أصبحت قضية حقوق الإنسان والدفاع عنها تثير جدلاً كبيراً فيما يتعلق بطريقة التعامل معها، حيث يرى بعض المحللين أن هناك معايير مختلفة لدى الدول بالنسبة لتوجيه الاتهامات بشأنها.

ويقول المحلل السياسي د. مجيد رفيع زاده، رئيس المجلس الدولي الأميركي للشرق الأوسط، في تقرير نشره "معهد جيتستون" الأميركي: إن الإتحاد الأوروبي، الذي يعطي المجتمع الدولي محاضرات لا نهاية لها وعلى نحو يتسم بالنفاق بشأن حقوق الإنسان، يغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تتسع وتتزايد من جانب النظام الإيراني.

وأضاف رفيع زاده أن المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إنريكي مورا سافر إلى إيران أكتوبر الماضي. وناقش "المصالح المتبادلة" مع زعماء إيران، رغم انتهاكات حقوق الإنسان البشعة والوحشية التي يرتكبها النظام.

ومن جهة أخرى، يقوم النظام الإيراني بإعدام أشخاص بمعدل مروع ومخيف، ويتصدر قائمة الدول التي نفذت عمليات إعدام في الشرق الأوسط في العام الماضي، وفقاً لتقرير حديث أصدرته منظمة العفو الدولية. ويرى رفيع زاده أن الاتحاد الأوروبي يدلل الحكام القمعيين في إيران حتى في الوقت الذي حذر فيه مؤخراً جاويد رحمان المقرر الخاص بشأن وضع حقوق الإنسان في إيران الإيرانية بقوله: "هناك أسباب كثيرة وغامضة وتعسفية في إيران لتوقيع عقوبة الإعدام، والتي يمكن بسرعة أن تحول هذه العقوبة إلى أداة سياسية. وعلاوة على ذلك، فإن العيوب الهيكلية للنظام القضائي عميقة جداً وتتعارض بشكل كبير مع مفهوم سيادة القانون لدرجة أن المرء يمكن أن يتحدث بالكاد عن نظام قضائي".

وأضاف: "علاوة على ذلك، فإن العيوب المتجذرة في القانون وإدارة عقوبة الإعدام في إيران تعنى أن معظم حالات الإعدام، إن لم يكن كلها، هي بمثابة حرمان تعسفي من الحياة".

وبين رفيع زاده، عضو مجلس إدارة صحيفة "هارفارد إنترناشيونال ريفيو" بجامعة هارفارد، أن قمع وإعدام السجناء السياسيين وأولئك الذين يحتجون على حكام إيران يتزايد.

وذكر" تقرير العالم 2021" الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، أن "النظام الإيراني هو أحد المنفذين الرئيسين لعقوبة الإعدام".

وأضاف رفيع زاده أنه لكي يتم إعدام السجناء السياسيين، يوجه النظام القضائي الإيراني للمدعى عليهم اتهامات يتم صياغتها بشكل غامض تحت مسمى "جرائم الأمن الوطني"، والتي تتضمن "العداء لله" و"الإفساد في الأرض" و"التمرد المسلح". وليس عدد حالات الإعدام هو الأمر المروع فحسب، بل أيضاً طبيعة بعضها. فقد شملت حالات الإعدام أطفالاً قصر ونساء وأفراداً من مجموعات أقلية عرقية ودينية.

وتابع رفيع زاده أنه على الرغم من أن إيران صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، إلا أن الحكومة لم تبذل أي جهد لتغيير قانون العقوبات في البلاد والذي يسمح بإعدام الفتيات الصغيرات اللاتي تبلغن من العمر تسع سنوات.

وإضافة إلى ذلك، يتعرض الأطفال والنساء والرجال على نحو روتيني للتعذيب خلال الاستجواب وخلف القضبان، ويتم إرغامهم على تقديم اعترافات. كما يتم حرمانهم من الوصول لمحامين والإجراءات القانونية الواجبة، ومن الزيارات العائلية والرعاية الطبية.

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية فإنه "بعيداً على أعين الرأي العام، يخضع مسؤولو الأمن الإيرانيين على نحو روتيني الرجال والنساء والأطفال خلف القضبان للتعذيب أو لمعاملة سيئة آخرى وبصفة خاصة عند ما يتم استجوابهم في مراكز الاحتجاز التي تديرها وزارة المخابرات والحرس الثوري ووحدة التحقيق التابعة للشرطة الإيرانية (أجاهي)". وقال رفيع زاده: "النظام الإيراني لجأ، فيما يبدو لنشر الخوف بين أولئك الذين ينتقدون ويعارضون الملالي الحاكمين، منذ عقود إلى العقوبات المتمثلة في التعذيب والإعدام، متابعاً أنه يتم ممارسة التعذيب جسدياً ونفسياً". ووفقاً لمنظمة العفو الدولية "يتم على نحو متكرر وضع أقنعة على وجوه الضحايا أو تعصيب أعينهم ويتم توجيه لكمات إليهم أو ركلهم وجلدهم، وضربهم بالعصي والخراطيم المطاطية والسكاكين والهراوات والأسلاك، وتعليقهم أو إجبارهم على اتخاذ أوضاع إجهاد مؤلمة لفترات طويلة، وحرمانهم من الغذاء الكافي والمياه الصالحة للشرب، كما يتم وضعهم في الحبس الانفرادي الطويل، أحياناً لأسابيع أو شهور، ويتم حرمانهم من تلقي رعاية طبية لعلاجهم من الجروح التي يصابون بها خلال الاحتجاجات أو كنتيجة للتعذيب".

ويقول رفيع زاده: إن حكام إيران يرفضون وقف عمليات الإعدام التي ينفذونها وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، أو إصلاح نظامهم القمعي لأنهم لا يشعرون بأي ضغط من الاتحاد الأوروبي الذي عادة ما يقدم المواعظ عن السلوك الأخلاقي. ولذلك فإنهم يتصرفون بإفلات كامل من العقاب، والصمت الواضح من جانب الاتحاد الأوروبي يجعله بالتالي شريكاً بمحض إرادته في جرائمهم.

وتابع رفيع زاده "القوى الأوروبية لم تفشل في محاسبة النظام الإيراني عن انتهاكاته واسعة النطاق لحقوق الإنسان فحسب، بل إنها تقيم علاقات تجارية مع حكام إيران. ومن شهر يناير وحتى شهر يوليو العام الجاري، ضخت تجارة الاتحاد الأوروبي مع إيران مئات الملايين من الدولارات في خزينة النظام".

وذكرت صحيفة فايننشال تريبيون أن "ألمانيا ظلت أكبر شريك تجاري لإيران خلال الأشهر السبعة التي تمت مراجعتها، حيث تبادلت الدولتان بضائع بما قيمته 1.01 مليار يورو. وجاءت إيطاليا في المرتبة الثانية حيث بلغ حجم التجارة مع إيران 347.96 مليون يورو".

وأضافت الصحيفة "كان الشركاء التجاريون الرئيسون الأوروبيون الآخرون لإيران هم هولندا وإسبانيا، وإستونيا، ومالطا، ورومانيا، وكرواتيا". واختتم رفيع زاده تقريره بقوله: إنه لأمر مثير للاشمئزاز أن الاتحاد الأوروبي، الذي هو نفسه يعطي على نحو مستمر للعالم محاضرات بشأن حقوق الإنسان، لا يتجاهل فحسب انتهاكات حقوق الإنسان من جانب النظام الإيراني والتي تعجز الكلمات عن وصفها فحسب، بل إنه يواصل أيضاً بسعادة "التجارة كالمعتاد" مع زعماء النظام الإيراني القاسي وغير الإنساني.