَّف الدور التركي عند التبادل التجاري والصناعي، بل وصل الأمر إلى أن تلعب تركيا دور الوسيط بين بعضٍ من الدول الإفريقية، مثل ما حدث في المصالحة الكينية الصومالية في مايو/أيار 2020. علاوة على وجود تنسيقٍ أمنيٍّ واستخباراتيّ عالي المستوى بين أنقرة وعديد العواصم الإفريقية، ويظهر ذلك بشكل بارز من خلال ملاحقة أعضاء ومؤسّسات تنظيم "كولن" الإرهابي في إفريقيا.

جدير بالذكر أن وقف "المعارف" التركي التابع لوزارة التربية التركية، يقوم بالتعاون مع مؤسسات مثل معهد "يونس إمره" والوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا" بإتمام عملية تطويق وإعادة المؤسّسات التابعة للتنظيم الإرهابي في الخارج، إلى ملكية وسيطرة الشعب التركي، وهو ما تكرّر في عمليات مشتركة نُسِّقت بين الدولة التركية وعدة دول إفريقية.

TRT عربي