يعيش العالم منذ أشهر أزمة طاقة خانقة، عجزت فيها شركات الغاز العالمية عن تلبية الطلب المتزايد على هذه المادة ودول العالم تسابق الزمن من أجل تنشيط اقتصاداتها، مما دفع أسعارها إلى الانفجار ضاربة الصناعاتِ في مقتلٍ، ومنذرةً عدداً من المنتجات الحيوية في الأسواق.

في المقابل، تحوّل الأزمة نفسُها أنظار العالم نحو السباق الجيو استراتيجي، القديم الجديد، حول القطب الشمالي الذي تزخر أراضيه باحتياطيات هائلة من المحروقات، ظلّت إلى أمد قريب غير قابلة للمساس. احتياطيات هائلة من الغاز والنفط سهّل ذوبان الجليد القطبي عملية استغلالها، يُتنافس حولها دولياً في سباق مسلَّح يهدد بالانحدار نحو الصدام العنيف.

الجنَّة النفطية المتجمدة

حسب دراسات أولية أُجريَت سنة 2008، تتوفّر 25 من أصل 33 منطقة قطبية شمالية على ثروات نفطية أو غازية تفوق 50 مليون برميل باحتمال يعادل 10%. وبشكل أوسع تحوي أراضي القارة المتجمدة نحو 40% من احتياطي الغاز العالمي، بما يعادل 48.1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي و44 مليار برميل من الغاز المسال، إضافة إلى 90 مليار برميل من النفط الخام. صُحّحَت في ما بعد ليُعلَن عن استكشاف ما مجموعه 62 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و9 مليارات طنّ من النفط.

كل هذه الموارد الضخمة من الطاقة تبقى غير مستغلة إلا بالنزر اليسير، وظلت ممتنعة عن الاستغلال طوال عقود لصعوبة استخراجها وشحنها، صعوبة قلت في الآونة الأخيرة مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب وذوبان الجليد القطبي فاتحاً طرقاً بحرية واعدة عبر البحر المتجمد.

تقع تلك الأراضي تحت نفوذ 8 دول، هي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وكندا والنرويج والدنمارك وفنلندا والسويد. وفي صيف سنة 2020 أعلنت روسيا تصدير ثاني شحنة لها من نفط القطب الشمالي إلى الأسواق الأوروبية، هي التي تمتلك نحو 235 ألف كيلومتر مربع من تلك في ما يُعرَف بشبه جزيرة "يامال" التي تحوي كذلك 90% من احتياطي روسيا من الغاز الطبيعي.

من جهة أخرى، يسيل لعاب شركات الطاقة العالمية الكبرى على تلك الموارد، على رأسها غازبروم الروسية وتوتال الفرنسية، اللتان اشتركتا في مشروع "يامال"، بمساهمة الجانب الفرنسي باستثمار قُدّر بـ26 مليار يورو، بطاقة إنتاجية تتراوح بين 16 و18 مليون طن سنوياً من الغاز المسال، غير مبالية باحتجاجات المنظمات البيئية التي تحذر من كارثة مناخية وخيمة يضاعف وطأتها استغلال غاز ونفط القطب الشمالي.

كما أن تلك المشاريع تُعَدّ أخطر من أي مثيل لها في مناطق أخرى من العالم، لكون الظروف الطبيعية في القارة المتجمدة تحتاج إلى طاقة أكبر لإسالة الغاز، بما يعني انبعاثات مضاعفة، كما أن أنشطة الحفر ستحرّر غاز الميثان المحتجَز داخل الطبقات الجليدية، وهو أخطر على المناخ من تأثير ثنائي الكربون. يُضاف إلى هذا أن انتشار البنايات على القطب الشمالي سيعتّم صفحته البيضاء الضرورية لعكس الأشعة الضارة نحو الفضاء، مما سيسرع دوبان الجليد القطبي.

صراع جيو-استراتيجي وسباق نحو التسلح!

سنة 2019 نشرت "وولستريت جورنال" الأمريكية خبراً عن اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشراء جزيرة غرينلاند من العرش الدنماركي الذي يبسط سيادته عليها، وهو ما رفضه الجانب الدنماركي، وفسّره محللون وقتها بنية أمريكا تعزيز نفوذها بالقارة الشمالية المتجمدة وبحرها.

وليست أمريكا وحيدة في هذا السعي، وعودةً إلى سنة 2017، عقد قادة الدول المطلة على القطب الشمالي قمة بكندا من أجل تباحث زيادات نفوذهم على القارة المتجمدة. قبلها بسنتين عام 2015، قدَّمت روسيا طلباً للأمم المتحدة لتوسعة جرفها الصخري الشمالي على مياه القطب.

خاضت روسيا أيضاً نزاعاً مع جارتها النرويج حول جزيرة سبالفاد الواقعة في بحر الشمال، إذ تتهم أوسلو موسكو بالزحف على أراضيها الشمالية. وقد بلغت حدة التوتر بين البلدين أقصى مداها في مايو/أيار هذه السنة تزامناً مع إجراء المملكة الإسكندنافية مناورات مشتركة مع القوات الأمريكية باسم "مدافعو أوروبا". ردّت عليها موسكو محذرة بأن "تكثيف النرويج النشاط العسكري، واقتراب البنية التحتية لحلف الناتو من حدود روسيا، محفوف بعواقب سلبية على القطب الشمالي.

في المقابل تعيش بريطانيا على وقع تهديد فقدان امتدادها شمالاً نحو القارة المتجمدة، بتزايد تهديدات الحكومة الاسكتلندية بإجراء استفتاء استقلال من جانب واحد تعارضه لندن بشدة. وخاضت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجيون، حملتها الانتخابية الأخيرة ببرنامج تَضمَّن إجراء استفتاء ثانٍ حول استقلال البلاد، في وقت ترجّح فيه استطلاعات الرأي أن خيار الاسكتلنديين سيصبّ في طرح مغادرة التاج البريطاني.

TRT عربي