العالمي للفتوى يعرض حكاية صحيح مسلم  فى ذكرى وفاة مؤلفه


يُقدِّم مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونية حكاية كتاب «صحيح مسلم» للإمام العلم مُسلم بن الحجاج في ذِكرى وفاته التي توافق 25 رجب، ..في إطار مشروعه التثقيفي «حكاية_كتاب».

 

مؤلف الكتاب في سُطور 

 

هو الإمام العالِم الثّقة المصنِّف أبو الحسين مُسلم بن الحجاج بن مُسلم بن ورد القشيريّ، وقبيلته كبيرة يُنسب إليها كثير من العلماء.

 

ولد سنة 204هـ على الراجح من أقوال العلماء والمؤرخين، ونشأ معتمدًا على نفسه في طلب الرزق؛ وربح أمولًا وفيرة من تجارة الأقمشة، الأمر الذي مكنه من السفر والتنقل بين البلدان لطلب العلم، فرحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر، ولم يشغله طلب العلم عن عمله وتجارته، ولم تلهه تجارته عن علمه، فكان يتلقى عنه طلبة العلم الحديث وغيره من المعارف في متجره.

جمع الإمام مسلم ما يزيد على ثلاثمائة ألف حديث في عصر اهتم باحثوه بحديث سيدنا رسول الله ﷺ، وتميز بوجود كبار المحدِّثين فيه، أمثال الإمام البخاريّ، والإمام أحمد، والإمام ابن معين، وغيرهم ممن كان لهم الأثر الفعَّال في خدمة السنة النبوية وتدوينها، وقد تتلمذ الإمام مسلم على أكابر شيوخها، ونهل من معينهم، ومن أبرز شيوخه: أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاريّ الذي أحبه كثيرًا، ولازمه طويلًا، واستفاد من أدبه وعلمه.

 

وقد بلغ الإمام مسلم شأوًا بعيدًا في علم الحديث، ولُقّب بالحافظ، وعُدَّ واحدًا من حُفَّاظ الدنيا الأربعة: (أبو زرعة، وعبد الله الدارمي، والبخاري، ومسلم).

 

قال عنه الإمام النووي: (وأجمعوا على جلالته، وإمامته، وعلوّ مرتبته، وحذقه في هذه الصنعة، وتقدمه فيها، وتضلعه منها). [تهذيب الأسماء واللغات ( 2/ 90)]

 

تتلمذ على يده، ونقل عنه عددٌ من الأعلام، كالإمام الترمذيّ، وأبو الفضل أحمد بن سلمة الحافظ، وصالح بن محمد البغداديّ الحافظ، ويحيى بن صاعد، ومُحمد بن خزيمة صاحب صحيح ابن خزيمة، وأبو عوانة الإسفرايينيّ، وغيرهم كثير.

 

ألف الإمام مسلم عددًا من التصانيف التي جاوزت 23 مصنفًا؛ لكن أشهر كتبه التي عُرف بها هو الجامع الصحيح المعروف بـ«صحيح مسلم» الذي بات من أمهات كتب الحديث النبوي.

 

توفي الإمام مسلم رحمه الله بنيسابور عشيَّة يوم الأحد، ودُفن يوم الاثنين الموافق 25 من رجب سنة 261 هـ، عن عمر ناهز 55 سنه، ومقبرته في رأس ميدان زياد، شمالي شرق إيران حاليًّا.

 

 سبب تأليف الكتاب 

 

 صنّف الإمام مسلم صحيحه في مسقط رأسه نيسابور، وألفه إجابةً لطلبٍ بجمع أحاديثه وتصنيفه، ومناهضةً منه لنشر أحاديث لا تصح نسبتها إلى سيدنا رسول الله ﷺ.

 

 منزلته بين كتب السنة 

 

 يأتي صحيح الإمام مسلم في الرتبة الثانية بعد صحيح الإمام البخاريّ، ويعدان معًا أهم كتب السنة وأصحها، يقول الإمام النووي رحمه الله: (وأصحُّ مصنَّف في الحديث، بل في العِلْم مطلقًا الصحيحان للإمامين القدوتين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريّ، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيريّ -رضي الله عنهما-، فلم يوجد لهما نظير في المؤلفات). [شرح النووي على مسلم (1/4)]

 

 وقد اعتنى علماء الأمة بصحيح مسلم عنايةً عظيمةً، فمنهم الشارح والمختصِر والمترجم لرجاله ورواة حديثه ونحو ذلك، وأشهر شروحه هو شرح الإمام شرف الدين النووي المُسمَّى بـ«المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج»، ومن أهم شروحه أيضًا شرح أبي العباس القرطبيّ المُسمَّى بـ«المُفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مُسلِم».

 

 اسم الكتاب 

 

 لم ينص الإمام مسلم على اسم صحيحه فيه، وإنما ذكره في غير الصحيح باسم: «المُسنَد» أو «المُسنَد الصَّحيح».

 

 كما ذكره بعض العلماء تحت عنوان: «المُسنَد الصَّحيح المُختَصر من السُّنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله ﷺ».

 

 إلا أن أشهر الأسماء وأكثرها استعمالًا للدلالة عليه في كافّة تصانيف السّنة والتّفسير والفقه هو: «صحيح مُسلم».

 

 بين يدي الكتاب 

 

 صحيح الإمام مسلم هو أحد أهم كتب الحديث الجامعة التي تشتمل على العقائد والأحكام والآداب والتفسير والتاريخ والمناقب والرقائق وغيرها.

 

انتخب الإمام أحاديثه التي بلغ عددها نحو ثلاثة آلاف حديث دون المكرر من جملة 300 ألف حديث، واتبع منهج التَّحري والتَّحرّز في رواية الحديث بألفاظه تمامًا كما سمعها، لهذا استغرق إخراجه وإنهاؤه وقتًا طويلًا قارب 15 عامًا.

 

 اشترط الإمام على نفسه شروطًا لتنقية الأحاديث، جمعت بين الدّقة والنّزاهة والتّثبت من نقل الرواة بعضهم عن بعض إلى سيدنا رسول الله ﷺ، ويقول الإمام ابن الصلاح في ذلك: (شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالمًا من الشذوذ والعلة). [شرح النووي على مسلم (1/15)]

 

 ثم إنه اكتفى بمعاصرة الراوي لمن يروي عنه إذا روى بالعنعنة ما لم يكن الراوي بالعنعنة موصوفًا بالتدليس. 

 

 واقتصر في رواية الحديث على الأحاديث المرفوعة إلى سيدنا رسول الله ﷺ، وتجنّب رواية المُعلّقات، والموقوفات، وأقوال العلماء، وآرائهم الفقهية، إلا النذر اليسير.

 

 وقسّم الروايات من حيث رواتها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما رواه الحُفَّاظ المتقنون، والثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان، والثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون، واعتمد على الأخبار المروية عن الثِّقات الحُفَّاظ؛ ونظرًا لقلتهم وندرتهم بين الرواة فإنه إذا فرغ من النقل عنهم أتبعهم بمرويات القسم الثاني من متوسطي الحفظ والضبط، مع تركه لرواية أخبار القسم الثالث، كما نص على ذلك في خطبة صحيحه.

 

 ولم يجمع الإمام في صحيحه كل ما صح لديه من الحديث، بل اكتفى بما عضد العلماء صحته، فقال: (ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه). [صحيح مسلم (1/ 304)]

 

وقد راعى في جمعه ضم كل مجموعة من الأحاديث التي تتعلق بموضوع واحد على حدة، وقسّم صحيحه إلى كتب حسب الموضوعات، بلغت 54 كتابًا، ثم قسّم الكتب إلى أبواب فرعية؛ لكنه لم يضع لها عناوين كما صنع الإمام البخاريّ في تراجم صحيحه، والتراجم المشهورة على أبوابه هي من وضع الإمام النووي حين شرحه. 

 

 بعد إنهاء الصحيح عرضه الإمام مسلم على عدد من العلماء المتخصصين في فنّ الحديث لمراجعته، فلاقى استحسانهم وقبولهم، ثم تلقته الأمة بالقبول في كافّة العصور إلى أن وصل إلينا.

 

 ثناء العلماء على صحيح مسلم 

 

أثنى كثير من العلماء على هذا الكتاب الجليل، ومُصنِّفِه، وجودته، وترتيبه، واختصاره، مثل الإمام النووي في مقدمة شرحه له، حيث قال: (ومن حقَّق نظره فى صحيح مسلم رحمه الله واطَّلع على ما أورده فى أسانيده، وترتيبه، وحسن سياقته، وبديع طريقته من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق، وأنواع الورع، والاحتياط والتحري فى الرواية، وتلخيص الطرق واختصارها، وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه، واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات واللطائف الظاهرات والخفيات علم أنه إمام لا يلحقه من بعد عصره، وقل من يساويه ، بل يدانيه من أهل وقته ودهره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم). [شرح النووي على مسلم (1/11)]

 

والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني الذي قال: (حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل وذلك لما اختص به من جمع الطرق، وجودة السياق، والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى، وقد نسج على منواله خلق عن النيسابوريين فلم يبلغوا شأوه، وحفظت منهم أكثر من عشرين إمامًا ممن صنف المستخرج على مسلم فسبحان المعطي الوهاب). [ تهذيب التهذيب (10/127)]

 

والكتاب بمنهجه وفقهه وما اشتمل عليه من تبويب وترتيب وعرض لحديث سيدنا رسول الله ﷺ؛ يعد من أعظم الكتب في التُّراث الإسلامي العريق، ودليل على ثراء المكتبة الإسلامية وتفرُّدها.

 

تاريخ الخبر: 2022-02-27 00:17:05
المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية