محمد بن يعقوب الكليني

الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (توفي سنة 329 هـ / 941 م) من كبار فقهاء ومحدثي الشيعة الإمامية ومؤلف كتاب الكافي الذي يعدّ من أبرز المصادر الحديثية الأربعة عند الشيعة. وُلد الكليني في النصف الثاني من القرن الثالث بقرية كُلَين على بعد (38) كيلومتراً من مدينة ري، الواقعة في جنوب العاصمة طهران ، صاحب كتاب الكافي ، أجلّ خط الأصول عند الشيعة .

تولَّى أبوه منذ صغره رعايته وتربيته، حيث علَّمه الأخلاق، وحسن السلوك، والآداب الإسلامية. وكان خاله له عظيم الأثر في نشأته وتربيته.

تاريخ ولادته ومكانها

لم تحدد المصادر التي ترجمت للكليني زمان ولادته ومكانها بالتحديد؛ ألا أنّ المسلّم به من خلال تتبع حدثات الرجاليين أنّه ولد في قرية كُلين إحدى توابع مدينة الري. كما يستفاد من مجموعة من القرائن التاريخية أنّ زمن ولادته يقارب ولادة الامام الحجّة المنتظر عليه السلام في سنة 255هـ وأنّه عاش في زمن الغيبة الصغرى. واحتمل السيد بحر العلوم أنّه استوعب بعض أيام الحسن العسكري. فيما مضى السيد الخوئي إلى القول بأنّ ولادته كانت بعد وفاة الحسن العسكري عليه السلام وفي بدايات الغيبة الصغرى.

أسماؤه وألقابه

وصفه الرجاليون ومن ترجموا له بأبي جعفر ومحمد بن يعقوب، وابن إسحاق، وثقة الإسلام والرازي، والسِلسِلي والبغدادي. وهوأوّل من لقّب بـ ثقة الإسلام وكان الناس يرجعون اليه في مسائلهم الاجتماعية والفقهية لفضله وفهمه وتقواه. وإنّما سمّي بالسِلسِلي نسبة إلى درب السلسلة ببغداد، عند باب الكوفة حيث نزله الكليني إبّان وجوده في بغداد.

أسرة الكليني

ينتسب الكليني إلى بيت معروف في الري، وقد عهد من رجال هذا البيت مجموعة من الفهماء وحملة الحديث والفقه الشيعي، منهم: والده يعقوب بن إسحاق الذي يعدّ من كبار فهماء الإمامية زمن الغيبة الصغرى في كلين، وخاله أبوالحسن علي بن محمد المعروف بـ علان، ومحمد بن عقيل الكليني، وأحمد بن محمد أخوأبي الحسن.

دراسة الحديث والهجرة إلى قم

نشأ الكليني في مدينة الري التي حوت جميع المذاهب من الإسماعيلية والأحناف والشافعية فضلاً عن الشيعة الإمامية، فكان على فهم جيدة بآراء ونظريات تلك المذاهب الكلامية والفقهية، وإلى جانب ذلك قرر الخوض في مجال فهم الحديث حفظا وتدوينا متلمذاً على كبار أساتذة الفن في مدينة الري كأبي الحسن أبي الحسن محمد بن جعفر بن عون الأسدي. ثم شدّ الرحال صوب مدينة قم لمواصلة الدراسة في مجال فهم الحديث متلمذاً على محدثيها ممن رووا عن الإمامين العسكري والهادي (ع) مباشرة وبلا واسطة.

شخصيته ومكانته الفهمية

اتفق الموافق والمخالف من الرجاليين والمؤرخين على عظم شخصية الكليني عند الشيعة وفضله ومكانته الفهمية وجميل ذكره وحسن سيرته.

أقوال فهماء الشيعة في حقّه

نطق النجاشي : "محمد بن يعقوب بن إسحاق أبوجعفر الكليني، وكان خاله علان الكليني الرازي، شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث، وأثبتهم، صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي في عشرين سنة.

كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي، وهومسجد نفطويه النحوي، أقرأ القرآن على صاحب المسجد وجماعة من أصحابنا يقرأون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي المحرر، حدثكم محمد بن يعقوب الكليني، ورأيت أبا الحسن العقرائي يرويه عنه. وروينا خطه كلها عن جماعة شيوخنا: محمد بن محمد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن علي بن نوح، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عنه. ومات أبوجعفر الكليني رحمه الله ببغداد سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، سنة تناثر النجوم، وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبوقيراط، ودفن بباب الكوفة، ونطق لنا أحمد بن عبدون: كنت أعهد قبره، وقد تفهم رحمه الله. ونطق أبوجعفر الكليني: جميع ما كان في كتابي عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، فهم محمد بن يحيى، وعلي بن موسى الكميذاني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم بن هاشم.

ونطق الشيخ حسين الحارثي والد الشيخ البهائي: "أما كتاب الكافي فهوللشيخ أبى جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ره) شيخ عصره في وقته ووجه الفهماء والنبلاء. كان أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعهدهم به.
الشيخ عباس القمي: "الكليني هوالشيخ الأجل قدوة الأنام، وملاذ المحدثين العظام، ومروج الممضى في غيبة الإمام عليه السلام، أبوجعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي الملقب ثقة الإسلام. ألف الكافي الذي هوأجل الخط الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للامامية مثله.

أقوال فهماء السنّة في حقه

نطق المؤرخ الشهير ابن الأثير في كتاب جامع الأصول: «أبوجعفر محمد بن يعقوب الرازي، الفقيه، الإمام على ممضى أهل البيت، عالم في ممضىه، كبير، فاضل عندهم، مشهور». ونطق المضىي: «عالم الإمامية وصاحب المؤلفات المعروفة». ونطق ابن حجر في التبصير: «أبوجعفر محمد بن يعقوب الكليني، من رؤساء فضلاء الشيعة في أيام المقتدر، وهومنسوب إلى كلين من قرى العراق...». ونطق ابن حجر في لسان الميزان: «... وكان من فقهاء الشيعة، والمصنّفين على ممضىهم...». وأثنى عليه ابن عساكر في كتابه.

من أساتذته

أبوالحسن محمّد بن الأسدي الكوفي.
أحمد بن محمّد الأشعري.
الشيخ أحمد بن إدريس الأشعري.
عبد الله بن جعفر الحميري.
أحمد بن محمّد بن عاصم الكوفي.
حسن بن فضل بن زيد اليماني.
محمّد بن حسن الصفّار.
سهل بن زياد الآدمي الرازي.
محمّد بن إسماعيل النيشابوري.
أحمد بن مهران.
علي بن إبراهيم القمي.

من مؤلفاته

الكافي في الأُصول والفروع.
كتاب الرجال.
كتاب الردّ على القرامطة.
كتاب رسائل الأئمّة.
كتاب تعبير الرؤيا.
موسوعة شعرية في مناقب وفضائل أهل البيت.

تلامذته والرواة عنه

تلمذ عليه وأخذ الحديث عنه الكثير من الرواة منهم من يندرج في عداد كبار فهماء الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء التلاميذ:

أبوعبد الله أحمد بن إبراهيم المعروف بابن أبي رافع الصيمري.
أبوالقاسم جعفر ابن قولويه صاحب كتاب تام الزيارات.
أبومحمد هارون بن موسى التلعكبري.
أبوغالب أحمد بن محمد الزراري.
محمد بن علي ماجيلويه القمي.
أبوعبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر.
أبوعبد الله محمد بن أحمد بن قضاعة الصفواني.

سفره إلى بغداد

تشير الشواهد التاريخية إلى أنّ الكليني قد هاجر إلى بغداد سنة 327 هجرية وبقي فيها السنتين الأخيرتين من عمره حيث كانت بغداد تمثّل المركز الفهمي للعالم الإسلامي. ومن الشواهد التي تدلّ على الانتهاء من كتاب الكافي قبل الدخول إلى بغداد أنّه لم يروعن النواب الأربعة للإمام الحجّة عليه السلام بلا واسطة مع معاصرته لهم. ولشهرة الكليني ومعروفيته عاد إليه الشيعة في الفتوى حتى وصفوه بـــ ثقة الإسلام.

وفاته ومكان دفنه

توفى الكليني ببغداد سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين وقيل ثمان وعشرين، في شعبان سنة تناثر النجوم، والمقارن لبدء الغيبة الكبرى عن عمر ناهز الثانية والسبعين. ونطق النجاشي والشيخ الطوسي: «وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبوقيراط، ودفن بباب الكوفة في مقبرتها». نطق ابن عبدون: «رأيت قبره في طريق الطائي، وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه». ونطق محمد باقر الخوانساري: «والقبر الشريف في شرقي بغداد، في تكية المولوية، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر المشهور، تزوره العامة والخاصة.، وهذا غير وارد كما ذكر المؤرخ محمود شكري الآلوسي في كتابه مساجد بغداد وآثارها وذكر إذا بناء القبر على هذا الوضع ينبيء إنه مشهد قبر لأحد الخلفاء إذ كان هذا الموضع مقبرة لبني العباس كما ذكر بعض المؤرخين، وكان المسجد من مرافق المدرسة ومتمماتها فمن المحتمل حتى يدفن فيه باني المدرسة المذكورة بل هوالظاهر ومن البعيد حتى يدفن فيهِ الإمام الكليني أوالزاهد الحارث المحاسبي الذي لا يملك ديناراً ولا درهماً، وكان أهل الفهم والورع في ذلك العصر يتجنبون زخرفة القبور، ومن البعيد حتى يصرف غير الخليفة على عمارة مرقده نحوعشرة آلاف دينار فلابد حتىقد يكون ذلك لأحد الخلفاء.، والأصح هوما ذكر إذا مسقط قبر محمد بن يعقوب الكليني في مدينة الكوفة وليس في بغداد كما دلت عليه المصادر الشيعية، ولكن تم تعمير القبر حاليا في مدرسة الآصفية وما زال الكثير من عوام الشيعة يعتقد إنه مرقد الكليني.

المصادر

^ طرابيشي, جورج (2006 م). (الطبعة الثالثة). بيروت: دار الطليعة. صفحة 527. مؤرشف من الأصل فيتسعة أكتوبر 2016.
^ الفوائد الرجالية، ج 3، ص 336.
^ معجم رجال الحديث، ج 19، ص 58.
^ الكليني والكافي، ص 124 و125.
^ ريحانة الادب، ج 5، ص 79.
^ تاج العروس، ج 18، ص 482.
^ سفينة البحار، ج 2، ص 495.
^ روضات الجنات، ج 6، ص 108.
^ الكليني والكافي، ص 179.
^ الفوائد الرجالية، ج 3، ص 325.
^ رجال النجاشي ص377
^ رجال النجاشي – أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الاسدي الكوفي – ط مؤسسة النشر الإسلامي 1418ه بقم المشرفة رقم الترجمة 1026 – محمد بن يعقوب
^ وصول الأخيار إلى أصول الأخبار – الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني – صفحة 85
^ الكنى والالقاب – الشيخ عباس القمي منشورات مخطة الصدر - الجزء الثالث صفحة 120
^ الكامل في التاريخ، ج 8، ص 364.
^ سير أعلام النبلاء، ج 15، ص 280.
^ لسان الميزان،ج 5، ص 433. إكمال الكمال، ج 7، ص 186.
^ تاريخ مدينة دمشق، ج 56، ص 297.
^ الكليني والكافي، ص 182 به بعد.
^ الكليني والكافي، ص 264 - 267.
^ ريحانة الأدب، ج 8، ص 80.
^ رجال نجاشي، ص 378. الفهرست، ص 210 و211.
^ روضات الجنات، ج6، ص 108.
^ تاريخ مساجد بغداد وآثارها - تاليف السيد محمود شكري الآلوسي وتهذيب محمد بهجة الأثري - مطبعة دار السلام في بغداد 1346هـ ، صفحة28 - 31.