تعيش دولة مولدوفا الأيام الأخيرة تحت ظل التوتر المسلح الناشب على حدودها الشمالية، وذلك بعد القرار الروسي بالهجوم العسكري على أوكرانيا. إذ أصبحت مولدوفا أحد بلدان استقبال مئات آلاف النازحين الفارّين من الاقتتال الدائر.

فيما لا تقف متاعب الجمهورية الصغيرة عند هذا الحد، بل تتعداه إلى أن تكون مهددة بالتعرض لهجوم مماثل بعد طلبها رسمياً الانضمام للاتحاد الأوروبي. ويعزز ذلك كونها هي الأخرى تعرف منطقة انفصالية في شمالها تدعمها روسيا، كما تقودها رئيسة مقرَّبة من الغرب.

طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

يوم الخميس الماضي، وقَّعت رئيسة جمهورية مولدوفا، مايا ساندو، طلباً رسمياً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. على غرار ما سبقها إليه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، بعد أن تعرَّضت بلاده إلى الهجوم العسكري الروسي.

وقالت ساندو، قبل رفع وثيقة الطلب موقعة أمام كاميرات الإعلام: "لقد استغرق الأمر 30 عاماً حتى تصل مولدوفا إلى مرحلة النضج ، لكن البلد اليوم مستعد لتحمل المسؤولية عن مستقبله". مضيفة: "نريد أن نعيش في سلام ورخاء وأن نكون جزءاً من العالم الحر. وفيما تستغرق بعض القرارات وقتاً ، يجب اتخاذ قرارات أخرى بسرعة وحسم ، والاستفادة من الفرص التي تأتي مع عالم متغير".

وتعتبر موسكو انضمام المزيد من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو خطاً أحمر وتهديداً لأمنها القومي. ما يضع الجمهورية المستقلة في عام 1991 أمام تهديد لتعيش نفس مصير جارتها الشمالية أوكرانيا.

وشهدت مولدوفا الأسبوع الماضي زيارات مكثّفة من المسؤولين الغربيين، على رأسهم مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، إذ كان ملف النازحين الأوكرانيين أبرز ما جرى تداوله وأيضاً التهديدات الأمنية التي تمثلها روسيا.

"مسمار جحا" الروسي

لا تقف أوجه التشابه بين الحالة الأوكرانية والمولدوفية عند حد تقدمهما بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. بل إن في مولدوفا منطقة انفصالية ناطقة باللغة الروسية، تدعمها موسكو سياسياً وعسكرياً، على غرار دونيتسك ولوغانسك. هي إقليم ترانسنيستريا، التي يمكن أن ندعوها "مسمار جحا الروسي" في شمال البلاد.

وتعد ترانسنيستريا نقطة خلافية عويصة بين موسكو وكيشيناو، آخرها كان تمركز القوات الروسية هناك إعداداً لشن هجمات على جنوب أوكرانيا. وسبق للحكومة المولدوفية أن عارضت ذلك الوجود العسكري، وطالبت رئيسة البلاد بجلاء تلك القوات في أكثر من مرة منذ توليها مقاليد الحكم سنة 2020. كما اعتبر الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، في تصريح له أن: "روسيا تنتهك وحدة أراضي مولدوفا بوجود قواتها في ترانسنيستريا".

وأثار حضور السفير الروسي في ديسمبر/كانون الثاني الماضي حفل تنصيب رئيس الجمهورية غير المعترف به امتعاض مولدوفا، التي ردت في بيان لخارجيتها قالت فيه: "تعد الانتخابات الرئاسية المزعومة في منطقة ترانسنيستريا غير شرعية ومنافية لأسس مولدوفا الدستورية. وزارة الخارجية والتكامل الأوروبي تنظر إلى مشاركة رئيس البعثة الدبلوماسية الروسية في مثل هذه الأعمال على أنها خطوة غير ودية".

وتضع تطور الأحداث على الأرض في أوكرانيا، وسعي العملية العسكرية الروسية إلى السيطرة على الجزء الجنوبي من البلاد، مولدوفا أمام تهديد الاعتداء على وحدة أراضيها بذريعة حماية الأقلية الروسية هناك. وحسب موقع "World Politics Review" الأمريكي فإنه "إذا استولت القوات الروسية على أوديسا في الأيام المقبلة ، فيمكنها الاعتراف رسميًا باستقلال ترانسنيستريا مع ضمها إلى منطقة أوديسا تحت الاحتلال العسكري الروسي".

وظهر الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو في اجتماع لمجلس أمن بلاده، مطلع شهر مارس/ آذار الجاري، أمام خريطة توضيحية لمسار المعارك في أوكرانيا، تضم كذلك نقاط تمركز لقواته في منطقة ترانسنيستريا. ما يزيد من مخاوف حصول سيناريو الهجوم على مولدوفا.

مولدوفا ليست أوكرانيا!

رغم التشابه الكبير بين وضع البلدين، إلا أن هناك اختلاف مهم في الحالة المولدوفية، هي كون الهجوم العسكري عليها قد يقحم الاتحاد الأوروبي في الصراع، وبشكل مباشر. وهو الذي أبرز في أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، أنه لن يحرك قواته على أرض ذلك النزاع.

فمع طلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سعياً للحماية المباشرة من دوله، ستظل تواجه مشكلة أنه لا وجود لآلية استجابة فورية لطلبها ذاك. عكس مولدوفا التي يمكنها أن تنضم فوراً إليه، إذا ما وافقت على توحيد أراضيها مع الأراضي الرومانية عبر استفتاء سريع. بل وستمكنها هذه الخطوة كذلك من الانضمام إلى الناتو التي تعد رومانيا عضواً فيه منذ 2004.

وبدأت مولدوفا مناقشة هذه الفكرة فعلياً حتى قبل اندلاع الهجوم الروسي على أوكرانيا. وصرَّحت وقتها رئيسة البلاد، مايا ساندو، بأن "عديداً من سكان مولدوفا يريدون الاتحاد مع رومانيا وبذلك يندمجون مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي".

TRT عربي