ظهر الاهتمام بالآثار في بلادنا منذ عقود، ويعود ذلك إلى اهتمام المسؤولين في وزارة المعارف - قديماً - حيث تم إنشاء وكالة للآثار والمتاحف أشرفت على كل المواقع الأثرية في بلادنا، وعملت على حمايتها بالتسوير، إضافةً إلى عمل الترميمات اللازمة للحفاظ عليها، وإنشاء عدد من المتاحف في مختلف مناطق المملكة لعرض العديد من المقتنيات الأثرية والتراثية، وذلك لإتاحتها للباحثين والمهتمين بالآثار والتراث، وازداد الاهتمام بالآثار مؤخراً، حيث تم نقل وكالة الآثار والمتاحف من وزارة التربية والتعليم -مسماها السابق- إلى الهيئة العليا للسياحة آنذاك في عام 1424هـ، وقد أسهم ذلك في تطوير الموروث الأثري والتاريخي والحفاظ عليه، وحمايته، والتعريف به، وإبرازه، وبذلك أصبحت الهيئة مسؤولة عن كل ما يتعلق بقطاع الآثار إلى جانب مسؤوليتها عن القطاع السياحي، وفي عام 1429هـ صدر قرار مجلس الوزراء بتغيير مسمى الهيئة العليا للسياحة ليصبح اسمها الجديد الهيئة العامة للسياحة والآثار، وفي عام 1436هـ قرر مجلس الوزراء الموافقة على تعديل اسم الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وفي يوم الثلاثاء الأول من رجب 1441هـ الموافق 25 فبراير 2020م صدر أمر ملكي بتحويل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى وزارة السياحة والآثار، التي تقوم بتعزيز قدرة قطاع الآثار والتراث الوطني والمتاحف وحماية تلك الآثار، وتسجيلها، واستكشافها، والتنقيب عنها ودراستها، وتطوير المتاحف والتراث العمراني، وزيادة المعرفة بعناصر التراث الثقافي بالمملكة، وكذلك إدارة التراث الوطني والآثار والمتاحف بشكل فعّال.

اهتمام واسع

وشهدت المملكة في السنوات الأخيرة اهتمامًا واسعًا بالآثار الوطنية من حيث أعمال الكشف والحماية ومشروعات المتاحف وغيرها، وبعد خمسة عشر عاماً من الجهد والعمل الدؤوب في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، تَوجت رؤية المملكة 2030 التي أقرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - يوم الاثنين 18 رجب 1437هـ الموافق 25 أبريل 2016م مسيرة الهيئة باعتماد قطاعات السياحة والتراث الوطني كأحد أهم العناصر الأساسية في رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، وأحد أبرز البدائل لاقتصادات ما بعد النفط، وأكدت رؤية المملكة 2030 العمل على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم وتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهداً حياً على إرثنا العريق وعلى الدور الفاعل، والموقع البارز على خريطة الحضارة الإنسانية.

مهم وحيوي

وتكمن أهمية الآثار بكونها مصدراً رئيساً لحفظ تاريخ البلاد وتاريخ الشعوب التي عاشت فيها، ويعكس حضارتها الأصيلة التي قامت فيها منذُ القِدَم، وللآثارِ دورٌ مهمٌّ وحيوي في جَذب السُّيّاح، وبالتالي تَحسين اقتصاد الدُّول؛ فالسّياحة تُشكّل مصدر دخل مهمّ وحيويّ وفعّال في المجتمعات والدّول المُختلفة -خاصّةً في المناطقِ التي تحتوي على العديدِ من المَعالِمِ الأثريّةِ المهمّةِ والحيويّةِ- ذلك أنَّ النّاس بمختلَف أَنواعِهِم وأصنافِهِم يتهافتون على رُؤية العَظَمَة في البناء، والدّقّة في التّصميم، والأفكار الخلّاقَة التي كانت موجودة عندَ الأقوام والحضاراتِ المُندَثِرَة، ممّا يَعمل على تنشيط الحركة الاقتصاديّة في الدّول التي يزورونَها؛ حيثُ تتوفّر العديد من فُرَص العمل، كما تَنشَطُ الحركة التّجاريّة في المواسم السّياحيّة، بالإضافةِ إلى إقبال السّيّاح على المرافق السّياحيّة المختلفة ممّا يُؤدّي إلى ضَخّ الأموال بكثرة إلى الدّول السّياحيّة.

محط أنظار

ويشير مصطلح الآثار إلى كلّ ما يعود إلى العصور والعهود القديمة التي تعاقبت على منطقةٍ معيّنة من الأرض، ومن هنا فإنّ الآثار تنتشر في مختلف بقاع المعمورة غير أنّها تتفاوت في كمياتها من منطقةٍ إلى أخرى تبعاً لتفاوت حجم وعدد الحضارات التي تعاقبت على بقاع الأرض المختلفة، فالدولة التي تتوافر فيها كميات كبيرة من المعالم الأثرية تعتبر دولةً حضارية ذات تاريخ عريق، ممّا يدلّ على أن هذه الدولة لطالما كانت محطَّ أنظار الأمم الغابرة نظراً لما تحتويه من كنوز وموارد طبيعية لا تقدر بثمن، أو بسبب موقعها الاستراتيجي في بقعة حسّاسة من الأرض، أو ربما بسبب قربها على مناطق أخرى أكثر أهميّة بحيث تكون هذه المنطقة بمثابة البوابة لتلك المناطق أو امتداداً جغرافياً لها، وهذا كله يجب أن يُعطي إشاراتٍ إلى سكان هذه البقعة في العصر الحديث حتى يستطيعوا الاستفادة من وجودهم في هذا المكان دوناً عن غيره، واستغلال كافة مقوّماته من أجل أن ينهضوا بحياتهم، وأن يؤدّوا رسالتهم على أكمل وجه.

دراسة الوثائق

ولم يبدأ علم الآثار بصورته التي نعرفُها اليوم، ففي بداياته كان يقتصر على دراسة الآثار الظاهرية من مبانٍ شامخة ولم تتعرض لأي عملية من الدفن، ثم تطوّر ليُصبح أكثر اعتماداً على دراسة الوثائق بأنواعها، ومؤخراً شهد علم الآثار تطوراً كبيراً، فأصبح يعتمد على منهجية البحث والتنقيب بشكل رئيس، واستفاد علم الآثار من العديد من العلوم الأخرى لمساعدته في منهجيته الجديدة، وبما أن بلادنا تمتلك الكثير من الآثار الضاربة في القدم فقد تم تسجيل عدد من المواقع الأثرية والتراثية في قائمة التراث العالمي - اليونيسكو -، من أجل إبرازها للعالم، حيث تم تسجيل ستة مواقع تميزت بقيمتها التاريخية والتراثية التي جعلتها تتأهل لتكون مصدر إشعاع حضاري وجذب سياحي مميز على مستوى العالم وهي: مدائن صالح، وحي الطريف في الدرعية، وجدة التاريخية، والرسوم الصخرية في حائل، وواحة الأحساء، وآبار حمى الأثرية في نجران.

مواقع أثرية

واستمراراً للجهود فقد قامت هيئة التراث بتسجيل وتوثيق 14 موقعاً أثرياً في الربع الثاني من عام 2021م في كل من منطقة الرياض، والقصيم، وتبوك، والجوف، لتضاف إلى قائمة السجل الوطني للآثار في تحديثها الأخير الذي يضم عدداً من المواقع الأثرية التاريخية التي تمثل إرثاً تاريخياً كبيراً للمملكة، وتمثلت المواقع في عدد من المنشآت الحجرية التي تحوي أدوات حجرية مختلفة، إضافةً إلى نقوش وفنون صخرية ووسوم يعود تاريخها التقريبي إلى فترة ما بعد العصر الحجري الحديث، كما تضمنت كتابات إسلامية، وكِسَراً من الفخار المزجج باللون الأخضر يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية المبكرة، وأدوات حجرية تعود للعصر الآشولي المتأخر، وحصلت منطقة القصيم على النصيب الأكبر من المواقع المسجلة بواقع ستة مواقع هي: جبل شوفان، والسفالة، وجال الربيعية الشرقي 1، وجال الربيعية الشرقي 2، ورجم الشيوخ، إضافةً إلى فنون صخرية بمركز الطراق، فيما جاءت منطقتا الرياض وتبوك ثانياً بواقع ثلاثة مواقع في كل منطقة وهي: شعيب الأديغم، وأعالي شعيب الأديغم، ورويغب في الرياض، وخشم النقيع، ونقوش وادي قرين غزال، والمقلع الحجري بوادي قرين غزال في تبوك، في حين تم تسجيل موقعين في منطقة الجوف هما: جبل مركز مرير، والحقنة.

تسجيل رسمي

وكانت هيئة التراث قد سجلت 624 موقعاً أثرياً حتى الربع الأول من هذا العام، ليصل بذلك عدد المواقع الأثرية المسجلة في سجل الآثار الوطني حتى الآن 8176 موقعاً أثرياً في مختلف مناطق المملكة، وتعمل هيئة التراث استناداً إلى نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الصادر بالمرسوم الملكي الصادر في 1436هـ على اكتشاف المواقع الأثرية التاريخية بالمملكة، ثم تسجيلها بشكلٍ رسمي في السجل الوطني للآثار، وإسقاطها بعد ذلك على خرائط رقمية تمكّن من سهولة إدارتها وحمايتها والمحافظة عليها، إضافةً إلى بناء قاعدة بيانات مكانية للمواقع الأثرية المسجلة، وحفظ وتوثيق الأعمال التي تجري عليها، وأرشفة وثائق وصور مواقع التراث بالمملكة.

نقلة نوعية

وشهدت بلادنا في السنوات الأخيرة اهتمامًا واسعًا بالآثار الوطنية من حيث أعمال الكشف والحماية ومشروعات المتاحف وغيرها، ويعد التحول الفكري والثقافي في المجتمع نحو الاهتمام بالآثار والاعتزاز بها وبقيمتها الحضارية والوطنية والثقافية أبرز ملامح الاهتمام بهذا القطاع المهم، وهو ما يمثل نقلة نوعية كبرى حققتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني -وزارة السياحة حالياً- بشراكة ومساندة من القطاعات الحكومية والجمعيات والمؤسسات المتخصصة، حيث أصبح من اللافت تجاوز المعوقات والنظرة التي تتوجس من الآثار وتحولها إلى نظرة اعتزاز، وكمثال على استغلال الكم الهائل من الآثار التي تزخر بها بلادنا فقد قامت وزارة السياحة بإقامة العديد من المهرجانات في أقدم الآثار الموجودة في بلادنا وهي مدائن صالح بالعلا حيث يتم إقامة أربعة مهرجانات في كل عام بمحافظة العلا تنطلق من في 21 ديسمبر وتستمر حتى 30 مارس، ما يعني شتاء غنياً بالفعاليات والاحتفالات بانتظارك في مدينة العلا، ويتصدر تلك المهرجانات مهرجان شتاء طنطورة، الذي يحظى بالحضور الجماهيري الغفير من كافة مناطق المملكة ودول العالم.

مدائن صالح من أقدم الآثار وأكثرها جذباً للسيّاح
البحث عن كل ما يتعلق بالآثار القديمة
للآثار دور مهم وحيوي في جذب السيّاح
تزخر بلادنا بالعديد من الأماكن الأثرية
مواقع التراث الوطني ضمن اهتمام رؤية 2030