حذّر تقرير استخباراتي أمريكي من أن تغيُّر المناخ سيؤدي إلى احتدام التوتر حول العالم.

ويُعَدّ هذا التقرير الأول من نوعه للاستخبارات الأمريكية في تقدير أثر التغير المناخي على الأمن الوطني حتى عام 2040.

ورجّح التقرير أن ينشأ جدل بين الدول على كيفية التعاطي مع التغير المناخي، الذي ستظهر آثاره في الدول الأكثر فقراً بصورة أقوى من غيرها، لتراجع قدرات تلك الدول على التكيف.

وحذّر التقرير من مخاطر لجوء دول بعينها وبصورة منفردة إلى استخدام تقنيات متقدمة في مجال الهندسة الجيولوجية.

ويقع التقرير في 27 صفحة، ويحوي نظرة 18 وكالة استخباراتية أمريكية مجتمعة، ويرسم صورة لعالم فشل في التعاون وانتهى إلى تنازع خطير وحالة من الاضطراب.

واستبق التقرير في صدوره حضور الرئيس جو بايدن قمة التغير المناخي السادسة والعشرين المقررة في اسكتلندا، التي تطمح إلى اتفاق دولي.

وتنعقد قمة "COP26" في غلاسكو في الفترة من 31 أكتوبر/تشرين الأول إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني.

وحذّر التقرير من مغبَّة سعي دول بعينها إلى الدفاع عن مصالحها الاقتصادية وتطوير تقنيات جديدة لتسخيرها في هذا الصدد.

وحذّر كذلك من إعراض بعض الدول عن التعاون في وجه التغير المناخي، في ظل اعتماد أكثر من 20 دولة على الوقود الأحفوري الذي يمثل مصدراً لأكثر من 50% من عوائد صادراتها.

ويقول التقرير إن "التراجع في عوائد الوقود الأحفوري من شأنه تأجيج التوتر في الشرق الأوسط المرشح للتأثر بشكل كبير بالتغير المناخي".

كما يحذر التقرير من أن آثار التغير المناخي ستكون ملموسة حول العالم.

مناطق معرَّضة للخطر!

حدّد مجتمع الاستخبارات الأمريكي في تقريره، 11 دولة ومنطقتين إقليميتين، يتعرض تأمين الطاقة والغذاء والصحة فيها للخطر جراء التغير المناخي.

ويعزو التقرير تأثُّر هذه الدول أكثر من غيرها إلى أنها أكثر فقراً وأقلّ قدرة على التكيف، مما يتركها فريسة لعدم الاستقرار والنزاع الداخلي. ومن شأن الموجات الحارة، والجفاف أن تؤثر في توفير خدمات كالكهرباء.

وتقع خمس من الدول الإحدى عشرة في جنوب وشرق آسيا، هي: أفغانستان، وبورما، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية. وفي أمريكا الوسطى والكاريبي أربع دول: غواتيمالا، وهايتي، والهندوراس، ونيكاراغوا.

ويتبقى بذلك العراق وكولومبيا. كما تُعتبر إفريقيا الوسطى ودويلات في المحيط الهادي عرضة للخطر.

ويرجح التقرير أن يدفع التغير المناخي بشراً كثيرين إلى النزوح، محذراً من موجات لجوء قد تضع ضغوطاً على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وتتسبب في مأساة إنسانية.

نُذُر خطيرة

ومن المرجح أن يكون القطب الشمالي إحدى المناطق المتضررة جراء التغير المناخي، لأن ذوبان الجليد سيجعل تلك المنطقة مطروقة أكثر من ذي قبل.

وسيمهد ذلك بدوره الطريق أمام سفن شحن جديدة للدخول واستكشاف الثروات السمكية، لكنه سيفتح المجال كذلك أمام سوء الحسابات مع دخول سفن حربية.

وسيكون الوصول إلى المياه مصدراً للمشكلات، وتكفي الإشارة إلى أن 60% من موارد المياه السطحية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عابرة للحدود.

وتتنازع باكستان والهند على المياه منذ زمن طويل. وقد تنشأ مشكلات تتعلق بحوض نهر ميكونغ بين الصين وكمبوديا وفيتنام.

مشكل التقنيات المتطورة

يتمثل باعث آخر على القلق في إقدام دول بعينها على تسخير تقنيات الهندسة الجيولوجية في مواجهة التغير المناخي.

من ذلك مثلاً إرسال جزيئات عاكسة إلى طبقات الجو العليا في محاكاة لعملية تبريد الأجواء الناجمة عن ثوران البراكين، أو استخدام جزيئات الأيروسول العالقة في الهواء لتبريد بقاع معينة.

لكن استخدام دولة ما تلك التقنيات كفيل بإزاحة المشكلة عن أجوائها إلى أجواء منطقة أخرى، وبالتالي استعداء دول تلك المنطقة التي ستتأثر سلباً.

وينظر باحثون في دول عديدة بينها أستراليا، والصين، والهند، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي في أمر تلك التقنيات، ولكن في ظل وجود قليل من القواعد والقوانين المنظمة.

حافز على التعاون

ويستدرك التقرير بالقول إن طرقاً قد تحول دون الوصول إلى هذا المصير القاتم، منها تسخير تقنيات متطورة بينها الاستخدام المقبول للهندسة الجيولوجية. ومنها أيضاً وقوع كارثة مناخية تدفع العالم دفعاً إلى التعاون!

ويُعَدّ التقرير دليلاً على أن المناخ أصبح يمثل جزءاً محورياً من التفكير الأمني، وعلى أن مشكلة المناخ ستؤجج مشكلات قائمة، وتخلق مشكلات جديدة.

ويفتح هذا التقرير الاستخباراتي الأمريكي الأعين على مشكلات كبرى تكتنف طريق المستقبل، لكن يبقى سؤال: ماذا سيفعل صانعو السياسات بعد هذا التحذير؟

TRT عربي - وكالات