يتمتع كريس جراي بنظرة أقرب من كثيرين عن حالات نقص العمالة التي تعانيها الشركات في جميع أنحاء العالم المتقدم.
بصفته المدير العام لشركة "مان باور" البريطانية، وهي وكالة للتوظيف، فإنه يرى الشركات البريطانية ترفع الأجور، وتدفع مقابل التدريب، وتقلل من متطلبات العمل - في الواقع، إنها تفعل أي شيء تقريبا "للعثور على الذراعين والساقين للقيام بالمهمة"، على حد تعبيره.
علاوة على ذلك، لا يعتقد جراي أن نقص العمالة سيقل كثيرا في الأسبوع المقبل عندما تنهي المملكة المتحدة خطة العمل لوقت قصير التي دفعت لها خلال جائحة كوفيد -19 - على الرغم من أنه لا يزال هناك ما يقارب مليون عامل في إجازة سيخسرون بذلك دعم الدولة. يقول، "لن يغير ذلك شيئا".
تدور قصة مشابهة لذلك في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، حيث تنتهي خطط دعم الدخل دون أي علامة واضحة لتقدم العمال. فقد أدى نقص العمال إلى إرباك الشركات، وفاقم من مشكلات سلسلة التوريد المعقدة المتعلقة بالجائحة، وتقليص النمو، وفي بعض الحالات، رفع الأجور، الأمر الذي يخشى بعض الاقتصاديين بأنه قد يتسبب بارتفاع التضخم.
النقص وضغط الأجور الآن هما أوضح ما يكونان في الولايات المتحدة. لكن دانييل كرال، وهو اقتصادي في كلية أكسفورد للاقتصاد، حذر أنها "تشكل خطرا رئيسا على جانب العرض بالنسبة إلى انتعاش منطقة اليورو".
توقع القليل من الأشخاص حصول هذا. حيث اشتكى أصحاب المطاعم والمقاهي في الولايات المتحدة واليونان وبريطانيا وفرنسا من عدم قدرتهم على تعيين موظفين في وقت سابق من هذا العام، عندما كان عديد من العمال لا يزالون في منازلهم ويتقاضون رواتبهم من الدولة.
لكن الولايات الأمريكية أوقفت برامج الدعم الآن، وتقول الشركات إن نقص الموظفين ما زال يعيق عملها. وفي القطاعات منخفضة الأجر مثل البناء والنقل والتغذية، يعد نقص العمالة حادا بشكل خاص.
الوضع مشابه في منطقة اليورو، حيث بدأت الدول بتقليص برامج العمل ذات الوقت القصير مثل النشاط الفردي الفرنسي.
قال كارستن برزيسكي، الخبير الاقتصادي في شركة أي أن جي، "بشكل أساس، لا أعتقد أن نهاية برامج الدعم ستكون كافية" لتوازن أسواق العمل في منطقة اليورو.
يستشهد الاقتصاديون بعديد من الأسباب التي تجعل الوظائف الشاغرة غير ممتلئة، على الرغم من أنه نظريا توجد مجموعة كبيرة من العمال العاطلين عن العمل.
السبب الأول هو أن مزيج الوظائف المعروضة قد تغير خلال الجائحة. فقد يفتقر عديد من الأشخاص المتاحين للعمل لمهارات الوظائف في المجالات التي ينمو فيها الطلب بسرعة، مثل تكنولوجيا المعلومات والخدمات اللوجستية.
قال كلاوس فيستسين من شركة "بانثيون" للاقتصاد الكلي الاستشارية، "قد لا يتمكن العمال المجازين في الضيافة من قيادة شاحنة".
المشكلة الأخرى هي أنه يبدو أن عديدا من العمال قد استقالوا من القوى العاملة أثناء الجائحة.
اعتبارا من تموز (يوليو) الماضي، كان 5 في المائة فقط من القوى العاملة في منطقة اليورو يعملون بموجب خطط عمل قصيرة الوقت، مقارنة بالربع في ذروة الجائحة. قالت جيسيكا هيندز من شركة "كابيتال إيكونوميكس"، "ببساطة لم يتبق كثير من الناس" في برامج الدعم.
وقالت هيندز إن العامل الأكبر هو ما إذا كان الأشخاص الذين تركوا القوى العاملة قد اختاروا العودة. ففي الربع الأول من 2021، ظلت القوة العاملة النشطة في منطقة اليورو دون مستويات ما قبل الجائحة بمقدار 2.6 مليون شخص، في حين أن القوة العاملة في الولايات المتحدة لا يزال لديها ما يقارب مليوني شخص أقل.
يقول الاقتصاديون إن السبب الثالث أن كوفيد -19 ضاعف من المشكلات التي كانت تعانيها سوق العمل ما قبل الجائحة.
في المملكة المتحدة، خنق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تدفقات العمال المهاجرين. وألمانيا لديها شيخوخة السكان. وفي إسبانيا وفرنسا، حيث استمرت نسبة البطالة من خانتين لأعوام، لا تزال بعض الضرائب وسوء التدريب تشكل حواجز أمام العمل حتى عندما يكون هناك نقص في معروض الموظفين.
وأطلق فرانسوا فيليروي دي جالو، محافظ بنك فرنسا، على هذا "أكبر عائق" للاقتصاد، إذ قال هذا الشهر، "لا توجد إصلاحات أكثر إلحاحا وضرورة من تلك التي تزيد من توفر القوة العاملة".
السؤال المهم هو ما إذا كان نقص العمالة سيؤدي إلى دوامة أسعار الأجور التي تزيد من التضخم. وهذا بدوره يتوقف على نتائج الأساليب المختلفة التي استخدمتها الولايات المتحدة وأوروبا لدعم العمال والشركات من خلال الجائحة.
دفعت الولايات المتحدة مزايا للعمال مباشرة، إذا تم تسريحهم. على الرغم من أن البطالة الأمريكية ارتفعت لاحقا إلى أعلى مستوى لها منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات، إلا أن هذا ترك الشركات حرة في إعادة الهيكلة - ما يسمح للاقتصاد بإعادة البناء بقوة أكبر.
اتخذ الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة النهج المعاكس، حيث قاما بدعم الشركات للاحتفاظ بموظفيها، على افتراض أن هذا سيسمح للشركات بمعاودة العمل بسرعة عند انتهاء عمليات الإغلاق.
لقد كلف كلا النهجين الحكومات مبالغ بالمليارات. مع ذلك، قال آدم بوزين من معهد بيترسون للاقتصاد إن نقص العمالة في الولايات المتحدة اليوم "على مستوى مختلف" عن نظيره في أوروبا.
كما قال لاري سمرز، وزير الخزانة الأمريكي السابق، لـ"الفاينانشال تايمز" الأسبوع الماضي، "لدينا مستوى قياسي مرتفع من الاستقالات، ومستوى قياسي مرتفع من الوظائف الشاغرة وكل صاحب عمل في أمريكا يشكو نقص العمالة".
وقد حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأسبوع الماضي من أن ضغط الأجور القوي قد يؤدي إلى استمرار ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة لفترة أطول. ويعتقد بنك إنجلترا أيضا أن الأجور في المملكة المتحدة ترتفع بوتيرة أسرع مما كانت عليه قبل الجائحة وسط "سوق آخذة بالتشدد بسرعة".
ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن تضخم الأجور أمر جيد. ففي منطقة اليورو، حيث يشكل التضخم مصدر قلق أقل مما هو عليه في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة. قال كرال من جامعة أكسفورد إيكونوميكس، إن نقص العمالة قد يجبر الحكومات على تعزيز تدريب العاطلين عن العمل على المدى الطويل والانفتاح على الهجرة.
وأشار إلى أن ارتفاع تكاليف الأجور في دول شمال منطقة اليورو يمكن أن يجعل دول الجنوب أكثر قدرة على المنافسة، ما يحل مشكلة طويلة الأمد في الكتلة.
ويعتقد إجناسيو دي لا توري، الاقتصادي في شركة "أركانو بارتنرز"، أيضا أن نمو الأجور الأسرع يمكن أن يساعد الاقتصادات على الانتعاش. وعلى الرغم من أنه قد يضر بربحية الشركة، إلا أنه سيعزز ثقة المستهلك والإنفاق.
وقال، "في الـ40 والـ50 عاما الماضية، اكتسب المال قدرا كبيرا من القدرة على المساومة"، مضيفا، "نحن الآن في عملية تاريخية حيث (...) يتمتع العمال بقوة تفاوضية أكبر".