أميركا والشرق الأوسط.. إشكالية البقاء وجدلية الرحيل


على مشارف عام جديد ومع إنتهاء العمليات القتالية للقوات الأميركية في العراق، يتجدد التساؤل مرة أخرى: "هل تنسحب أميركا من الشرق الأوسط؟"

يحمل التساؤل في طياته جانبين، الأول سياسي، والثاني عسكري، وما بينهما نفوذ طويل المدى للولايات المتحدة الأميركية يتجاوز السبعة عقود، أي منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية في المنطقة.

ينقسم المحللون للمشهد إلى قسمين، واحد يرى أن الشرق الأوسط لم يعد مهما لمستقبل الولايات المتحدة التي باتت منشغلة إلى أبعد حد ومد بشرق آسيا، وبخاصة لجهة مواجهة روسيا وبهدف حصار الصين.

فيما تيار آخر يذهب إلى أن واشنطن لا تمتلك رفاهية مثل هذا الإنسحاب ذلك لأنه ببساطة شديدة يعني تفريغ مربعات نفوذ جيوسياسية على درجة عالية من الأهمية، للقوى التقليدية المنافسة، ما يختصم من القوة والمنعة لأميركا عالميا مرة وإلى قرن قادم على الأقل.

ولعل التساؤل بشكل أخر: "ما الذي تحتاجه أميركا في مخططاتها بالنسبة للشرق الأوسط، هل تحتاج إلى إنسحاب أم هي في عوز إلى إستراتيجية جديدة؟"

صاحبة علامة الإستفهام السابقة، هي داليا داسا كاي، الباحثة في مركز "بيركل" للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا، والتي ترى ضرورة تحول فكر الولايات المتحدة من دائرة الإنسحاب الذي يولد المزيد من الأزمات إلى أفاق الإمكانيات الجديدة، بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.

ليس سرا أن الإنسحاب الأميركي الفوضوي والمرتبك من أفغانستان في أغسطس/آب المنصرم، قد ولد إنطباعا قويا بأن واشنطن لم تعد راغبة في البقاء في منطقة الشرق الأوسط بحال أو بأخر، غير أن واقع الحال يشير إلى صعوبة لوجستية كبيرة في مطابقة المشهدين، لا سيما في ظل وجود تحد عالمي لواشنطن في المنطقة يتمثل في إيران، وبرامجها النووية والصاروخية، عطفا على أطماع صينية روسية جلية للعيان في الإحلال والتبديل محل الولايات المتحدة، ومن هنا يفهم المرء لماذا تحتفظ أميركا وحتى الساعة بشبكة مترامية الأطراف من القواعد العسكرية في المنطقة، ومبدية استعدادها لتقبل حتى أكثر شركائها المفارقين لها إيديولوجيا، باسم تعزيز الأمن الإقليمي، بل والأكثر من ذلك،ناهيك عن أن الديناميات الإقليمية قد تقود إلى مزيد من عدم الأستقرار والعنف، ما يستدعي الوجود الأميركي.

ولعل التساؤل الأكثر إثارة للجدل هو: "ماذا عن موقف إدارة بايدن من فكرة الإنسحاب من الشرق الأوسط، وهل هي حاسمة حازمة في هذا الإتجاه أم أنها تقدم خطوة وتحجم خطوة أخرى؟"

بحسب قراءة معمقة نشرتها مجلة الفورين بوليسي ذائعة الصيت، فإن بايدن ومنذ دخوله إلى البيت الأبيض، يؤكد بشكل لا لبس فيه أن تركيزه سيكون على الصين، ومنطقة المحيطين الهندي والهادي، مع رغبته بـ"إعادة التوازن" إلى الوجود العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
تبدو واشنطن أمام مفترق طرق صعب، فهي من جهة وتحت ضغوط الإنعزاليين، لا تريد بقاء جنودها خارج ترابها الوطني، ويبدو أن الأمر لم يكن قسرا على ترامب فحسب، بل ينسحب ولاشك على بايدن، فلا أحد يريد إراقة المزيد من الدم الأميركي خارج التراب الوطني، مع توجه مستقبلي يميل إلى القطع بأن واشنطن ليست شرطي العالم أو دركه.

لكنها ومن جهة أخرى، تبدو أمام تحدي مزعج أخر مرتبط بتعهداتها في الدفاع عن المنطقة تجاه الأطماع المسيطرة على قوى إقليمية بعينها لا تغيب عن أعين القارئ، عطفا على إرهاصات عودة تنظيم الدولة الإرهابي داعش، والذي بدأ من جديد يشكل دائرة إزعاج حقيقية للأوضاع الأمنية في المنطقة.

من هنا تنطلق الفورين بوليسي في رؤيتها والتي تتمحور حول حاجة الولايات المتحدة إلى إعادة تقويم رصينة للادوات العسكرية التي ينبغي أن تكرسها للشرق الأوسط وهذا يشمل تقييما واضحا لكيفية إعطاء الأولوية للموارد العسكرية لواشنطن، وكيفية ربطها بشكل أوثق بالأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة.

قد تبدو مسارات ومساقات الولايات المتحدة في المنطقة غير تقليدية، بمعنى أنه لا حاجة لواشنطن لحشد العديد من قواتها وبعشرات الآلاف، وبوضعية عسكرية هي بقايا حروب عفا عليها الزمن.

يقترح البعض في الداخل الأميركي أنه يمكن لواشنطن أن تتفاوض على إتفاقيات خطط طوارئ مع شركاء إقليميين حتى تتمكن من نشر القوات وتوسيع نطاق المرافق إذا لزم الأمر.

البعض الآخر يرى أنه يمكن للولايات المتحدة أن تنأى عن تشغيل مجموعة من القواعد الكبيرة في المنطقة، وأن تعتمد بدلا من ذلك نظام قواعد موزعة مصممة للحفاظ على الأصول الأميركية، أي الأسلحة والقدرات العسكرية،آمنة، وهذا يعني إبعادها عن بعض القواعد التي يرجح أن تواجه هجمات من الصواريخ الإيرانية، إلى قواعد خارج نطاق ساحات التهديد الأسوأ.

يتساءل الكاتب والمفكر الأميركي، بن رودس، في قراءة أخيرة له في الفورين بوليسي عينها عن: "الكيفية التي تتيح بها الولايات المتحدة لأعدائها إختطاف سياستها الخارجية؟"

قراءة بن رودس مطولة، لكن خلاصتها أن العالم يعتبر مكان صعب وخطير في بعض الأحيان، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تفرض نفسها للدفاع عن مصالحها، ولكن ينبغي تعريف حقبة ما بعد 11 سبتمبر، ليس من خلال المواجهة مع العدو التالي الذي ينتظر دوره، بل من خلال تنشيط الديمقراطية كوسيلة ناجحة في التنظيم البشري.

ولعل الأهم هو استبدال الحرب على الأرهاب بمشروع أفضل للأجيال، وهنا يجب على الأميركيين أن يدفعوا بأفكار يدعمونها، لا أن ينسحبوا من جراء الأراء التي يعارضونها، والمهارة في التوفيق بين الأمرين.

تاريخ الخبر: 2022-01-01 04:18:02
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 88%
الأهمية: 97%

آخر الأخبار حول العالم

عودة الثلوج بأوكايمدن تدخل البهجة والسرور في النفوس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:45
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

سلوكيات فردية خاطئة وراء اضطراب النوم في رمضان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

"البريمرليغ" تقرر منع "حاملي الكرات" من إعادة الكرات للاعبين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:27:29
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نقابة تستنكر التضييق على أطر التخطيط التربوي  في سيدي إفني 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:24
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

عودة الثلوج بأوكايمدن تدخل البهجة والسرور في النفوس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:40
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

سلوكيات فردية خاطئة وراء اضطراب النوم في رمضان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:37
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

"البريمرليغ" تقرر منع "حاملي الكرات" من إعادة الكرات للاعبين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:27:28
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية