تواجه الصناعات الأوروبية المستهلكة للطاقة ضغوطاً هائلة مع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز والكهرباء، وتطالب رؤساء الحكومات الذين يعقدون اجتماعاً في بروكسل الجمعة، بإجراءات لمساعدتها على مواجهة "انفجار الأسعار الخارج عن حدود المنطق".

وحذرت شركة نيرستار الهولندية الرائدة في تنقية الزنك الأسبوع الماضي من أنها ستخفض إنتاجها "إلى حدّ 50%" في ثلاثة مصانع أوروبية في هولندا وبلجيكا وفرنسا بسبب أسعار الطاقة والكربون المرتفعة جداً في أوروبا.

وأوضحت الشركة أنه "مع الزيادات الكبرى في كلفة الكهرباء خلال الأسابيع الماضية" وسعر الكربون المرتفع في السوق الأوروبية، "بات من غير المربح اقتصادياً استغلال المصانع بكامل طاقاتها".

وعلى مسافة 30 كلم من فان في فرنسا، قال جاك بيدو رئيس "بي سي إف ساينسز لايف"، وهي من فئة الشركات المتوسطة والصغرى، توظف 200 شخص وتنتج أحماضاً أمينيّة انطلاقاً من ريش دواجن، إنه يواجه أزمة "غير مسبوقة".

وأضاف أن سعر الغاز المستخدم لإنتاج الحرارة الضرورية للتحليل المائي لمادة الكيراتين الموجودة في الريش "ازداد 4,5 ضعف منذ يناير/كانون الثاني 2020"، فيما تضاعف سعر الكهرباء بـ"مرتين ونصف".

لكن بيدو الذي يتابع يومياً مؤشر "بيغ نور 2022" لأسعار الغاز بالجملة، يؤكد: "لسنا في مأزق".

فبإمكان شركته، الوحيدة الناشطة في هذا القطاع في أوروبا، أن تسجّل الزيادة في تكاليف الإنتاج البالغة 20% خلال ستة أشهر على عاتق زبائنها.

الأمر نفسه ينطبق على شركة "إير ليكيد" العملاقة للغاز الصناعي التي تحمي نفسها من تقلبات الأسعار بتوقيعها عقوداً تضع تكاليف السلع والخدمات المستخدمة على حساب زبائنها، وهم من الشركات الكبرى.

ولفت نيكولا دو وارن رئيس "اتحاد الصناعات المستخدمة للطاقة" في فرنسا إلى أن "نقل أعباء ارتفاع التكاليف على الزبائن لا يكون ممكناً إلا إذا كنت رائداً في سوق معينة، من الجهات التي تحدّد الأسعار".

"بين فكَّي كمّاشة"

أما الذين لا يملكون هذا الخيار "فقد يتكبدون أضراراً" حسبما قال دو وارين، مضيفاً: "إما أن تبيعوا بخسارة، وإما أن تجازفوا بفقدان قسم من حصص السوق" في مواجهة منتجات مستوردة من أمريكا أو آسيا.

وانعكس هذا الأمر بخطورة مثلاً على شركة "ألمنيوم دانكرك"، أحد أكبر منتجي الألمنيوم في أوروبا.

وأوضح رئيس المصنع غيوم دو غويس لوكالة الصحافة الفرنسية: "ارتفعت أسعار الألمنيوم كثيراً في بورصة لندن للمعادن، لكن أقل بكثير من سعر الكهرباء".

وتابع: "ازدادت حصة الكهرباء في تكاليف إنتاجنا إلى 40% بعدما كان معدلها 25% في السنوات الأخيرة، بما يعني أنها تضاعفت تقريباً".

وهو يخشى أن يُضطرّ إلى إعلان تخفيض في الطاقات الإنتاجية في مطلع 2022 "إذا لم تُتّخَذ تدابير ملموسة على صعيد الطاقة" لمساعدة الصناعيين الأوروبيين.

ولفت إلى أن الصناعيين في روسيا يستفيدون من سعر مضبوط للغاز "يقارب 5 يوروهات للميغاوات/ساعة، في حين أننا نشتريه بأكثر من مئة يورو للميغاوات/ساعة".

وأطلقت الجمعيات التي تمثّل الصناعات الأساسية في أوروبا إنذاراً، معتبرة أن انتعاش الصناعة الأوروبية بعد أزمة كورونا "في خطر"، وكذلك قدرتها على "تحقيق أهدافها على صعيد المناخ".

وفيما يعقد قادة الدول الـ27 قمة الجمعة في بروكسل، طلب الصناعيون العاملون في قطاعات الكيمياء والورق والسيراميك والألمنيوم والصلصال والزجاج، من الاتحاد الأوروبي وضع "تنظيمات خاصة تتعلق بالمساعدات الحكومية للسماح للدول الأعضاء بتحرُّك أوضح مما هو مسموح به اليوم خلال فترات التوتر في سوق الطاقة".

كما دعوا التكتل إلى "استخدام ضغطه التجاري والدبلوماسي الكامل على كبار مزودي الغاز" مثل روسيا.

وفي موقف بدا بمثابة ردّ على هذه المطالب، انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر شبكة "إن إس 2" التليفزيونية "فلسفة المفوضية الأوروبية" التي تظنّ أن أسواق الطاقة "يمكن ضبطها في البورصة، من خلال سوق الصفقات الفورية".

واعتبر أن "ما نراه اليوم في أسواق الطاقة... هو تعبير عن الرأسمالية التي لم تعُد مُجدِيَة"، مضيفاً: "أرادوا إقناعنا بضرورة التخلي عن العقود طويلة الأمد".

TRT عربي - وكالات