مستقبل السودان بين خياري الحوار الوطني والتدويل


جمال عبد الرحيم صالح

لم يثر شعب السودان في ديسمبر الخالد، ويضحي أبناؤه بسيل من دمائهم الزكية، احتجاجاً على وضع إقتصادي بالغ البؤس، أو على تصرفات نظام حكم فاقد للأهلية  فحسب، وإنما استهدفت ثورته تلك وضع السودان في منصة جديدة بالكامل، أي قيام دولة مدنية ديمقراطية متحضرة، لها المقدرة على تجاوز إخفاقات الدولة السودانية بمختلف تجلياتها.

تحاول هذه  الورقة تحليل الوضع السياسي الراهن من زوايا مختلفة، وإبداء الرأي فيما يمكن عمله لتأمين الثورة لتحقق أهدافها في قيام سودان جديد متحضِّر تحكمه قيم العدالة، السلام، والديمقراطية. نسبة لطول المادة، ولتسهيل المتابعة للقارئ الكريم، فقد جزأناها، درءاً للملل ولمساعدة القارئ على التركيز، جزأناها  على خمسة فصول، يتناول كل منها موضوعاً منفصلاً، بيد أن هناك خيطاً يشدها جميعاً. تحاول الورقة في فصليها الأولين تقديم وصف مُركَّز لحصيلة ما تركته الإنقاذ من أسمال “دولة” بغرض إسكات أصوات بدأت تتحدث عن فشل حكومة الحرية والتغيير. والفصول هي:

  1. الحصاد المر للإنقاذ في الجانب السياسي والأمني.
  2. الحصاد المر للإنقاذ في مجال البنى التحتية وجهاز الخدمة العامة.
  3. مهام المرحلة الإنتقالية – الخطوط العريضة.
  4. ملامح فشل الإنقلاب.
  5. تحليل مواقف القوى الفاعلة في المشهد.
  6. الطريق لفتح الأفق المسدود.

 

(1)

الحصاد المر للإنقاذ في الجانب السياسي والأمني

 

* سيطرة حزب سياسي يتبنى أيديولوجية دموية ومعادية للإنسانية، يقف دليلاً على استباحتهم للبلاد، وسوء صنيعه، تلك الحروب التي أشعلها، مخلفة مئات الألوف من القتلى والجرحى والنازحين، والمئات من المتظاهرين السلميين الذين أغتيلوا بالتصويب على الرؤوس والصدور بدون وازع من دين أو ضمير. كما يقف شاهداً على عنفه ودمويته ما دار بأقبية جهاز استخباراته من تعذيب واغتصاب وقتل، واعترف بها حتى رؤوسه.

* تمزيق النسيج الاجتماعي في كافة أرجاء البلاد، والرجوع بها لمرحلة ما قبل الدولة الوطنية، حيث أصبح الانتماءات القبلية والعشائرية والجهوية تتدخل بقوة في العمل السياسي والإداري والتنفيذي.

* تمليك مقدرات البلاد ومواردها ومعلوماتها وملفاتها لفاسدين لا يملكون قدراً من الوطنية أو حتى الخلق القويم. من أمثلة ذلك، فعائل مدير عام مكاتب الرئيس، طه عثمان، التي فاقت أي مستوى يمكن أن يتخيله الإنسان من فساد مالي وأخلاقي وسياسي وسلوكي وصل مرحلة أن يكون مستشاراً لرأس دولة أخرى، في سابقة غير مألوفة، لا على المستوى الوطني أو الاقليمي أو العالمي؛ وبعد كل ذلك، وهو في موقعه الجديد، لم يوقف تدخله في شأن البلاد، بمباركة وموافقة من رأس النظام.

* نظام مكروه عالمياً، ومُقاطع من أعضاء ومؤسسات المجتمع الدولي المؤثرين، بسبب جرائمه ضد شعبه، وحضانته ومساعدته لأشخاص ومؤسسات خارجة على القانون الدولي.

* رئيس دولة فاقد للكفاءة ومطارد دولياً. لقد بلغت الاستهانة به، حتى في المجتمع الإقليمي، دعك عن المجتمع الدولي، مرحلة رفض القادة الأفارقة، تنصيبه رئيساً للإتحاد الأفريقي، في مؤتمر القمة الأفريقي الذي انعقد بالسودان، كسابقة لم تحدث من قبل، وذلك رغم ما أسبغه على أولئك الرؤساء من رشاوى. رئيس دولة، أرجعت طائرته من الجو، في أكثر من دولة، وبلغ الاستخفاف به حد أن يستقبله مسئولو الصف الثاني، بأطفالهم أحياناً، في دول الخليج في رحلاته التسولية الكثيفة.

* فساد مالي واسع النطاق، وتمكين للمقربين من السيطرة على موارد البلاد ومقدراتها للدرجة التي أصبح معها شقيق الرئيس، عبد الله البشير، والذي لا يحمل أي صفة رسمية معلومة، متواجداً بشخصه بشكل دائم في أخطر مؤسسات الدولة الإقتصادية، وأكثرها حساسية، كالبنك المركزي. تقف فضيحة أيمن المأمون، المحكوم بالسجن المؤبد بالإمارات، والعضو الأصيل في مجموعات القصر النافذة، شاهداً على مستوى الركاكة التي كانت تتسيد العمل الإداري والتنفيذي على أعلى مستوياته.

* إهانة البلاد وتاريخ شعبها، بإشراك جيشها والمليشيات المرتزقة بها، في حرب ليس للبلاد ضلعاً فيها. بل وصل الأمر مرحلة أن يطلب الرئيس حماية روسيا على مرأى ومسمع من العالم، متجاوزاً حتى البروتوكولات الشكلية، وما تقتضيه أصول اللياقة. كما وصلت المهانة حد أن تفتح أبواب مكتب الرئيس لمحتالين دوليين بدون خجل، كتلك المحتالة البريطانية التي ضحكت على جهاز دولة بكاملها، مدعية تكريم لاعب الكرة ميسي للرئيس بإهدائه قميصاً موقعاً باسمه؛ أو ذلك الروسي “المستهبل” صاحب شركة سيرين الروسية الذي وعد بتحويل 5 مليارات دولار لحل مشكلة البلاد الإقتصادية فور توقيع الحكومة لعقد انتاج الذهب معها.

* بؤس وجدب فكري لا يحتاج لإثبات، حيث خلا جراب النظام، عن أي انتاج فكري ذو شأن. صاحب ذلك ركاكة بالغة في الخطاب السياسي للنظام وقادته، بشكل جعل من أحاديثهم مصدراً للتندر.

* جهاز تنفيذي مسيَّس، تفتقر عناصره للكفاءة المهنية، ومُدار من قبل الأجهزة الأمنية المُسيَّسة هي نفسها، وبكل ما تملكه من صلاحيات غير محدودة. يقف شاهداً على مستوى مهنيته، ذلك الإدعاء الفريد من نوعه، لمدير جهاز الاستخبارات، وهو يتحدث في العلن، عن رصده بواسطة القمر الصناعي (للجهاز فيما يبدو) لفتاة شيوعية تطلق النار من بندقية محمولة في حقيبتها على أحد شهداء الثورة!ّ

* منظومة عدلية مُسَيَّسة لحد كبير، يقف شاهداً على ذلك، فشلها في تحقيق العدالة لضحايا دارفور وإنتفاضة سبتمبر 2013 وغيرها كثير.

* صراعات قبلية وجهوية، واسعة النطاق، وبتدبير سياسي وأمني، راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والنازحين. لم تكتف السلطة بإشعالها فقط، بل واصلت تأجيجها وتعقيدها عبر استخدام أساليب شراء ذمم قيادات الحركات المسلحة وزرع الألغام الموقوتة وسط تنظيماتهم.

* إضاعة فرصة ذهبية كان من الممكن أن تضع البلاد في مسار الإزدهار الإقتصادي، وذلك بإهدار عوائد البترول التي ضاعت بسبب الفساد، وغياب منظومة حكم فاعلة لديها رؤى وأهداف تنموية.

* تبديد الموارد عبر إنشاء منظومات اقتصادية عسكرية وأمنية بمليارات الدولارات، بدون دراسة لجدواها الإقتصادية والإجتماعية، تزاحم القطاعين العام والخاص في كل الأنشطة الانتاجية والمالية والخدماتية: مصانع، مشروعات زراعية، مصارف، وشركات صيرفة ومقاولات وتوزيع مواد بترولية، وكل ما يخطر على البال.

جيش نظامي مكتظ بقدر كبير من منتسبي الحركة الإسلامية، وتم إضعافه بشكل ممنهج لإفساح المجال لمليشيات الحركة والمرتزقة، كما تم تغيير عقيدته العسكرية، وإلغاء الكثير من قواعد الحرب والاشتباك، لدرجة أصبح معها قتل الأسرى والجرحى ممارسة سائدة تجد التشجيع والمؤازرة من زبانية الحركة الإسلامية من ذوي الحلاقيم الضخمة.

تكوين جيش من عشرات الألوف من المرتزقة الذين تتمثل عقيدتهم العسكرية في حماية عائلة وضعت تحت يديها قدرات دولة كاملة موازية “للدولة السودانية”، حيث لا أحد، كبر أم صغر، يملك الحق في التساؤل عن مصدر وحجم مواردها وكيفية الحصول عليها.

 

(2)

 

الحصاد المر للإنقاذ في مجال البنى التحتية وجهاز الخدمة العامة

 

* طرق داخلية بالمدن وبين الولايات بعيدة بالكامل، من سؤها، عن أن تصنف تحت أي معيار هندسي، حيث تغيب عنها حتى اشارات المرور في حدها الأدنى. وفوق ذلك تكتظ بأكثر أشكال الإنتقال بؤساً، حيث يكاد لا يخلو شارع رئيسي من العربات التي تجرها الدواب.

* شبكة سكة حديد معطوبة بالكامل تقريباً، رغم انفاق مئات الملايين من الدولارات لـ “تحديثها”!

* ناقل جوي وطني إندثرت معالمه، لازمه ضعف كفاءة في إدارة عمليات النقل الجوي بالبلاد لدرجة جعلت السودان ساحة لأسوأ حوادث الطيران على مستوى العالم، على قلة ما يمتلكه من طائرات.

* مدن وقرى تفتقد بلا استثناء لأي خدمات صرف صحي وتصريف لمياه الأمطار.

* أزمة طاقة كهربائية، تعاني منها المدن والأرياف، رغم انفاق مليارات الدولارات على سدود ومحطات توليد حراري كان من المؤمل أن تحل أزمة الطاقة الكهربائية. يقف دليلاً على ذلك التردي ضياع 650 مليون دولار أمريكي على محطة كهرباء الفولة، التي لا تزال معداتها ملقاة في العراء رغم مرور حوالي 10 سنوات من وصولها.

* أزمات حادة في مياه الشرب النظيفة بالمدن، دعك عن الأرياف. يكفي أن يكون الرئيس المخلوع قد وعد أهل الشرق أربعة مرات بإمداد مدنهم الرئيسية، بما فيها الميناء الرئيسي للبلاد، إمدادهم بالماء من مياه نهر عطبرة، بدون أن يفي بأي من تلك الوعود.

* أسواق عامة تفتقد لأبسط عناصر التنظيم والنظافة وتتراكم النفايات في جميع أرجائها. منافذ بيع مظللة ببقايا الجوالات الممزقة، ومعظم الباعة بها جعلوا من العراء مقراً لهم، بل أن أسواق الماشية الرئيسية انتقلت لجنبات الشوارع الرئيسية في عاصمة البلاد.

* نظام تعليمي ضعيف من جميع النواحي، مقررات بالية ومؤدلجة، مدارس عامة تفتقر لأبسط المقومات، من حيث الاجلاس والمناشط والمرافق الصحية، لدرجة أن العملية التربوية والتعليمية، في كثير من أنحاء البلاد تتم في العراء، والتلاميذ جلوساً على الأرض، تحت ظلال الأشجار. أما المدارس الخاصة، والتي باتت تضم نسبة عالية من الطلاب، نسبة لعدم رضاء ذويهم عن مستوى المدارس الحكومية، فغالبيتها العظمى عبارة عن منازل وشقق مستأجرة، بكل ما يتمخض عن ذلك من ضعف في العملية التربوية والتعليمية.

* مستشفيات عامة تفتقر للمقومات التي تمكنها من أداء دورها، ويعاني أطباؤها انعدام المعينات اللازمة، وتخلو مخازنها من أهم مطلوبات العلاج، مثالاً على ذلك التدهور وفاة العشرات في مناطق المناصير نتيجة لعدم وجود الأمصال الخاصة بمعالجة سموم العقارب. كما يقف شاهداً على الضعف المهني للقيادات في هذا القطاع، درجة تحول قضايا مهنية وعلمية لا تحتمل الجدل، لتصبح باباً للسجال في الصحف، كقضية المحاليل الوريدية الهندية، والدواء الإماراتي، وغيرها كثير.

* مناطق صناعية شبه منهارة نتيجة لعدم توفر الكهرباء اللازمة لتحريك عجلة الانتاج، والصعوبات التي تواجهها المصانع في في توفير المواد الخام، إضافة لجبايات الدولة. يقف شاهداً على ذلك، توقف الأغلبية الساحقة من مصانع النسيج والجلود التي كانت بمثابة مدن تستوعب عشرات الالاف من العمال والمهندسين، بل منها ما تم التخلص من معداته، الباهظة التكلفة، كخردة.

* تدهور الانتاج الزراعي الذي يشهد عليه ما آل إليه مصير مشروع الجزيرة ومشروع سندس، وتبديد مئات الملايين من الدولارات في مبادرات وهمية كالنفرة الزراعية والنهضة الزراعية.

* انعدام أي مبادرات خلال حكم الإنقاذ، لتنويع التشكيلة الإقتصادية مثل تطوير قطاع السياح.  في الواقع فإن ما كان موجوداً تم تخريبه، يشهد عليه ما أصاب محمية الدندر الطبيعية، وانطفاء المبادرات الخاصة بتطوير شواطئ البحر الأحمر الجاذبة، والتدهور في مستوى المتحف القومي، الذي انقطع الزوار عنه لما أصابه من بؤس.

 

(3)

مهام المرحلة الإنتقالية – الخطوط العريضة

 

يجتهد الإنقلابيون، بشقيهم، وبتأييد فلول المؤتمر الوطني، لتسويق فكرة أن حل الأزمة السياسية يمكن أن يتم عبر الإنتخابات “النزيهة” التي سيتأسس عليها النظام ديمقراطي!  وكأن هذه الانتخابات النزيهة ستقوم في الواق الواق وليس في السودان الذي نعرفه! وكأن الانتخابات عبارة عن مسألة فنية، تعني فقط توفير صناديق وأوراق للإقتراع. إن أي حديث عن إنتخابات بدون التقيد بالشروط التالية، لا يعدو غير كونه لعب على الذقون، فالإنتخابات، كإجراء، لن تؤسِّس نظاماً ديمقراطياً ما لم تتوفر الشروط التالية:

* إجراء مراجعة عامة وإصلاح للمؤسسات العدلية كالقضاء والنيابة العامة عبر إبعاد العناصر المرتبطة بالأجهزة الأمنية وأولئك الذين اقتحموا ساحته عبر تنظيم الاسلاميين؛ وتطعيمها بعدد وافر من أولئك المقتدرين الذين فقدوا وظائفهم عبر الإحالات بالفصل إضافة لمحامين من غير المسيسيين.

* إعادة هيكلة المنظومة الأمنية الغارقة حتى أذنيها في العمل السياسي المباشر، في إتجاه إبعاد مكوناتها من جيش وشرطة وأمن ودعم سريع عن العمل السياسي. الكل يعلم أن هذه الأجهزة مسيسة بالكامل ولديها توجهات للسيطرة على الحكم، أو نوايا لدعم جهات بعينها، مما سيؤثر بدون أدنى شك على مخرجات العملية الإنتخابية. مثالاً لذلك، فإن ما يقوم به قائد الدعم السريع من نشاطات سياسية وإجتماعية مستندة على موارد مالية ربما تفوق ما لدى الحكومة نفسها، وناتجة عن وضع يده بالقوة على موارد البلاد، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، انعدام المناخ النظيف لإجراء إنتخابات حرة. كما أن الحلف الذي أقامه البرهان مع إسلاميي المؤتمر الوطني، يشير لذات التوجه.

* إصدار قانون للعزل السياسي، يُجرِّم ويبعد جميع رموز وقيادات المؤتمر الوطني من ساحة الفعل السياسي. لا يمكن إنجاح نظام ديمقراطي في وجود حرية عمل لتنظيم أضر بالبلاد، وخرب أنسجتها الإجتماعية،  والسياسية، والإقتصادية، والأمنية، وعلاقاتها الدولية. كما تاجر بمعتقداتها، وأرجعها إلى مستوى ما قبل الدولة الوطنية. وفوق كل ما ذكرناه، ومالم نذكره، من حيثيات، فإن هذا التنظيم يستقوي بامكانات مالية هائلة إنتهبها بطريق مباشر أو غير مباشر من خلال سيطرته على الدولة، بكل مستوياتها، إضافة لذلك ما تحصل عليه من معلومات عبر أجهزة استخباراته المتعددة عن أفراد الشعب، فرداً فرداً؛ فكيف يمكن الحديث عن إنتخابات حرة ونزيهة، في وجود حزب بهذه المقدرات؟ إن مانطرحه هنا، ممارسة معروفة في كل البلاد (كألمانيا ما بعد الحرب الثانية)، التي احتاجت لإعادة بناء بعد إنهيار ممنهج، و تطمح لقيام ديمقراطية مستدامة وجهاز دولة محايد بمعنى الكلمة.

* إصدار قانون للتنظيم الحزبي، يفرض من ضمن ما يفرض، إلزام جميع الأحزاب بعقد مؤتمراتها وتنظيم عضويتها، وصياغة برامجها ودساتيرها، وتحديد مصادر أموالها، وما إلى ذلك من شروط تسمح لها بالمشاركة بفاعلية ونزاهة في العملية السياسية.

* إنجاز الإحصاء السكاني، بالشكل المهني المعروف، بإعتباره أحد الآليات الرئيسية لإجراء إنتخابات على مستوى الوطن تتسم بالعدالة والتمثيل الحقيقي.

* قيام مفوضية عامة للسلام من شخصيات مقبولة للجميع، لتهيئ المناخ الملائم لإشراك كل القوى السياسية والحركات المسلحة في العملية الإنتقالية.

* قيام مفوضية عامة للإنتخابات محايدة ومقبولة للجميع، وإصدار القانون المنظم للإنتخابات.

* قيام مفوضية عامة للدستور، تدير نقاشاً مجتمعياً مفتوحاً لا يستثني أحداً، وتصوغ من خلاله، وعبر مؤتمر شامل، دستوراً مؤقتاً للسودان، يكتسب ديمومته عند طرحه في البرلمان القادم.

* قيام مفوضية للعدالة الإنتقالية، تضع المعايير والأسس اللازمة لتحقيقها، ثم تراجع وتنظر في المظالم والإنتهاكات السابقة والحالية.

 

(4)

ملامح فشل الإنقلاب

 

هناك إصرار شعبي واضح، لا لبس فيه، وممهور بالدم القاني؛ لن يوقفه إغلاق الطرق والجسور، أو ينتقص منه الاستخدام الكثيف للعنف المميت من قبل قوات الإنقلابيين. إصرار على تحقيق شعارات الثورة ومطلوباتها، تقابله سلطة انقلابية منبوذة، محلياً ودولياً، يديرها جناحان عسكريان، طامحان في الحكم، وهما الجيش والدعم السريع. إن ما وجده الإنقلاب المشؤوم من دعم، لم يتعد تيار الإنقاذ المكروه، وقلة من شخصيات باهتة لا تمثل أحداً، وحركات مسلحة لا تملك نصيباً شعبياً في الشارع أو عسكرياً بالميدان.

نظام إنقلاب 25 أكتوبر مشلول منذ ولادته، ولا يملك رؤية لتسيير الأمور، وفاقداً لوحدة الارادة والهدف. من الأمثلة على ذلك:

* الفشل في تشكيل مجلس وزراء، أو إصدار إطار مرجعي وخارطة طريق يعمل النظام وفقاً لها، رعم مرور ما يزيد على الثمانية أشهر.

* الفشل في الحفاظ، على الأقل، على الوضع الإقتصادي الذي كان موجوداً قبل الإنقلاب المشؤوم.

* الخلافات الظاهرة والمستترة بين أفراده، مثل تلك القائمة بين حميدتي وكباشي، وتلك الأخرى التي نتوقع أن تحتد قريباً في تقديرنا بين البرهان وحميدتي بسبب الضغوط الواقعة على البرهان من الجيش، وتخوفه الشخصي من المنعة المتزايدة لشريكه.

* سياسة خارجية مضطربة وتفتقد للتماسك، أوقعت مناصري الانقلاب في الجوار الإقليمي في حيرة، حيث أربك البرهان ونائبه المشهد القائم عبر إدخال اسرائيل بقوة في الساحة السودانية بمسوغات غير مقنعة؛ كما سعيا، البرهان ونائبه، للتحالف مع اسلاميي الانقاذ، وإرجاعهم للمراكز المفصلية في الخدمة المدنية والأجهزة الأمنية، لإنقاذ سفينتهما الغارقة، بدون أن يضعا في حساباتهما مدى الغضب الذي سيسببه ذلك لمناصريهم الأساسيين الخارجيين. هذا غير المغامرات الأخرى، كزيارة حميدتي لأثيوبيا ولروسيا وما صاحبها من تصريحات غاية في الخطورة.

* القدرات السياسية والمهنية المتواضعة لقائدي الانقلاب ومعاونيهم، بشكل بات يسبب حرجاً لمن يريد الدفاع عن انقلابهما. ويمكن إيراد المئات من الأمثلة، الدالة على ذلك، من تصريحات البرهان ونائبه حميدتي، أو تصريحات مناصريهم من “الخبراء الاستراتيجيين” في الوسائط الاعلامية.

* التمادي في نقض العهود، والكذب البواح والمخجل، فيما يطلقه قادة الإنقلاب، سواء ذلك الذي يعني “مواطنيهم” أو ذلك الموجه للمستمع الخارجي.

إن بقاء هذا النظام لأي يوم إضافي سيجعل مهمة معالجة الأوضاع السياسية أكثر صعوبة وتعقيداً؛ وكما هو واضح، فإن ضعفه البيِّن لم يَدَع لأي لاعب سياسي محلي أو إقليمي أو دولي إمكانية لإصلاحه. لقد أبرزت الحيثيات التي أحاطت بزيارة حميدتي لموسكو أواخر فبراير الماضي، وما رشح من معلومات عن مصادر موثوقة في الغرب، بوجود علاقات اقتصادية وسياسية عميقة له مع الحكومة الروسية (راجع المقال الهام للنيويورك تايمز 3/6/2022 عن دور شركة فاغنر)، إضافة لتصريحاته المؤيدة لموسكو في غزوها لأوكرانيا التي أكدها بفرضه على الخارجية السودانية الوقوف ضد إدانة روسيا في الأمم المتحدة، وتمدد نفوذه في غرب أفريقيا، كل هذه الحقائق أبرزت خطورة هذا الرجل على الأوضاع السياسية في كامل المنطقة.

 

(5)

تحليل مواقف القوى الفاعلة في المشهد

لجان المقاومة:

هي المتصدرة للصراع ضد الإنقلاب، وهي التي تدفع الأثمان الباهظة على مدار اليوم في سبيل دولة سودانية ديمقراطية ومستقلة ومتحضرة. لقد أخطأت قوى الحرية والتغيير خطأً تاريخياً بعدم إعطاء هذه اللجان الوزن الذي تستحقه في العملية السياسية، وهو خطأ ساهمت فيه هذه اللجان نفسها بعدم المطالبة بالدور المستحق لها في رسم ملامح الفترة الانتقالية وما بعدها. عموماً هناك إتفاق الآن، في كل المبادرات المقدمة للخروج من الأزمة، على إعطاء هذه القوى دوراً أساسياً في منظومة الحكم. لقد بدأت في البروز جملة من المشاكل والسلبيات في أداء هذه القوى، حيث أصبح قطاعاً منها ينظر بارتياب لأحزاب الحرية والتغيير، كما بدأت قطاعات أخرى منها في تبني خط متطرف يرفض التفاوض كآلية لتحقيق التوافق المفضي لتحقيق أهداف الثورة، وهو أمر يستدعي التخوف من أن يتطور التطرف إلى إنفلات لا تحمد عقباه، كأن تتم الدعوة لاستخدام العنف مقابل العنف.

 

قوى الحرية والتغيير: 

 

على الرغم مما لعبته من دور تاريخي ينبغي الاعتراف به، إلا أن استبعاد لجان المقاومة عن المشاركة في ترتيبات إدارة الحكم وصياغة واعتماد وثائقه، أثر سلباً على دورها كحاضنة سياسية وتنظيمية لقوى الثورة، وبينما كانت القوى الأكثر فاعلية وقبولاً جماهيرياً، هما تجمع المهنيين ولجان المقاومة، إلا أن الغلبة والسيطرة على ساحات التفاوض والوساطات والترشيحات لمجلسي السيادة والوزراء وغيرهما، كانت لأحزاب وقوى ليس لها الوزن والحجم الذي يتناسب مع ما منح لها من أدوار. ليس ذلك فحسب، بل أنه جرى إعطاء الأحزاب والتيارات ذات الوزن السياسي والإجتماعي المؤثر أدواراً أقل أهمية من تلك التي أعطيت لكيانات محدودة العضوية والتأثير. لهذا و لغيره، يمكن القول أن قوى الحرية والتغيير قد عجزت كحاضنة عن القيام بدورها، حيث فشلت في إكمال هياكل السلطة الانتقالية كالمجلس التشريعي، والمفوضيات والمجالس المقترحة، أو على الأقل ترتيب أوضاعها بما يجعلها أكثر كفاءة.

 

الحزب الشيوعي:

 

تَبَنَّى الحزب الشيوعي ومنذ وقت مبكر موقفاً سلبياَ، وغير مألوف لديه، وذلك عبر التمسك بشعارات يصعب على أغلب القوى الفاعلة، القبول بها، علماً بأنها  قوى حريصة على انتصار الثورة وشعاراتها مثله. إن التشدد الذي يبديه الحزب الشيوعي، ليس موفقاً، ولا يتفق حتى مع تاريخ الحزب الذي عُرف عنه الحرص على صياغة برامج الحد الأدنى  التي توحد رؤى القوى الحيَّة في الشارع. بالتأكيد، فإنه إن لم يراجع الحزب تكتيكاته، سيكون قد أثَّر سلباً على قوى الثورة.

 

الفريق البرهان:

 

طامح في السلطة بلا ريب، إلا أن هنالك أمران يقلقان منامه، أولهما تورطه الشخصي في فض اعتصام القيادة وفزعه من مآلات هذه الورطة؛ ثانيهما، أن رغبته في حكم السودان خلال الفترة الانتقالية ومابعدها، ستجعله يصطدم بحليفه الرئيسي اليوم، وهو حميدتي. من جانب آخر أصبح موقفه ضعيفاً ومعزولاً، بل انكمش عنه حتى حلفائه الخارجيين الذين كان يتوق لتقليد تجربتهم، ونقصد مصر تحديداً، بسبب ضعف أدائه.

 

الفريق حميدتي:

 

هذه هي المشكلة الكبرى! رجل مندفع ومتعجِّل للحكم ولا يعترف بأي سقوفات أو خطوط حمراء تقف بينه وبين أن يحكم السودان بشخصه. تسانده في هذا ثرواته الطائلة التي لا يُعْرَف لها حدوداً، والتي يُجَيِّر قسماً كبيراً منها في الصرف على تأسيس حاضنة سياسية واجتماعية مستندة على القبيلة والعشيرة والمليشيات الأخرى حتى يكون جاهزاً للحكم سواءً كان ذلك بالقوة العسكرية المدعومة شعبياً من تلك الكيانات، أوعبر صندوق الانتخابات. على المستوى النظري فإن فرصته في الحكم أعلى مما هو متاح للبرهان، لمقدراته وذكائه اللذين يفوقان ما لدى البرهان، يشهد عليها حركته المتواصلة في مختلف الفضاءات، وشبكة اتصالاته المحلية والإقليمية والدولية الواسعة.

يعمل بهمة وجرأة غير معتادة ليجعل من مؤسساته، التي تندرج تحت المظلة العريضة “الدعم السريع”، يجعلهاً صنواً لمؤسسات الدولة. لقد وصل المخطط مرحلة أن يكون من مشاغل الدعم السريع إنشاء وحدة خاصة لحقوق الانسان وحماية الطفل، ناهيك عن قطاع الخدمات الطبية الشاملة التابعة للدعم السريع والمنتشرة في ربوع السودان! يريد الفريق حميدتي أن يكسب بطريقة الحواة الخطرة في مجال السياسة، والتي قد تقوده لمصير مجهول. فالرجل يريد أن يكون حليفاً للسعودية والامارات، وصديقاً لقطر وتركيا وروسيا وأثيوبيا، وفي ذات الوقت قائداً لبقايا الاسلاميين في الداخل، وكل ذلك بدون أن يغضب أحداً من حلفائه!

 

القوى الإقليمية (مصر والسعودية والإمارات):

 

داعمة للإنقلاب بشكل عام، إلا أنها مرتبكة في تأييده لمجموعة من الأسباب. يأتي على رأسها عدم ثقتها في البرهان، وضعفه البائن في أن يكون ديكتاتوراً فعَّالاً وذو رؤية، كما هو حال السيسي في مصر. كما أربكها أيضاً، وشحنها بالمخاوف، تصرفات البرهان وحميدتي الرامية لإدخال روسيا في قضايا المنطقة، وتحالفه الواضح مع إسلاميي الإنقاذ.

 

قوى اتفاق جوبا:

 

لقد أوضح مجرى الأحداث منذ وصول وفود الحركات الموقعة على الإتفاق للخرطوم، أن هذ الإتفاق كان شركاً نصبه المكون العسكري بإتقان، بغرض إرباك قوى الحرية والتغيير، وسحب البساط من تحت رجليها، بإعتبارها قاصرة عن تمثيل كل قوى الشعب الثائر. لقد ذهبت الحرية والتغيير إلى جوبا مغمضة العينين تماماً، وإلا ما كان فات عليها أن الاقوى المشاركة في مفاوضات جوبا، ليس لها وجود لا في الميدان ولا في الشارع. فالعدل والمساوة مثلاً تم قصم ظهر قوتها العسكرية تماماً في معركة قوز دنقو من قبل الدعم السريع، كما أنه لم يُسمع أن حركة مناوي، بعد خروجه من القصر، أطلقت طلقة أو أخرجت مسيرة سلمية في أي موقع داخل البلاد وخارجه. أما عن الآخرين، كالتوم هجو ومبارك أردول وعسكوري وغيرهم، فلا يملكون حتى مجرد لافتات تشير لهويتهم.

لقد أثبت مؤتمر قاعة الصداقة، وإعتصام “الموز”، حجمهم البائس على الرغم مما أغدق عليه من أموال طائلة ومن أموال ووظائف. فالإتفاق فقد مرجعيته تماماً من خلال حدثين، وهما مؤتمرهم بقاعة الصداقة وتشكيلهم لمركز سياسي مستقل، والآخر أحداث شرق السودان التي أطلقت عليه رصاصة الرحمة، باعتبار رفض مجتمع الشرق لما جاء به إتفاق جوبا، تحت لافتة “مسار الشرق”.

 

المجتمع الغربي:

 

متعاطف كثيراً مع الثورة السودانية، وهو أمر أثبتته جملة من المواقف. لقد اكتسبت الثورة السودانية تعاطفاً صادقاً من النخب السياسية الحاكمة ومن الرأي العام على السواء، حيث مثلت نمطاً غير مألوف في سلميتها وثبات جماهيرها ووضوح أهدافها. لقد ذهب تأييدها لثورة السودان بعيداً، حيث تجلى ذلك في عودة السودان للمجتمع الدولي في وقت قياسي، وفي تدفق المساعدات المالية والسياسية على الحكومة المدنية، كما تجلى أيضاً في موقفها القوي ضد الانقلاب الذي بلغ مستوى أن تنذر الولايات المتحدة قادته بالعقوبات الشخصية. بالإضافة لذلك فإن هذه الدول قلقة من تمدد النفوذ الروسي في المنطقة.

بدون شك، فإن السياسة الخارجية لهذه الدول مبنية على مصالحها كمحدد أساسي، مع دور لا يمكن نكرانه للقيم والمبادئ، لكنه يأتي في مرتبة أقل أهمية. في هذا الإطار، نتفهم حماسها ودفاعها عن الشعب المطالب بالحرية والسلام والعدالة، خاصة عندما يكون مد الشارع عالياً، كما نتفهم أيضاً ميلها للحلول التوافقية في حالة شعورها بتراجع في حركة الشارع الثوري، وهو أمر يجب أن يضعه المخططون السياسيون في الحسبان حتى لا ترتفع توقعاتهم إلى مستوى يربك حساباتهم.

 

(6)

الطريق لفتح الأفق المسدود

 

بعد أن لخصنا الوضع القائم الآن، وحللنا مواقف كل الأطراف المتفاعلة في هذا المشهد، نقدم فيما يلي ما نرى أنه يشكل ملامح المخرج الأكثر أماناً لبلادنا ولثورتنا، آملين أن يثير نقاشاً صحياً وسط النشطاء وأصحاب الرأي. وبطبيعة الحال، لا توجد حقائق مطلقة الصحة في التعاطي مع الشأن السياسي، بيد أننا نأمل أن نكون قد نجحنا في تقديم مقاربة يمكن البناء حولها. تحفل الساحة السياسية السودانية الآن بعدد كبير من المبادرات والمقترحات ومشاريع الحلول، بدون أن يكون أحداً منها قيد التداول الواسع بين كل أطراف مكونات الثورة مما يمكن أن يمثل خطراً جدياً على الثورة وقواها الحية، حيث يفتح أبواب الانقسامات والاختراقات وما إلى ذلك. وفي هذا نرى أن يتم الإتفاق على العناصر التالية، حتى يكون لقوى الثورة رأياً واضحاً وبنَّاءَ:

* لابد لقوى الثورة ممثلة في لجان المقاومة من جانب، وقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، من جانب آخر من توحيد نفسها، حتى ولو من خلال مكتب مشترك يضم ممثلين للمجلس المركزي وآخرين من لجان المقاومة. مهمة هذا المكتب تولِّي قضية الحوار مع الأطراف المختلفة، وتجهيز قائمة طويلة تضم من  يحتمل ترشيحهم للمجلس التشريعي المأمول، وقائمة أخرى بمن يمكن ترشيحهم لمجلس الوزراء. يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بإعتبار تفادي تجربة قحت الماضية، التي كان أكبر سلبياتها التباطؤ في تشكيل المجلس التشريعي، ومجلس الوزراء. صحيح أن لا أحداً في هذه اللحظة يمكنه تحديد عدد مقاعد المجلس التشريعي أو نسب توزيع مقاعده، لكن من المهم جاهزية قوى الثورة لتحديد مرشحيها حال الفراغ من اعتماد مجلس الوزراء الجديد، لذا اقترحنا البدء في تجهيز القائمة الطويلة. من ناحية أخرى، نرى انه من الأوفق التراضي على منح تمثيل مناسب في المجلس التشريعي للقوى الإسلامية التي وقفت ضد إنقلاب 25 أكتوبر بحزم، ومن قبلها صارعت في قلب الشارع لإسقاط نظام المؤتمر الوطني.

* لقد شكل تآمر مجموعة إتفاق جوبا مع المكون العسكري، إضافة لضعف وزنها السياسي والعسكري، اللذان أثبتتهما الأحداث، مع الوضع في الاعتبار خروج مسار الشرق عنها ورفض القوى الأساسية، عبدالواحد والحلو، الإنضمام للإتفاق؛  شكل أساساً موضوعياً لإعادة التفاوض حول عملية السلام من جديد. لذا يتوجب انهاء شراكة هذه المجموعة في العملية السياسية الجارية حالياً، وتحويل الملف بكامله لمفوضية السلام التي يفترض أن تنشأ مع الحكومة الجديدة، على أن تُمثل هذه المجموعة تمثيلاً، غير مخل بتوازنات القوى، في المجلس التشريعي المقترح.

* معالجة عقدة التعامل مع المكوِّن العسكري:  بالتأكيد فإن الشارع مصمم على التغيير وإبعاد العسكريين عن مراكز الحكم، بيد أن القطاع الأعظم من قوى الثورة، يرفض آلية التفاوض، سواء المباشر أم غير المباشر، مع المكون العسكري. إن هذا الإصرار فوق أنه يطيل من طول وعمق الأزمة، ومعاناة الناس، فهو يرسل رسالة سلبية وخاطئة لأصدقاء السودان في المجتمع الدولي الذين ينادون بذلك. ربما يصلح هذا التوجه في حالة وجود قوة ثورية مسلحة في الميدان مساندة للشارع، أو في حالة وجود قدر معتبر من الضباط الوطنيين بالقوات المسلحة يمكن أن يضغطوا على قياداتهم في إتجاه أن تتخلى عن ممارستها الإنقلابية، وهي شروط غير مُتَحَقَّقة، لذا يصبح من الضروري التفاوض المباشر أو غير المباشر معهم. إذ من أين ستتحصل الحكومة المدنية، بفرض تشكيلها، على مفاتيح  الوزارات والمواقع الحكومية، وتضع يدها على موارد الدولة بدون أن تكون ممسكة بزمام القوة المادية؟ وإلى متى يمكن لقوى الثورة الحفاظ على الطاقة التي تسمح لها بالخروج اليومي إلى الشوارع؟ بل ماذا يضير القوى الثورية من التفاوض طالما أن اهدافها ومطالبها محددة وواضحة ومتفق عليها؟

* القوى التي أسقطت حكم البشير هي لجان المقاومة وتجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير المكتب المركزي، وبالتالي هي الجديرة بتمثيل الشارع. يجب رفض أي محاولة تسعى للزج بكيانات أخرى، قبلية وغيرها، وتحت أي ذريعة. إن التوجه نحو تكوين حكومة تكنوقراط، وهو المطلوب، لا يلغى الحوجة للإستفادة من خبرات بعض المنتمين سياسياً طالما إتفقت قوى الثورة عليهم.

* نأمل أن تنقلنا الوساطة الأمريكية السعودية القائمة اليوم، لبر الأمان إذا استوفت مطلوبات الشارع، وهذا هو المطلوب. أما في حالة فشلها، فإن كاتب هذه السطور يؤيد تدخل المجتمع الدولي، الغرب تحديداً، للجم الطغاة البرهان وحميدتي. فباب السياسة في السودان، ومن الأساس، كان مفتوحاً للغير تشهد عليه قرارات الأمم المتحدة الكثيفة بخصوص الوضع في السودان، كما يشهد عليه الإرتباط البالغ القوة، سياسياً ومالياً، بالانقلابيين مع المجتمع الإقليمي. وإرتباط الانقلابيين مع بعض القوى الإقليمية ليس هو الخطير فقط، بل إن الانقلابيين فتحوا الباب واسعاً للتغلغل الروسي في السودان عن طريق شركة فاغنر القريبة الصلة بالرئيس الروسي، وهو ما كشفت بعضه صحيفة النيويورك تايمز بتاريخ 5/6/2022، وهو أمر يزيده تأكيداً زيارة حميدتي ومن قبله شقيقه عبد الرحيم إلى موسكو، في ظرف عالمي غير مواتي، وتأييدهم المقصود، في ذاته، للتدخل الروسي في أوكرانيا. نشير إلى أن علاقة فاغنر العسكرية والاقتصادية مع الكثير من دول أفريقيا الفاشلة، ليس جديداً، فها هي الحكومة المالية، قبل أيام قليلة، تسلمهم القاعدة الفرنسية بمالي كمنطلق لنشاط الشركة العسكري.

* بخلاف أهمية تدخل المجتمع الدولي للجم اللاعبين الخارجيين المؤيدين للإنقلاب، فإن استقواء العسكر بالسلاح والمال، وبخدمات المؤتمر الوطني الذي يمسك بتلابيب الدولة وأجهزتها الأمنية، وبفقدان الإنقلابيين لأي قيود أخلاقية، وإنعدام المصداقية لديهم، وميلهم للولوغ في دماء المتظاهرين السلميين وإخضاع غيرهم للتعذيب والإعتقال؛ كل هذا يفرض على شعب السودان الاستعانة بأصدقائه في المجتمع الدولي، لمساعدته في إقامة دولته المنشودة. وفي دعوتنا للمجتمع الدولي في شقه الغربي، نضع في الإعتبار مصالحه هو أيضاً. فما يحدث بالسودان من إنفلات عسكري وأمني، ومن تواجد قوي لشركة المرتزقة الروس، فاغنر، سيزعزع أمن البلاد ودول الجوار، ويفتح الوضع في المنطقة كلها على أسوأ الاحتمالات.

* هنالك أدوار هامة مناط بالمجتمع الدولي لعبها. منها القيام بدور الضامن للمواثيق والوثائق الدستورية التي يتم الإتفاق حولها، وذلك نسبة لإنعدام ثقة الشعب في قادة المؤسسات الأمنية ووعودهم. ومنها وضع آلية مراقبة ومتابعة لتنفيذها خاصة تلك المتعلقة بهيكلة المؤسسات الأمنية حيث أصبح لزاماً تصفية كل المليشيات ومؤسساتها وفق جدول زمني محكم. كما منها حشد الموارد الاقتصادية وغيرها، لتمكين السودان من عبور الفترة الانتقالية بنجاح. إضافة لذلك يُتوقع من أصدقاء السودان في المجتمع الدولي القيام بمهمة التوسط مع حركتي الحلو وعبد الواحد من أجل إلحاقهم بالعملية السياسية الناشدة للتغيير الشامل.

تاريخ الخبر: 2022-06-28 18:22:30
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

نشرة إنذارية من المستوى الأحمر.. أمطار رعدية ورياح قوية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:52
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

حكم قطعي.. عزل أصغر رئيسة جماعة قروية رفقة اثنين من نوابها

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:54
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

بنك المغرب يسجل ارتفاع الدولار مقابل الدرهم

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:54
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

عاجل.. الحكومة تلغي نتائج امتحان السياقة وتمنح الراسبين فرصة جديدة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:11
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 73%

عيد الفصح.. استنفار أمني فرنسي أمام الكنائس

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:51
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 56%

عباس يصادق على تشكيلة الحكومة الفلسطينية الجديدة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:57
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 51%

تطبيقات النقل.. وزير النقل يكشف لـ"تيلكيل عربي" شرط تقنينها في المغرب

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:50
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

بالأرقام.. ما الإنجازات التي حققها المغرب لتنمية اقتصاده الأزرق؟

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:53
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

ماراثون المشي المختلط جديد دورة الألعاب الأولمبية بباريس

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:10:49
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية