الحتمية فرضية فلسفية تقول ان جميع وقع في الكون بما في ذلك إدراك الإنسان وتصرفاته خاضعة لتسلسل منطقي سببي محدد سلفا ضمن سلسلة غير منبترة من الحوادث التي يؤدي بعضها إلى بعض وفق قوانين محددة، يؤمن البعض بأنها قوانين الطبيعة في حين يؤمن آخرون بأنها قضاء الله وقدره الذي رسمه للكون والمخلوقات، وبالتالي فنظرية الحتمية يمكن تبنيها من قبل أشد الناس إلحادا وتمسكا بالقوانين الفهمية كما يمكن تبنيها من قبل أشد الناس إيمانا وقدرية.

في الحتمية، لا يمكن حدوث أشياء خارج منطق قوانين الطبيعة (ووفق التفسير الديني للحتمية وضع الله القوانين في الطبيعة ليسير جميع شيء وفقها)، وبالتالي لا مجال لحوادث عشوائية غير محددة سلفا، ويعترف الحتميون بأنه من الممكن يصعب على الإنسان أحيانا فهم النتيجة مسبقا نتيجة عدم قدرته تحديد الشروط البدئية للتجربة، أوعدم امتلاكه للصياغة الدقيقة للقانون الطبيعي، لكن هذا القانون موجود والنتيجة محددة سلفا.

فلسفة الحتمية

القضية الأولى التي تنادي بها الفلسفات الحتميه حتى الإرادة الحرة ما هي إلا مجرد وهم إنساني (باستثناء إذا أردنا تعريفها كما في الفلسفة الانسجامية الأصلية.). يمكن التمييز بين موقفين أومدرستين : مدرسة تقول حتى جميع الحوادث المستقبلية محددة سلفا وستحدث ضرورة (وهذا ما يعهد بالقدرية Fatalism) (وهي نظرة أكثر تعلقا بالميتافيزيقيا)، والحتمية التي ترتبط أساسا وتعتمد على أفكار المادية والسببية. وهوموضوع يبحثه الفلاسفة خاصة منذ القدم أهمهم عمر الخيام، ديفيد هيوم، توماس هوبز، إيمانويل كانت، بول هنري ثيري، بارون دي هولباخ وأخيرا جون سيرل.

الأشكال المتنوعة

يمكن لمصطلح «الحتمية» حتى يشير إلى أي من وجهات النظر التالية:

الحتمية السببية: هي «الفكرة التي تقول إذا جميع حدثقد يكون محتمًا من قبل أحداث وشروط سالفة جنبًا إلى جنب مع قوانين الطبيعة». غير حتى الحتمية السببية مصطلح فضفاض بما يكفي ليأخذ بعين اعتباره حتى «الاستقصاءات التي يجريها المرء والخيارات التي يتخذها والأفعال التي يقدم عليها غالبًا ما تكون حلقات ضرورية في السلسلة السببية التي تنتهي إلى حدوث شيء ما. بصياغة أخرى، رغم كون استقصاءاتنا وخياراتنا وأفعالنا حتمية في حد ذاتها، شأنها في ذلك شأن أي شيء آخر، يظل حدوث أشياء أخرى أووجودها –وفقًا للحتمية السببية- معتمدًا على استقصائنا واختيارنا وعملنا بطريقة ما». تقترح الحتمية السببية حتى ثمة سلسلة متتابعة لا تنبتر من الحوادث السابقة التي تمتد عائدة حتى تصل إلى منشأ الكون. وقد لا تكون العلاقة بين الأحداث قابلة للتحديد، ولا منشأ ذلك الكون، غير حتى معتنقي الحتمية السببية يعتقدون أنه لا يوجد شيء في الكون بلا سبب أومسبب لذاته. ويمكن اعتبار الحتمية التاريخية (وهي نمط من تبعية المسار) مرادفًا للحتمية السببية. كما اعتُبرت الحتمية السببية –على نحوأعمّ- الفكرة التي تؤكد حتى جميع شيء يحدث أويوجد يحدث بسبب شروط وظروف سابقة. وفي حالة حتمية النواميس المنطقية، تعد هذه الظروف أحداثًا هي الأخرى، ما ينطوي بداية على حتى المستقبل يتحدد بشكل حتمي تام من خلال الأحداث السابقة، وهي مجموعة مؤلفة من الحالات السابقة للكون وقوانين الطبيعة، غير أنه من الممكن كذلك اعتبارها ما ورائية المنشأ (كما في حالة الحتمية الإلهية).

  • حتمية النواميس المنطقية: هي أشيع أشكال الحتمية السببية، وهي التصور الذي يفترض حتى الماضي والحاضر يُمليان المستقبل بأكمله وبالضرورة استنادًا إلى القوانين الطبيعية الصارمة، وأن جميع حادثة تنجم بشكل محتوم عن أحداث سابقة. توضَح حتمية النواميس المنطقية في بعض الأحيان بمثال هوتجربة «شيطان لابلاس» الفكرية، ويُطلق على حتمية النواميس المنطقية أحيانًا اسم «الحتمية الفهمية»، رغم حتى هذا الاسم مغلوط. وبشكل عام، يُستخدم مصطلح «الحتمية الفيزيائية» مرادفًا لحتمية النواميس المنطقية (ونقيضه هواللاحتمية الفيزيائية).
  • الضرورانية: ترتبط بالحتمية السببية -التي ورد وصفها آنفًا- ارتباطًا وثيقًا، وهي مبدأ ماورائي ينكر جميع الإمكانيات المجردة؛ إذ يقول إنه ثمة طريقة واحدة فقط يمكن للعالم حتى ينتهجها. وقد زعم ليوكيبوس حتى لا وجود للأحداث غير المسبَبة، وأن جميع شيء يحدث لسبب.

الحتمية المسبقة: هي الفكرة التي تقول إذا جميع الأحداث محددة مسبقًا. وعادةً ما تحاوَل برهنة الحتمية المسبقة بالاستناد على الحتمية السببية، والإشارة الضمنية إلى وجود سلسلة متتابعة لا تنبتر من الحوادث السابقة التي تمتد عائدة حتى تصل إلى منشأ الكون. وفي حالة الحتمية المسبقة، فقد ثُبِّتت سلسلة الأحداث هذه مسبقًا، ولا يمكن للأفعال البشرية حتى تتدخل في حصائل هذه السلسلة المثبّتة مسبقًا. يمكن استعمال مصطلح الحتمية المسبقة للدلالة على ما يمكن اعتباره نوعًا من الحتمية السببية المسبقة، فتُصنف في هذه الحالة على أنها نمط محدد من الحتمية. ويمكن كذلك استخدام المصطلح بنفس دلالة الحتمية السببية ضمن سياق قدرتها على تحديد الأحداث المستقبلية المحتومة. وعلى الرغم من جميع هذا، عادةً ما تُعتبر الحتمية المسبقة مستقلة عن الحتمية السببية. ويُستخدم مصطلح الحتمية المسبقة بشكل متكرر في سياق فهم الأحياء والوراثة كذلك، ويمثل في هذه الحالة شكلاً من أشكال الحتمية الأحيائية.

يمكن تمييز القدَرية عادةً عن «الحتمية»، باعتبارها شكلًا من أشكال الحتمية الغائية. وتُعهد القدرية على أنها الفكرة التي تقول إذا جميع شيء مقدر الحدوث، وبالتالي فلا يملك البشر سيطرة على مستقبلهم. يتمتع القدر بقوةٍ كيفية مستبدة، ولا يحتاج إلى الامتثال لأي قوانين سببية أوحتمية. تنطوي أنماط القدرية على الحتمية الإلهية الصارمة وفكرة القضاء والقدر، إذ ثمة إله يحدد جميع ما سيعمله البشر. ويمكن تحقيق ذلك إما عن طريق الفهم المسبقة بأفعالهم، بواسطة شكل ما من الفهم اللانهائي، أوعن طريق القضاء بحدوث أفعالهم مسبقًا.

الحتمية الإلهية شكل من أشكال الحتمية يعتقد حتى جميع الأحداث التي تحدث مقضي بها مسبقًا، أومقدر لها حتى تحدث سلفًا، من قبل إله أوحد، أوحتى حدوثها مقدر ضمن الفهم اللانهائي. يوجد شكلان اثنان للحتمية الإلهية، ستجري الإشارة إليهما هنا بالحتميتين الإلهيتين القوية والضعيفة. وأولاهما، الحتمية الإلهية القوية، قائمة على مفهوم إله خالق يُملي جميع أحداث التاريخ: «إن جميع شيء يحدث مقدر حدوثه سلفًا من قبل ذات إلهية كلية الفهم وكلية القدرة». أما الشكل الثاني، وهوالحتمية الإلهية الضعيفة، فيقوم على مفهوم الفهم الإلهية المسبقة؛ «لأن فهم الله اللانهائي كامل، فما يفهمه الله عن المستقبل حادث لا محالة، ما يعني -بناء على ذلك- حتى المستقبل متبلور أساسًا». وثمة تنويعات طفيفة على التصنيف الوارد أعلاه، إذ يدعي البعض حتى الحتمية الإلهية تتطلب التقدير المسبق لكل الأحداث والحصائل من قبل الذات الإلهية (على سبيل المثال، لا يصنف هؤلاء الشكل الأضعف على أنه «حتمية إلهية» إلا إذا افتُرض حتى الحرمان من الإرادة الحرة الليبرتارية هوإحدى العواقب)، أوحتى الشكل الأضعف لا يُعد «حتمية إلهية» على الإطلاق. في ما يتعلق بالإرادة الحرة، «الحتمية الإلهية هي الفرضية التي تقول بوجود الإله وامتلاكه فهمًا معصومًا يحيط بكل المسائل السليمة ومن ضمنها المسائل المتعلقة بأفعالنا المستقبلية»، وقد وُضعت المزيد من المعايير الأصغرية  للإحاطة بكل أشكال الحتمية الإلهية. يمكن كذلك حتى يُنظر إلى الحتمية الإلهية على أنها أحد أشكال الحتمية السببية، التي تكون الشروط السالفة –وفقًا لها- هي طبيعة الإله ومشيئته. وقد أدخل القديس أوغسطينوس الحتمية الإلهية إلى المسيحية في عام 412 م، بينما كان جميع سابقيه من المؤلفين المسيحيين يدعمون الإرادة الحرة لقاء الحتمية الرواقية والغنوصية.

انظر أيضا

  • اللاحتمية
  • تغيير حتمي
  • حتمية بيولوجية
  • سببية
  • نظرية الشواش
  • إرادة حرة
  • مادية تاريخية
  • نظرية الألعاب
  • توافقية (فلسفة)
  • الإيمان بالقضاء والقدر

مراجع

  1. ^ McKewan, Jaclyn (2009). "Evolution, Chemical". In H. James Birx" (المحرر). Predeterminism. Encyclopedia of Time: Science, Philosophy, Theology, & Culture. SAGE Publications, Inc. صفحات 1035–1036. doi:10.4135/9781412963961.n191. ISBN .
  2. ^ Arguments for Incompatibilism (Stanford Encyclopedia of Philosophy) نسخة محفوظة 21 سبتمبر 2018 على مسقط واي باك مشين.
  3. ^ Koch, Christof (September 2009). "Free Will, Physics, Biology and the Brain". In Murphy, Nancy; Ellis, George; O'Connor, Timothy (المحررون). Downward Causation and the Neurobiology of Free Will. New York, USA: Springer. ISBN .

وصلات خارجية

  • معجم تاريخ الأفكار: الحتمية في التاريخ
  • مسقط عن الحتمية تابع للفيلسوف تود هوندريش
  • مقدمة حول الحتمية والإرادة الحرة للمبتدئين، لبول نيومان.
  • الحتمية منطق لبيتر جيل.
  • أين هي الإرادة الحرة? A
  • مدخل موسوعة ستانفورد الفلسفية حول الحتمية السببية
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:41:18
التصنيفات: حتمية, سببية, عشاوة, فلسفة العلوم, مدارس فلسفية, نظريات ميتافيزيقية, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة الفيزياء/مقالات متعلقة, بوابة فلسفة العلوم/مقالات متعلقة, بوابة الأديان/مقالات متعلقة, بوابة زمن/مقالات متعلقة, بوابة علم النفس/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P227, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم ومخيم نور شمس

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-03 03:07:36
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 97%

مصر.. وفاة اللواء عدلي فايد مدير الأمن العام الأسبق في عهد مبارك

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-03 03:07:42
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 96%

فأر يربك شركة طيران "العال" الإسرائيلية مرتين (صورة)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-03 03:07:37
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 88%

14 ملفا في أولويات محافظة القاهرة حاليا.. تعرف عليها - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-03 03:20:35
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

أكاديمي فرنسي: مصير أوروبا عام 2024 سيتقرر في قطاع غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-03 03:07:52
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 93%

ماكرون يؤكد لإسرائيل ضرورة تجنب أي إجراءات تصعيدية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-03 03:07:40
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 92%

وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد: نحن نخوض حربا عالمية ثالثة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-03 03:07:39
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية