وتندرج في سياق اتفاقات إبراهام مرامٍ إسرائيلية على المدى المتوسط والبعيد في غرب المتوسط. ويسعى المغرب لتعزيز قدراته الجوية بطائرات مسيَّرة وأدوات تصويب على الأهداف على الأرض من إسرائيل، فيما تعتبر الجزائر، التي تظلّ من دول المواجهة، هذا التقارب المغربي-الإسرائيلي جلباً لـ"مؤامرة صهيونية" إلى حدود أراضيها.

يعتدّ غانتس بأنها اتفاقية غير مسبوقة، ولم تتوصل إسرائيل إلى مثلها مع دول عربية تربطها معها علاقات أمنية وثيقة واتفاقات سلام، مثل معاهدة السلام مع مصر عام 1979، واتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994.

ويلاحظ جمال زحالقة رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48 كيف أن الإعلام الإسرائيلي يحتفي بـ"اتفاق تفاهمٍ عسكري وأمني ومخابراتي، لم يسبق للدولة العبرية أن وقّعت مثله مع أي من دول التطبيع العربي". واستبشرت إسرائيل خيراً بأن وضعت "قدماً ثابتة" في منطقة شمال إفريقيا، تمكّنها، كما تدّعي، من "محاصرة التوسّع في الوجود الإيراني في القارة السوداء".

لكنّ أكثر من علامة استفهام حول دلالة "مذكرة التفاهم"، وكيف تزيد انزلاق العلاقات المغربية-الجزائرية تدريجياً إلى مجازفة المعادلة الصفرية وسباق التسلح: محور المغرب وإسرائيل مقابل محور الجزائر وروسيا، فضلاً عن دول أخرى تنتهز الفرصة لتكديس عائداتها من صفقات الأسلحة مع حكومتَي الرباط والجزائر. وفي إسرائيل تبني حكومة نافتالي بينيت على ما بدأه نتنياهو وكوشنر في مسار اتفاقات إبراهام، بأن يكون توقيع اتفاقية التعاون العسكري مع المغرب "الحدث المهمّ للغاية، ما سيسمح لنا بالدخول في مشاريع مشتركة والسماح للصادرات الإسرائيلية الدفاعية بالوصول إلى المغرب بكل سهولة"، كما أوضح مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

ينبّه خبراء الصراعات لأهمية العنصر الخارجي أو "الارتباطات الدولية" International Linkages كما يفكّكها إدوار عازر صاحب نظرية "الصراعات الاجتماعية الممتدة"، فهو يقول إنّ تلك "الارتباطات الدولية عادة ما يكون لها دور رئيسي، ليس في ضعف مستوى الحوكمة لدى الدولة وعدم قدرة الفئات المغلوبة على أمرها على ضمان احتياجاتها الإنسانية الأساسية فحسب، بل وأيضا في مدى تبعية السياسة الداخلية وانصياعها للروّابط والإملاءات الخارجية".

يجسِّد دور إسرائيل حالياً في شمال إفريقيا مؤشّراً جديداً للإنذار المبكّر واستشراف احتمال نشوب مواجهات مسلحة بين الجارتين. ويزيد حُمَّى التهافت على إبرام صفقات الأسلحة، فضلاً عن القطيعة الدبلوماسية التي أعلنتها الجزائر إزاء المغرب، ورفض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أي مصالحة خليجية أو إدراج الخلاف مع المغرب في اجتماع وزراء الخارجية في الجامعة العربية. وتتشابك خيوط التصعيد ضمن سوداوية المناخ السياسي الإقليمي وتردّي الانطباعات السلبية في الخطاب الإعلامي لكلا الطرفين، بخاصة منذ قبول الرباط التطبيع مع إسرائيل في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

يُفيد موقع "أفريكا إنتليجنس" بأن الجزائر وقّعَت صفقة لشراء اثنتَي عشرة طائرة من طراز "سوخوي-32"، وهي نسخة من "سوخوي-34" التي تبيعها روسيا، فيما تحاول أن تكون السبَّاقة إلى اقتناء "سوخوي-57" التي لم تبِعْها موسكو لأي دولة حتى الآن. وتُعَدّ الجزائر أكبر مستورد للأسلحة الروسية في إفريقيا بعد مصر والسودان وأنغولا. وتشير مؤسسة "غلوبال باور" إلى أن الجزائر، التي أضحت في المرتبة 28 من حيث القوة العسكرية من أصل 138 دولة في العالم عام 2020، تسعى للحفاظ على مكانتها من خلال عمليات شراء متعددة لتحديث وتوسيع أجهزتها العسكرية. وقد وسعت ترساناتها من الأسلحة بنسب مختلفة: روسيا بنسبة 69 في المئة، وألمانيا 12 في المئة، والصين 9.9 في المئة.

في المقابل، زاد هذا التسلحُ لدى الجزائر وقرارُها القطيعة الدبلوماسية مع المغرب، وتحلُّل جبهة البوليساريو من اتفاق إطلاق النار الذي وقّعَته عام 1991، مستوى قلق القيادة العسكرية المغربية. وتحاول الرباط اقتناء نظام الدفاع الجوي "باتريوت" الأمريكي الصنع، الذي يشمل نظام صواريخ أرض-جو متوسط المدى مصمَّماً لتحييد التهديدات الجوية، وطائرة الاستطلاع من طراز "G550"، بعد أن وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على الصفقة أوائل العام، فضلاً عن اقتناء المغرب خمساً وعشرين طائرة جديدة من طراز "F-16"، بميزانية إجمالية قدرها 2.8 مليار دولار، وأربعاً وعشرين هليكوبتراً جديدة من طراز "Apacheattack" بقيمة 1.6 مليار دولار. وقد طلبت القوات المسلحة الملكية المغربية تخصيص 9 مليارات دولار لشراء خمس وعشرين طائرة "F-16"، و36 مروحية أباتشي ستساعدها على تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية. وتخطّط الرباط لامتلاك ثمانٍ وأربعين طائرة من طراز "F-16" في المجموع، تكون مجهَّزة برادارات من الجيل الخامس، وست وثلاثين مروحية أباتشي بحلول عام 2028.

يعزو المغرب هذا التسلح إلى احتراسه من كون الجيش الجزائري يملك منظومة S-300 الروسية. ويعلق أهمية خاصة على الاتفاقية العسكرية الاستراتيجية التي وقّعها مع البنتاغون، يستمرّ سريانها حتى عام 2030. وجاء مؤشر آخر على تزايد التصعيد ضمن تقرير صادر عن استخبارات الدفاع الاستراتيجي Strategic Defense Intelligence، وهي مؤسسة أبحاث في مجال التكنولوجيا العسكرية، يفيد بأن "المغرب يستعدّ ليصبح الجيش الرائد في إفريقيا عام 2022 بفضل ما يقتنيه من معدات متقدمة، وهو استشراف يرجح احتمال أن يغدو أقوى جيش في إفريقيا بما يتجاوز مرتبة الجيش الجزائري".

وضعٌ جديدٌ-قديمٌ في التنافس والتهافت على أحدث الأسلحة والمعدات المتقدمة الممكنة من الدول العظمى، وهو مشهد يعيد إلى الذاكرة حروب السبعينيات بين بعض الدول المضطربة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. لكن الأهمّ هو إلى أين ستنتهي كرة التسلُّح المتدحرجة بين البلدين الجارين وتحالفاتهما الإقليمية والدولية؟

يميل الرأي السائد في أدبيات سباق التسلح إلى أن الأسباب الخارجية تفسِّر سباقات التسلُّح التي تتفاعل فيها الدول مع التهديد الذي يشكّله تكديس أسلحة الخصم. وعلى سبيل المثال يقول باري بوزان وإريك هيرينغ في كتابهما "ديناميكية الأسلحة في السياسة العالمية" (The Arms Dynamic in World Politics) إن "الافتراض الأساسي لنموذج الفعل ورد الفعل هو أن الدول تعزّز تسليحها بسبب التهديدات التي تتصورها من الدول الأخرى. وتشرح النظرية المتضمَّنة في النموذج ديناميكية الأسلحة على أنها مدفوعة بشكل أساسي بعوامل خارجية عن الحالة".

تزداد تحديات المنطقة بفعل الموجة الجديدة في إنتاج العداء والمؤامرات المتخيلة، والطموحات الإسرائيلية، فضلاً عن التنافس التاريخي حول من يقود أي وحدة مغاربية محتمَلة. ولا يمكن التقليل من دلالة الحاجز النفسي والسياسي بين النخب العسكرية والأمنية في الجزائر والرباط في هذه المرحلة، مما يقلّص من فرص العودة إلى الانفراج والتوافقات الممكنة. ومما يعزز هذه الخشية لديّ أن تدخل العلاقات الجزائرية-المغربية طوعياً أو يتمّ إقحامها في مثلث تكون إسرائيل أحد أضلاعه، والتسليم بهذا الوضع. وقد كشفت هذه الأزمة أن مجرى هذه العلاقات أصبح مجرد متغير تابع بموازاة مصالح إسرائيل التي غدت المتغير المستقل.

تتعطّل مَلَكَة الحوار والإنصات بين الجزائر والرباط، ويتراجع مستوى الثقة بالآخر، وتغلب صناعة العداء المتخيَّل على يقينية الجزائريين بمواقف المغاربة وثقة المغاربة بجيرانهم الجزائريين. فتخرج العلاقات الثنائية من وضعها الطبيعي لقرون، وتحيد عن ثنائية التقابل واحتواء المواقف. فتصبح لعنة نتنياهو وكوشنر وشبح الطرف الغائب في تل أبيب هما اللذين يتحكمان في تعميق فجوة التنافر بين الجارين. هكذا تنتحر الدبلوماسية وتلطم الجيوستراتيجية المغاربية على خدَّيها بعد أن فقدت قدرة التحكم الذاتي في حاضرها ومستقبلها بكل أسف.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي