رَدَّ مجمع اللغة العربية عبر صفحته على تساؤل خاص عن معنى كلمة التحفيل في الرياضة في مثل: جماهير النادي (...) تحفِّل على نادي (...).
وقد أجاب أ.د.محمد العبد (عضو المجمع) قائلًا: يُطلق لفظ "التحفيل" فى الوسط الرياضى على احتشاد أنصار الفريق الفائز للسخرية اللاذعة من أنصار الفريق المهزوم بالكلمة أو الصورة أو هما معًا، ومن الأمثلة على ذلك:
_" التحفيل بين الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعى ظاهرة عالمية فى جميع مباريات الدِّربيات فى مختلف دول العالم، وقد يُحدث التحفيل مشكلات وأزمات بين الجماهير." (أخبار اليوم 30/11/ 2020م).
_"لعل أحد أهم مساوئ وسائل التواصل الاجتماعى: التحفيل؛ وهو نوع قاسٍ من السخرية وإشعال العداء الكروى بين جماهير الأندية الرياضية، هو نوع من الاستهزاء بالخصم أو الاحتفال بطريقة ساخرة ومُهينة فى كثير من الأحيان وصلت إلى حدِّ التنمُّر الكروى".
_"شهدت ظاهرة التحفيل الكروى تناميًا لافتًا فى السنوات الأخيرة بين مشجعى قطبى الكرة المصـرية، يقود التحفيل مشجعو الفريق المنتصر عقب انتهاء المباراة فى الكلاسيكو المصرى بشكل كوميدى ساخر عبر وسائل التواصل الاجتماعى".
وقد ساعد الإعلام الرياضى من ناحية ومنصات التواصل الاجتماعى من ناحية أخرى على انتشار ذلك اللفظ انتشارًا واسعًا فى العربية الفصحى المعاصرة حتى غدا علامة على سلوكيات تناقض الروح الرياضية وتضرب بالخُلق الرفيع عرض الحائط.
هذا، وقد تجاوز "التحفيل" كونه ظاهرة رياضية سلبية يُحذر الإعلام الرياضى بخاصة والإعلام بعامة من مخاطرها على الفرد والجماعة إلى كونه قضية يتناولها الرأى العام على كافة الأصعدة؛ فعلى الصعيد السياسى قُدِّمت إلى البرلمان طلبات الإحاطة للنظر فى الأمر، وعلى الصعيد الاجتماعى يُحذر علماء الاجتماع من تنامى ظاهرة "التنمر الكروى" الذى يُعد نتاج التعصب الرياضى الذى تظهر علاماته فى المواجهات بين الفرق المتنافسة (أخبار اليوم 30/11/ 2020م)، وعلى الصعيد الدينى أُثيرت التساءلات عن حُكم الشرع فى "التحفيل" على صديق بسبب نتيجة إحدى المباريات، وأنه فتنة وحرام شرعًا.
وفى هذا العصر الذى صار لرواد التواصل الاجتماعى فيه خطر عظيم وتأثير بالغ فى الكشف عما تأتيه شخصيات سياسية أو إعلامية أو فنية أو غيرها من تصـريحات غريبة، أو آراء صادمة، أو خروج إحدى الممثلات على المشاهدين فى مهرجان سنيمائى بأزياء جريئة، فلا يلقى مثل ذلك كله إلا "التحفيل" على هؤلاء بالانتقاد الجارح والسخرية اللاذعة، ومن ذلك:
- "فى أول رد لها على تداول صورها القديمة والحديثة، قالت الإعلامية (فلانة) فى تصريحات تليفزيونية إن الموضوع لا يستدعى التحفيل".
و"التحفيل" المصدر القياسى من الفعل الثلاثى مُضعَّف العين "حفَّل" وهو يُستعمل فى العربية المعاصرة متعدِّيًا بالحرف "على"؛ وهو ما لم تذكره المعجمات العربية القديمة أو الحديثة. وبمراجعة الجذر (ح ف ل) ومشتقاته تبيَّن دورانها حول معانى الاحتشاد والاجتماع والامتلاء والكثرة. من الأمثلة على ذلك: "حفل القومُ: احتشدوا، والحفل: اجتماع الماء فى محفله، ومحفل الماء: مجتمعه، والتحفيل: التصرية؛ وهو ألا تحلب الشاة أيامًا ليجتمع اللبن فى ضرعها للبيع، والمحفَّلة: الناقة أو البقرة أو الشاة لم يحلبها صاحبها أيامًا حتى يجتمع لبنها فى ضرعها...وهكذا (انظر مثلًا: لسان العرب: حفل).
الاحتشاد والاجتماع والكثرة إذن معانٍ تكتنف مشتقات ذلك الجذر فى سياقات استعمال مختلفة، وفى ذلك ما يربط "التحفيل" بالمعنى المعجمى القديم بالمعنى الرياضى فى العربية المعاصرة؛ فالتحفيل الرياضى فى مواقع التواصل الاجتماعى يصنعه سلوك جماعى يتعاطاه مشجعو فريق ضد فريق آخر بالتراشق بالنكات والمنشورات والصور الساخرة.
عرفت المعجمات العربية القديمة إذن لفظ "التحفيل" كما عرفته مصادر الفقه الإسلامى فى باب البيوع، ومن تلك المصادر: ردّ المحتار على الدر المختار لابن عابدين الدمشقى (مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى، ط2، 1966م، 7/223)، ورفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لتاج الدين السبكى (تحقيق على محمد عوض وعادل أحمد عبد الموجود، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1999م، 4/168)، ونجاح القاري لصحيح البخارى ليوسف أفندى زاده (تحقيق عبد الحفيظ محمد على بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، 1971م، 13/328) وغيرها. وقد ورد الفعل "حفَّل" – مضعَّف العين – فى الحديث النبوى؛ فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله: «إذا باعَ أحدُكم الشَّاةَ أو اللَّقْحةَ، فلا يُحَفِّلْها». (سنن النسائى بحاشية السندى، تحقيق صدقى جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 4م290).
وبناء على ذلك، فإني أقترح ضم هذا المعنى المذكور هنا إلى جملة المعانى اللغوية التى عرفتها المعاجم العربية لذلك الفعل "حفَّل" ومصدره؛ وذلك لكثرة دورانه، ووقوعه، فى استعمالات لغوية فصيحة صحيحة وللحاجة إليه فى الاستعمال المعاصر.
اقرأ أيضا | على غرار الدمشقي.. مجمع اللغة العربية يوضح النسب إلى «هاواي»
