الوجود (بالإنجليزيّة: Existence) هوالقدرة على التفاعل مع الواقع (أوالكون) بشكل مباشر أوغير مباشر. يُعتبر التعريف المحدد للوجود أحد أبرز المسائل وأكثرها جوهريّة في الأنطولوجيا؛ الدراسة الفلسفيّة للوجود والكينونة والواقع في العموم، بالإضافة لدراسة مقولات الوجود وعلاقاتها. تندرج تلك الدراسة تحت إحدى الفروع الرئيسة للفلسفة ألا وهي الميتافيزيقا، تتعامل الأنطولوجيا مع الأسئلة المتعلقة بالوجود؛ ما هي الموجودات،يا ترى؟ وكيف تُصنَّف تلك الموجودات وترتبط في ما بينها بعلاقات في تراتبيّة وتنقسم تبعًا للتشابهات والاختلافات.

تفترض الفلسفة الماديّة حتى ما يوجد هوالمادة والطاقة فقط، وأن الموجودات تتكون من مادة وطاقة فقط، حتى جميع الأفعال تتطلب طاقة وأن جميع الظواهر (بما في ذلك الوعي) هي نتيجة لتفاعلات ماديّة.

تفترض الفلسفة العقلانيّة/المثاليّة حتى ما يوجد هوالأفكار فقط، وأن جميع الأمور تتكون من الفكر، وأن جميع الأمور تتطلب مجموعة من الأفكار المترابطة وكل الظواهر (بما في ذلك الوعي) تنتج من فهم تأثير العالم الاسميّ الذي يقبع بمعزل عن الشيء-في-ذاته.

الجذر اللغوي

حدثة الوجود Existence مشتقة من الحدثة اللاتينيّة exsistere والتي تعني "يظهر" أو"ينشأ" أو"يصير" أو"يكون". ولكنها تعني حرفيًا "يقف/يبرز stand out" وهذا يعني الكينونة Being والصيرورة Becoming معًا.

المفاهيم التاريخية

كانت أول معالجة شاملة لهذه المسألة في التراث الفلسفيّ الغربيّ من نصيب أفلاطون، في محاوراته: الجمهوريّة، فايدو، ورجل الدولة، وفي كتاب أرسطو: ما وراء الطبيعة، بالرغم من وجود بعض الشذرات قبل ذلك. طوّر أرسطونظرية شاملة عن الوجود، وطبقًا لها فإن الأمور المفردة، والتي تسمى بالمواد هي التي توجد وجودًا كاملًا، بينما توجد الأمور الأخرى مثل العلاقات والصفات والزمان والمكان (التي تسمى بالمقولات) وجودًا مشتقًا، معتمدًا على وجود الأمور المفردة. يفترض أرسطوفي كتاب ما وراء الطبيعة حتى هناك أربع علل فقط للوجود أوالتغيُّر في الطبيعة وهي: العلة الماديّة، والعلة الفاعلية والعلة الغائيّة والعلة الصوريّة.

يجادل بعض الأفلاطونيّين الجدد وبعض المسيحيّين بشأن وجود أي واقع بمعزل عن عقل الله. يقول البعض حتى الوجود محض وهم، وأن العالم واللحم والشيطان وجدوا ليبعدوا البشر الضعفاء بعيدًا عن الله.

يطرح فيلسوف القرون الوسطى توما الأكويني حتى الله هووجود محض، وأنه بالنسبة لله فإن الوجود والماهيّة شيء واحد. وفي نفس الوقت يجادل الفيلسوف الاسميّ وليم الأوكامي في الكتاب الأول من "خلاصة المنطق Sum of Logic" حتى المقولات ليست أشكالًا من الوجود بذاتها، ولكنها مشتقة من وجود الأفراد.

الفلسفة الحديثة الأولى

اتىت المعالجة الحديثة للمسألة على يد أنطوان أرنولد Antoine Arnauld وبيير نيكول Pierre Nicole في أعمالهم: المنطق أوفن التفكير، أوالمعروفة باسم "البوابة الملكية للمنطق Port-Royal Logic" المنشور لأول مرة عام 1662، افترض أرنولد حتى أي حكم يتكون من فكرتين، إما حتى يوضعا أويرفضا معًا:

يجمع الموضوع بالمحمول عمل الكينونة وهوفي الإنجليزيّة عمل To Be (لا يوجد مثل تلك الأفعال في العربيّة، لذلك سيستعوض الموضوع عنها بعمل "يكون") فتصبح للقضية ثلاثة أجزاء، الموضوع والمحمول وعمل الكينونة، فقولنا "الله موجود" يعني "اللهقد يكون شيئًا". سيطرت تلك الرؤية على المنطق لعدة قرون، بالرغم من احتوائها على بعض الصعوبات: فهي تفترض القضية "كل [س]قد يكون [ص]" وهوما يطلق عليه المناطقة لفظ العموم والشمول Universal. لا يسمح هذا الشكل من القضايا بقول "بعض [س]قد يكون [ص]" وهوما يطلق عليه المناطقة لفظ الوجوديّ Existential.

إذا لم يكن أي من [س] أو[ص] موجودين فإن تعبير "بعض [س]قد يكون [ص]" تجاور [س] بـ[ص] فقط باستخدام العمل To Be، وإذا كانت [س] أو[ص] تحتوي على فكرة الوجود على وجه يشابه فكرة حتى "المثلث يحتوي على فكرة حتى ثلاث زوايا تساوي مجموع قائمتين"، فهذا يعني حتى وجود [س] سليمًا بالدليل الأنطولوجيّ على ذلك. وفي حُجة شهيرة للفيسلوف الفرنسيّ المعاصر لأرنولد، طرح رينيه ديكارت حُجة إثبات وجود إله بهذه الطريقة. استمرت فكرة أرنولد حتى منتصف القرن التاسع عشر.

هاجم ديفيد هيوم تلك الأطروحة قائلًا حتى وجود الشيء عندما يُضاف إلى مفهومه لا يضيف شيئًا للمفهوم. على سبيل المثال إذا كونا مفهومًا عن موسى، ثم أضفنا إلى هذا المفهوم حتى موسى كان موجودًا، فإن هذا لم يضف شيئًا عن مفهوم موسى الذي كوناه.

كما طرح الفيلسوف كانط حتى الوجود لا يمكن اعتباره محمولًا، ولكنه لم يعطي تفسيرًا عن كيفية إمكان ذلك. إلا أنه يردد في مناقشاته ما نطقه أرنولد بشأن العمل To Be، فقضية "اللهقد يكون قديرًا God is omnipotent" لا يعبر فيها العمل "يكون" على شيء واقعيّ، ولا تكون وظيفته إلا ربط الموضوع بالمحمول أوفصلهما عن بعضهما فقط.

ادعى شوبنهاور حتى "كل شيء يوجد للفهم، وبالتالي فإن العالم بأكمله، هومجرد موضوع للذات، أي هوتصوّر للذات، أوبعبارة أخرى هوتمثُّل". فطبقًا لما يطرحه الفيلسوف شوبنهاور فإنه لا يوجد موضوع بدون ذات لأن "كل موضوع هومشروط بالكيفية التي تعهدها به الذات العارفة، وبأشكال الفهم المفترضة/القبلية الخاصة بتلك الذات..."

إمكانية الحمل

يجادل جون ستيورات مل (وتلميذ كانط: يوهان فريدريك هربارت) حتى إمكانيّة حمل الوجود على الموضوع يمكن إثباتها بجملة "قنطورقد يكون خيالًا شعريًا" أو"العدد الأعظمقد يكون ممكنًا" (هربارت). تحدى جميع من فرانز برنتانووجوتلوب فريجه هذه الأطروحة. يقول برنتانوأننا يمكن حتى نجمع المفهوم مع الاسم الممثل له، أي يمكن جمع [س] بالمفهوم المعبَّر عنه بالصفة [ص] لكيقد يكون المفهوم ممثلًا بالاسم هكذا "س-ص". على سبيل المثال يمكن جمع حدثة "رجل" مع "حكيم" لنقول "رجل حكيم" لكن تلك الجملة الاسميّة ليست جملة حقيقيّة، بينما "بعض الرجالقد يكون حكيمًا" هي جملة. بالتالي يجب حتى تقوم عملية الربط بين الموضوع والمحمول على أكثر من مجرد مجاورتهما أوفصلهما عن بعضهما.

فهم الدلالات الرياضي

في المنطق الرياضيّ، يوجد اثنتين من محددات الكمية quantifiers وهما "بعض" و"كل". إلا حتى برنتانويوضح أننا لا يمكن إلا حتى نفهم محددة كمية واحدة والسلب/النفي negation. فيمكن التعبير عن "بعض" بـ"يوجد هناك". فعبارة "يوجد هناك رجل"، تعبر عن رجل كجزء من الوجود. لكن إذا قلنا "يوجد هناك مثلث" هل يمكن اعتباره جزء من الوجود،يا ترى؟ فالمثلث تعبير عن فكرة مجردة والرجل هوجسد فيزيائيّ، وهل يمكن حتى نعتبر للتجريدات الأخرى مثل الخير والفضيلة والعمى وجود عمليّ مثل ما نعتقد بالوجود العمليّ للكرسيّ والطاولة والبيوت؟

في بعض الجُمل،قد يكون الوجود متضمَّن دون ذكر صريح. فجملة "يعبر الجسر نهر التايمز في هامرسميث" لا يمكن حتى تكون عن النهر والجسر فقط، بل لا بد حتى نتصور حتى وجودهم مذكور ضمنيًا في الجملة. وبينما تتكون جملة "يعبر الجسر نهر ستيكس في ليمبو" من نفس الهجريب اللغويّ، إلا أننا في الحالة الأولى ندرك وجود الجسر في الحياة الواقعيّة مصنوعًا من الحجارة، بينما في الحالة الثانية ما معنى الوجود؟

تجادل المقاربة الاسميّة حتى الجملة الاسميّة يمكن حتى تُزال بتحويلها وإعادة كتابتها إلى شكل له نفس المعنى دون وضع الجملة الاسميّة. فيقول الأوكامي حتى جملة "سقراط لديه حكمة" والتي تؤكد وجود مرجعيّة للحكمة تعود على سقراط، يمكن تحويلها إلى "سقراطقد يكون حكيمًا" والتي تحتوي على اسم [سقراط] فقط. صارت تلك الطريقة شائعة في المدرسة التحليليّة للفلسفة في القرن العشرين.

إلا حتى تلك الحُجة يمكن حتى يعكسها الواقعيّون؛ فبما حتى تعبير "سقراطقد يكون حكيمًا" يمكن حتى يُعاد كتابتها في شكل "سقراط لديه حكمة" فهذا يثبت وجود مرجع خفيّ لصفة الحكمة.

من المشاكل الأخرى في هذا الصدد، معضلة حتى البشر يعالجون المعلومات عن الشخصيات الخياليّة بنفس الكيفية التي يعالجون بها الشخصيات الحقيقيّة. يفرق الفهماء بوضوح بين الأمور الموجودة وغير الموجودة؛ فبالنسبة إليهم، ما يوجد هوالماديّ والطاقة فقط. لكن في الرؤية الكونيّة للعالَم أومن وجهة نظر الرجل العادي، يحتوي الوجود على ما واقعيّ وما هوخياليّ وحتى الأمور المتناقضة. فعندما نقول "الحصان المجنح يطير" فهذا يعني حتى "الحصان المجنح موجود"، إلا حتى الواقع يخبرنا حتى وجوده محصور على الميثولوجيا الكلاسيكيّة فقط.

المقاربات الحديثة

تبعًا لنظرية الأوصاف لبرتراند راسل، فإن أداة النفي في الجملة يمكنها حتى توسع أوتضيق نطاق الجملة؛ لذلك فإننا نفرق بين جملتي "بعض [أ] ليس [ب]" وهنا يأخذ النفي نطاقًا ضيقًا، بينما "بعض [أ]قد يكون [ب]" يأخذ فيها النفي نطاقًا واسعًا. معضلة تلك الرؤية أنها لا تنطبق على حالة الأسماء الحقيقيّة/الجزئيّة، مثل جملة "سقراط ليس أصلعًا" و"ليس سليمًا حتى سقراط أصلع" يظهر حتى لهما نفس المعنى، وكلاهما يؤكد وجود إنسان ما يدعى سقراط وهوليس أصلعًا، لذلك يأخذ النفي نطاقًا ضيقًا.

إلا حتى راسل يحلل الأسماء الجزئيّة في بناء منطقيّ مفهوم في هذه المشكلة. فبالنسبة لراسل، يمكن حتى نحلل سقراط إلى شكل "فيلسوف الإغريق". وبالمنظور الواسع/العام، يمكن حتى تُقرأ الجملة السابقة على هذا النحو: "ليس سليمًا أنه كان هناك فيلسوفًا إغريقيًا أصلعًا". أما بالمنظور الضيق تُقرأ على النحوالتالي: "فيلسوف الإغريق ليس أصلعًا".

الحجج ضد الواقعية

الحُجج ضد الواقعيّة هي الحُجج التي طورها المثاليّون المتشككون في العالم الماديّ، ويؤكدون أن:-

1. لا يوجد شيء خارج العقل
2. ليس لنا إتصال بالواقع المستقل عن العقل حتى لوكان موجودًا

أما الواقعيّون فيحافظون على وجهة النظر القائلة حتى التصورات تحدث بمعزل عن العقل بواسطة أشياء مستقلة. يختلف المجادل ضد الواقعيّ الذي ينكر وجود العقول الأخرى (ممضى وحدة الأنا) عن الذي يدعي لا حقيقة المادة بغض النظر عن كونها ملاحظة من قبل العقول الأخرى أم لا (السلوكيّة المنطقيّة).

النظرة الدرامية الوسطية

طور الفيلسوف الهندي ناجارجونا مفاهيم الوجود بشكل كبير، وأسس مدرسة مادهياماكا للبوذية الماهايانا.

وفي الفلسفة الشرقية، يتم التعبير عن الوجود وفق «المؤقتية»، والتي تشير إلى حقيقة حتى جميع الأمور المشروطة تكون في حالة ثابتة من التدفق. وليس هناك شيء في الحقيقة يختفي تماما من الوجود، فما يحدث هوحتى مظاهر هذا الشيء هي ما تختفي حين تتغير من شكل إلى آخر. تخيل حتى هناك ورقة شجر سقطت على الأرض، وبدأت تتحلل. ما سيحدث حينها حتى مظهر ووجود الورقة النسبي سيبدأ بالاختفاء، لكن المكونات التي شكلت الورقة ستبدأ بالتحول إلى مواد أخرى ستشكل فيما بعد نباتات جديدة. تقدم البوذية نهجا وسطيا، تتحاشى من خلاله تطرف نظرتي السرمدية والعدمية. ويرى هذا النهج الوسطي حتى هناك اختلافات كبيرة بين إدراك وجود الأمور، وبين وجودها العملي. ويتم التوفيق بين هذه الاختلافات وفق مفهوم السونياتا، وذلك بوصف هدف غرض ما وهويته في الوجود. فما هوموجود ليس موجودا، وذلك لأن الشيء نفسه في حالة تغير.

تصف التريلوكيا ثلاثة أنواع من الوجود، فهناك تلك الخاصة بالرغبة، وهناك الخاصة بالشكل، وهناك الخاصة باللاشكل ويحدث فيها بعث كرمي. وبالانتنطق إلى نظرة التريكايا، نجد أنها تصف وجود بوذا. فوفق هذه الفلسفة، يتواجد بوذا بأكثر من شكل محدد ومطلق.

انظر أيضا

• وجد
• وجدان
• تواجد
• وجودية

مراجع

وصلات خارجية

• رسالة في أسامي الخط هوعمل من قبل سيف الدين العميدي، باللغة العربية، عن "الأصلي" و"وجود العقلية". وهوالتمور من 1805.