أزمة الحوار بين السنّة والشيعة سببها إيران


كُتب الفشل لكل الدعوات السابقة التي أطلقت للتقريب بين السنّة والشيعة؛ فرغم قدم هذه الدعوات وكثرتها إلا أنها لم تثمر نتائج ملموسة على أرض الواقع، فربما تكون عوامل الفشل صاحبت هذه الدعوات في بداية إطلاقها، أو لم يأخذ أصحابها هذه الدعوات على محمل الجد ولم تتوافر إرادة النجاح لها.

إذا كان التقريب بين الأديان أمراً محبباً للنفس نظراً الى المشتركات الإنسانية التي تجمع بني الإنسان، فمن الأولى أن يكون هذا التقارب على مستوى المذاهب داخل الدين الواحد، فالإسلام دائماً يُحرض على الاعتصام والتقريب ولمّ الشمل، وكلها صفات محمودة تعود على الإنسان وحياته بالنفع.

في ما يتعلق بالتقريب بين السنّة والشيعة دائماً ما يرفع لواءه رجال الدين، اعتقاداً منهم أن الأزمة تكمن في بعض المفاهيم الدينية بين هذين المذهبين، وأنهم قد يقودون إلى حوار سياسي إذا ما نجح الحوار الديني بينهما، وهذا الكلام قد يكون صحيحاً من الناحية النظرية، ولكنه غير صحيح من الناحية العملية بدليل فشل كل محاولات التقريب السابقة.

الأزهر الشريف سعى على مر تاريخه الطويل إلى هذا التقارب، فأطلق الدعوة وراء الدعوة، واستقبل رجال الدين الشيعة بقلب وعقل كبيرين داخل باحات المؤسسة الدينية الأكبر في العالم، ومع ذلك كان السلوك السياسي لبعض هؤلاء الشيعة بعيداً تماماً عن أي حوار ديني بل يهدمه.

أزمة السنّة مع الشيعة أو مع إيران التي تمثل صوت الشيعة في العالم، أنها تتعامل سياسياً مع أي دعوات تقريب دينية، وأنها تقدم أهدافها السياسية على أي تقارب ينشده رجال الدين في الجانبين، حيث تحول رجال الدين الشيعة إلى رجال سياسة في الأصل، فبتنا نسمع عن التشيع السياسي، أي الولاء لإيران لا لآل البيت، فقد تجد في دولة عربية ما شيعة ولاؤهم لإيران ضد وطنهم، الحكم ليس على إطلاقه، ولكن هذه الحالة باتت شائعة في السلوك السياسي لكثير من الشيعة في منطقتنا العربية.

وأزمة إيران في أنها دولة طائفية مذهبية وليست دينية فقط، وهنا تبدو عوامل فشل أي محاولات للتقارب بين السنّة والشيعة على الأقل في الماضي، فإيران تتعامل بصبغة مذهبية مع جيرانها، وتقوم مع ذلك على التبشير بأفكارها وتصدير الثورة، فإيران المذهبية لا الدينية سبق وصرح أحد قادتها بأنها نجحت في احتلال 4 عواصم عربية.

فأي أجواء للحوار الديني وسط محاولات التمدد السياسي؟ أو محاولة استفادة السياسيين من دعوة رجال الدين أو على الأقل توظيف الدعوات الدينية الى التقارب بحيث تصب في صالح المشروع الإيراني في المنطقة.

تصريح أحد قادة إيران في وقت سابق باحتلال 4 عواصم عربية لم يكن صادماً، فإيران تتعامل من منطلق عرقي مذهبي، فرس وشيعة، ولذلك من الخطأ وصف إيران بالدولة الدينية، فهي ليست دولة دينية فقط ولكنها مذهبية أيضاً، وهو ما يعقد أي حوارات معها.

تُحاول بشكل دائم اختراق المنطقة العربية والوصول إلى عمقها عبر ما يمكن تسميته بالتشيع الديني والسياسي وخلق ولاءات للمذهب، فما أكثر الميليشيات المسلحة التي قامت إيران بإنشائها في المنطقة العربية كي تكون خنجراً مسموماً في ظهر العرب والمسلمين.

يأتي هذا الحديث بمناسبة دعوة فضيلة شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، إلى حوار سنّي - شيعي، خلال كلمة ألقاها في ختام ملتقى البحرين للحوار في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري؛ فرغم صدق الدعوة التي أطلقها أهم رمز ديني سنّي بوصفه شيخاً للأزهر الشريف ورئيساً لمجلس حكماء المسلمين، إلا أن هذه الدعوة لم يتم الرد عليها سريعاً من المجمع الدولي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، فمثل هذه الدعوات تظل حبيسة النقاش السياسي داخل إيران أولاً ثم يُسمح لرجال الدين في ما بعد الدخول في نقاشات غالباً لا تأتي بنتائج ملموسة.

فأي حوار أو دعوة الى التقريب بين السنّة والشيعة لا بد من أن تتم عبر إيران ولا بد من أن تكون سياسية أولاً، فلا يمكن التقريب بين المذهبين دينياً فقط، فأزمة السنّة أو المنطقة العربية أو الجيران مع إيران ليست في المعتقد الديني ولكن في السلوك السياسي الذي تُهدد إيران من خلاله أمن الجيران بل والأمن القومي العربي، فهذا التقريب لا بد من أن يسبقه نقاش سياسي وتعديل لسلوك إيران وتدخلها السافر في أمن المنطقة.

على إيران إن كانت صادقة في دعوتها الى قبول هذا الحوار واستعدادها لزيارة المؤسسة الدينية في القاهرة للإطلاع على أسس الدعوة التي أطلقها شيخ الأزهر الشريف، أن تثبت حسن النوايا تجاه السنة الذين يمثلون أغلب المسلمين في العالم وأن تُهذب من سلوكها السياسي بحيث يكون بعيداً من الاعتداء على المقومات الاجتماعية والروحية والسيادية لشعوب المنطقة العربية.

كل الدعوات التي أطلقت للتقريب بين السنّة والشيعة اصطدمت بصخرة السلوك السياسي لقادة إيران، فأي حوار لإيران وهي من تقوم باضطهاد السنّة والعرب على أراضيها ولا تسمح لهم بتأدية عباداتهم بحرية، ولديها مشروع توسعي على حساب السنّة والعرب، ودائماً ما تُحرض ضد المملكة العربية السعودية، وكثيراً ما يسعى حجاجها في كثير من الأوقات إلى إثارة الاضطرابات داخل أرض الحرمين، كما تطالب دائماً بأن تخضع المقدسات الإسلامية إلى إدارة تكون إيران جزءاً منها!

تم إطلاق دعوة التقريب بين السنّة والشيعة وسط هجوم شديد ضد رجال الدين الشيعة الذين تورطوا في التحريض ضد الفتاة الإيرانية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً والتي قتلت على يد رجال الدين في إيران أو ما يُطلق عليهم شرطة الأخلاق، فأي أخلاق وأي دين يُعطي مبرراً لقتل النّاس على خلفية الزي الذي يرتدونه؟ وإذا كان هذا سلوك رجال الدين في إيران فأي مساحات مشتركة يبحث السنّة من خلالها عن الحوار؟

نجاح الحوار الذي أطلقه شيخ الأزهر يتوقف على مدى التزام إيران السياسي، وعدم سعيها إلى التسلح النووي وتهديد أمن من تدعي أنها تسعى الى الحوار معهم، مجرد إطلاق دعوات التقريب أو قبولها لن يجدي أمام سلوك إيران تجاه أمن المنطقة العربية.

*نقلا عن النهار

تاريخ الخبر: 2022-11-28 18:18:25
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

بطلة برنامج “المواعدة العمياء” ممنوعة من مغادرة المغرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 18:26:17
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

بطلة برنامج “المواعدة العمياء” ممنوعة من مغادرة المغرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 18:26:13
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية