جنوب هضبة نجد ومثل شجرة على جدول النهر نشأت الدرعية على ضفتي وادي حنيفة في الرياض، بوصفها عاصمة سياسية ورمزاً وطنياً تاريخياً منذ شروق الدولة السعودية الأولى، لتصبح قاعدة الدولة ومقر الحكم. حكاية تفردت بأنها ذاكرة حية بين الإنسان والمكان، والطين عندما اتسعت دائرة حضوره ليكون نواة الخلق، فالدرعية مثل الأشجار والنباتات مقدر لها أن تكبر.. فكبرت الأحلام وتحققت الأمنيات، ونما الإنسان. حتى أضحت واحة خضراء تتكفل بالشاعرية والعذوبة في وسط الصحراء.

الدرعية إرث ثقافي وحضاري، ولم يكن اختيارها عاصمة الثقافة العربية لعام 2030 إلا تأكيداً للعلاقة المديدة والأصيلة بين مختلف الأجيال والبيئة، وتقديراً لتجربة حضارية تخلقت لتكون اليوم متحفاً في الهواء الطلق وفي الفضاء الرحب لخوض مغامرة الاكتشاف في مكان يُتيح بمجرد الوصول إليه فرصة الدخول إلى تاريخ وذاكرة وأيام مضت ولم تتلاشَ، كل خطوة هي بحث، وكل تلويحة هي نداء، وكل نظرة هي تأمل ووصول، سياحة في الجذور والأصالة ومنبت الحضارة، تجول في سحر وعفوية، تعكس بشكل حقيقي عناصر الجمال: الماء والخضرة والمكان الحسن.

في عام 2012 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" حي الطريف الواقع في مدينة الدرعية ضمن مواقع التراث العالمي، وتعد الدرعية ثاني موقع بالمملكة يسجل في قائمة التراث العالمي اليونسكو بعد "الحِجر"، تبع ذلك صدور الأمر الملكي بالموافقة على إنشاء هيئة تطوير "بوابة الدرعية"، والتي تضم أضخم مشروع سياحي ثقافي حيوي، كذلك أكبر متحف إسلامي على مستوى الشرق الأوسط بما يفوق المليون وخمسمائة ألف م2، ويضم المشروع "بوابة الدرعية" أسواقاً تجارية، ومجمعات ومطاعم، ومواقع احتفالات تتميز بإطلالتها على ضفاف وادي حنيفة.

كما تشارك وزارة الثقافة بفعالية في تنمية الجوانب الثقافية للدرعية، من خلال مشاريع ثقافية كبرى، ستعمل على تعزيز مكانة لدرعية كمنصة عالمية للفنون الإبداع، ومن أهم المشاريع التي تنفذها مشروع "واحة الدرعية"، إلى جانب تحويل حي جاكس إلى موقع عالمي للمعارض النوعية، وتنظيم بينالي الدرعية للفن المعاصر، وبينالسور، ومعرض "من الداخل"، وغيرها من المشاريع التي تعزز من القيمة الثقافية السياحية التي تحملها الدرعية.

لقد هيأت الدرعية نفسها لأن تكون مدينة سياحية وثقافية في الوقت نفسه، بموروث اجتماعي وسيرة حياة للفرد وللدولة، ومستودع عادات وتقاليد وسمات مميزة، وخصوصية ملهمة ومدهشة، إضافة إلى الحضور الإنساني الذي يهب المكان روحه ونبضه. إن ملامح وتفاصيل الدرعية تمثّل لوحة فنية محمية من قيد الإطار، طراز معماري فريد بوجود القلاع والقصور والنوافذ المقوسة، والنقوش وتداخل الهندسة مع الفنون، كذلك بوجود حي البجيري الذي يعد أحد أهم الواجهات السياحية المفتوحة في المنطقة بتصاميمه التراثية الغنية بالألوان، وجدرانه الطينية وأبوابه الخشبية، لتكون الدرعية بكامل مساحتها مزاراً سياحياً سعودياً له بصمته وبريقه المتفرد، ويحمل أيضاً دعوة للزيارة ومطالعة الماضي والتاريخ، وهو يواصل ألقه وحضوره باعتباره الحاضر والمستقبل الذي بدأ منذ وقت طويل.