عن سلسلة روائع الأدب العربي التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، صدرت مختارات شعرية جديدة للشاعر محمود قرني تحت عنوان "خاتم فيروزي لحكيم العائلة"، وقد قدم لها بمقدمة ضافية المفكر الكبير نبيل عبدالفتاح.

تتضمن المختارات قصائد من عشرة دواوين، من بينها "حمَّامات الإنشاد شعر هيئة قصور الثقافة  1996 م، "خيول على قطيفة البيت شعر دار الأحمدي للنشر 1998م، هواء لشجرات العام شعر الهيئة العامة المصرية للكتاب 1999م، طرق طيبة للحفاة "شعر الهيئة العامة لقصور الثقافة 2001م، لعنات مشرقية شعر دار الأدهم للنشر والتوزيع 2012، ترنيمة لأسماء بنت عيسى الدمشقي شعر "دار الأدهم" 2019، أبطال الروايات الناقصة "مختارات شعرية" دار الأدهم 2021. 

هذا وقد تضمنت المختارات التي تقع في 264 صفحة من القطع المتوسط، بعض القصائد التي لم تنشر في دواوين سابقة. 

وتجربة شاعر "خاتم فيروزي" ليست قاصرة على الشعر فحسب، بل تنطوي على معارك معرفية وثقافية خاضها الكاتب والمثقف الكبير الشاعر محمود قرني على مدار أكثر من ثلاثين عامًا دفاعًا عن فكرة التقدم، وعن تجديد خطابات الأمة على المستويات كافة، وعلى رأسها معركة "قصيدة النثر" كواحدة من أهم وأكثر قضايا الشعر العربي الجديد التباسا وإثارة للجدل وسط مناخات محافظة تحاول وأد فكرة التجديد برمتها. 

في هذا السياق كتب الشاعر محمود قرني عشرات المقالات في جرائد ومجلات كبرى في مصر وخارجها، منها القدس العربية بلندن والاتحاد الإماراتية والأهرام ومجلات أخبار الأدب وإبداع ومجلة الشعر، وغيرها الكثير مصرية وعربية، وأصدر في هذا السياق، خمسة كتب بين الفكر والسياسة والفلسفة والنقد بينها: وجوه في أزمنة الخوف.. عن "الهويات المجرحة" و"الموت المؤجل" وهو كتاب صادر عن كتاب الهلال في العام 2016، "خطاب النخبة وأوهام الدولة الأخلاقية" كتاب "دار روافد.. 2017، "لماذا يخذل الشعر محبيه؟!" "دار الأدهم" 2021، "الوثنية الجديدة وإدارة التوحش"، دار الأدهم 2021، "بين فرائض الشعر ونوافل السياسة" دار الأدهم 2021.

ويقول المفكر نبيل عبدالفتاح في مقدمته للمختارات: " تبدو الكتابة أو الحديث عن الشاعر الكبير محمود قرني صعبة، حيث تنتابك الحيرة وتراوغك اللغة والأوصاف، والمجازات، ويختلط لديك الذاتي والموضوعي في مقاربة إنسان مفطور على الطيبة الذكية، والجمال الروحي، ومستوى من الصفاء الصوفي إزاء عسر الحياة ومخاتلات وازدواجيات وأقنعة البشر ودخائلهم المعقدة والمركبة والمتداخلة بين تعددية مساحات الخير والشر، الحب  والكراهية، الصداقة والعداء، اللؤم وذكاء الوضوح والاستقامة.

محمود قرني، اللطيف بلا مبالغة، الحاد في نصوصه حينا، والصارم غالبًا؛ إزاء الوجوه الكريهة التي تلوث وجه الحياة والأفكار والشعر والحرية في كل وجوهها ومجالاتها، أبدع حياته في إخلاص وصمت، ونكران للذات، ومحبة للآخرين ممن هم على مثاله. لم يتكالب على موقع، ولم يسع لمكانة لا شك أنه يستحقها كشاعر كبير في جيله مصريا وعربيا، وكمثقف نقدي بارز، يمتلك أدواته النقدية، باعتباره صاحب تكوين عصامي صاغه بِكَدِّه وعقله ودأَبِه الوثَّاب.

يبدو أحيانًا صاخبًا في غضبه، بسبب اعتلالات في الفكر المهيمن، وسلوكيات بعض من المثقفين أو السلطة الثقافية الرسمية، التي تجافي معاني المثقف والاستقلالية والالتزام الوطني، وقيمة الحرية الفكرية والضميرية، وتناهض سلطة العقل الحر. ثم سرعان ما يعود إلى هدوئه الرصين، وابتسامته المشرقة بالأمل، والرضا عما يفعله، ويبدعه من شعر محمول على الجدة والتخيلات الخاصة، وكتابة مشرقة بالتحليل والنقد والتركيب.