تأثير المتفرج أو لا مبالاة المتفرج هو أن تكون ضمن جماعة معينة ثم يتعرض شخص من الحضور إلى حالة طارئة ثم لا تحرك أنت والآخرون ساكناً منافياً للطبيعة الإنسانية التي تقدم الخير وتمد يد المساعدة للآخرين خصوصاً في المواقف الطارئة.

ارجع بالزمن إلى عام 1964م في نيويورك وقصة مقتل كيتي جينوفيز (Kitty Genovese) المروعة حيث إنها قتلت طعناً على مرأى من 38 شخصاً من الجيران وهي عائدة سيراً إلى منزلها حسب صحيفة نيويورك تايمز، بعد عودتها في منتصف الليل من مناوبتها الليلية إذ إن صراخها واستنجادها أدى إلى استيقاظ الجيران مما دفعهم إلى فتح النوافذ بينما يشاهدون تعرضها للطعن وليس هناك من يحرك ساكناً، فحينما تم سماع القاتل لشخص من النوافذ العلوية يطلب منه الابتعاد عنها اختبأ ثم عاود محاولة قتلها والاعتداء عليها على مرتين حتى توفيت بعد ذلك.

تم التبليغ على المجرم بعد نصف ساعة بعد ارتكاب الجريمة، ولكن بعد فوات الأوان رغم الأشخاص المتواجدين أثناء الحادثة والذين شاهدوا أدق تفاصيلها.

هل هو تبلد؟ عدم إحساس بالمسؤولية تجاه الأشخاص العالقين في مشاكل تستدعي التحرك لإنقاذهم أو مد يد المساعدة نحوهم؟ أم أنها ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى التفسير؟

بعد مقتل كيتي جينوفيز (Kitty Genovese) بتلك الطريقة المأساوية أدى ذلك إلى سلسلة من التجارب والدراسات التي قام بها علماء الاجتماع والنفس، أذكر أبرزها عالما النفس الأمريكيان (بيب لاتين) و(جون دارلي) في عام 1969م أي بعد الحادثة بأربعة سنوات وبعد دراسة تفاصيل الحادثة ومعرفة مجرياتها وأحداثها الدقيقة.

تم التوصل إلى نظرية تأثير المتفرج (Bystander Effect) مفادها أنه في حال كان العدد أكبر في أي حادثة تكون نسبة المساعدة أقل، وكلما كان العدد أقل تكون نسبة المساعدة أكبر عملية عكسية.

حيث إن الجميع يشعر بأن هناك من هو أجدر بتقديم المساعدة فلا يتقدم لذلك أحداً وأيضاً انتفاء المسؤولية عن الشخص وتحميلها للآخرين، بينما على العكس كلما قل عدد المتواجدين سوف يتصرف الشخص بطبيعته التي تغلب عليها المساعدة فكلما قل العدد زادت نسبة المساعدة ومد يد العون في الحالات الإنسانية.

ذلك هو تأثير المتفرج ((Bystander Effect)) وهناك شواهد ومفارقات على تلك النظرية تجاه أمور معينة نعايشها في الواقع.

إن كنت في قاعة مكتظة بالطلاب وتحدث المحاضر عن نقطة غير مفهومة بالنسبة لك، وتابع شرحه المعتاد فأول ما ستفعله هو أن تلتفت إلى الحضور لكي تجد شخصاً مثلك تبدو عليه الحيرة، وحتى إن وجدت شخصاً تبدو عليه الحيرة لن ترفع يدك للسؤال لكي لا تبدو بمظهر الأحمق الوحيد في القاعة بينما هناك نسبة كبيرة من الطلاب تكرر لهم هذا السيناريو الذي يدور في رأسك دون أن يأخذوا عاتق المبادرة في السؤال.

وإن كنت في حديقة عامة بها نافورة جميلة وطفل يعاني من فرط الحركة ووجدته يسبح في تلك النافورة ورأيت أنه يغرق لن تتصرف قبل أن تلتفت إلى الآخرين حتى تتحرك لإنقاذه، فإن كان الجميع منشغلاً أو لم ينتبه له أحد سوف تظن أنه يلعب فقط وليس هناك شيء مقلق.

ولا تزال الحادثة تلك تتكرر في أيامنا هذه بطرق مختلفة ومتنوعة فالقصة التي حدثت في مصر، حينما توقف محصل التذاكر لتحصيل تذكرة مبلغها الإجمالي لا تتجاوز 70 جنيهاً مصرياً ما يعادل (4.35) دولارات أمريكية، ولم يجد المبلغ المطلوب عند الشخص المعني أمره بالنزول من القطار أثناء سيره على مرأى من الجميع ولم يحرك أحد ساكناً أو حتى يدفع ذلك المبلغ أو يشارك الآخرين لدفعه حتى انتهى به نهاية المطاف بين سكة الحديد جثة هامدة.

التاريخ يعيد نفسه في الظواهر البشرية التي تتعلق في السلوك الإنساني وربما هناك الكثير والكثير من القصص تحدث بتلك الطريقة المفجعة ما هي إلا نظرية من نظريات علم النفس الاجتماعي المرتبطة بالطبيعة البشرية في ردود الفعل، ولكن هل هناك حل؟

بالطبع يوجد وهناك تكنيك مستخدم ويوصى به في تلك الحالات وهو في حالة كنت متواجداً في موقع يستدعي التدخل لوجود حالة إنسانية هو أن تبدأ بالمبادرة أولاً ومن ثم سيتبعك الآخرون.

وفي حالة لم تستطع القيام بذلك فالتواصل البصري مع الأشخاص المتواجدين في نفس المكان ورؤية أكثرهم استجابة معك تحدث إليه وأطلب منه الاتصال بالإسعاف أو الشرطة ونحو ذلك بحسب ما يستدعيه الموقف، سوف تجد تجاوبه معك حيث إن تحميل المسؤولية لشخص أمام مجموعة لن يجعله إلا في موقف إثبات لنفسه أمام الناس، وسوف يتحرك الجميع مباشرة حتى يحل الموقف نهائياً ولكن المبادرة هي المفتاح الرئيس أولاً.

وإذا كنت في حالة تستدعي مساعدتك للطوارئ هو أن تتمالك أعصابك أولاً وتوضح بصوت عالٍ ومسموع حالتك للآخرين، دون الصراخ فالصراخ سوف يجعل الأشخاص يظنون أنك مجنوناً مصاباً ولن يتفاعل أحد معك.

أو أن تحدد شخصاً واحداً ولوح بيدك نحوه واشرح حالتك له واطلب منه الإسعاف مباشرة حتى تكسب الوقت، حينها تكون قد حملته المسؤولية بطريقة غير مباشرة وسوف يتفاعل معك على الحال.

الطابع البشري للإنسان هو طابع الخير وليس الشر، ولكن يبقى علينا الوعي وإدراك خصوصية طبيعتنا البشرية التي تختلف درجة استجابتها بحكم العوامل والظروف المتباينة.

  • متخصص في علم الاجتماع