الحديث المَرفوع هُوّ مصطلح من مصطلحات فهم الحديث يستعمله المحدثون (فهماء الحديث) للإشارة إلى الأحاديث التي رواها الصحابي عن النبي محمد مِثل "قَالَ النبي" و"فَعَلَ النبي" سواءً كان هذا الحديث سليما أوضعيفا أوحسنا أوموضوعا أومنبترا أومتصلا أومسندا أوغيره من أنواع الحديث. والمرفوع هوفقط الحديث الذي رواه الصحابي عن رسول الله إذ نفى الخطيب البغدادي حتىقد يكون الحديث المرسل من الحديث المرفوع والمرسل هوالحديث الذي أوفده راوي من غير الصحابة لرسول الله.

معنى الحديث المرفوع وتعريفه في اللغة

المرفوع هواسم مفعول من رفَعَ، وفي فهم الحديث هوما أُضيف إلى النبي محمد من قول أوعمل أوتقرير أووصف في خُلُقه أوخِلْقَتِه، والمقصود بـ "القول" أقوال النبي و"العمل" أفعاله و"التقرير" أي يعمل أويقول الصحابي شيئاً أمام النبي فيسكت عنه ولا يعارضه أويحرم عليه فعندهاقد يكون أقره وصحح ما نطقه أوعمله و"الوصف" يُقصد به وصف شكل النبي أوأخلاقه.

ويعني في فهم الحديث حمله للنبي محمد أي رَفَع الراوي الحديث الذي رواه في إسناده إلى النبي محمد، مثلاً؛ "روى التابعي عروة بن الزبير حديثاً عن عائشة بنت أبي بكر عن النبي محمد"، يُعتبر هذا الحديث مرفوعاً للنبي محمد. والحديث المرفوع عكس الحديث الموقوف وهوالحديث الذي رواه التابعي عن صحابي مُعين، مثلاً؛ "روى التابعي الحسن البصري عن الصحابي أنس بن مالك أنّه عمل أونطق له كَذَا وكَذَا"، أو"روى التابعي سعيد بن جبير عن الصحابي ابن عباس تفسيراً لآية قرآنية معينة" وهذا يُسمى حديث موقوف. وسُميَّ الموقوف موقوفاً لأن راوي الحديث وقف بالإسناد إلى الصحابي فقط بينما الحديث المروي عن النبي محمد حمله الراوي إلى النبي محمد.

وعهده ابن الصلاح في كتابه مقدمة ابن الصلاح المُسمى بـ «فهم أنواع علوم الحديث»: «وهو: ما أُضيفَ إلى رسول الله - خاصةً. ولا يقع مطلقه على غير ذلك، نحوالموقوف على الصحابة وغيرهم. ويدخل في المرفوع المتصل، والمنبتر، والمرسل، ونحوها، فهووالمسند عند قوم سواءٌ، والانقطاع والاتصال يدخلان عليهما جميعاً.»، وعهده الشريف الجرجاني في كتابه الديباج الممضى في مصطلح الحديث: «هوما أضيف إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاصة من قول أوعمل أوتقرير سواء كان متصلًا أومنبترًا. فالمتصل قد يحدث مرفوعًا وغير مرفوع، والمرفوع قد يحدث متصلاً وغير متصل، والمُسند مرفوع مُتصل.»

والمرفوع مجرد صفة للحديث النبوي لا تقتضي تسليماً ولا تضعيفاً، فقد يحدث مرفوعًا وهوسليم، وقد يحدث مرفوعًا وهوحسن، وقد يحدث مرفوعًا وهوضعيف، فالحديث إذا وصف بالحمل فإنما يراد بذلك التفريق بينه وبين الحديث الموقوف والحديث المقطوع. وإذا ما صح سند الحديث المرفوع وسلم من العلة وتوفرت فيه شروط الأحاديث السليمة وجب العمل به، وصحَّ به الاحتجاج، سواء كان ذلك في الفقه أوالعقائد.

أقسام الحديث المرفوع

له قسمين هُما المرفوع صراحةً، والمرفوع حُكماً.

المرفوع التصريحي

معنى المرفوع صراحة هُوّ الذي فيه إضافة القول أوالعمل أوالتقرير إلى النبي محمد صراحة، مِثل حتى يُصرح الصحابي حتى النبي محمد نطق كذا وعمل كذا، وهوعكس المرفوع حُكماً، وهذا القسم من الحديث المرفوع له عدة أنواع.

من أنواعه المرفوع القولي ، ومثالاً عليه ما رواه علقمة بن وقاص:

	سمعتُ عمر بن الخطاب على المنبر نطق: «سمعتُ رسول الله يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أوإلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»
—رواه البخاري

وهذا يعد حديث رواه الصحابي صراحة عن النبي محمد وهوقول من أقوال الرسول لذا سُميَّ المرفوع القولي. والنوع الثاني هوالمرفوع العملي أي الأحاديث التي تروي أفعال النبي محمد، مثالاً عليه ما روته عائشة بنت أبي بكر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ولج بيته بدأ بالسواك.»، وهذا الحديث يروي عمل من أفعال النبي محمد.

ومن أنواع المرفوع صراحة المرفوع التقريري، ومعناه ما أقره النبي محمد على الصحابة مثلاً لوعمل أونطق صحابي شيء أمامه وسكت عنه النبي ولم يخالف ما نطقه أويعارض ما عمله فيعني هذا أنّه أقره ووافقه على عمله وقوله وأنّه سليم، ومثالاً على ذلك ما رواه أبوداود في سنن أبوداود عن عمروبن العاص: «نطق احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إذا اغتسلت حتى أهلكُ فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي فنطق: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنبٌ ،يا ترى؟ فأبلغته بالذي منعني من الاغتسال وقلتُ إني سمعت الله يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إذا الله كان بكم رحيماً) فضحك رسول الله ولم يقل شيئاً »، وفي هذا اجتهد عمروبن العاص في مسألة وأبلغ النبي محمد بها فلم يقل له شيئاً أويعاتبه أي أنّه أقره على أنّ عمله كان سليماً.

والنوع الرابع هوالمرفوع الحالي، ومعناه وصف حال النبي محمد، ومن الأمثلة عليه ما رواه أنس بن مالك: «بينا نحنُ جلوس في المسجد، اتى رجل على جمل، فأناخه في المسجد، ثم عقله، فنطق لهم: أيكم محمد ،يا ترى؟ ورسول الله مُتكئ بين ظهرانيهم، قلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ...»، وفي الحديث وصف لحال جلوس النبي محمد.

والنوع الخامس هوالمرفوع الخِلقي، معناه الأحاديث التي رواها الصحابة عن شكل النبي محمد وخِلقته ، مثل حديث أم معبد في وصفها لشكل النبي: «رأيتُ رجُلاً ظاهِرَ الوَضَاءةِ، أَبلَجَ الوجهِ، حَسَنَ الخَلقِ، لم تعِبْهُ ثُجلَةٌ، ولم تُزرِ بهِ صَعلَةٌ، وسيمٌ، قَسِيمٌ، في عينيهِ دَعَجٌ، وفي أشفَارِهِ وَطَفٌ، وفي صوتِهِ صَحَلٌ، وفي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وفي لحيتِهِ كثافةٌ، أزَجُّ، أقرَنُ، إذا صَمَتَ عمليهِ الوَقَارُ، وإن تَكلَّمَ سماهُ وعَلاهُ البهاءُ، أجملُ الناسِ وأبهَاهُ مِن بعيدٍ، وأحلاهُ وأحسَنُهُ مِن قريبٍ، حُلوُ المَنطِقِ، فَصلٌ لا نَزْرٌ ولا هَذْرٌ، كأنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظمٍ يَتحدَّرنَ، رَبعٌ، لا يأسَ مِن طولٍ، ولا تَقتَحِمُهُ عَيْنٌ عَن قِصرٍ، غُصنٌ بينَ غُصنَينِ فهوأنضرُ الثلاثةِ مَنظَراً وأحسَنُهُم قَدراً، لهُ رُفقاءُ يَحُفُّونَ بهِ، إذا نطق أنصتوا لقولِهِ، وإن أمَرَ تَبَادَروا إلى أمرِهِ، مَحْفودٌ مَحشُودٌ، لا عابِسٌ ولا مُفَنِّدٌ.»

والنوع السادس هوالمرفوع الخُلقي، ومعناه وصف أخلاق النبي محمد مثل كيف من الممكن أن يتعامل مع أعداءه وكيف يتعامل مع زوجاته والأطفال وغيره، مثال عليه ما رواه البخاري في سليمه عن أبي سعيد الخدري في وصفه لحياء النبي: « كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كرِه شيئاً عُرِف في وجهه..»، وحديث أبوهريرة: «ما عاب النبي طعاماً قط إذا اشتهاه أكله وإلا هجره..»

المرفوع الحُكمي

هُوّ قسم من أقسام الأحاديث الموقوفة التي رواها المحدثين عن الصحابة، وسُميَّ بالحُكمي من الحُكم إذ هُناك نوعية من الأحاديث المروية عن الصحابة يحكم الفهماء على بعضها أنها مرفوعة للنبي محمد حتى لولم يُصرح الصحابي بذلك مباشرة، أي لم يصرح فيه بقوله: "نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفَعل أوفُعل بحضرته"، والمرفوع الحُكمي يشكل جميع أنواع الحديث سواءً كان سليماً أوضعيفاً أوموضوعاً أوحسناً وغيرها من الأحاديث، وله عدة أنواع أيضًا.

من أنواعه، قول الصحابي قولاً لا مجال للرأي الشخصي أوالاجتهاد فيه، كأمور الغيب أوخبراً عن علامات الساعة، أوأحوال يوم القيامة أوالجزاء أوحتى يفسر القرآن تفسيراً لا يُمكن حتى يجتهد فيه، فهذه الأمور لا يُمكن حتى يجزم بها صحابي إلا حتى كان متأكداً من حقيقتها ويتم ذلك عبر الوحي أيقد يكون حديثه مأخوذاً من النبي محمد، ومن الشروط لقبول هذه النوعية من الأحاديث الموقوفة على الصحابة حتى لاقد يكون الصحابي ممن كان مشهوراً برواية الإسرائيليات والأخبار المأخوذة من أهل الكتاب مِثل الصحابي عبد الله بن عمروبن العاص الذي كان قد حصل في معركة اليرموك على خط كثيرة من أهل الكتاب، فكان يُحدث بما فيها من أخبار الأمم السابقة والأنبياء، وغير ذلك من الوقائع والأحداث لذا لا تؤخذ أقواله على أنها قد تكون حديثاً مرفوعاً للنبي محمد وغيره من الصحابة ممن كان يحدث بالإسرائيليات فهومتردد بين حتىقد يكون خبراً إسرائيلياً، أوحديثاً مرفوعاً، فلا يُحكم فيه بأنه حديث للشك فيه.

ومن الأمثلة على هذا النوع ما رواه البخاري عن حذيفة بن اليمان أنّه نطق: « يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً.»، فقوله "لقد سبقتم سبقا بعيدا" لا يُمكن حتى يفهمه إلا من النبي محمد.

والنوع الثاني التقريرات زمن الوحي، ويُقصد به سكوت الوحي سواءً كان القرآن أوالسنة النبوية عن أفعال الصحابة زمن نزوله وإن لم تكن أفعالهم بحضرة النبي محمد لأن الوحي لا يَسكت على مُنكر أوحرام، فمن المعروف أنّه إذا عمل أونطق الصحابة شيئاً منكراً أوحراماً يتنزل القرآن أوالوحي على النبي محمد يأمره بتحريمه وإنكاره عليهم. ومن الأمثلة عليه حديث جابر بن عبد الله بن عمروبن حرام الذي رواه مسلم بن الحجاج والبخاري في سليمهُما: «كُنا نَعزِل والقرآن يَنزِل.»، والعزل إحدى طرق منع الحمل القديمة ويروي الصحابي جابر أنهم كانوا يستخدمون تلك الطريقة لمنع الحمل ولا ينكر عليهم الله أوالنبي ذلك.

والنوع الثالث حتى يقول الصحابي في حديثه "أُمرِنا بكَذا"، أي حتى يتحدث بصيغة الجمع حتى الصحابة أمرهم النبي بشيء معين ولكنه لا يذكر ذلك صراحةً عن النبي ، ومن الأمثلة عليه ما رواه البخاري عن أم عطية الأنصارية: «أُمِرنا حتى نخرج فنخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور.»

والنوع الرابع مُشابه للنوع الثالث وهوقول الصحابي "نُهينا عن كَذا" ، ومثال عليه ما رواه البخاري عن أم عطية الأنصارية: «نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا.»

والنوع الخامس قول التابعي عن الصحابي "رَفَعَه" أو"بلغ به" أو"حمل الحديث" أو"رِواية" أويقول في أول الرواية مرفوعاً حيثُ في بعض الأحاديث عندما يسرد المحدث سند الحديث يقول الصحابي أوالتابعي في روايته أنّه مرفوعاً أي نطقه النبي محمد، ومن الأمثلة ما رواه البخاري عن سعيد بن المسيب الذي نطق: «عن أبي هريرة رِواية: الفطرة خمس أوخمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب.»، فهذا الحديث لم يروى فيه "نطق النبي" إنما ذكر فقط "رِواية" أي رواه عن النبي. وأضاف ابن عثيمين في كتابه مصطلح الحديث: «وكذلك لونطقوا عن الصحابي: يأثر الحديث، أوينميه، أويبلغ به ونحوه، فإن مثل هذه العبارات لها حُكم المرفوع صريحًا، وإن لم تكن صريحة في إضافتها إلى النبي لكنها مُشعِرة بذلك.»

والنوع السادسقد يكون مأخوذاً من عمل الصحابي إذا لم يكُن من قبيل الرأي الشخصي، ومن أمثلة ذلك هوعندما صلى علي بن أبي طالب في صلاة الكسوف أكثر من ركوعين في جميع ركعة وحسب ابن عثيمين عمله هذا لا يُمكن حتىقد يكون مجرد اجتهاد أورأي خاص بعلي إنما عمله اقتداء بالنبي.

والنوع السابع حتى يقول الصحابي "كُنا نعمل كَذَا وكَذَا على عهد الرسول" و"على عهد الرسول"، أي أنّه أثناء حياة الرسول كانوا يعملون أشياءً، وظاهر هذا النوع من الحديث أنّ النبي محمد مطلع على عملهم ويقرهم عليه ، مثل ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر الصديق: «نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه.»

والنوع الثامن حتى يقول الصحابي عن شيء بأنه من السنة النبوية ففي قول الصحابي ذلك جزم وتأكيد ولا يمكنه قول ذلك إلا إذا كان أخذه عن النبي محمد، ومن أمثلته ما رواه الترمذي في سننه عن عبد الله بن مسعود: «من السنة حتى يُخفيَ التشهد.»

والنوع التاسع حتى يحكم الصحابي على شيء بأنه معصية ففي قول الصحابي ذلك جزم وتأكيد ولا يمكنه الحكم بذلك إلا إذا كان أخذه عن النبي محمد، ومثال عليه ما رواه مسلم بن الحجاج في سليمه عن أبي الشعثاء نطق: «كُنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبوهريرة بصره حتى خرج من المسجد، فنطق أبوهريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.»، والأمر ذاته أيضًا حُكم الصحابي على شيء بأنه طاعة إذ لاقد يكون الشيء معصية أوطاعة إلا بنص من النبي محمد، ولا يجزم الصحابي بذلك إلا وعنده عِلم منه.

مراجع