طرق مبتكرة لإعادة استخدام مخلفات البناء في إقامة مساكن ومنشآت جديدة

  • نورمان ميلر
  • بي بي سي

صدر الصورة، Rotor

يؤدي استخراج المواد من باطن الأرض إلى إحداث دمار في الكوكب. فهل يمكن استخدام أكوام النفايات المتنامية في العالم في البناء المستدام؟

نحن الآن نسحق وننتزع حوالي 100 مليار طن من المواد الخام من نسيج الكرة الأرضية في عام واحد فقط، وهو ما يعادل تدمير ثلثي كتلة جبل إيفرست كل 12 شهرًا.

ويذهب ما يقرب من نصف المواد الخام التي نستخرجها إلى قطاع البناء في العالم. ويُنتج البناء ما يقدر بثلث إجمالي النفايات في العالم، وما لا يقل عن 40 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، في حين أن انبعاثات الطيران، التي يشعر الناس حيالها بقلق أكبر بكثير، لا تشكل سوى ما يتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ويجري التخلص من "النفايات" الناتجة عن استهلاك هذه المواد الخام بكميات كبيرة لدرجة أن تأثيراتها على البيئة قد ساهمت في خلق حقبة جديدة، أطلق عليها اسم "الأنثروبوسين" (العصر الجيولوجي البشري). وسينقب علماء الآثار في المستقبل في طبقات من المخلفات المصنعة لاكتشاف كيف كنا نعيش!

لكن هذه الأشياء التي نصنعها ونتخلص منها اليوم تحتوي أيضًا على كنز دفين من المواد التي يمكن أن نستخدمها لمصلحتنا. لقد اُكتشف أن طنًا واحدًا من الهواتف المحمولة يحتوي على ذهب يزيد بمقدار 300 مرة عن كمية الذهب الخالص الموجودة في طن من أفضل خامات الذهب جودة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الفضة والبلاتين والبلاديوم والأتربة النادرة - كل الأشياء التي نحصل عليها من خلال التعدين المستمر.

تخطى مواضيع قد تهمك وواصل القراءة
مواضيع قد تهمك
  • قمة المناخ: كيف ستغير قرارات القمة حياتنا؟
  • لماذا تشحن الهواتف الأفريقية التالفة إلى أوروبا؟
  • الحرب في اليمن: المرأة التي تحاول إنقاذ تراث بلدها من الضياع
  • التغير المناخي: كيف تغيرت حياتكم مع ارتفاع درجة الحرارة؟

مواضيع قد تهمك نهاية

وتعد كميات النحاس الهائلة داخل مليارات الكابلات في جميع أنحاء العالم مصدرًا أكثر تركيزًا للحصول على هذا المعدن القابل لإعادة الاستخدام من خامات الدرجة الأولى والتي لا يوجد بها سوى أقل من واحد في المئة من النحاس.

كل هذا يثير سؤالًا واضحًا - لماذا لا نعيد استخدام ما استخرجناه بالفعل، بدلاً من الإضرار بالكوكب للحصول على المزيد من المواد الخام؟

لقد أدى ذلك إلى تحفيز مجموعة متزايدة من المهندسين المعماريين وشركات البناء للنظر في كيفية إعادة استخدام مجموعة ضخمة من المواد المختبئة بالفعل داخل بيئتنا المبنية، بدءا من الخرسانة والخشب وصولا إلى المعادن الموجودة داخل النفايات الإلكترونية.

صدر الصورة، Folke Kobberling/Martin Kaltwasser

التعليق على الصورة،

أكواب "النفايات" البلاستيكية تُحول إلى أسقف لأماكن انتظار الحافلات في إيطاليا

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تابوهات المراهقة، من تقديم كريمة كواح و إعداد ميس باقي.

الحلقات

البودكاست نهاية

في عام 2005، وضعت شركة "سوبريوز" للهندسة المعمارية والتي تتخذ من مدينة روتردام الهولندية مقرا لها، رؤية جديدة للبناء من خلال استكمال أول منزل معاصر في العالم يجري تصنيع معظمه من نفايات مواد البناء" وهو المنزل الذي يحمل اسم "فيلا ويلبيلو". ويُعتبر الفولاذ المأخوذ من آلات النسيج القديمة والأخشاب من بكرات الكابلات الصناعية التالفة من بين إجمالي 60 في المئة من المواد المستعملة في بناء هذا المنزل.

وفي عام 2013، تفوق المهندس المعماري البريطاني دونكان بيكر براون على شركة "سوبريوز" من خلال استخدام أكثر من 90 في المئة من مواد النفايات لبناء "منزل النفايات في برايتون". وجمع بيكر براون مواد مختلفة، بدءا من دنيم القماش المستعمل وصولا إلى العلب البلاستيكية لاسطوانات الفيديو الرقمية (دي في دي) وفرش الأسنان المهملة، لعمل تجويف عازل في الحوائط، كما استخدم الأنابيب الداخلية للدراجات القديمة لعمل عازل صوت.

وعلاوة على ذلك، استخدم حوالي 10 أطنان من التربة الطباشيرية المخصصة لمدافن النفايات لإنشاء جدران ترابية، كما استخدم قطعا من البلاط القديم الذي تخلص منه أحد المكاتب في تزيين الحائط الخارجي للمنزل.

يقول بيكر براون: "بيت النفايات هو مشروع بحثي حي يدفع الناس إلى التفكير في من أين تأتي المواد وأين ينتهي بها المطاف".

ووضع بيكر براون مخططًا لطريقة البناء من النفايات في كتابه "أطلس إعادة الاستخدام" الصادر في عام 2017، ويعلم مبادئ هذه الطريقة لجيل صاعد من المهندسين المعماريين والبنائين في كلية الهندسة المعمارية بجامعة برايتون. ويقدم إعادة تعريف بسيطة لكنها قوية للنفايات على أنها "مجرد أشياء مفيدة في المكان الخطأ".

صدر الصورة، Duncan Baker-Brown

التعليق على الصورة،

أكثر من 90 في المئة من مكونات "منزل النفايات" في جامعة برايتون من النفايات

وبينما يجري إدراج هذه الأفكار تحت شعار "الاقتصاد الدائري"، يستخدم بيكر براون عبارة أكثر لفتًا للانتباه: فهو يدعو إلى الحاجة إلى "تعدين الأنثروبوسين" بدلاً من التنقيب عن مواد جديدة.

وكتب بيكر براون في دعوة حاشدة للعمل نُشرت في المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين في عام 2019: "نحتاج إلى أن نصبح مستخرجي معادن من المناطق الحضرية، وأن نعيد العمل أو نعيد استخدام المباني والمكونات والمصادر المادية التي استخدمت من قبل".

ويُكمل بيكر براون حاليًا جناحًا في أوبرا غليندبورن الشهيرة في ساسكس بالمملكة المتحدة، والتي بُنيت من منتجات النفايات، بما في ذلك قشور المحار وفلين الشمبانيا. والأهم من ذلك، أنه يستخدم هذه المواد بطريقة تسهل تفكيكها في المستقبل - مثل ربط عناصر البناء بالمسامير بدلاً من الغراء - لإنشاء ما يسميه "مخزن مواد للمستقبل".

وقد اكتسبت فكرة تصميم المباني مع الوضع في الاعتبار إعادة تفكيكها واستخدامها زخما كبيرا، وظهر ما يعرف بـ "تصميم التفكيك". ووضعت دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 هذه الأفكار قيد التطبيق على أرض الواقع من خلال بناء أماكن إقامة مؤقتة لـ 17 ألف رياضي في لندن. وبنيت هذه المباني بطريقة يمكن من خلالها إعادة تصميمها بعد ذلك لتصبح منازل مستدامة للسكان المحليين، وذلك بفضل أشياء مثل جدران التقسيم التي يمكن نقلها بسهولة إلى تكوينات جديدة.

ومع ذلك، فإن أولئك الذين يسعون إلى "تعدين الأنثروبوسين" يتعين عليهم العمل إلى حد كبير مع المباني القائمة التي لم تُصمم للتجديد أو إعادة البناء. واستجابت شركة "مورير يونايتد أركيتيكتس" الهولندية لهذا التحدي من خلال بناء 125 وحدة سكنية اجتماعية جديدة باستخدام أكثر من 90 في المئة من المواد المعاد تدويرها من الكتل السكنية المجاورة القديمة في مبنى "سوبرلوكال استيت" في مدينة كيركراده الهولندية.

وقُطعت أجزاء الأرضيات الخرسانية العملاقة ورفعت من المباني القديمة ووضعت لتوفير أطر للمنازل الجديدة، بينما وُضعت بقايا الخرسانة في الموقع لإعادة استخدامها، وهو نهج أطلق عليه مؤسس الشركة مارك مورير اسم "الهدم الذكي".

صدر الصورة، Sam Panthaky/Getty Images

التعليق على الصورة،

أسلاك ملفوفة مصنوعة من أشرطة الصلب الخردة في مصنع بالهند

قضت فولك كوببرلينغ، أستاذة الفن المعماري في جامعة براونشفايغ التقنية في ألمانيا، سنوات في صقل طرق إعادة استخدام المواد، وتقول عن ذلك: "يختلف استخدام المواد الموجودة بالفعل عن العمل باستخدام مواد جديدة تمامًا. هذه المواد لها تاريخ، ونحن نبحث عن المواد ونحاول استخدامها لأنها تأتي بطريقة مرنة للغاية".

أحد الأمثلة على ذلك هو المسرح الذي شيدته هي وزميلها مارتن كالتواسر في عام 2008 في مركز وايسينغ للفنون خارج كامبريدج في المملكة المتحدة. صُنع هذا المسرح بشكل أساسي من 400 لوح خشبي جرى إنقاذها من مواقع البناء المحلية، كما أنه يتميز بنوافذ من بيوت زجاجية قديمة وأرضيات من خشب الساج أعيد استخدامها من أرفف جامعة كامبريدج المهملة.

وبلغت تكلفة المبنى 5000 يورو فقط (4,270 جنيهًا إسترلينيًا)، وكان من المتصور أن يوفر مكانًا مميزًا للفنون لمدة عامين قبل تفكيكه لإعادة استخدام مواده في مكان آخر، لكنه لا يزال قويا للغاية.

ووجدت كوببرلينغ أيضًا أن صوف الأغنام الخام المهمل يمكن استخدامه كعازل رائع للجدران وفلتر لحجب المواد الملوثة، وقد حولت آلاف الزجاجات والأكواب البلاستيكية التي جرى التخلص منها في ماراثون برلين إلى مواد لأسطح أماكن انتظار الحافلات.

يمكن قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future