علم النحو

عودة للموسوعة

هذه الموضوعة جزء من سلسلة

عِلْمُ النَّحُو ويسمَّى أيضًا عِلْمُ الإِعْرَاب هوفهم يعهد به حال أواخر الحدث، وفهم النحويبحث في أصول تكوين الجملة وقواعد الإعراب. فغاية فهم النحوحتى يحدد أساليب تكوين الجمل ومواضع الحدثات والخصائص التي تكتسبها الحدثة من ذلك الموضع، سواءً أكانت خصائص نحوية كالابتداء والفاعلية والمفعولية أوأحكامًا نحوية كالتقديم والتأخير والإعراب والبناء.

والغرض من فهم النحوتحصيل ملكة يقتدر بها على إيراد هجريب وضع وضعا نوعيًا لما أراده المتحدث من المعاني وعلى فهم معنى أي مركب كان بحسب الوضع المذكور.

وفهم النحومن علوم اللغة العربية ويعد الفهم الأهم بينها، معهدته ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وتفهم لمن أراد فهم الشريعة.

والنحوهوانتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره: كالتثنية، والجمع، والتحقير والتكسير والإضافة والنسب، والهجريب، وغير ذلك، ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة فينطق بها وإنْ لم يكن منهم، وإنْ شذ بعضهم عنها رد به إليها. وهوفي الأصل مصدر شائع، أي نحوت نحوًا، كقولك قصدت قصدًا، ثم خصّ به انتحاء هذا القبيل من الفهم" (الجزء الأول – صفحة 34)، فالنحوعند ابن جني على هذا هو: محاكاة العرب في طريقة حدثهم تجنبًا للّحن، وتمكينًا للمستعرب في حتىقد يكون كالعربيّ في فصاحته وسلامة لغته عند الكلام.

من خصائص هذا الفهمِ تمييزُ الاسمِ من العملِ من الحرفِ، وتمييزُ المعربِ من المبنيِّ، وتمييزُ المرفوعِ من المنصوبِ من المخفوضِ من المجزومِ، مَعَ تحديدِ العواملِ المؤثرةِ في هذا كلِّه، وقد استُنبِطَ هذا كلُّه من كلامِ العربِ بالاستقراءِ، وصارَ كلامُ العربِ الأولُ شعرًا ونثرًا - بعدَ نصوصِ الكتابِ والسُّنةِ - هوالحجةَ في تقريرِ قواعدِ النحوِ في صورةِ ماعُرِفَ بالشواهدِ اللُّغويةِ، وهوما استَشهدَ به الفهماءُ من كلامِ العربِ لتقريرِ القواعدِ.

أصل التسمية

النحوفي اللغة من المصدر نَحَا؛ والنَّحْوُ: القَصدُ والطَّرِيقُ،قد يكون ظرفًا ويكون اسمًا، نَحاه يَنْحُوه ويَنْحاه نَحْوًا وانْتَحاه، ونَحْوُ العربية منه، وهوفي الأَصل مصدر رائج أَي نَحَوْتُ نَحْوًا كقولك قَصَدْت قَصْدًا، ثم خُص به انْتِحاء هذا القَبيل من الفهم، كما أَن الفِقه في الأَصل مصدر فَقِهْت الشيء أَي عَرَفته، ثم خُص به فهم الشريعة من التحليل والتحريم. نطق ابن سيده: وله نظائر في قصر ما كان شائعًا في جنسه على أَحد أَنواعه، وقد استخدمته العرب ظَرْفًا، وأَصله المصدر؛ ومن ذلك فقد سُمي فهمُ النحوِ بهذا الاسمِ لأن المتحدثَ ينحوبه منهاجَ كلامِ العربِ إفرادًا وهجريبًا.

وتكثر الروايات بشأن تسمية النحوبهذا الاسم بكثرة الروايات التي تتحدث عن نشأته، ومن أشهر الرويات هي ما روي حتى علي بن أبي طالب لمَّا أشار على أبي الأسود الدؤلي حتى يضع فهم النحو، نطق له ـ بعد حتى فهمه الاسم والعمل والحرف -: الاسم ما أنبأ عن مسمى، والعمل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى في غيره، والحمل للفاعل وما اشتبه به، والنصب للمفعول وما حمل عليه، والجر للمضاف وما يناسبه، انح هذا النحويا أبا الأسود (آي اسلك هذه الطريقة)؛ فسمي بذلك. من هنا اعتبر النحومحاكاة كلام العرب واتباع نهجهم في ما نطقوه من الكلام السليم، وسمي نحوا لأن المتحدث ينحوبه نهج كلام العرب، وهذا ما عبر عنه ابن جني -وهويحدد بدقة مفهوم النحو- قائلا: “هوانتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع، والتحقير، والتكسير والإضافة والنسب، والهجريب وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل العربية بالعربية في الفصاحة”(3).

التاريخ

فلما كانت الفتوحات الإسلامية وتسعت الدولة الإسلامية، واختلاط العرب الفاتحين بالشعوب التي كانت تحت سيطرة الفرس والبيزنطيين والأحباش، ودخول كثير من هؤلاء في الإسلام، واضطرارهم إلى تفهم ما استطاعوا من العربية، وانتشرت العربية كلغة أساسية بين هذه الشعوب، بعد حتى أصبحت اللغة العربية لغة خاصة بالعرب إلى لغة لجميع المسلمين، تسرب الفساد إلى اللغة العربية وبدأ يسمع لحن في التخاطب، إلى حتى انتشر وتفشَّى اللحن والتحريف في اللغة العربية داخل الأراضي الإسلامية، ولم يقتصر الأمر على المستعربين بل وظهر اللحن بين العرب خصوصًا في العراق، واستفحال خطره وتسرب اللحن حتى في قراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. كان من الأسباب التي استدعت وضع فهم النحو، وضبط الألسن، بتدوين القواعد المستنبطة من القرآن الكريم وأقوال العرب، والتخلص من آفتيْ اللحن والتحريف، التي قد تجمع اللفظ والمعنى. قليلًا في الأول ثم أخذ في الانتشار حتى لفت إليه أنظار المسئولين وغيرهم من أهل الحل والعقد.

وهذا ماذكره أبوبكر الزبيدي في مقدمة كتابه طبقات النحويين واللغويين فنطق: «ولم تزل العربية تنطق على سجيتها في صدر اسلامها وماضي جاهليتها، حتى أظهر الله الاسلام على سائر الأديان، فدخل الناس فيه أفواجا واقبلوا اليه ارسلًا، واجتمعت فيه الألسنة المتفرقة، واللغات المتنوعة، ففشا الفساد في اللغة العربية، واستبان منه في الاعراب الذي هوحليها، والمشروح لمعانيها. فتفطن لذلك من نافر بطباعة سوء افهام الناطقين من دخلاء الأمم بغير المتعارف من كلام العرب، فعظم الإشفاق من فشوا ذلك وغلبته، حتى نادىهم الحذر من ذهاب لغتهم وفساد كلامهم الى ان سببوا الاسباب في تقييدها أمن ضاعت عليه، وتثقيفها لمن زاغت عنه».

بوادر اللحن

بدأ اللحن قليلًا خفيفًا منذ أيام الرسول على ما يظهر، فقد لحن رجل بحضرته فنطق: «أرشدوا أخاكم؛ فإنه قد ضل». والظاهر أيضًا أنه كان معروفًا بهذا الاسم نفسه «اللحن»، بدليل حتى أبوبكرالصديق رضي الله عنه كان يقول: «لأن أقرأ فأسقط أحب إلي من حتى أقرأ فألحن».

غير حتى اللحن في صدر الأول الإسلام كان لا يزال قليلًا بل نادرًا، وحدثا تقدمنا منحدرين مع الزمن اتسع شيوعه على الألسنة، وخاصة بعد تعرب الشعوب المغلوبة التي كانت تحتفظ ألسنتها بكثير من عاداتها اللغوية، مما فسح للتحريف في عربيتهم التي كانوا ينطقون بها، كما فسح اللحن وشيوعه.

وورد إلى عمر كتاب أوله: «من أبوموسى الأشعري» فخط عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري بضرب المحرر سواطان، والسليم حتى يخط «من أبي موسى الأشعري». والأنكى من ذلك تسرب اللحن إلى قراءة الناس للقرآن الكريم، فقد قدم أعرابي في خلافة عمر رضي الله عنه فنطق: من يقرئني شيئًا مما أنزل على محمد،يا ترى؟ فأقرأه رجل سورة براءة بهذا اللحن: «وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهِ...» فنطق الأعرابي: «إن يكن الله بريئًا من رسوله، فأنا أبرأ منه» فبلغ عمر بن الخطاب منطقة الأعرابي فنادىه فنطق: «يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة...» وقص السيرة فنطق عمر: «ليس هكذا يا أعرابي» فنطق: "كيف هي يا أمير المؤمنين،يا ترى؟ فنطق: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ فنطق الأعرابي: «وأنا أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم». فأمر عمر ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة. وروى الجاحظ حتى أول لحن سمع بالبادية: «هذه عصاتي» بدل «هذه عصاي»، وأول لحن سمع بالعراق: «حيِّ على الفلاح» (بكسر الياء بدل فتحها).

ونطق عمر بن عبد العزيز: «إن الرجل ليحدثني في الحاجة يستوجبها فيلحن فأرده عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض لبغضي استماع اللحن، ويكملني آخر في الحاجة لا يستوجبها فيعرب فأجيبه إليها؛ التذاذا لما أسمع من كلامه». وكان يقول: «أكاد أضرس إذا سمعت اللحن».

نشأة فهم النحو

وضع فهم النحوفي الصدر الأول للإسلام، لأن فهم النحوككل قانون تتطلبه الحوادث، وتقتضيه الحاجات، ولم يكن قبل الإسلام ما يحمل العرب على النظر إليه فإنهم في جاهليتهم غنيون عن تعهده لأنهم كانوا ينطقون عن سليقة جبلوا عليها، فيتحدثون في شؤونهم دون تعمل فكر أورعاية إلى قانون كلامي يخضعون له، قانونهم: ملكتهم التي خلقت فيهم، ومفهمهم: بيئتهم المحيطة بهم بخلافهم بعد الإسلام إذ تأشبوا بالفرس والروم والنبط وغيرهم، فحل فانتشار اللحن والانحراف في اللسان العربي، حتى هرعوا إلى وضع النحو، وحمل القوم على الاجتهاد لحفظ العربية، وتيسير تفهمها للأعاجم، فشرعوا يتحدثون في الإعراب وقواعده حتى تم لهم مع الزمن هذا الفن.

وكثرت الروايات في سيرة وضع فهم النحو، ولكن معظم الروايات أتفقت على حتى الذي وضع فهم النحوهوأبوالأسود الدؤلي المتوفى سنة 67 هـ، وقد ورد في كتاب سبب وضع فهم العربية، للإمام السيوطي بعضًا من هذه الروايات:

  • الرواية الأولى عن أَبُوبكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي فِي أَمَالِيهِ حَدثنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ قَالَ أَبُوعبد الله مُحَمَّد بن يحيى الْبترِي حَدثنِي مُحَمَّد بن عِيسَى بن يزِيد حَدثنِي أَبُوتَوْبَة الرّبيع بن نَافِع الْحلَبِي حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة رضي الله عنه قدم أعرابي في خلافة عمر رضي الله عنه فنطق: من يقرئني شيئًا مما أنزل على محمد،يا ترى؟ فأقرأه رجل سورة براءة بهذا اللحن: «وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه» فنطق الأعرابي: «إن يكن الله بريئًا من رسوله، فأنا أبرأ منه» فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه منطقة الأعرابي فنادىه فنطق: «يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة...» وقص السيرة فنطق عمر: «ليس هكذا يا أعرابي» فنطق: كيف من الممكن أن هي يا أمير المؤمنين،يا ترى؟ فنطق: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ فنطق الأعرابي: «وأنا أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم». فأمر عمر ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة وَأمر أَبَا الْأسود فَوضع النَّحْو.[[أخرجه الحافظ أبوالقاسم بن عساكر في تاريخ دمشق]]
  • الرواية الثانية عن أَبُوالْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الزجاجي النَّحْوِيّ فِي أَمَالِيهِ حَدثنَا أبوجَعْفَر مُحَمَّد بن رستم الطَّبَرِيّ قَالَ حَدثنَا أبوحَاتِم السجسْتانِي حَدثنِي يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا سعيد بن سلم الْبَاهِلِيّ حَدثنَا أبي عَن جدي عَن أبي الْأسود الدؤَلِي رضي الله عنه قَال: دخلت على أَمِير الْمُؤمنِينَ عليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فرأيته مطرقًا متفكرًا، فَقلت فيمَ تفكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: قَالَ إِنِّي سَمِعت ببلدكم هَذَا لحنًا فَأَرَدْت أَن أصنع كتابًا فِي أصُول الْعَرَبيَّة، فَقلت: إِن عملت هَذَا أَحْيَيْتَنَا، وَبقيت فِينَا هَذِه اللُّغَة، ثمَّ أَتَيْته بعد ثَلَاث فَألْقى إِلَيّ صحيفَة فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، الْكَلَام كُله اسْم وَعمل وحرف، فالاسم مَا أنبأ عَن الْمُسَمّى، وَالْفِعْل مَا أنبأ عَن حَرَكَة الْمُسَمّى، والحرف مَا أنبأ عَن معنى لَيْسَ باسم وَلَا عمل، ثمَّ قَالَ لي تتبعه وزد فِيهِ مَا وَقع لَك، وَاعْلَم يَا أَبَا الْأسود أَن الْأَسْمَاء ثَلَاثَة ظَاهر، ومضمر، وَشَيْء لَيْسَ بِظَاهِر وَلَا مُضْمر، وَإِنَّمَا تتفاضل الْفهمَاء فِي معهدَة مَا لَيْسَ بِظَاهِر وَلَا مُضْمر، قَالَ أَبُوالْأسود فَجمعت مِنْهُ أَشْيَاء وعرضتها عَلَيْهِ، فَكَانَ من ذَلِك حُرُوف النصب، فَذكرت مِنْهَا إِن وَأَن وليت وَلَعَلَّ وَكَأن وَلم أذكر لَكِن، فَقَالَ لي: لم هجرتهَا فَقلت: لم أحسبها مِنْهَا فَقَالَ: بل هِيَ مِنْهَا فزدها فِيهَا.
  • الرواية الثالثة عن ابْن الْأَنْبَارِي قَال: حَدثنَا يَمُوت حَدثنَا السجسْتانِي وَهُوَ أَبُوحَاتِم سَمِعت مُحَمَّد بن عباد المهلبي عَن أَبِيه قَال: سمع أبُوالْأسود الدؤَلِي ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه﴾ فَقَال: لَا تطمئِن نَفسِي إِلَّا أَن أَضَع شَيْئًا اصلح بِهِ لحن هَذَا أَوكلَامًا هَذَا مَعْنَاه.
  • الرواية الثالثة عن ابْن الْأَنْبَارِي قَال: حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُوعِكْرِمَة قَالَ قَالَ الْعُتْبِي خط مُعَاوِيَة إِلَى زِيَاد يطْلب عبيد الله ابْنه فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ كَلمة فَوَجَدَهُ يلحن فَرده إِلَى زِيَاد وَخط إِلَيْهِ كتابًا يلومه فِيهِ وَيَقُول: أمثل عبيد الله يضيع فَبعث زِيَاد إِلَى أبي الْأسود رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْأسود إِن هَذِه الْحَمْرَاء قد كثرت وأفسدت من ألسن الْعَرَب فَلَووضعت شَيْئًا يصلح بِهِ النَّاس كَلَامهم ويعربون بِهِ كتاب الله فَأبى ذَلِك أبوالْأسود فَوجه زِيَاد رجلًا وَقَالَ لَهُ أقعد فِي طَرِيق أبي الْأسود فَإِذا مر بك فاقرأ شَيْئًا من الْقُرْآن وتعمد اللّحن فِيهِ فَعمل ذَلِك فَلَمَّا مر بِهِ أَبُوالْأسود الدؤلي رضي الله عنه حمل الرجل صَوته فَقَرَأَ ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه﴾ (بالجر) فاستعظم ذَلِك أَبُوالْأسود وَقَالَ عز وَجه الله أَن يبرأ من رَسُوله ثمَّ رَجَعَ من فوره إِلَى زِيَاد فَقَال: يَا هَذَا قد أَجَبْتُك إِلَى مَا سَأَلت وَرَأَيْت أَن ابدأ بإعراب الْقُرْآن فَابْعَثْ إِلَيّ ثَلَاثِينَ رجلًا فأحضرهم زِيَاد، فَاخْتَارَ مِنْهُم أَبُوالْأسود عشرَةً ثمَّ لم يزل يختارهم حَتَّى اخْتَار مِنْهُم رجًلا من عبد الْقَيْس فَقَال: خُذ الْمُصحف وصبغًا يُخَالف لون المداد فَإِذا فتحت شفتي فانقط وَاحِدَة فَوق الْحَرْف، وَإِذا ضممتها فَاجْعَلْ النقطة إِلَى جَانب الْحَرْف، فَإِذا كسرتها فَاجْعَلْ النقطة من اسفل الْحَرْف، فَإِن أتبعت شَيْئًا من هَذِه الحركات غنة فانقط نقطتين فابتدأ بالمصحف حَتَّى أَتَى على آخِره، ثمَّ وضع الْمُخْتَصر الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بعد ذَلِك.
  • الرواية الرابعة عن أَبُوالْفرج الْأَصْبَهَانِيّ أبلغنَا أَبُوجَعْفَر بن رستم الطَّبَرِيّ النَّحْوِيّ عَن أبي عُثْمَان الْمَازِني عَن أبي عمر الْجرْمِي عَن أبي الْحسن الْأَخْفَش عَن سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل بن أَحْمد عَن عِيسَى بن عمر عَن عبد الله بن أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ عَن عَنْبَسَة الْفِيل وَمَيْمُون الأقرن عَن يحيى بن يعمر اللَّيْثِيّ نطق: أَن أبا الْأسود الدؤَلِي رضي الله عنه ولج إِلَى ابْنَته بِالْبَصْرَةِ فَقَالَت لَه: يَا أَبَت مَا أَشد الْحر حملت أَشد فظنها تسأله وتستفهم مِنْهُ أَي زمَان الْحر أَشد،يا ترى؟ فَقَالَ: لَهَا شهر ناجر (يُرِيد شهر صفر الْجَاهِلِيَّة كَانَت تسمى شهور السَّنة بِهَذِهِ الْأَسْمَاء) فَقَالَت: يَا أَبَت إِنَّمَا أَخْبَرتك وَلم أَسأَلك، فَأتى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مضىت لُغَة الْعَرَب لما خالطت الْعَجم، وأوشك إِن تطاول عَلَيْهَا زمَان أَن تضمحل، فَقَالَ لَهُ: وَمَا ذَلِك فَأخْبرهُ خبر ابْنَته فَأمره فَاشْترى صحفًا بدرهم وأملى عَلَيْهِ الْكَلَام كُله لَا يخرج عَن اسْم وَعمل وحرف جَاءَ لِمَعْنى. وَهَذَا القَوْل أول كتاب سِيبَوَيْهٍ ثمَّ رسم أصُول النَّحْوكلهَا فنقلها النحويون وفرعوها. وفي رواية أخرى عن أَبُوالْفرج الْأَصْبَهَانِيّ نطق: أَخْبرنِي أَحْمد بن الْعَبَّاس قَالَ حَدثنَا الْعَنزي عَن أبي عُثْمَان الْمَازِني عَن الْأَخْفَش عَن الْخَلِيل بن أَحْمد عَن عِيسَى بن عمر عَن عبد الله بن أبي إِسْحَاق عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود قَال: أول بَاب وَضعه أبي من النَّحْوبَاب التَّعَجُّب وقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه وَيُقَال إِن ابْنَته قَالَت لَهُ يَوْمًا يَا أَبَت مَا أحسن السَّمَاء، فَقَال: أَي بنية نجومها قَالَت: إِنِّي لم أرد أَي شَيْء مِنْهَا أحسن، إِنَّمَا تعجبت من حسنها، قَال: إِذن فَقولِي مَا أحسن السَّمَاءَ فَحِينَئِذٍ وضع كتابًا.

وقَالَ السيرافي: وَيُقَال إِن السَّبَب فِي وضع النحوأَنه مر بِأبي الْأسود سعد الْفَارِسِي وَكَانَ رجلا فارسيًا من أهل بوزنجان، كَانَ قدم الْبَصْرَة مَعَ جمَاعَة من أَهله فدنوا من قدامَة بن مَظْعُون الجُمَحِي، فَادعوا أَنهم اسلموا على يَدَيْهِ، وَأَنَّهُمْ بِذَاكَ من موَالِيه، فَمر سعد هَذَا بِأبي الْأسود وَهُوَ يَقُود فرسه فَقَالَ لَهُ: مَا لَك لَا هجرب فَقَال: إِن فرسي ضالع فَضَحِك بِهِ بعض من حَضَره، فَقَالَ أَبُوالْأسود: هَؤُلَاءِ الموَالِي قد رَغِبُوا فِي الْإِسْلَام ودخلوا فِيهِ فصاروا لنا إخْوَة فَلَوفهمناهم الْكَلَام فَوضع بَاب الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَلم يزدْ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا وَيُقَال: إِن أبا الأسود لما وضع بَاب الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ، زَاد فِي ذَلِك الْكتاب رجل من بني لَيْث أبوابًا، ثمَّ نظر فَإِذا فِي كَلَام الْعَرَب مَا لَا يدْخل فِيهِ فأقصر عَنهُ، وَلَعَلَّ هَذَا الرجل يحيى بن يعمر قَالَ: وروى مَحْبُوب الْبكْرِيّ عَن خَالِد الْحذاء قَالَ أول من وضع الْعَرَبيَّة نصر بن عَاصِم.

وقد روي أنه قيل لأبي الْأسود من أيْنَ لَك هَذَا الْفهم يعنون النَّحْوقَالَ أخذت حُدُوده عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه. وَقَالَ مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي وَكَانَ أول من أسس الْعَرَبيَّة وَفتح بَابهَا وأنهج سَبِيلهَا وَوضع قياسها أبوالْأسود الدؤَلِي وَإِنَّمَا عمل ذَلِك حِين اضْطربَ كَلَام الْعَرَب. وروى ابْن لَهِيعَة عَن أبي النَّضر قَالَ كَانَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز أول من وضع الْعَرَبيَّة. وَقَالَ أَبُوعُبَيْدَة معمر بن الْمثنى رَحمَه الله أول من وضع الْعَرَبيَّة أَبُوالْأسود الدؤَلِي ثمَّ مَيْمُون الأقرن، ثمَّ عَنْبَسَة الْفِيل ثمَّ عبد الله بن أبي إِسْحَاق.

موضع نشأة النحو

تجمع الأدلة على حتى نشأة النحوكانت في العراق كان أسبق البلاد إلى تدوين النحووالصرف، الذي تجمع عليه المصادر حتى النحونشأ بالبصرة، وبها نما واتسع وتكامل وتفلسف، وأن رءوسه بنزعتيه السماعية والقياسية كلهم بصريون.

بواعث نشأة فهم النحو

يعتبر اللحن الباعث الأول على تدوين اللغة وجمعها وعلى استنباط قواعد النحووتصنيفها؛ فقد كانت حوادثه المتتابعة نذير الخطر الذي هب على صوته أولوالغيرة على العربية والإسلام، بدء العرب بالاختلاط مع هذه الشعوب.

  • الباعث الديني: وهوالدافع الأهم والرئيسي، الذي حمل فهماء المسلمين على وضع فهم النحو، وذلك بعد حتى خشي المسلمون حتى يصيب الناس اللحن في قراءة القرآن الكريم، فحرص فهماء المسلمون على وضع فهم العربية، ودفعهم ذلك على الاجتهاد لوضع فهم العربية، لحفظ العربية.
  • الباعث القومي: يرجع إلى حتى العرب يعتزون بلغتهم اعتزازًا شديدًا، وهواعتزاز جعلهم يخشون عليها من الفساد ويخشون عليها من الألفاظ الداخلة من الأعاجم حين امتزجوا بهم، مما جعلهم يحرصون على رسم أوضاعها؛ خوفًا عليها من التأثر باللغات الأعجمية.
  • الباعث الاجتماعي: ويرجع ذلك إلى حاجة الشعوب المستعربة لمن يرسم لها اوضاع العربية في إعرابها، وتصريفها، حتى تتمثل تمثلا مستقيما، وتتقن النطق بأساليب العرب الفصحاء أصحاب النطق السليم.

أهمية فهم النحو

إن فهم النحومن أبرز علوم اللغة العربية، حيث يساعد في التعهد على صحة أوضعف التراكيب العربيَّة، وكذلك التعهد على الأمور المتعلقة بالألفاظ من حيث تراكيبها، ويكون الهدف من ذلك تجنب الوقوع في أخطاء التأليف، والقدرة على الإفهام؛ فبه يُعهد كيفية الهجريب العربي صحَّة وسقمًا، وكيفية ما يتعلَّق بالألفاظ من حيث وقوعها في الهجريب، والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في التأليف، والاقتدار على فَهْمِه، والإفهام به.

ويعتبر الفهماء حتى فهم النحوبمكانة أبي العلوم العربية، ويعدوه من أبرز علوم اللغة العربية والقنطرة التي نعبر بها عليه إلى التزود بالعلوم اللغوية والعلوم الشرعية وغيرها. وفهم النحونادىمة العلوم العربية، وقانونها الأعلى؛ منه تستمد العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه في جليل مسائلها، وفروع تشريعها؛ ولن تجد فهمًا منها يستقل بنفسه عن النحو، أويستغنى عن معونته، أويسير بغير نوره وهداه. وإن فهم النحومن العلوم المهمة التي لا غنى عنها، وهومن أسمى العلوم قدرًا وأنفعها.

ويرى ابن جني في كتابه الخصائص: أنَّ النحوطريقة لمحاكاة العرب في طريقة كلامهم؛ وذلك من أجل تجنب اللحن، ولتمكين المستعربين في الوصول إلى مرتبة العربيِّ في الفصاحة، وسلامة اللغة التي يتحدثها، وبالتاليقد يكون غرض فهم النحوهوتحقيق هذين الهدفين.

وقد وردت الكثير من الاقتباسات تدل على أهمية فهم النحووتحث على طلبه ومن هذه الاقتباساسات قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث نطق: «تعلَّموا النحوكما تعلَّمون السَّنن والفرائض»، وكان أيوب السختياني يقول:«تفهموا النحو، فإنه جمال للوضيع، وهجره هجنة للشريف».

ويقول ابن الأنباري:«ن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرط فى رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لوجمع جميع العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يفهم النحو، فيعهد به المعانى التى لا سبيل لمعهدتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه، لا تتم إلا به».

ويقول عبد القاهر الجرجاني: «وأما زُهُدهم في النَّحوواحتقارُهم له وإصغارُهم أمرَهُ وتهاوُنهم به فصنيعُهم في ذلك أشنعُ من صَنيعهم في الذي تقدَّم وأشبهُ بأنقد يكونَ صّداً عن كتابِ الله وعن فهمِ معاينه ذاك لأنَّهم لا يجدونَ بُدّاً من أنْ يَعْترِفُوا بالحاجةِ إليه فيه إذ كان قد عُلمَ أنَّ الألفاظَ مغلقةٌ على مَعانيها حتّىقد يكونَ الإِعرابُ هوالذي يفتحها وأنّ الأغراضَ كامنةٌ فيها حتىقد يكونَ هوالمستخرِجَ لها وأنه المعيارُ الذي لا يُتبيَّنُ نُقصانُ كلامٍ ورُجحانهُ حتى يُعرضَ عليه . والمقياسُ الذي لا يُعهد سليمٌ من سقيمٍ حتّى يُرجَعَ إليه . ولا يُنكِرُ ذلك إلا مَن نَكر حِسَّه وإلا مَن غالطَ في الحقائقِ نَفْسَهُ». وواصف الشَّعْبِيُّ النحوكالملح في الطعام قائلًا: «النَّحْوُ فِي الْعِلْمِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ»، ونطق محمد بن سلام البيكندي للحث على طلب فهم النحو: «مَا أَحدث النَّاس مروءةً أفضل من طلب النَّحو».

وقد أنشد إسحاق بن خلف البهراني كما في زهر الآداب وثمر الألباب:


النَّحْوُ يَبْسُطُ مِنْ لِسَانِ الأَلْكَنِ وَالمَرْءُ تُعْظِمُهُ إِذَا لَمْ يَلْحَنِ
فَإِذَا طَلَبْتَ مِنَ العُلُومِ أَجَلَّهَ فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الأَلْسُانِ
لَحْنُ الشَّرِيفِ يُزِيلُهُ عَنْ قَدْرِهِ وَتَرَاهُ يَسْقُطُ مِنْ لِحَاظِ الأَعْيُنِ
مَا وَرَّثَ الآبَاءُ عِنْدَ وَفَاتِهِمْ لِبَنِيهِمُ مِثْلَ العُلُومِ فَأَتْقِنِ
فَاطْلُبْ هُدِيتَ وَلا تَكُنْ مُتَأَبِّيًا فَالنَّحْوُ زَيْنُ العَالِمِ المُتَفَنِّنِ
والنَّحْوُ مِثْلُ المِلْحِ إِنْ أَلْقَيْتَهُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ طَعَامٍ يَحْسُنِ

المدارس النحوية

  • المدرسة النحوية الكوفية طلب الفهم في البصرة على أئمتها، قرأ على أبي عمروبن العلاء، وعلى عيسى بن عمر الثقفي، لكنه لم يقارب أحدا من تلامذتهم فلم ينبه، وعاش بالبصرة غير معروف، وكان أول كوفي ألف في العربية، وكتابه "الفيصل" عرضه -فيما ذكروا- على أصحاب النحوبالبصرة فلم يلتفتوا إليه، ولا جسر على إظهاره لما سمع كلامهم، أما هوفيزعم حتى الخليل طلب الكتاب فأطلعه عليه، "فكل ما في كتاب سيبويه: نطق الكوفي كذا، فإنما عنى الرؤاسي هذا"2. وزعم جماعة من البصريين حتى الكوفي الذي يذكره الأخفش في آخر المسائل، ويرد عليه الرؤاسي. يعد من قراء الكوفيين، وسترى من أسماء خطه الموضوعات التي عني بها: كتاب التصغير، الإفراد والجمع، الوقف والابتداء، معاني القرآن. ولما عاد إلى الكوفة عثر فيها عمه معاذ بن مسلم الهراء "187" مرجع الناس في العربية، وعني بالصرف ومسائله خاصة، وتبعه في هذه العناية من قرأ عليه من الكوفيين، حتى قيل: إنهم فاقوا البصريين فيها، ومن هنا عدهم بعض الفهماء واضعي فهم الصرف. وتخرج بالرؤاسي تلميذاه المشهوران: الكسائي والفراء. أما الكسائي فأنت تعهد أنه أعجمي الأصل وأحد القراء السبعة وإمام الكوفيين في العربية، أخذ عن يونس أحد أئمة البصرة وجلس في حلقة الخليل، ثم خرج إلى بوادي نجد والحجاز وتهامة يأخذ عن الأعراب "فأنفد خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، فقدم البصرة فوجد الخليل قد توفي وفي موضعه يونس، فجرت بينهما مسائل أقر له فيها يونس وصدره في موضعه"1. ثم انتقل إلى بغداد، فعاش في قصر الرشيد مؤدبا للأمين والمأمون، ونال الحظوة وأقبلت عليه الدنيا: يخدمه وليا العهد، ويعنى به ويعوده الرشيد نفسه. ولما خرج الرشيد إلى الري اصطحب معه الكسائي ومحمد بن الحسن الشيباني، فاتفق حتى ماتا سنة 189 في يوم واحد، فنطق الرشيد: "دفنت الفقه والنحوفي يوم واحد". تمركزت في مدينة الكوفة في العراق أيام العباسيين وعلى رأسهم الكسائي.
  • المدرسة النحوية البصرية وهي السابقة في دراسة فهم النحو، وأول من ذكر من أعلامها أبوالأسود الدؤلي، وتلاميذه هم الذين نشروا النحوفي البصرة، وتخرج على أيديهم وأيدي تلاميذهم طبقات من أعلام النحوحملوا بناء الممضى البصري على أسس متينة وقواعد محكمة.

وكان الكوفيون يخالفون البصريين في معظم القواعد النحوية الأساسية والفرعية فحصل تنافس تاريخي بينهما اعتمد فيه فهم النحوعلى الفلسفة وفهم المنطق فتدهورت حاله بسبب سهولة تبرير أي خطأ في اللغة على هذا الأساس ومع الزمن فضل الجمهور المدرسة البصرية وأفكارها لسهولتها ومنطقيتها حيث الأفكار الكوفية كانت في الغالب متعمدة لمخالفة المدرسة البصرية.

نشأة الخلاف واحتكاك المدرستين

أول ما يعهد من الخلاف بين البصريين والكوفيين ما أثبته سيبويه في "الكتاب" من حكاية أقوال "الكوفي" أبي جعفر الرؤاسي على ما فهمت آنفا. والظاهر حتى مرافقة الرؤاسي للخليل في القراءة على عيسى بن عمر جعلت بينهما نوعا من الأنس جاز للخليل حتى يطلب من الرؤاسي كتابه، فروى منه بعض أقوال لتلميذه سيبويه، فأثبتها هذا في كتابه.

ولم يكن في هذا الخلاف ولا في غيره مما وقع بين البصريين أنفسهم يومئذ، أكثر من المذاكرة وحكاية الأقوال المخالفة والرد عليها أحيانا. فأنت كثيرا ما تجد سيبويه يورد لشيخيه يونس والخليل أقوالا يخالفها فيقول: "وزعم الخليل"، "وزعم يونس".

ولم تدخل الدنيا بين المشهورين من رجال هذه الطبقة، فالخليل والرؤاسي مثلا كلاهما صالح عفيف، ومتى خلت المناقشات الفهمية مما يؤرثها من حوافز المادة أوالجاه بقيت هادئة جميلة صافية.

فلما قرّب العباسيون الكسائي وتلاميذه وخصوهم بتربية أولادهم، وبالإغداق عليهم إذ كان أهل الكوفة بالجملة أخلص لهم أحسن سابقة معهم على عكس أهل البصرة، اجتهد المقربون في التمسك بدنياهم التي نالوها، ووقفوا بالمرصاد للبصريين الذين يفوقونهم فهما، فحالوا بينهم وبين النجاح المادي أوالمعنوي بكل ما يستطيعون من قوة؛ وإذا كان لبصري كالأصمعي مثلا حظوة عند خليفة ولم يقدروا على إبعاده ماديا، اجتهدوا في الغض من فهمه.

فهم النحووالعلوم الشرعية

إن اللغة العربية هي لغة الكتاب والسنة، ودون الإحاطة بعلومها لا يمكن فهمها فهمًا سليمًا، ومن أهمها فهم النحو، وذلك بأن يتغير ويختلف باختلاف الإعراب ، إذ الإعراب يبين المعنى وهوالذي يميز المعاني ويوقف على أغراض المتحدثين، فقد أجمع فهماء الشر يعة وفقهاؤها على حتى تفهم العربية والتعمق فيها شرط أساسي لكل باحث في أي فهم شرعي وروي عن أحمد بن فارس رحمه الله تعالى المتوفى سنة 370هـ أنه نطق: نطقب:قتباس مضمن ونطق ابن حزم رحمه الله تعالى: ولوسقط فهم النحولسقط فهم القرآن، وفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولوسقطا لسقط الإسلام، فمن طلب النحوواللغة على نية إقامة الشريعة بذلك، وليفهم بهما كلام الله تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، وليفهمه غيره، فهذا له أجر عظيم، ومرتبة عالية، لا يجب التقصير عنها لأحد. ونطق ابن حزم رحمه الله: وأما من وسم نفسه باسم الفهم والفقه: وهوجاهل للنحوواللغة، فحرام عليه حتى يُفتي في دين الله بحدثة، وحرام على المسلمين حتى يستفتوه: لأنه لا فهم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به: وإذا لم يفهمه فحرام عليه حتى يفتي بما لا يفهم، نطق الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. ونطق تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]. ونطق تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15]

الجهل بالنحووإفضاؤه إلى الفهم الخاطئ لنصوص الكتاب والسنة

ويقول ابن جني: ‘ إذا أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد ، وحاد عن الطريقة المثلى ؛ فإنما استهواه. 36 إلى ذلك واستخف حلمه ضعفُهُ في هذه اللغة الـكريمة الشريفة

القرآن الكريم وفهم النحو

ارتبط فهم النحوفي البداية بفهم القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية وحمايتها، إذ ترجع نشأته إلى خشية المسلمين على القرآن الكريم من مخاطر اللحن والتحريف، حيث ظهر النحولمعالجة ظاهرة لغوية بدأت تزحف على السلوك اللساني العربي، هي ظاهرة اللحن، ذلك حتى خطورة اللحن على العربية كان عاملا(2) أساسيا في نشوء علوم عربية عديدة وأولها فهم النحو،

أما عن علاقة النحوبالقرآن الكريم فتظهر في حتى فهم القرآن مرتبط بفهم النحولأن به يتم إحكام المعنى وتحديده، وهوضروري في تفسير القرآن الكريم، يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (ت204 هـ): “من تبحر في النحواهتدى إلى جميع العلوم “، ونطق أيضا:”لا أسأل عن مسألة من مسائل الفقه إلا أجبت عنها من قواعد النحو”(4). لقد كانت أول غايات النحوهي فهم القرآن الكريم ومقاصده ومعانيه، ولا أحد ينكر مدى مساهمة النحاة في خدمة النص القرآني بالوقوف على مظاهر الإعجاز فيه؛ ويدعم هذا الأمر صاحب الدلائل بدعوته إلى تحصيل ملكة النحوحتى لا تنغلق النصوص من القرآن الكريم على الفهم(5)، وأهمية النحوتكمن في إبانة الفوارق بين المعاني، ولهذا حث الفهماء على الأخذ بأسباب هذا الفهم متكاملا، فهذا ابن خلدون، وهويتحدث عن علاقة النحوبعلوم الشريعة يقول(6) “إن مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتهم من لغاتهم، فلا بد من فهم العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد فهم الشريعة”. وتكاد تكون موضوعات فهم النحووأبوابه المتكاملة مطلبا واجبا على المفسر، يتوسل بها لفك مقفلات النصوص، وتجلية الأغراض الكامنة في كلام الله تعالى. إذا فهم النص القرآني متوقف على فهم علوم اللسان العربي لأنه به نزل، ولذلك فالمفسر ملزم بفهم النحولأن بدونه قد يضل الطريق ولا يصل إلى القصد، بل يشترط السيوطي(7)(ت 911هـ) على المفسر جملة من العلوم ومنها: اللغة، النحو، التصريف، الاشتقاق، فهم المعاني، البيان، البديع، القراءات، أصول الدين، أصول الفقه..الخ

أهم المؤلفات في فهم النحو

كثرت المؤلفات في النحو، فقد ألف الكثير من فهماء النحوالعرب، من الخط والمتون المنثورة والمتون المنظومة على هيئة قصائد شعرية

ومن الخط المؤلفة في النحو:

  • كتاب الجمل في النحو
  • كتاب الكتاب
  • كتاب لأصول في النحو
  • كتاب المقتضب

ومن أبرز المتون المنثورة في النحو:

  • متن الآجرمية

ومن أبرز المتون المنظومة في النحو:

  • نظم الكافية الشافية
  • نظم ألفية ابن مالك

انظر أيضاً

  • نحوعربي
  • صرف
  • قواعد لغة
  • نظم الاجرومية
  • الاجرومية

المراجع

  1. كتاب كشف اصطلاحات الفنون، الجزء 1، الصفحة 23. نسخة محفوظة 26 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  2. ^ كتاب أبجد العلوم، جزء 1، صفحة 547. نسخة محفوظة 13 يناير 2018 على مسقط واي باك مشين.
  3. ^ كتاب أبجد العلوم، جزء 2، صفحة 559. نسخة محفوظة 17 يناير 2020 على مسقط واي باك مشين.
  4. ^ كتاب أبجد العلوم، جزء 2، صفحة 560. نسخة محفوظة 17 يناير 2020 على مسقط واي باك مشين.
  5. كتاب أبجد العلوم، جزء 2، صفحة 561. نسخة محفوظة 17 يناير 2020 على مسقط واي باك مشين.
  6. ^ كتاب أبجد العلوم، جزء 1، صفحة 129. نسخة محفوظة 26 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  7. ^ معنى نحا؛ معجم لسان العرب، ابن منظور الأنصاري.
  8. ^ معن نحو؛ المعجم الوسيط.
  9. كتاب من تاريخ النحوالعربي، جزء 1، صفحة 27.
  10. ^ كتاب نشأة النحووتاريخ أشهر النحاة، جزء 1، صفحة 22.
  11. ^ أضواء: مسببات نشأة فهم النحوالعربي نسخة محفوظة 18 أغسطس 2017 على مسقط واي باك مشين.
  12. ^ كتاب نشأة النحووتاريخ أشهر النحاة، جزء 1،صفحة 20.
  13. كتاب من تاريخ النحوالعربي، جزء 1، صفحة 8.
  14. كتاب نشأة النحووتاريخ أشهر النحاة، جزء 1،صفحة 16.
  15. ^ كتاب طبقات النحويين واللغويين، مقدمة المؤلف.
  16. ^ كتاب الخصائص لا بن جني، جزء 2، صفحة 8.
  17. ^ كتاب الأضداد، جزء 1، صفحة 244.
  18. كتاب المدارس النحوية، جزء 1، صفحة 11.
  19. ^ كتاب الخصائص، جزء 2، صفحة 8.
  20. كتاب نزهة الألباء في طبقات الأدباء، جزء 1، صفحة 7.
  21. كتاب تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر، جزء 7، صفحة 110.
  22. كتاب الخصائص لابن جني، جزء 2، صفحة 8.
  23. كتاب من تاريخ النحوالعربي، جزء 1، صفحة 9.
  24. كتاب من تاريخ النحوالعربي، جزء 1، صفحة 10.
  25. ^ كتاب من تاريخ النحوالعربي، جزء 1، صفحة 11.
  26. ^ كتاب من تاريخ النحوالعربي، جزء 1، صفحة 14.
  27. ^ كتاب الأضداد لابن الأنباري، جزء 1، صفحة 245.
  28. كتاب مقدمة ابن خلدون، جزء 1، صفحة 558.
  29. ^ كتاب نشأة النحووتاريخ أشهر النحاة، جزء 1،صفحة 19.
  30. كتاب المدارس النحوية، جزء 1، صفحة 12.
  31. كتاب النحوالوافي، جزء1، صفحة 1. نسخة محفوظة 12 يناير 2018 على مسقط واي باك مشين.
  32. ^ كتاب الخصائص، جزء 1، صفحة 34.
  33. كتاب المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، جزء 17، صفحة 11. نسخة محفوظة 28 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  34. كتاب البيان والتبيين، جزء 2، صفحة 151.
  35. ^ كتاب لمع الأدلة في أصول النحو، الفصل الحادي عشر.
  36. ^ كتاب دلائل الإعجاز،جزء 1، صفحة 28. نسخة محفوظة 28 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  37. ^ كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، جزء 2، صفحة 28، الرقم 1080. نسخة محفوظة 28 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  38. ^ كتاب بهجة المجالس وأنس المجالس، جزء 1، صفحة 8.
  39. ^ كتاب إرشاد الأريب إلى فهم الأديب، جزء 1، صفحة 23. نسخة محفوظة 28 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  40. ^ كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، جزء 2، صفحة 28، رقم 1087. نسخة محفوظة 28 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  41. ^ كتاب نشأة النحووتاريخ أشهر النحاة، جزء 1، صفحة 11. نسخة محفوظة 28 يونيو2018 على مسقط واي باك مشين.
  42. ^ "من تاريخ النحوالعربي • المسقط الرسمي للمخطة الكاملة". shamela.ws. مؤرشف من الأصل في 18 أكتوبر 2018. اطلع عليه بتاريخ 02 أكتوبر 2018.
  43. ^ "ص17 - كتاب المدارس النحوية - البصرة تضع النحو- المخطة الكاملة الحديثة". al-maktaba.org. مؤرشف من الأصل في 02 أكتوبر 2018. اطلع عليه بتاريخ 02 أكتوبر 2018.
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:33:11
التصنيفات: علم العلامات, فلسفة اللغة, قواعد اللغة, كيانات نحوية, لسانيات, لغة, مفاهيم في نظرية المعرفة, نحو, نظرية المعرفة, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P227, بوابة اللغة العربية/مقالات متعلقة, بوابة اللغة/مقالات متعلقة, بوابة لسانيات/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الصين ترفض بشدة الاتهامات الأميركية حول منشأ كوفيد

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-27 12:17:24
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 99%

قتلى وجرحى في هجوم روسي بطائرة مسيرة على خميلنيتسكي غرب أوكرانيا

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-27 12:17:20
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 89%

مخاوف من مقتل أكثر من 100 مهاجر في تحطم قارب قرب السواحل الإيطالية

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-27 12:17:13
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 90%

غاريدو: "الوداد فريق كبير وفخور بالعودة لتدريبه"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-02-27 12:17:01
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية