Edit-clear.svg
هذه الموضوعة من الممكن بحاجة إلى تهذيب لتتناسب مع مرشد الأسلوب في ويكيبيديا. لم يُحدد أي سبب للتهذيب. فضلًا هذّب الموضوعة إذا كان بإمكانك ذلك، أوغيّر النطقب ليُحدد المشكلة التي بحاجة إلى تهذيب.(أبريل 2016)

جون لوك (29 أغسطس 1632 - 28 أكتوبر 1704) (بالإنجليزية: John Locke)‏ هوفيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي. ولد في عام 1632 في رنجتون في إقليم سومرست وتفهم في مدرسة وستمنستر، ثم في كلية كنيسة المسيح في جامعة أوكسفورد، حيث انتخب طالباً مدى الحياة، لكن هذا اللقب سحب منه في عام 1684 بأمر من الملك. وبسبب كراهيته لعدم التسامح البيورتياني عند اللاهوتيين في هذه الكلية، لم ينخرط في سلك رجال الدين. وبدلاً من ذلك اخذ في دراسة الطب ومارس التجريب الفهمي، حتى عهد باسم (دكتور لوك).

درس جون لوك في كرايست تشيرش في أكسفورد وأصبح طبيباً ومستشاراً للايرال أوف شافتسبري. ثم تحّول إلى الفلسفة، فأنتج طوال فترة عملية غير قصيرة مؤلفاً قيِّماً في موضوع المشكلات التي يستطيع الفهم البشري التعاطي بها .

وقد تولى لوك عدداً من المناصب الحكومية، ولكنه فقد حظوته لما نُفي شافتسبري عام 1683م، ولكن الملك وليام الثالث من إنكلترا رحّب بعودته وعيّنه مستشاراً للحكومة في ميدان سكّ النقد.

في عام 1667 أصبح طبيباً خاصاً لأسرة أنتوني آشلي كوبر (1621-1683) الذي صار فيما بعد الإيرل الأول لشافتسبري، ووزيراً للعدل، ولعب دوراً خطيراً في الأحداث السياسية العظيمة التي سقطت في إنجلترا ما بين سنة 1660 وسنة 1680. لعبت علاقة لوك باللورد آشلي دوراً كبيراً في نظرياته السياسية الليبرالية. وكان اللورد آشلي يتمتع بنفوذ كبير في إنجلترا إذ كان يمثل المصالح السياسية لرؤوس الأموال التجارية في لندن، وتحت تأثير اللورد آشلي خط لوك في (1689–1692) منطقاً خاصاً بالتسامح (On Toleration) راجع فيه أفكاره القديمة الخاصة بإمكانية تنظيم الدولة لكل شؤون الكنيسة.

اعتقد الكثيرون لمدة طويلة ان لوك خط أشهر منطقتين سياسيتين نشرتا في عام 1690 بعنوان "منطقتان عن الحكومة" (Two Treatises on Government) تأييداً لثورة 1688 الكبرى. وهناك وجهة نظر تقول إذا الموضوعتين موجهتان ضد فيلمر (Filmer) وليس ضد هوبز كما كان يظن البعض. وهاجر لوك إلى هولندا عام 1683 بسبب ملاحقة الشرطة له، وذلك لاتصالاته الوثيقة باللورد آشلي، الذي كان معارضاً للقصر وبقي هناك حتى عام 1689، وفي هولندا خط لوك عدة منطقات منها: منطق خاص بالفهم البشري (Essay Concerning Human Understanding) وبعض الأفكار عن التربية وأخرى عن التسامح. وعندما اتىت الثورة الكبرى، استطاع لوك العودة إلى إنجلترا. وقد رفضت الجامعات القديمة فلسفته الحسية وآراءَه الليبرالية. ومع ذلك فقد عاصر شهرته الكبرى التي انتشرت في أنحاء العالم. وتوفي عام 1704. كان لجون لوك دور كبير غير مباشر في الثورة الأمريكية إذ حتى كتابه ((رسالتان في الحكم)) كان محط إعجاب الأمريكيين وكانت من ضمن آرائه في الكتاب حتى الوظيفة العليا للدولة هي حماية الثروة والحرية ويجب على الشعب تغيير الحكومة أوتبديلها في حالة عدم حفظها لحقوق الشعب وحريته، وقد ساهمت آرائه في زيادة وعي الأمريكيين الذين اعتنقوا آرائه وقرروا تطبيقها.ومن أشهر عباراته الفلسفية"الأفكار الجديدة هي موضع شك دائماً.... وتتم مقاومتها غالباً... لسبب أنها لم تصبح شائعة بعد"

نشأته

جون لوك

ولد جون لوك أثراً في رنجتون بالقرب من برستول، في نفس العام الذي ولد فيه سبينوزا. ونشأ وترعرع في إنجلترا التي قامت فيها ثورة دامية وقتلت مليكها، وأصبح الصوت المنادي بثورة سلمية وعصر يسوده الاعتدال والتسامح، ومثل التسوية الإنجليزية في أحكم صورة وأفضلها. كان أبوه محامياً بيوريتانياً ناصر مع شيء من التضحية قضية البرلمان، وشرح لابنه نظريتي سيادة الشعب والحكومة النيابية، وبقي لوك مخلصاً لهذه الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً بفضل أبيه في تعويده على الرصانة الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً ليدي ماشام عن والد لوك أنه:- سلك معه في صغره نهجاً تحدث عنها الابن فيما بعد في استحسان بالغ. ذلك أنه كان قاسياً عليه بإبقائه في رعب شديد منه، وعلى أبعد منه، حين كان صبياً. ولكنه كان يخفف من هذه القسوة شيئاً فشيئاً حتى استوى جون رجلاً، آنس منه رشداً ومقدرة فعاش مع صديقاً حميماً(104). درس جون لوك في أكسفورد الأرسطوطاليسية والهندسة والبلاغة واليونانية والمنطق وفهم الأخلاق. ثم أصبح محاميا في مدينة أكسفورد. وجدير بالذكر كانت هناك في ذلك الوقت منافسة كبيرة بين أكسفورد وكمبردج. كان يسيطر على أكسفورد أتباع أرسطو، بينما أتباع أفلاطون كانوا يسيطرون على كمبردج، مع الفهم حتى الصراع بين الأرسطوطاليسية والأفلاطونية اخترق جميع تاريخ الفلسفة. لكن البروفيسور روجيه وولهاوس، أحد كبار المختصين بالفكر الحديث عموما وفلسفة جون لوك على وجه الخصوص، يرى حتى الفلسفة الحديثة أي فلسفة فرانسيس بيكون وتوماس هوبز ورينيه ديكارت كانت قد نقدت بشدة فلسفة أرسطووأفلاطون وفتحت مجالاً جديداً كلياً للفهم. وبالتالي فقد استفاد من ذلك كله جون لوك وبنى عليه نظرياته الفلسفية والسياسية.وفي مدرسة وستمنستر أرهق باللاتينية واليونانية والعبرية والعربية، ومن الجائز أنه لم يسمح له بشهود إعدام تشارلز الأول ملك إنجلترا (1649) في ساحة قصر هويتهول القريب من المدرسة، ولكن هذه الحادثة هجرت أثراً في فلسفته. وعوقت اضطرابات الحرب الأهلية التحاقه بكلية كريست في أكسفورد حتى بلغ العشرين من عمره. وهناك تفهم أرسطومصوغاً في قوالب سكولاسية باللاتينية، كما تفهم مزيداً من اليونانية، وبعض الهندسة والبلاغة، وكثيراً من المنطق وفهم الأخلاق، لفظ معظمها فيما بعد، على انها عتيقة مهجورة موضوعاً. غير مستساغة ولا مقبولة شكلاً. وبعد حصوله على درجة الماجستير (1658) بقي بكليته باحثاً في الدراسة العليا، يفهم ويحاضر. وسقط لبعض الوقت في غرام "سلبني عقلي(105)"،ثم استرد عقله وخسر عشيقته. ولم يتزوج لوك قط، مثله في ذلك مثل جميع فلاسفة هذا العصر تقريباً- مالبرانش،بل،فونتنل،هوبز،سبينوزا،ليبتنز. ونصحوه بالالتحاق بإحدى وظائف الكنيسة، ولكنه تردد ونطق: "إذا رقيت إلى مكان قد لا أستطيع حتى أملأ فراغه فإن الهبوط منه لنقد يكون إلا سقوطاً مروعاً يسمع له دوي شديد(106)". درس لوك الطب وقرأ ديكارت وولع بالفلسفة وأحس بسحرها. ثم عمل كطبيب خاص لأنطوني آشيلي كوبر والذي أصبح أرل شافتسبري الأول وعضوالوزارة أيام شارل الثاني. حافظ جون لوك في نفس الوقت على منصبه كباحث ومدرس ومحاضر في أكسفورد ولكن مع ذلك عثر نفسه غارقا في خضم السياسة الإنكليزية. ويروي ول ديورانت حتى الطبيب لوك أنقذ حياة شافتسبري حيث أجرى له عملية بارعة لاستئصال ورم خبيث وساعد في المفاوضات لإتمام زواج ابن شافتسبري، وسهر على زوجة ابنه أثناء الوضع، وأشرف على تعليم حفيده، خليفته في الفلسفة. ويذكر هذا الحفيد، أرل شافتسبري الثالث أن:

"مستر لوك حظي بتقدير كبير لدى جدي، حتى وأنه وقد عهد بالتجربة أنه عظيم في الطب، رأى حتى هذا جانب صغير من جوانب عظمته، وشجعه على الاتجاه بأفكاره إلى منحى آخر، ولم يسمح له بمزاولة الطب إلا في أسرته أومن قبيل العطف أوالرحمة بصديق حميم. وهيأه لدراسة المسائل الدينية والمدنية التي تهم البلاد، وكل ما يتصل بمهمة الوزير في الدولة. وقد أحرز في هذا نجاحاً كبيراً حدا بجدي إلى حتى يتخذ منه صديقاً يسأله المشورة في أية قضية من هذا النوع." أحس جون لوك بالخطر لما أثارته سيرة القبض على صاحبه شافتسبري وهربه من السجن ثم فراره إلى هولندا من شبهات الملكيين حول أصدقائه. فلجأ لوك كذلك إلى هولندا. واختبأ هناك واتخذ لنفسه اسما آخر، وبعد سنة أوفد له الملك جيمس الثاني عرضا بالعفوولكنه آثر البقاء في هولندا.

عاش لوك في أمستردام وروتردام وأوترخت ست سنوات ونشأت بينه وبين بعض الفهماء الهولنديين علاقة صداقة، مثل جين لي كلرك وفيليب فان لمبروخ وكذلك مع اللاجئين الإنكليز في هولندا ولاقى جميع تشجيع وترحيب لآرائه في سيادة الشعب والحرية الدينية. وحسب ديورانت خط لوك هناك خط "بحث في العقل الإنساني" والمسودات الأولى لأبحاثه في التعليم والتسامح الديني. وفي 1679 عاد لوك إلى إنجلترا وإلى شافتسبري، ولكن الأرل زج بنفسه أكثر فأكثر في غمار الثورة، فآوى لوك إلى أكسفورد حيث أستأنف الدرس والبحث. وأثار القبض على شافتسبري وهربه من السجن ثم فراره إلى هولندا شبهات الملكيين حول أصدقائه. وانبث الجواسيس في أكسفورد للقبض على لوك متلبساً بما يمكن حتىقد يكون أساساً لتقديمه إلى المحاكمة(109). فلما أحس بالخطر وتنبأ باعتلاء عدوه جيمس الثاني عرش إنجلترا، فإنه كذلك لجأ إلى هولندا (1683). على حتى ثورة دوق مونموث القصيرة الأجل التي ماتت في مهدها (1681) استنفرت الملك جيمس الثاني إلى حتى يطلب من الحكومة الهولندية تسليم خمسة وثمانين لاجئاً إنجليزياً بتهمة اشتراكهم في المؤامرة لقلب عرش الملك الجديد. وكان من بينهم لوك، فاختبأ وأتخذ اسماً زائفاً. وبعد سنة أوفد إليه جيمس عرضاً بالعفوعنه ولكنه آثر البقاء في هولندا. وأقام في أوترخت وأمستردام وروتردام، حيث لم يستمتع بصداقة الإنجليز اللاجئين فحسب، بل سعد كذلك بصداقة الفهماء الهولنديين مثل جين لي كلرك وفيليپ ڤان لمبروخ، وكلاهما من زعماء اللاهوت الإرميني المتحرر. وفي هذا الوسط عثر لوك تشجيعاً كبيراً لآرائه في سيادة الشعب والحرية الدينية. وهناك خط "بحث في العقل الإنساني"، والمسودات الأولى لأبحاثه في التعليم والتسامح الديني.

تجارته للعبيد في 1671 كان أكبر المستثمرين في تجارة العبيد الإنجليزية في " الشركة الأفريقية الملكية " التي كانت تتاجر في العبيد من غرب أفريقيا وكانت تهجر بين 90000 - 100000 أفريقى كعبد. ويقول مارتن كوهين : كان لوك رجل من ستة رجال مسئولين عن ايجاد وحكم المستعمرات الجديدة في أمريكا وقوانينها الجائرة والعبودية الظالمة فيها. لذا يرى البعض حدثاته عن الملكية غير المحدودة كمسوغ لإحلال السكان الأصليين لأمريكا. ويرى مفكرون حتى معارضته للأرستقراطية والعبودية في أشهر كتاباته تتعارض مع سيرته الذاتية وتجارته الواسعة في العبيد واستعبادهم وأنها محض نفاق.

وفي 1687 اشهجر في مؤامرة لإحلال وليم الثالث محل جيمس الثاني على عرش إنجلترا(110). فلما نجحت حملة نائب الملك في هذه المغامرة أبحر لوك إلى إنجلترا (1689) على نفس السفينة التي أقلت الملكة المقبلة ماري(111). وقبل مغادرة هولندا خط باللاتينية إلى لمبروخ رسالة تفيض بأحر العواطف. مما يدحض أويصبح ما افترض من حتى اعتداله المألوف نبع من برودة طبعه: إني إذا أرحل عنكم، أكاد أشعر إني أفارق بلادي وعشيرتي وأهلي فإن جميع شيء يتعلق بالقرابة والسنة الحسنة والحب والشفقة- جميع ما يربط الناس بعضهم ببعض بوشائج قوى من رابطة الدم- وجدته بينكم موفوراً. إني أهجر ورائي أصدقاء لا سبيل إلى نسيانهم أبداً. ولن أودع الرغبة في سنوح الفرصة لأستمتع ثانية بالرفقة الحقه لأصدقاء، لم اشعر وأنا بينهم بأي حنين أورغبة، حيث كنت بعيداً عن ارتباطاتي الخاصة، وأعاني من أشياء كثيرة، أما أنت يا أفضل الرجال وأعزهم وأنبلهم، فإني حين أفكر في فهمك وحكمتك وشفقتك وصراحتك وإخلاصك ورقتك ودماثة خلقك، يتضح لي إني وجدت في صداقتك أنت وحدك ما يجعلني أبتهج دوماً لأني أرغمت على قضاء هذا الكثير من السنين في رحابك. – لوك وفي إنجلترا التي تولى فيها أصدقاء لوك منطقيد الحكم، تقل الفيلسوف عدة مناصب رسمية. ففي 1690 كان مفوض الاستئناف، وفيما بين 1696- 1700 كان مفوض التجارة والزراعة، وكان صديقاً حميماً لجون سومرز النائب العام، وشارل مونتاگوإرل هاليفاكس الأول، واسحاق نيوتن الذي ساعده لوك في إصلاح العملة. وبعد 1691 قضى معظم وقته في أوتس مور في أسكس مع سير فرانسيس ماشام وقرينته ليدي داماريس ماشام إحدى بنات رالف كودورث. وظل في هذا الركن الهادئ يخط وينقح ما خط حتى وافته المنية وفي 1661 توفي والده بالسل، تاركاً له ثروة ضئيلة ورئتين ضعيفتين. ودرس الطب ولكنه لم يحصل على درجة فيه إلا في 1674. وفي الوقت نفسه قرأ ديكارت، وأحس بسحر الفلسفة حين تحدثت في جلاء ووضوح. وساعد روبرت بويل في تجاربه المعملية، وملأه الإعجاب بالمنهج الفهمي. وفي 1667 تلقى دعوة للحضور والإقامة في قصر إكستر ليكون طبيباً خاصاً لأنطوني آشيلي كوبر. ولمدة عامين (1673- 1675) اشتغل لوك سكرتيراً لمجلس التجارة والزراعة (المستعمرات) الذي كان يرأسه شافتسبري. وساعده على وضع دستور لكارولينا التي أسسها شافتسبري وكان أكبر ملاك الأرض فيها. ولم تطبق هذه "النظم الأساسية" في المستعمرة بصفة عامة، ولكن حرية الضمير التي تضمنتها هذه النظم لقيت قبولاً حسناً إلى حد كبير لدى المستوطنين الجدد(108).

ولما تخلى شافتسبري عن مهامه السياسية 1675 جال ولك ودرس في فرنسا حيث التقى هناك بفرانسوا برنييه الذي أظهره على فلسفة جاسندي التي عثر فيها رفضاً معقولاً "للأفكار الفطرية" وهي مقارنة عقل الطفل الذي لم يولد باللوح النظيف الخالي من أي شيء، والجملة المأثورة التي نقلت فيما بعد عبر القنال الإنجليزي: "ليس ثمة شيء موجود في العقل إلا كان موجوداً أولاً في الحواس". عندما عاد لوك من هولندا كان يناهز السادسة والخمسين من العمر. يقول المؤرخ والفيلسوف ديورانت في كتابه الرائع "سيرة الحضارة": كان لوك قد بلغ السادسة والخمسين من العمر حيث عاد من منفاه. ولم يكن قد نشر سوى بعض منطقات قليلة الشأن، وخلاصة بالفرنسية "للمنطق" في المخطة العالمية التي كان يصدرها لي كلارك ولم يكن يعهد عن اشتغاله بالفلسفة إلا نفر قليل من أصدقائه. وما هي إلا سنة واحدة، هي "سنة العجائب"، حتى دفع إلى المطبعة ثلاثة خط سمت به إلى مصاف الشخصيات البارزة الكبرى في عالم الفكر في أوروبا. وظهرت "رسالة عن التسامح" في مارس 1689، في هولندا، ثم ترجمت إلى الإنجليزية في الخريف. وأعقبتها في 1690 "رسالة ثانية عن التسامح". وفي فبراير 1690 أصدر منطقيه عن "الحكم المدني"، وهما حجر الزاوية في النظرية الحديثة للديمقراطية في إنكلترا وأمريكا، وبعد شهر واحد أخرج كتابه "بحث في العقل الإنساني"، وهوأعظم المؤلفات أثراً في فهم النفس الحديث. وعلى الرغم من إتمامه هذا الكتاب الأخير قبل مغادرته هولندا فإنه عجل بطبع منطقي "الحكم المدني" قبله، لأنه كان تواقا إلى تزويد الثورة الجليلة بأساس فلسفي.

فلسفته

جون لوك

لقد كان لوك فيلسوفا تجريبيا حسيا ومن أكبر أعمال لوك منطق عن الفهم الإنساني الذي يشرح فيه نظريته حول الوظائف التي يؤديها العقل (الذهن) عند التعهد على العالم. اشتهر جون لوك زعيم الحسيين بعبارته المشهورة:"إذا سألك سائل:متى بدأت تفكر،يا ترى؟ فيجب حتى تكون الإجابة:عندما بدأت أحس".لقد سلم لوك بعجز العقل البشري وقصوره عن معالجة ما يتجاوز حدوده وإمكانياته وقد وضح ذلك في معظم خطه ولا سيما كتابه (منطق في الفهم الإنساني) وكتابه (عن العقل البشري)وخلاصتهما حتى العقيدة السائدة قبل لوك هي حتى العقل البشري يشتمل على بعض الأفكار الفطرية الموروثة منذ الولادة دون حتى يكتسبها العقل من التجارب التي تمر به أثناء الحياة ولقد بلغ من رسوخ هذا الممضى في نفوس أنه لم يكن يستهدف حتى لمجرد البحث والجدل.وكان ديكارت من أشد المدافعيين عن صحته وتبوته، أما لوك فيقابل هذا التسليم الأعمى بوجود الآراء الفطرية بأشد الإنكار.ويقول في ذلك "انها ((أي الأفكار الفطرية))ليست مطبوعة على العقل بطبيعتها، لأنها ليست فهم بالنسبة للأطفال والبلهاء وغيرهم.

ظهرت فلسفة لوك في عصر الحرب الأهلية الإنجليزية، بين الملك والبرلمان، وكان الملك يمثل الطبقة الأرستقراطية التي كانت تهدف المحافظة على مكتسباتها الوراثية ووضعها المتميز داخل المجتمع والدولة، والبرلمان يمثل البرجوازية الصاعدة، أى طبقة التجار ورجال المال والأعمال والصناعة. انتهت هذه الحرب بفوز البرلمان، وبتقييد سلطات الملك حتى أصبح يملك وحسب ولا يحكم. وقد اتصف ذلك العصر بالاضطراب والفوضى في جميع النواحى الاجتماعية والثقافية والسياسية، وما يميز جميع فترة انتنطقية بين نظام قديم ونظام جديد. أراد لوك حتى يحافظ على ثبات واستقرار المجتمع الإنجليزي، وأراد كذلك المحافظة على النتائج التي أسفرت عنها الثورة، أى الجمع بين النظام الملكي والنظام البرلماني في نفس الوقت(3 )، والمحافظة على التوازن بينهما، وبالتالى التوازن بين الأرستقراطية والبورجوازية. ولذلك اشتهر لوك بنظريته السياسية التي تجمع في نفس الوقت بين حق الملكية الذي يحافظ على الحقوق المتوارثة للأرستقراطية والحقوق المكتسبة حديثاً للبورجوازية، وبين مفهوم الحكومة المدنية التي تعتمد على توازن القوى وتوزيع السلطات. والحق حتى هذا كان مفهوم الإنجليز عن الاستقرار، فهوتوازن ومحافظة على أملاك جميع الطبقات. ومن الناحية الفكرية أراد لوك لقاءة الحماس الزائد الذي يصل إلى حد التهور والملازم لصعود أى طبقة جديدة. وكان يمكن حتى تؤدى لقاءة البرجوازية للسلطات الكهنوتية للكنيسة حتى تعصف بالدين، ولذلك أراد لوك حتى يحافظ على الإيمان وفي نفس الوقت يعبر عن نظرة البورجوازية الفكرية والمتمثلة في اعتماد العقل حكماً في جميع شئون الحياة والخبرة التجريبية التي وضعها أساساً لفلسفته. وكان يمكن لتجريبية لوك حتى تمضى به إلى حد الإطاحة بالأديان من جراء عداء جميع ممضى تجريبى للأفكار المسبقة واعتماده على الخبرة التجريبية التي تكبح جماح العاطفة، وأولها العاطفة الإيمانية ؛ لكن تتميز تجريبية لوك بأنها جمعت بين عمل العقل والتجربة من جهة، وعلى الإيمان والوحي من جهة أخرى. وهذا هوجوهر الفرق بينه وبين هيوم، الذي سار على المنهج التجريبى إلى نهاياته المنطقية حيث وضع الإيمان والوحي والمعجزات تحت محكمة العقل ورفض الميتافيزيقا وقيد من سعى العقل المستمر نحوتجاوز الخبرة التجريبية في اتجاه المثاليات. إلى غير ذلك ظهرت فلسفة لوك على أنها تضع للعقل حدوداً مزدوجة، من الخبرة التجريبية ومن الإيمان والوحى. وممضى لوك تجريبى لا لأنه يرفض العقل، إذ هويضع للعقل مكاناً مركزياً في الفهم، بل لأنه يقيد العقل بالتجربة، وذلك عكس فلاسفة التيار العقلانى: ديكارت ولايبنتز وسبينوزا، الذي تحرر العقل عندهم من أي تجربة ووصل إلى المثالية. والحقيقة حتى لوك عندما يضع الخبرة التجريبية باعتبارها المصدر الأساسى للفهم والضابط الأول للعقل فإنما يعبر بذلك عن الخبرة العملية للبرجوازية، ذلك لأن هذه الطبقة هي طبقة رجال التجارة والمال والأعمال والصناعة، الطبقة التي صنعت نفسها وثروتها بالانشغال في العمليات الاقتصادية الجزئية واليومية، وهي كلها عمليات تنظر إلى العمل وإنتاج هذا العمل على أنه نادىمتها الأساسية. إذا الخبرة التجريبية في فلسفة لوك هي التعبير الفلسفى والإبستمولوجى عن الخبرة العملية للبورجوازية، ورفضه للأفكار الفطرية تعبير عن رفضه الاجتماعى والاقتصادى لكل حق موروث لم يأت نتيجة للعمل وبذل الجهد والانغماس في تفاصيل الحياة اليومية. ولذلك نرى حتى وراء نظرية لوك في الفهم، ووراء عناصر فلسفته، يكمن موقف اجتماعى معين يعبر عن طبقة صاعدة، البورجوازية، في لقاءة طبقة أخرى ذات حقوق موروثة، أوفطرية، وهي الأرستقراطية، وهذا هومغزى تجريبيته ورفضه للأفكار الفطرية.

نظرية الفهم باعتبارها مُدخلًا فلسفيًا

إن الذي حفز لوك نحوإقامة فلسفة جديدة هوانشغاله بالأسئلة الفلسفية التقليدية المتعلقة بالنفس والعالم والألوهية. لكن بدلاً من انطلاقه نحوالبحث في هذه المشكلات بدأ بطريق لم يطرقه قبله معظم الفلاسفة، وهوالبحث في الفهم الإنسانية(4). وكان مبرره في هذا حتى أى آراء حول مشكلات الفلسفة هي نمط من الفهم، ولذلك فقبل حتى نبدأ في البحث في الفهم الإنسانية يجب أولاً البحث في أداة هذه الفهم وهي الفهم البشرى. ولهذا السبب يعد لوك أول من نظر إلى البحث في طبيعة الفهم الإنسانية على أنه النقطة التي يجب الانطلاق منها قبل البحث في موضوعات الفهم ذاتها. إلى غير ذلك كان لوك هوأول واضع لمبحث الابستمولوجيا أونظرية الفهم(5). والحقيقة حتى الإجابة عن مشكلات الفلسفة التقليدية مثل طبيعة النفس والعالم والألوهية والأخلاق لم تشكل عند لوك الأولوية الأولى في فلسفته وحلت محلها مهمة إقامة نظرية في الفهم، حتى أصبحت نظرية الفهم عنده ذات الأولوية القصوى. سليم أننا نجد لدى لوك آراء حول الجوهر والسببية والنفس والعالم والألوهية والأخلاق والسياسة، إلا حتى آراءه حول هذه الموضوعات كانت نتيجة ثانوية للمبادئ التي وضعها في صورة نظرية في الفهم. سبق لديكارت حتى درس في إشكالية الفهم، لكنه درس هذا ظل مقيداً بالطابع الميتافيزيقى لفلسفته، إذ شغلته إشكاليات العلاقة بين الفكر والامتداد، والنفس والجسم، وإثبات وجود الأنا أفكر ووجود العالم والألوهية وبساطة وخلود النفس. أما لوك فيتميز عن ديكارت في أنه لم يجعل قضية العلاقة بين النفس والجسم تعيقه عن مهمة البحث في الفهم الإنسانى. بدأ لوك بتناول عناصر الفهم الإنسانى مباشرة، من إدراكات حسية وأفكار وإحساسات وتصورات، دون حتى يشغل نفسه كثيراً بالبحث في فسيولوجيا الذهن ذات الطابع السيكولوجى أوفي الطبيعة العضوية للإدراك الحسى، وكان جميع ما يهمه في الفهم الإنسانية هوكيفية حدوث الفهم للفهم البشرى، لا الطبيعة العضوية للتفكير والتي تسقط دائماً في إشكالية الارتباط بين النفس والجسم. ينقسم كتاب الموضوع إلى أربعة أجزاء: الأول عن الأفكار الفطرية، والثانى عن الأفكار، والثالث عن الحدثات، والرابع عن الفهم(6). في الجزء الأول ينتقد لوك الرأى القائل بالأفكار الفطرية بناء على حتى الخبرات البشرية متعددة، وأن ما فطرى بالنسبة للبعض ليس كذلك بالنسبة للبعض الآخر، وأن أجناساً بشرية مختلفة تعتنق أفكاراً مختلفة وتعتقد في أنها فطرية، وأن البشرية كلها ليست مجتمعة على القول بأفكار فطرية واحدة. هناك شعوب لا تعتقد في وجود هذه الأفكار في الأصل، وهذا مرشد على أنه ليس هناك إجماع بشرى عام على أفكار فطرية واحدة، إذ لوكانت هذه الأفكار الفطرية موجودة لكانت جميع البشرية تعتقد فيها. لا ينشغل لوك بفحص الذهن البشرى ذاته من حيث هجريبه العضوى أومن حيث العمليات العقلية التي يقوم بها، بل ينطلق مباشرة نحوفحص عناصر الفهم في الذهن البشرى من إحساسات وإدراكات وأفكار وحدثات(7). وهويمضى إلى حتى لكل الأفكار أصلها في الحواس باعتبارها المصدر الأول لتلقى الانطباعات والإدراكات. والأفكار عنده هي ما يشكل جميع الفهم الإنسانية، ولذلك ينطلق نحوالبحث في «كيفية حضورها للذهن» ولا يجد سبيلاً تأتى به الأفكار إلى الذهن البشرى إلا عبر الإدراكات التي مصدرها الحواس. ولأن لوك قد رفض نظرية الأفكار الفطرية فقد مضى إلى حتى جميع أفكارنا ترجع إلى الخبرة التجريبية. وعلى الرغم من ذلك فقد تمسك بمعنى واحد فقط للفطرية، فليست الأفكار هي الفطرية عنده بل ملكات الذهن من تذكر وتخيل ودمج بين الأفكار وبعضها، وكذلك الرغبة والإرادة. يبدأ لوك كتابه بتوضيح الهدف من تأليفه، ويمضى إلى حتى الفهم هوالملكة التي تميز الإنسان عن باقى الكائنات الحية، ولذلك فإن البحث فيها له الأولوية القصوى، ذلك لأنه كما حتى العين هي وسيلة الإنسان لرؤية الأمور، فإن الفهم هووسيلته في الإدراك والفهم( 8). وقبل حتى ينشغل الفيلسوف بإنتاج أى نوع من الفهم فإن الأولى هوالبحث في الفهم الذي هوأداة الفهم. إلى غير ذلك يفتح لوك مجالاً جديداً للبحث الفلسفى يختلف عن مجالات الفلسفة التقليدية، إذ كان جميع ممضى فلسفى سابق يبدأ مباشرة بالبحث في قضايا الوجود وطبيعة الإنسان ومفهوم الحقيقة وواقعية العالم الخارجي ... إلخ، لكن يتوقف لوك عن وضع قضايا تخص هذه الموضوعات التقليدية كى يبدأ أولاً بالبحث في أداة الفهم. وبالتالى فإن المبحث الأول في الفلسفة عند لوك يجب حتىقد يكون بحثاً في الفهم الإنسانية، حدودها ونطاقها وإمكانياتها. وبمضى لوك إلى حتى الفهم الإنسانى يشتغل على موضوعاته مباشرة دون ملاحظة نشاطه ذاته، وما يجب البدء به هووضع هذا الفهم الإنسانى نفسه موضع البحث. وعلى الرغم من حتى هدف البحث عند لوك هوالفهم الإنسانى، إلا أنه لن يتناوله من منطلق دراسة فسيولوجية لوظائف المخ البشرى، ولن يبحث في الحواس أوفي كيفية إدراكها للأشياء، بل سينطلق مباشرة إلى الكشف عن مكونات الفهم الإنسانى من أفكار بسيطة وأفكار مركبة، وصفات أولية وصفات ثانوية، والبحث في كيفية إدراكه لمفاهيم مثل الجوهر والسببية والصفات والأحوال. وسوفقد يكون منهج لوك في بحثه هوتتبع أصل الأفكار أوالمفاهيم إلى مصادرها الأولى التي هي الإدراكات الحسية. وهدفه من ذلك هوبيان الحدود القصوى التي يمكن حتى تصل إليها الفهم البشرية، والتمييز بذلك بين الفهم الصادقة ومجرد الرأى والاعتقاد( 9). وإذا وصل لوك إلى نطاق معهدى يتعدى قدرات الفهم الإنسانى فسوف يتوقف عن البحث فيه لأنه يتجاوز هذه القدرات، ويقصد بذلك موضوعات الميتافيزيقا التي لا تخضع للحواس أوالإدراك الحسى وتتجاوز بذلك حدود ما يمكن حتى يعهده الإنسان بوضوح وصدق ويقين. ذلك لأن لوك يعتقد في حتى الفهم الواضحة هي الفهم المرتبطة بقدرات الفهم الإنسانى المرتبطة بالإدراك الحسى، أما الفهم الميتافيزيقية فهى في نظره غامضة ومشوشة دائماً لأنها لا تعتمد على أى مصدر تجريبى. ويهدف لوك من ذلك إلى إمداد الفهم بمقياس يستطيع الإنسان به التفريق بين الفهم الواضحة والفهم الغامضة أوالمشوشة، والتمييز بين الصدق واليقين من جهة والرأى والاعتقاد من جهة. وما دفع لوك نحوذلك ما لاحظه من اختلاف المفكرين حول موضوعات الفهم وعدم قدرتهم على الوصول إلى اليقين في موضوعات الميتافيزيقا، فأراد في لقاءة هذا الخلاف الوصول إلى الوضوح واليقين في الفهم، ولم يجد لذلك من سبيل سوى ربط الفهم الإنسانية بأصولها في الإدراك الحسى الذي هوعنده يتمتع بالوضوح. وبذلك تكون الأفكار الواضحة عنده هي الأفكار ذات المصدر الحسى والمرتبطة بالإدراك الحسى، والأفكار الغامضة هي تلك التي تتجاوز نطاق الخبرة التجريبية.

نقد نظرية الأفكار الفطرية

لا يستقبل الذهن البشرى إلا الإحساسات والإدراكات الحسية والأفكار، أما مفاهيم العلاقة والسببية والجوهر والأعراض والأحوال فلا يستقبلها الذهن من الخبرة بل يتوصل إليها عن طريق الهجريب والدمج بين ما تلقاه من مدركات. وبينماقد يكون استقبال الذهن للمدركات مجرد تلقٍ سلبى لها، فإن العلاقة والسببية والجوهر والأعراض تعبر عن الدور الفاعل للذهن. الحواس سلبية والذهن إيجابى، الحواس متلقية ومستقبلة والذهن فاعل ونشط( 10). وعلى هذا تكون جميع المفاهيم العقلية معبرة عن نشاط الذهن الإنسانى في الهجريب بين المدركات، وتكون جميع علاقة منها هي الطريقة الخاصة التي ترتبط بها المدركات في العقل. فالسببية مثلاً هي ربط الذهن بين حادثة وأخرى تكون الأولى سبباً للثانية، والجوهر هوعلاقة بين الصفات وحاملها الذي هوالجسم المادى، وتكون علاقة الجوهر والعرض هي ربط الذهن بين صفات أولية مثل الامتداد والصلابة وصفات ثانوية مثل اللون والرائحة والطعم. وعلى هذا تتحدد فاعلية الذهن البشرى بما يستقبله من إدراكات، أما هذا الذهن نفسه وبدون مدركات يتلقاها من الحواس فهومثل الصفحة البيضا tabula rasa الخالية من أى تحديد أوعلامات مسبقة موروثة أوفطرية وتأتى الخبرة التجريبية لتخط عليها ما تشاء. لكن يجب حتى ننتبه إلى حتى استخدام لوك لتعبير الصفحة البيضاء غير دقيق ولا يتفق مع نظريته في الفهم. لقد مضى لوك إلى حتى الذهن البشرى صفحة بيضاء كى يؤكد على أنه يدخل في التجربة وهوغير محمل بأى أفكار مسبقة أوفطرية وأن جميع ما في هذا الذهن مصدره التجربة والخبرة التجريبية، لكن هذا التعبير غير سليم إذا جعلنا نعتقد حتى الذهن مجرد متلق سلبى للإدراكات، ذلك لأنه كما رأينا فاعل ونشط، يركب ويدمج بين الإدراكات ليقيم بينها علاقات وكذلك فإن أفعال الذهن هي مصدر لأفكار جديدة غير موجودة في التجربة. فإذا بحثنا في مفهوم السببية أومفهوم القوام أوالجوهر والعرض فلن نجدها حاضرة جاهزة في التجربة، بل هي نتاج لنشاط الذهن في الهجريب والدمج بين الإدراكات على نحومعين. ليس الذهن صفحة بيضاء لأنه هونفسه يعد مصدراً لمفاهيم غير موجودة في التجربة. ولذلك ليست تلك الصفحة بيضاء تماماً، إذ نجد فيها مفاهيم مكتوبة عليها غير موجودة في التجربة، والذهن نفسه مصدرها، لكن وفي نفس الوقت يمضى لوك إلى حتى المفاهيم العقلية المجردة لم تكن لتوجد في الذهن لولا احتكاكه بالتجربة، إذ لولم استقبل الذهن البشرى أشياء تكون سبباً لأشياء أخرى، أوأشياء تكون متغيرة مثل اللون بالنظر إلى الثابت وهوالجسم الممتد لما توصل إلى مفاهيم مثل السببية والجوهر والأعراض. ويطلق لوك مصطلح «الفكرة» Idea على جميع عناصر وموضوعات الفهم، سواء كانت تصورات أوتمثلات حسية أومقولات أوكليات( 11)، ومبرر لوك في هذه التسمية الواسعة حتى جميع هذه المفاهيم هي الموضوعات التي يفكر فيها الفهم الإنسانى. فكل ما يتناوله الفهم بالتفكير ويكون موضوعاً لوظائفه يسميه فكرة. وأول ما يقوم به لوك هوالبحث في مصدر أوأصل الأفكار، ولأن مصدر الأفكار عند لوك هوالإدراك الحسى والخبرة التجريبية فهويبدأ بنقد النظرية القائلة حتى في العقل البشرى أفكار فطرية يولد بها ويمتلكها من ذاته دون حتى يستقيها من أى مصدر خارجي، أى النظرية المعروفة بنظرية الأفكار الفطرية. وأول من نطق بهذه النظرية هوأفلاطون، وأبرز من نطق بها من المحدثين ديكارت، وفي عصر لوك تم إحياء هذه النظرية في إنجلترا وخاصة من قبل بعض المفكرين في جامعة كيمبردج والذين يطلق عليهم اسم «أفلاطونيوكيمبردج»( 12). تنص هذه النظرية على حتى في العقل البشرى أفكار فطرية يولد بها ولا ترجع بأصولها إلى الخبرة التجريبية، مثل جميع الأفكار العامة عن الكليات مثل الجنس والنوع والكل والأجزاء والجوهر والسببية، وحتى على المستوى الأخلاقى فهناك اعتقاد في وجود أفكار أخلاقية فطرية مثل العدالة والفضيلة والسعادة. يبدأ لوك كتابه بتوضيح حتى ما تعارف عليه دائماً على أنه أفكار فطرية ليس كذلك بل ترجع هذه الأفكار كلها إلى الخبرة التجريبية. وينكر لوك وجود أى أفكار فطرية في العقل البشرى، وطريقته في نقد النظرية القائلة بالأفكار الفطرية هي حتى يوضح: 1 - أن الأفكار التي يعتقد أنها فطرية ليست كذلك بل ترجع إلى الخبرة التجريبية. 2 - أننا قادرين على تكوين فهم دون الاستعانة بأى أفكار فطرية وبالاعتماد على التجربة والخبرة التجريبية وحدها( 13). وأول مرشد تستند عليه نظرية الأفكار الفطرية هومرشد الإجماع والإتفاق، إذ تمضى هذه النظرية إلى حتى جميع البشر مجمعون ومتفقون على مجموعة من الأفكار يعتقدون أنها فطرية، مثل حتى الشئ الواحد لا يمكن حتى يوجد وأن لا يوجد في نفس الوقت؛ أوبتعبير المناطقة حتى أ لا يمكن حتى تكون أ ولا أ في نفس الوقت، وأن المساويان لثالث متساويان وأن الكل أكبر من أجزاءه. ويرد لوك على هذه الحجة بقوله إذا هذه الأفكار لا يوجد حولها الإجماع أوالاتفاق المفترض فيها، ذلك لأن الأطفال والمجانين لا يعتقدون فيها، فالطفل يمكن حتى يقبل بسهولة وجود الشئ وعدم وجوده في نفس الوقت، كما أنه لا يعهد حتى المتساويان لشئ واحد متساويان بالنسبة لبعضهما. ومعنى هذا أنه إذا كانت هناك أفكار فطرية مطبوعة في النفس الإنسانية فيجب حتى يعهدها الأطفال، أوحتى يعهدها الهمج والبرابرة الذين لم ينالوا قسطاً من الحضارة والتمدن. فالطفل لا يمكنه حتى يعهد مثل هذه الأفكار إلا بالتفهم ولا يمكن حتى يتوصل إليها بنفسه، وكونه لا يتوصل إليها إلا بالتعليم يعنى أنها في حاجة إلى الخبرة وإلى البرهنة على وجودها، وما يفتقر إلى البرهان والتفهم لا يمكن حتىقد يكون فطرياً. ويدلل أصحاب نظرية الأفكار الفطرية على صحة نظريتهم بقولهم إذا العقل يكتشف الأفكار الفطرية بذاته ودون حاجة إلى أى خبرة تجريبية، ويرد عليهم لوك قائلاً إذا اكتشاف العقل لها لا يعد دليلاً على فطريتها، إذ معنى هذا حتى النظريات الرياضية فطرية تماماً مثل المسلمات والبديهيات التي تنطلق منها، ومحال حتى تكون النظريات الرياضية فطرية، لأننا لا نعهد بالفطرة حتى مجموع زوايا المثلث تساوى 180 درجة أوحتى المثلث ذوالزاويتين المتساويتين لديه ضلعين متساويين( 14). عملى الرغم من حتى هذه النتائج قد توصلنا إليها بالاستنباط من بديهيات سابقة عليها إلا أنها ليست فطرية، فليس جميع ما يكتشفه العقل فطرى، ذلك لأن استخدام العقل ذاته في البرهان والاستنباط يعد نوعاً من الخبرة المرتبطة بالتجربة. ويؤكد لوك على صحة نقده هذا بقوله إنه إذا كانت الأفكار فطرية فكيف إذن احتاجت إلى البرهان وإعمال العقل لاكتشافها،يا ترى؟ وإذا كانت فطرية فلماذا لم يعهدها العقل مباشرة قبل استخدامه للبرهان،يا ترى؟ إذ معنى هذا هوحتى في العقل أفكار فطرية لا يعهدها قبل اكتشافها في البرهان، أوالقول بأن العقل يعهد ولا يعهد الأفكار الفطرية في نفس الوقت، وهذا تناقض. إن اكتشاف العقل للأفكار الفطرية يعد تناقضاً، ذلك لأن استخدام العقل ذاته في التوصل إليها لا يجعلها فطرية بل يجعلها نتاج استخدام هذا العقل. ولذلك يشرح لوك كيف من الممكن أن يتوصل العقل إلى الأفكار العامة من الخبرة التجريبية؛ تبدأ الحواس أولاً في إمداد العقل ببعض الانطباعات التي يفهمها العقل على أنها أفكار، وعندما يعتاد عليها العقل تصبح محفوظة في الذاكرة ويضع لها العقل أسماء، ثم يقوم العقل بتجريد هذه الأفكار للوصول إلى العام والمشهجر بينها ويضع لها اسماً( 15)، ويكون هذا الاسم فكرة عامة، وعندما يتوصل العقل أوينتج الأفكار العامة يستخدمها في تفكيره. ومعنى ذلك حتى الأفكار العامة هي نتاج للنشاط التجريدى والتعميمى للعقل وليست فطرية أبداً، لأنها ليست سوى تجريد للأفكار البسيطة التي يتلقاها العقل من الحواس. ويمضى لوك إلى حتى الإجماع على كون بعض الأفكار فطرية لا يقف دليلاً على فطريتها، ذلك لأن أصحاب هذه النظرية ينظرون إلى الرياضيات على أنها فطرية، فمثلاً ينظرون إلى ثلاثة + أربعة =سبعة على أنها فطرية وهي ليست كذلك. فالطفل لا يتوصل إليها إلا بعد حتى يمارس الجمع ويدرك مفهوم التساوى، وهم يقولون إنه بمجرد ما حتى يصل العقل إلى هذه النتيجة حتى يحدث الإجماع حول بداهتها وفطريتها( 16). لكن يتناسى هؤلاء أن ما تم الإجماع عليه ليس سوى نتيجة لعمل الجمع الذي ينتمى إلى التجربة، ولذلك فإجماعهم على ما يعد نتيجة خبرة تجريبية باعتباره فطرياً يعد تناقضاً، فالإجماع لا يعد دليلاً على فطرية أفكار توصلنا إليها بالتجربة. سليم أننا لا نحتاج إلى التجربة، أى إلى عمل العد والجمع حدثا فكرنا في 3 + أربعة من ناحية و7 من ناحية أخرى، إلا حتى هذا بسبب اعتياد العقل على هذه الفكرة بعد حتى تفهمها، ويشير إلى استغناء العقل عن ممارسة عمل العد والجمع بعد حتى مارسه للمرة الأولى. واعتياد العقل على هذه النتيجة هو ما يجعله يأخذها باعتبارها مسلمة أوبديهية أوفطرية في حينقد يكون مصدرها الخبرة التجريبية. وفكرة التساوى بين عددين وعدد ثالث ليست فطرة بأى حال من الأحوال، لأن العقل لا يدرك مفهوم التساوى إلا بعد حتى يمارس عمل الجمع نفسه ويكتشف التساوى من الخبرة التجريبية. ومثلما يرفض لوك وجود أفكار فطرية في العقل فهوأيضاً ينكر وجود مبادئ أخلاقية فطرية. والحقيقة حتى نظرية لوك في هذا الشأن تتصف بشئ من الغرابة، ذلك لأنه ينكر حتى تكون الفضيلة قيمة فطرية، في حين يُعتقد دائماً أنها قيمة عليا واضحة بذاتها، لكن على العكس من الاعتقاد الشائع حول أسبقية الفضيلة وقيمتها القبلية الفطرية، يمضى لوك إلى أنها ليست كذلك. ذلك لأن الفضيلة وجودها نادر في العالم الإنسانى، ولا يتوصل إليها الإنسان إلا عندما يتفاعل مع الآخرين ويعهد الصواب والخطأ ويميز بين البشر على أساس سلوكهم، وهذه كلها خبرات تجريبية، فحسب لوك نحن نعهد الفضيلة من خبرتنا بالسلوك وتفاعلنا مع الآخرين. والفضيلة عنده ليست فطرية لأن من عادة البشر حتى يسلكوا حسب المصلحة الشخصية وحسب مبدأ جنى المنفعة وتجنب الخسارة وتعظيم الثروة والسعى نحواللذة وتجنب الألم. فإذا كانت الفضيلة فطرية لرأينا جميع الناس فضلاء، لكن الأمور تسير عكس ذلك، وإذا كانت فطرية لرأينا الناس يمتلكون تعريفاً واحداً واضحاً ومتميزاً عن الفضيلة، في حين حتى مفهوم الفضيلة غامض لدى الكثيرين( 17)، ولا يمكن حتى تكون الفكرة الغامضة والتي ليس عليها اتفاق في تعريفها فطرية، أما المبادئ الأخلاقية فليست فطرية، ذلك لأن جميع أمة لديها المبادئ الأخلاقية الخاصة بها والمتنوعة عن باقى الأمم، بل إذا الشعوب المتنوعة تعتنق مبادئ أخلاقية متناقضة؛ فالصواب عند أمة يمكن حتىقد يكون خطأ عند أمة أخرى، والخطأ عند أمة يمكن حتىقد يكون صواباً عند أمة أخرى. وإذا كانت المبادئ الأخلاقية فطرية فلماذا نراها تنتهك ولا تُتَّبع لدى غالبية الشعوب،يا ترى؟ إذا جميع ذلك يثبت أنها ليست فطرية. رابعاً - طبيعة وأصل الأفكار : يمضى لوك إلى حتى الأفكار هي العناصر التي يشتغل عليها التفكير، وهي أيضاً المادة الأولى التي يصنع منها العقل أفكاراً أخرى مركبة. ويطلق لوك مصطلح «الأفكار» Ideas على طائفة كبيرة من التصورات والمفاهيم بصرف النظر عن مدى عموميتها أودرجة تجريدها، فالأفكار عنده تضم حدثات مثل «البياض، الصلابة، الحلاوة، التفكير، الحركة، الإنسان، الفيل، الجيش، السُكْر». والملاحظ حتى هذه الحدثات منها ما يرتبط بالإحساس مثل البياض والصلابة والحلاوة، ومنها ما يرتبط بالكليات المجردة مثل الإنسان، وما يرتبط بالنوع بالمعنى البيولوجى مثل الفيل والإنسان، ومنها ما يرتبط بالصفة التي تجمع مجموعة من البشر مثل الجيش، وما يرتبط بالوعى والشعور مثل السُكْر( 18). ومعنى هذا حتى لوك لا يميز بين التصور التجريبى والتصور المجرد والشعور، بما أنه يعتبر حتى الصلابة والحركة والسُكْر كلها أفكار. وما يجعله يضم هذه الطائفة الكبيرة من التصورات تحت مسمى «الأفكار» هوأنها جميعاً أدوات العقل في التفكير. ويتساءل لوك بعد ذلك عن مصدر هذه الأفكار، ومن أين تأتى؟، ويمضى إلى أننا لوافترضنا حتى العقل صفحة بيضاء، أى خالية من أى أفكار فطرية أومسبقة، فإن المصدر الوحيد الذي تأتى به هذه الأفكار للعقل هوالخبرة experience. هذه الخبرة إما حتىقد يكون مصدرها الإحساس أوالعمليات الذهنية. فأفكار مثل الصلابة والحلاوة والامتدادقد يكون مصدرها الإحساس، وأفكار مثل الشك والاعتقاد والاستدلال والفهم والإرادةقد يكون مصدرها هوإدراك العقل للعمليات الذهنية التي يقوم بها. فعندما أفكر في نشاطى الذهنى ألاحظ أننى إما حتى أتمسك بشئ ويكون هذا اعتقاداً أوأشك في وجوده أوصدقه ويكون هذا شكاً، أوتكون لدى عنه معلومات وتكون هذه فهم، وعندما ألاحظ حتى عقلى ينتقل من مقدمة إلى نتيجة تلزم عنهاقد يكون هذا استدلالاً. ويمضى لوك حتى الإحساس وإدراك العمليات الذهنية هما المصدران الوحيدان لما يحتويه العقل من أفكار. كما حتى طبيعة الأفكار تنقسم إلى نوعين حسب هذين المصدرين، فهما إما أفكار عن الإدراك الحسى أوأفكار عن العمليات الذهنية. ويلاحظ لوك حتى أفكار الإدراك الحسى هي التي تأتى للعقل أولاً تتبعها أفكار العمليات الذهنية، ذلك لأن هذا هونفس الترتيب الذي يحدث للأطفال، إذ أنهم لا يدركون أفكار العمليات الذهنية إلا بعد حتى يحصلوا على أفكار الإدراك الحسى( 19)، وهذا بسبب حتى أفكار الإدراك الحسى يتلقاها الأطفال بتلقائية ومباشرة، أما أفكار العمليات الذهنية فهى في حاجة إلى التفكير والانتباه والانعكاس على النشاط الذهنى، فيجيب حتى ينشط الذهن أولاً بتلقى الإحساسات التي تتحول فيه إلى أفكار كى ينعكس الذهن على ما يقوم به من نشاط تفكيرى. كما حتى النفس البشرية لا تحصل على الأفكار إلا بعد الإدراك الحسى، ولا تنشغل هذه النفس بالتفكير دائماً، لأن التفكير في العمليات الذهنية يحتاج إلى التأمل والانتباه، وهذا ما لا يحدث دائماً. لوك إذن يعطى الأولوية للإدراك الحسى الذي يتلقى به الذهن الأفكار، ثم يأتى التأمل والانتباه في العمليات الذهنية بعد حتىقد يكون الذهن حاصلاً على أفكا رمن الإدراك الحسى. والحقيقة حتى لوك يقر بأن هذا التراتب: إدراك حسى - أفكار - عمليات ذهنية - أفكار عن العمليات الذهنية، هوتراتب في الدرجة وفي الزمن، أى تراتب إبستمولوجى على مستوى نظرية الفهم وتراتب سيكولوجى أوسيكومعهدى على مستوى التطور المعهدى للطفل؛ وهذا ما يفترض أن يظهر بعد ذلك لدى الإبستمولوجيا التطورية عند جان بياجيه.

الأفكار عند لوك

ما يتلقاه العقل البشرى من الإحساس أوالانعكاس على العمليات الذهنية ينقسم إلى أفكار بسيطة وأفكار مركبة. الأفكار البسيطة هي الأفكار المرتبطة بصفات الشئ المحسوسة مثل الصلابة والبرودة والامتداد والشكل. أما الأفكار المركبة فليست حاضرة في الشئ المحسوس نفسه بل يستخلصها العقل منه مثل الجوهر والأعراض، والسبب والنتيجة، والزمان والمكان والحركة( 20). ومعنى ذلك حتى الذهنقد يكون سلبياً في تلقيه للأفكار البسيطة، ونشطاً فاعلاً في إنتاجه للأفكار المركبة، ذلك لأنها تكون نتيجة تفكير حول العلاقات بين ما يتلقاه من أفكار بسيطة، فالسببية علاقة بين شئ وآخر يدركها العقل في تفكيره حولهما معاً، والجوهر وأعراضه أيضاً فكرة مركبة تنتج في العقل من تفكيره حول العلاقة بين الشئ وصفاته وما هودائم أومتغير من هذه الصفات. الأفكار عند لوك نوعان: بسيطة ومركبة، البسيطة يتلقاها الذهن مباشرة من الإدراكات الحسية، ويجب حتى ننتبه هنا إلى نقطة يساء فهمها لدى لوك وهي نشأة الأفكار البسيطة. افترض الكثير من نقاد لوك والممضى التجريبى عامة حتى الأفكار عنده مصدرها الحواس أوالإحساسات، لكن لوك لا يقول بذلك، بل يقول بأن مصدر الأفكار هوالإدراكات الحسية. هناك فرق كبير بين حتى تكون الحواس هي مصدر الأفكار وأن تكون الإدراكات الحسية هي ذلك المصدر. إذا الأفكار، حتى وإن كانت بسيطة، هي صور ذهنية بسيطة ومباشرة للأشياء وليست إحساسات. فالكرة الحمراء مثلاً إدراك حسى تستقبله الحواس، أما اللون الأحمر نفسه فهوفكرة، صورة ذهنية مجردة، يتوصل إليها الذهن البشرى من تلقيه لإدراك حول الأمور الحمراء( 21). الأفكار البسيطة إذن لا يتلقاها الذهن جاهزة من الخبرة بل هي تتضمن درجة من التعميم أوالعمومية، ذلك لأن الأمثلة التي يضربها للأفكار البسيطة كلها عموميات، مثل الأحمر، الأخضر، الرطب، اليابس، الحار. بإدراكنا لأشياء كثيرة حمراء ندرك حتى الأحمر لون، هذه فكرة بسيطة لكن أتت عن طريق التعميم، ولذلك فالأحمر فكرة عامة، ولذلك فهى بسيطة، تنطبق على جميع الأمور الحمراء. ولذا أطلق عليها لوك فكرة ولم يسميها إدراك أوإحساس. الإحساس هوبالشئ الأحمر، أما الأحمر كلون فهوفكرة بسيطة. أما الأفكار المركبة فهى مثل العلاقة والسببية والجوهر والأعراض، وهي ناتجة عن الهجريب والدمج بين أفكار بسيطة، الأفكار المركبة إذن تعبر عن نشاط ذهنى أنتجها لكنها ليست حاضرة جاهزة في المدركات الحسية. تنقسم الأفكار البسيطة عند لوك إلى أفكار تأتى من حاسة واحدة مثل الألوان التي تأتى من حاسة البصر، والسخونة والبرودة والنعومة والخشونة التي تأتى من حاسة اللمس، والروائح التي تأتى من حاسة الشم، والأصوات التي تأتى من حاسة السمع، وأفكار تأتى من أكثر من حاسة واحدة مثل المكان والامتداد والشكل والسكون والحركة، ذلك لأننا ندرك المكان من حاستى البصر واللمس، بأفكار تأتى من الانعكاس على العمليات الذهنية reflection، وهوتفكير العقل في أفكاره التي حصل عليها من الإدراك الحسى( 22). فعندما يتأمل العقل في الكيفية التي يتعامل بها مع الأفكار يدرك أنه يقوم إما بإدراك حسى أواستدلال أوحكم أوتمييز وتفريق ومقارنة أوتذكر. أما الأفكار التي تأتى من الإحساس والانعكاس معاً فهى اللذة والألم، لأنهما يبدآن بإدراك حسى معين يتبعه شعور بالارتياح أوعدم الارتياح يأتى من الانعكاس على ما تلقته الحواس؛ وكذلك القوة، إذ بعد حتى يلاحظ العقل تأثير جسم ما على أجسام أخرى يدرك حتى فيه قوة على هذا التأثير، والتتابع أيضاً succession لأن العقل بعد حتى يستقبل إحساسات معينة يلاحظ ما بينهما من علاقة تتابع، أى أنها تتبع بعضها البعض ويكون بعضها قبل بعض أوبعد بعض. ويمضى لوك إلى حتى الأفكار البسيطة في العقل تقابلها صفات في الأجسام، بمعنى حتى العقل يستقبل من الأجسام صفاتها التي تتحول فيه إلى أفكار. وهويقر بأن لكل من الأفكار وصفات الأجسام طبيعة مختلفة، فالأفكار من طبيعتها حتى تكون ذهنية ومجردة، والصفات من طبيعتها حتى تكون حسية، لكن الأفكار البسيطة هي في النهاية انعكاس ذهنى لصفات الأمور، كما لوحتى العقل الإنسانى مرآه تنعكس عليها صفات الأمور( 23). ومن طبيعة المرآة حتى تعكس صورة ولا تعيد إنتاج الشئ الحقيقى، وبالمثل فإن العقل هومرآة الأمور، حيث حتى الأفكار البسيطة فيه هي مجرد صور ذهنية منعكسة لصفات الأمور. كما يمضى لوك إلى حتى ما يجعل صفات الأمور تنعكس في العقل منتجه فيه أفكاراً هي قوة power متضمنة في هذه الأمور، أى حتى في الأمور قوة تؤثر بها على العقل. ومعنى هذا حتى العقلقد يكون سلبياً تماماً في تأثره بما في الأمور من قوة تؤثر عليه، أما عندما يتأمل في هذه الأفكار البسيطة وينتج منها أفكاراً مركبة فهوقد يكون فاعلاً نشطاً. العقل إذن سلبى في تلقى الأفكار البسيطة والتأثير في ذلك بقوة الأمور عليه، وإيجابى وفاعل ونشط في هجريبه بين هذه الأفكار البسيطة والوصول إلى أفكار مركبة. ويميز لوك بين الصفات الأولية primary qualities والصفات الثانوية secondary qualities. الصفات الأولية هي الصفات التي يمتلكها الجسم في ذاته ولا يمكن حتى تنفصل عنه وتؤثر بقوتها مباشرة على العقل، مثل الامتداد والشكل والصلابة( 24). فإذا قمنا بتقسيم جسم ما إلى أجزاء صغيرة لا يضيع الامتداد أوالصلابة أوالشكل بل تظل هذه الصفات في جميع جزء صغير منه، حتى لوقمنا بطحن حبة من القمح وأصبحت كماً من الدقيق، عملى الرغم من حتى جميع ذرة فيه غير محسوسة إلا أنها تظل تتصف بنفس صفات الامتداد والشكل والصلابة التي لحبة القمح. أما الصفات الثانوية فهى ليست مرتبطة بالجسم بل هي قوة متضمنة فيه تعمل على إنتاج إحساسات معينة في العقل، مثل اللون والرائحة والطعم، فالجسم يمكن حتى يتغير لونه وطعمه ورائحته ويبقى مع ذلك نفس الجسم، وتكون هذه الصفات الثانوية هي تأثر العقل به. ويمضى لوك إلى حتى في الأمور قوة معينة تجعلنا نتأثر بها وتنتج فينا هذه الصفات الثانوية. ومعنى هذا حتى الصفات الثانوية ليست مجرد أوهام أوأفكار متخيلة تنتج في الذهن دون أى ارتباط أوعلاقة حقيقة بينها وبين الشئ المدرك، ذلك لأن من طبيعة هذا الشئ نفسه حتى يحدث تأثيراً معيناً في حواسنا يتمثل في صورة صفات ثانوية. والحقيقة حتى هذا الرأى يعد أثراً من آثار أرسطوغير المصرح بها في فلسفة لوك والتي تسربت إلى نظريته في الفهم دون وعى منه. ذلك لأن النظر إلى الصفات الثانوية على أنها تأثر الحواس البشرية بالشئ المدرك نتيجة امتلاك هذا الشئ لطبيعة أوقوة تؤثر في الحواس هوعودة مرة أخرى إلى مفهوم الطبائع والقوى الكامنة في الأمور الموجودة بوضوح في فلسفة أرسطو.

العمليات الذهنية

يقسم لوك العمليات الذهنية إلى أنواع عديدة تبعاً لنظريته حول الأفكار البسيطة والأفكار المركبة. فهناك عمليات ذهنية مرتبطة بالأفكار البسيطة، أولها الإدراك الحسى، وهوأول فترة في التفكير. وعلى الرغم من حتى الإدراك الحسى perception عملية ذهنية تتضمن التفكير، إلا أنه ليس تفكيراً بالمعنى الحرفى للحدثة، إذ لا ينطوى على الفاعلية والنشاط بل يتضمن السلبية والتلقائية، أى حتى الإدراك الحسى هوالتفكير السلبى الذي يقتصر على تلقى الإحساسات كما هي دون حتى يتعامل معها بالربط بينها ودون حتى يكتشف فيها أى علاقات( 25). وعلى الرغم من حتى الإدراك الحسى ملكة سلبية متلقية، إلا حتى لوك يضيف إليه شيئاً من الفاعلية، وبذلك لا تكون سلبية تماماً، فغالباً ما يتم تعديل الإحساس عن طريق عمل تلقائى للذهن. فالأمور البعيدة تبدوصغيرة، وعلى الرغم من ذلك يعهد الذهن أنها ليست صغيرة كما تبدولأنها يفترض أن تظهر بحجمها الحقيقى عندما تقترب. هذا التعديل للإدراك الحسى يتم بتلقائية وبدون وعى تام من الذهن، ولأنه تعديل تلقائى غير واعى فإن لوك لا يلحقه بأى ملكة أعلى من الإدراك الحسى نفسه. وتعديل الإدراك الحسى هذا يسميه لوك حكماً judgment قاصداً منه حتى عملية الإدراك تنطوى في ذاتها على حكم، وهوحكم عقلى، لأن العقل يحكم على الشئ البعيدة الصغير بأنه كبير في حقيقته على الرغم من الصغر الذي يظهر عليه( 26). وعلى الرغم من حتى الحكم عمل عقلى إلا أنه لا يتضمن نشاطاً مقصوداً كملكة الفهم بل هوعمل تلقائى لملكة الإدراك الحسى. ومعنى هذا حتى هناك حكماً يقع في نطاق الإدراك الحسى السلبى، وهذا النوع من الحكم سابق في وجوده وأولويته على الحكم بالمعنى المعهدى الإبستمولوجى الذي يقوم به الفهم. والحقيقة حتى هذه الفكرة تعد من إنجازات لوك الكبرى، ذلك لأن النظريات السابقة عليه في الفهم كانت دائماً ما تنظر إلى الحكم على أنه عمل للفهم والعقل فقط، أما لوك فقد اكتشف وجود الحكم في مستوى الإدراك الحسى نفسه، وهويعد حكماً من نوع مختلف عن حكم الفهم والعقل. وثانى عملية ذهنية يقوم بها العقل بعد الإدراك الحسى هي الاستبقاء retension وهي الاحتفاظ بالأفكار البسيطة التي تلقاها العقل من الإحساس، ويتم هذا الاحتفاظ بطريقتين: الانتباه إلى هذه الأفكار ذاتها كما هي موجودة في العقل contemplation، والذاكرة memory أى الاحتفاظ بالأفكار البسيطة في الذاكرة بعد حتى تكون الإحساسات التي أنتجتها قد غابت عن أعضاء الإحساس. والذاكرة هي القوة التي نستطيع بها إحياء الأفكار في الذهن بعد حتى غابت إحساساتها. ويطلق لوك على الذاكرة اسم «مخزن أفكارنا». وقوة الذاكرة هذه ضرورية ولا غنى عنها للتفكير، ذلك لأنه بفضلها لا تختفى الأفكار مع اختفاء الإحساسات التي أنتجتها بل تظل محفوظة فيها حتى يتم إنعاشها مرة أخرى. والملاحظ حتى لوك في هذا السياق لم يميز بوضوح بين احتفاظ الذاكرة بالأفكار وإعادة إنعاشها بتذكرها مرة أخرى( 27)، ذلك لأن القدرة على الاحتفاظ في الذاكرة مختلفة عن القدرة على تذكر هذه الأفكار وإنعاشها مرة أخرى. ومعنى هذا حتى في الذاكرة قوتين متمايزتين، قوة الحفظ وقوة التذكر أوإعادة التفكير في الأفكار السابقة. قوة الحفظ قوة تلقائية سلبية لأنها تتلقى الأفكار فقط وتخزنها، وهذا لا ينطوى على أى فاعلية نشطة أومقصودة للذهن، أما قوة التذكر وإعادة إحياء الأفكار مرة أخرى فهى قوة فاعلة نشطة تتم عن قصد. والحقيقة حتى هذا التمييز بين قوتين في الذاكرة يفترض أن يقوم به كانط بعد لوك بأكثر من قرن، وسوف يؤكد عليه هوسرل بعد كانط بأكثر من قرن أيضاً. ثم يشرح لوك بعد ذلك عدداً من العمليات الذهنية التي تشتغل على الأفكار البسيطة وهي كلها تنطوى على التعهد الدقيق والواضح على هذه الأفكار، وهويجعل جميع هذه العمليات تنتمى إلى الإدراك الحسى لأنه بدونها لن يحصل العقل على صورة دقيقة عن الأمور. هذه العمليات هي الفصل والتمييز discerning / distinguishing. فإذا لم يتمكن الذهن من إقامة فصل وتمييز بين الإحساسات وما يقابلها من أفكار بسيطة فلنقد يكون لديه إدراك حسى تام ودقيق، مثل الفصل والتمييز بين الإحساسات المتناقضة: الحرارة والبرودة، والحلاوة والمرارة، والكبير والصغير ... الخ( 28). ثم تأتى بعد ذلك عمليات المقارنة والدمج والتسمية comparing / compounding / naming. عن طريق المقارنة يميز العقل الامتداد والدرجات، فهويدرك الأطول والأقصر عن طريق المقارنة على أساس الامتداد، ويدرك درجات اللون الواحد على أساس المقارنة بين الألوان عن طريق الدرجات اللونية، ويدرك الترتيب بين السابق واللاحق عن طريق المقارنة على أساس الزمان أوالمدة، ويدرك العلاقات المكانية عن طريق مقارنة الأمور بعضها ببعض حسب المكان. ويعد عمل المقارنة من الأفعال الهامة للغاية عند لوك لأنه هوالقوة التي تنتج في الذهن أفكار العلاقة relation( 29 )، فالدرجة والزمان والمكان كلها أفكار عن علاقات، أما الدمج فهوجمع وإضافة أفكار من نفس النوع إلى بعضها، مثل إضافة عدد إلى عدد للوصول إلى مجموعهما، أوأعطى خط مستقيم للحصول على خط أطول ... الخ، أوالدمج بين عدد كبير من الأشجار للحصول على مفهوم الغابة. والتسمية هي وضع حدثة أوعلامة صوتية ذات معنى تشير إلى مجموعة من الأمور بينها شئ مشهجر، مثل تسمية مجموعة من الأشجار بالغابة، أوتسمية مجموعة من الأغنام بالقطيع، أوتسمية مجموعة من الزهور والنباتات بالحديقة، أما آخر عملية ذهنية يشرحها لوك تحت ملكة الإدراك الحسى فهى التجريد abstraction وهي إدراك العام والمشهجر بين أشياء متشابهة في صفة ما ووضع اسم عام لها، مثل إدراك البياض الذي هوصفة تجمع الأمور البيضاء، وإدراك الشكل الكروى الذي يجمع أشياء تتصف بهذا الشكل مثل الشمس والقمر وكرة القدم. ومن الملاحظ حتى التجريد هوأعلى العمليات الذهنية التي تقع في نطاق الإدراك الحسى، فبدون التجريد لن يصبح الإدراك الحسى كاملاً ودقيقاً( 30). لكن التجريد هوفي نفس الوقت أول عملية ذهنية تنتمى لملكة الفهم، ومعنى هذا حتى التجريد هوالصفة الحقيقة التي ينتقل بها الذهن من الإدراك الحسى إلى الفهم، وهوأيضا ًأول عملية يستطيع بها الفهم الوصول إلى الأفكار المركبة، ذلك لأن الأسماء العامة والتصورات والمفاهيم المجردة أفكار مركبة. لكن يصر لوك على اعتبار حتى التجريد عملية ذهنية تعمل في نطاق الإدراك الحسى والفهم معاً، فهوقوة إدراك وقوة فهم في نفس الوقت، قوة تتعامل مع الأفكار البسيطة وبذلك تكون منتمية إلى الإدراك الحسى وكامنة في نطاقه، وقوة تنتج الأفكار المركبة وبذلك تكون منتمية في نفس الوقت إلى ملكة الفهم، ذلك لأن التجريد يعد من أولى العمليات الذهنية التي يقوم بها الفهم.

الأفكار المركبة

يصنعها العقل من الأفكار البسيطة عن طريق العمليات الذهنية التي يقوم بها. ومعنى هذا حتى الأفكار المركبة ليست مجرد صور ذهنية عن الأمور مثل الأفكار البسيطة بل هي من إنتاج العقل( 31). وليس معنى كونها من إنتاج العقل أنها مجرد أوهام بل هي حقيقية، وكل الاختلاف بينها وبين الأفكار البسيطة حتى الأفكار البسيطة تشير مباشرة إلى الأمور، ذلك لأن الإحساس هومصدرها، بينما لا تشير الأفكار المركبة إلى إحساسات بل إلى أفكار بسيطة أخرى. وفي العقل طائفة كبيرة من الأفكار المركبة مثل الجيش، لأنه يشير إلى مجموعة من الجنود. إذا مجموعة الجنود تعبير عن أفراد، جميع فرد واحد منها جندى واحد، والإحساس التي يتلقاه المرء وهوينظر إلى هذه المجموعة تعبير عن أفراد جنود متجمعين معاً، أما كون هذه المجموعة تشكل جيشاً ففكرة مركبة يتوصل إليها العقل عن طريق إضافة هؤلاء الأفراد المتشابهين إلى بعضهم، فالإدراك الحسى لا يرى شيئاً اسمه الجيش أمامه، بل يرى جنوداً، والعقل هوالذي يفهم معنى حدثة جيش لا الحواس. والجمال أيضاً فكرة مركبة لأنها مكونة من عدد من الأفكار البسيطة، مثل فكرة التناسق وفكرة اللون والشكل، وشعور الارتياح أوالاستحسان الذي يشعر به المرء عند رؤية الشئ الجميل. الأفكار المركبة هي نتيجة العمليات الذهنية التي يقوم بها العقل، وتنقسم هذه العمليات الذهنية إلى ثلاثة أنواع ينتج جميع نوع منها نوعاً من الأفكار المركبة. هذه العمليات الذهنية هي: ( 32) 1 - الدمـــج Combining: حيث يجمع العقل فكرة بسيطة مع فكرة أخرى للوصول إلى فكرة مركبة، وذلك مثل مثال الجيش الذي شرحناه آنفاً، إذ هونتاج دمج عدد من الأفراد مع بعضهم البعض، وكذلك فكرة المثلث التي تعتمد على الدمج بين فكرة الضلع وفكرة الزاوية. 2 - التعلـــق Relating: وفيه لا يدمج العقل فكرة بأخرى بل يحافظ على الفكرتين منفصلتين ومستقلتين لكن يربط بينهما بعلاقة، مثل إدراك العلاقة بين شئ سابق وشئ لاحق باعتبارها علاقة سببية بينهما، حيثقد يكون السابق سبباً لحدوث اللاحق، وكذلك أفكار المكان التي تعتمد على إدراك علاقات التجاور وعلاقات الجهة مثل اليمين واليسار والأمام والخلف والأعلى والأسفل، ذلك لأنه لا يمكن إدراك هذه العلاقات إلا بالربط بين الأمور على أساس المكان الذي تشغله بالنسبة لبعضها البعض. وفكرة الزمان أيضاً لأنها تعتمد على علاقات التوالى والتزامن، وهذه العلاقات تصف الترتيب الزمنى بين أشياء منفصلة. 3 - التجريـــد Abstraction: حيث يجمع العقل طائفة من الأمور المتشابهة ليدرك ما بينها من اشتراك وعمومية، وهذا هومصدر الأفكار العامة، أى الكليات والمجردات، مثل فكرة الإنسان التي يتوصل إليها العقل بتجريد العام والمشهجر في النوع البشرى. الأفكار المركبة إذن إما حتى تكون أحوالاً modes أوجواهر substances أوعلاقات relations. الأحوال هي الأفكار المركبة عن الأمور، وهذه الأفكار لا تقوم بذاتها مستقلة بل هي في حاجة إلى وجود شئ سابق عليها تقوم به، مثل الوفاء، ذلك لأن الوفاء لا يمكن حتى يوجد إلا في الشخص الوفى، والشكل الكروى الذي لا يمكن حتى يقوم بذاته بل هوصفة لكل ما يتصف بهذا الشكل، والقتل الذي هوعمل لا يحدث بذاته بل في حاجة إلى فاعل وهوالقاتل. أما الجواهر فهى تشير إلى أشياء مفردة تقوم بذاتها وتتصف بأحوال( 33)، وهي نتاج الربط بين عدة أحوال، مثل الربط بين البياض والصلابة والبرودة للوصول إلى فكرة الثلج، والربط بين الحيوانية والنطق والتعقل للوصول إلى فكرة الإنسان. وبذلكقد يكون الثلج هوالجوهر الذي تجتمع فيه صفات البياض والصلابة والبرودة، وفكرة الإنسان هي الجوهر الذي تجتمع فيه صفات الحيوانية والنطق والتعقل. والملاحظ حتى فكرة لوك عن الجوهر تختلف عن نفس الفكرة لدى الفلسفات السابقة الأرسطية والأفلاطونية، ذلك لأن الفكرة الأرسطية عن الجوهر تلحق به الثبات واللاتغير والقوام، حيثقد يكون الجوهر هوالشئ حامل الصفات المتغيرة. إذا الجوهر في الفلسفات الأرسطية يتم الوصول إليه بالعقل، إذقد يكون لديها هوالقوام الذي يحمل الصفات، أما الجوهر عند لوك فيتم الوصول إليه من الإدراك الحسى، لأنه بذلكقد يكون هوالشئ الذي تجتمع فيه عدد من الصفات حصرياً. يتوصل أرسطوإلى الجوهر عن طريق العقل، بينما يتوصل إليه لوك عن طريق الحواس، والجوهر عند أرسطوهوالقوام الثابت، أما عند لوك فهوليس سوى المحل الذي تجتمع فيه مجموعة من الصفات أوالإدراكات الحسية، وبذلك أحل لوك نظرية تجريبية في الجوهر محل النظرية العقلية الأرسطية. 4 - الأحـــوال: يقسم لوك الأحوال إلى أحوال بسيطة وأحوال مركبة، الأحوال البسيطة هي تلك التي تتكون من أفراد بسيطة أوفرد واحد متكرر أوممتد، وذلك مثل المكان( 34). فالمكان مكون من أجزاء بسيطة مضافة إلى بعضها ومتكررة، إذ حتى المكان هوالامتداد، والامتداد يقاس بوحدات بسيطة مثل السنتيمتر أوالمتر أوالكيلومتر، ويكون المكان الأكبر مجموع من أمكنة صغرى، لكل منها مقياس بوحدة قياس بسيطة. وكذلك الموضع place فكل جسم يشغل موضعاً وهوحيز من المكان، وحدثا غير الجسم مكانه احتل مكاناً آخر متطابق الأبعاد. والزمان أيضاً من الأحوال البسيطة لأنه يقاس بوحدات بسيطة هي الثوانى والدقائق والساعات، وامتداد الزمان هوتكرار وحداته البسيطة وإضافتها إلى بعضها. وكذلك العدد، فإذا فكرنا في العدد عشرة أوفي عشر كرات وجدنا حتى العدد عشرة هوتكرار للعدد واحد عشر مرات، والعشر كرات هومجموع وحدات متماثلة هي الكرة الواحدة لعشر مرات( 35). فالأحوال تكون بسيطة لأنها تعتمد على تكرار وحدات مماثلة، سواء كانت وحدات مكانية أوزمانية أورقمية. ويضيف لوك إلى الأحوال البسيطة مفهوم اللامتناهى infinity، فالمكان يمكن تصوره على أنه لا متناهى لأنه من الممكن حتى نضيف وحدات مكانية أخرى إلى المكان القائم إلى مالانهاية، وكذلك الزمان والعدد، فكل عدد يمكن تصور عدد أكبر منه بإضافة عدد آخر إليه. وكما حتى هناك لا تناهى في الحجم والعدد والزمن فهناك أيضاً لا متناهى في الصغر، فكل مكان يمكن تقسيمه إلى وحدات مكانية أصغر إلى مالانهاية. مفهوم اللاتناهى إذن يعتمد على إمكانية الإضافة اللامتناهية أوالتقسيم اللامتناهى لمكان أوزمان أوعدد قائم. وكما حتى الأحوال البسيطة تعتمد على إضافة الوحدات المتماثلة إلى بعضها فهى أيضاً تعتمد على إدراك التنويعات التي تحدث لفكرة بسيطة واحدة، وذلك مثل التفكير الذي يعد حالاً بسيطاً لأنه يعتمد على فكرة واحدة وهي الفهم، لكنه يتنوع إلى عدد كبير من عمليات التفكير مثل الجمع والمقارنة والفصل والاستدلال والحكم. ويضم لوك عدداً من إحساسات الشعور إلى الأحوال البسيطة مثل اللذة التي تعتمد على فكرة الحلاوة أوالارتياح، والألم الذي يعتمد على فكرة المرارة أوعدم الارتياح. كما يضم لوك فكرة القوة power إلى الأحوال البسيطة، لأنها تعتمد على ملاحظة قدرة جسم ما على التأثير على جسم آخر، وبذلك ندرك حتى في الأجسام قوة على التأثير على بعضها أوعلى تغيير صفاتها أوعلى إحداث إحساسات مختلفة فينا، والذي يجعل لوك ينظر إلى القوة على أنها حال بسيطة أنها تعتمد على إدراك واحد عن قوة في الشئ أوقدرته على إحداث أثر. وفى حين حتى الأحوال البسيطة تعتمد على أفكار بسيطة ترد في النهاية إلى إدراكات حسية، فإن الأحوال المركبة تعتمد على هجريب عدد من الأفكار البسيطة مع بعضها البعض( 36). والأحوال البسيطة يمكن حتى تشاهد دلالاتها الحسية في إدراك حسى، وهي تشير مباشرة إلى الأمور المحسوسة، أما الأحوال المركبة فهى لا تشير إلى الأمور مباشرة بل إلى أفكار أخرى بسيطة، وذلك مثل فكرة السعادة التي هي حال مركب، وهي حال مركب لأنها هجريب من عدد من الأفكار البسيطة مثل اللذة والغنى والارتياح والجمال. ومن الأحوال المركبة التي يذكرها لوك القناعة والشجاعة والجشع، ونلاحظ على الأمثلة التي يضربها لوك على الأحوال المركبة أنها كلها تنتمى إلى مجال الأخلاق والسلوك العملى، والحقيقة حتى هذا الجمع بين الأفكار النظرية والأفكار الأخلاقية العملية، أى بين الإبستمولوجيا والأخلاق في سياق فلسفة تجريبية واحدة كان الطابع المميز لفلسفة لوك ولكل فلسفة تجريبية أتت بعده، وعلى رأسها فلسفات هيوم وجون ستيوارت ميل وجورج إدوارد مور، وأصبح هذا الجمع هوما يميز الفلسفات الإنجليزية ذات الطابع التجريبى. لكن نلاحظ أيضاً حتى نظرية لوك حول الأحوال المركبة بها شئ من الغموض، ذلك لأنه يضمها إلى فئة الأفكار البسيطة بذهابه إلى حتى الحال المركب هوجمع بين عدد من الأفكار البسيطة، لكن الحال المركب هوفي حد ذاته فكرة مركبة، وكان يجب على لوك حتى يضمه إلى فئة الأفكار المركبة ولكنه لم يعمل ذلك نظراً لذهابه إلى حتى الحال المركب مكون من أفكار بسيطة مجمعة مع بعضها( 37). كما يأتى مصدر الغموض في مفهوم لوك عن الأحوال المركبة أنها هي المفهوم الوحيد في فلسفته الذي يجمع بين النظرى والعملى، ذلك لأن الأحوال المركبة لديه تحوى معظم القيم الأخلاقية ومعايير السلوك العملى، وفي نفس الوقت تحوى جانباً نظرياً متمثلاً في جميع التنويعات التي يجريها العقل على مفاهيم الزمان والمكان؛ كما أننا إذا دققنا النظر في حديث لوك اللاحق حول الجوهر والعلاقات سنجد حتى جميع الجواهر والعلاقات لديه تنضم إلى فئة الأحوال المركبة، بما حتى الجوهر لديه مجرد فكرة ذهنية عن الصفات والأحوال وعن قوة تأثير الشئ في غيره، فالجوهر بذلك حال مركب بما أنه لا يشير مباشرة إلى الإدراكات الحسية بل هي أفكار بسيطة عن الأمور. جميع هذا سبب غموضاً حول نظريته في الأحوال المركبة، لأنه لم يفصل بدقة بين الحال المركب على المستوى الإبستمولوجى والحال المركب على المستوى الأخلاقى العملى، وبما أنه لم يدرك حتى الأحوال المركبة تنسحب على الجواهر والعلاقات. 5 - الجواهـــر : يمضى لوك إلى حتى فكرة الجوهر فكرة مركبة، ذلك لأنها تهجرب من أفكار بسيطة. وهي عنده مجرد افتراض وليس لها وجود حقيقى من ذاتها، ذلك لأننا لا ندرك إلا الأحوال والصفات والكيفيات، وعندما نلاحظ حتى عدداً من الصفات متلازم في الشئ الذي ندركه ولا يمكن حتى ينفصل عنه، نفترض حتى هذه الصفات يجب حتىقد يكون لها حامل تحمل عليه، أوقوام تقوم به( 38). فبترة الثلج مثلاً تتصف بالصلابة والبياض والبرودة، هذه الصفات ملازمة لبترة الثلج، ونفترض بذلك حتى هذه الصفات يقف تحتها حامل تحمل عليه وهوجوهر الثلج، لكننا في الحقيقة لا ندرك شيئاً يسمى جوهر الثلج، أوالثلجية، وكل ما ندركه مباشرة هوصفات بترة الثلج. ويمضى التأمل الفلسفى خطوة أبعد قائلاً حتى هذه الصفات هي التي تجعل بترة الثلج ثلجاً لا أى شئ آخر، بحيث تكف هذه البترة عن حتى تكون ثلجاً إذا افتقدت لصفة من الصفات الثلاثة، وبالتالى يظهر الافتراض بأن بترة الثلج جوهر تتجمع فيه صفات البياض والصلابة والبرودة. والحقيقة أننا بذلك لم نتوصل إلى جوهر الثلج بل إلى مجرد صفاته وإلى كون هذه الصفات ملازمة للشئ المسمى ثلجاً( 39). فحدثا أردنا تعريف الجوهر وجدنا أنفسنا نعرِّف صفاته وحسب ولا نتوصل إلى حقيقة جوهر الثلج. وبذلك رد لوك الجوهر إلى صفاته المدركة المحسوسة وبتر بأن الثلج لا يوجد إلا على أنه مجموعة صفات وحسب ولا يوجد كجوهر خاضع لإدراك خاص. كما يمضى لوك إلى حتى فكرة الجوهر تأتى للذهن من كثرة ربطه بين عدد من الصفات بشئ ما، فالجوهر ما إلا عادة فكرية. هذا بالإضافة إلى حتى الذهن يعتاد على تسمية صفات معينة باسم كلى يجمع بينها، فالبياض والصلابة والبرودة هي الإحساسات التي يستقبلها الذهن، ثم يطلق عليها اسماً واحداً هوالثلج، ثم يعتقد حتى هذا الاسم الواحد هوالجوهر، والحقيقة أنه ليس كذلك، لأن ما يسمى بالجوهر لا يستقبله الإدراك الحسى بل هومجرد اسم. وبذلك رد لوك الجوهر إلى عادة لغوية تجعل الذهن يعتقد حتى ما أطلق عليه أسماء كلية هوالجوهر لكنه ليس كذلك، ومن هنا فإن الجوهر عند لوك ليس سوى اسم، ولذلك سُمى ممضى لوك في الجوهر بالممضى الاسمى Nominalism، ذلك الممضى الذي لا يعتقد في وجود جواهر حقيقية بل يعتبرها مجرد أسماء أطلقها الذهن على الأمور، فالجوهر عنده مجرد ظاهرة لغوية. والجوهر عند لوك هومجرد افتراض نصنعه حدثا أردنا البحث عن قوام للصفات( 40)، فالعقل لا يتصور حتى تقوم الصفات أوالأحوال أوالأعراض بذاتها، ويجد أنه لزام عليه حتى يفترض وجود شئ ثابت يحمل هذه الصفات والأعراض. وبذلك يعتقد العقل حتى جميع العمليات البيولوجية التي تحدث للإنسان قوامها الجسد، الذي يعد بالنسبة لها الجوهر. كما حتى العمليات الذهنية مثل التفكير والاستدلال والخوف والسعادة تحمل على شئ مفترض هوالروح، التي يُعتقد أنها هي الجوهر الذي تقوم فيه هذه العمليات. ويرفض لوك حتىقد يكون الجسد أوالروح جوهراً، ذلك لأن كل ما ندركه عمليات بيولوجية أوذهنية، وليس لدينا أدنى مرشد على ارتباط العمليات البيولوجية بوحدة واحدة مقومة لها وجامعة وهي فكرة الجسد، كما أنه ليس لدينا أدنى مرشد على ارتباط العمليات الذهنية بشئ يسمى الروح، لأن الروح لا تخضع للخبرة التجريبية ولا تتلقى منها إدراكات حسية أوبيانات أوانطباعات، جميع ما ندركه عمليات ذهنية تفترض حتى هناك روحاً تقف وراءها وتجمعها معاً( 41). والحقيقة حتى رفض لوك لفكرة الجوهر يتبعه ضرورة القول بأن العمليات البيولوجية والعمليات الذهنية يمكن حتى تقوم بذاتها وفي غنى عن جوهر تقوم به، سواء كان الجسد أوالروح، بحيث تشكل هذه العمليات نسقاً متكاملاً ينظم نفسه بنفسه ويسير ذاته من ذاته دون حاجة إلى جوهر ينظمه أويوجده. لكن لم يقدم لنا لوك تلك النتيجة الضرورية المترتبة على تحليلاته ورفضه لفكرة الجوهر، بل هجر الأمر على ما هوعليه، ويعد هذا نقصاً كبيراً في فلسفته، فأنت لا تستطيع حتى تنكر فكرة الجوهر دون حتى تسلم بأن العمليات البيولوجية والذهنية قائمة بذاتها ومنظمة لذاتها، لكن لم يمضى لوك في فلسفته إلى هذا الحد وتوقف عند حدود إنكار فكرة الجوهر وحسب. ويمضى لوك إلى حتى هناك ثلاثة أنواع من الأفكار تشكل لدينا فكرة الجوهر، وهي الصفات الأولوية مثل الشكل والامتداد والصلابة والقابلية على عدم الاختراق، والصفات الثانوية وهي اللون والطعم والرائحة والملمس، وأخيراً قابلية الشئ على تغيير صفاته الأولوية أوالثانوية مع بقائه ثابتاً وموجوداً( 42). والحقيقة حتى الأنواع الثلاثة من الأفكار هذه ليست أنواع لأفكار، ذلك لأن لوك قد أخطأ عندما نظر إليها جميعاً على أنها أفكار بل هي مبادئ للتوحيد. فالصفات الأولية التي نتوصل بها إلى فكرة الجوهر المادى ما هي إلا مبادئ يوحد بها العقل الصفات للتوصل إلى فكرة الجوهر، وكذلك الصفات الثانوية هي مجرد مبدأ لتوحيد ما يطرأ على الشئ من أعراض مع بقاءه ثابتاً وسط تغير أعراضه. ثم يأتى لوك بفكرة جديدة حول الجوهر، إذ يمضى إلى حتى الجوهر سواء كان مادياً أوروحياً من طبيعة واحدة، فالجوهر المادى هوجماع الصفات الحسية والخصائص والصفات الأولية والثانوية، والجوهر الروحى أيضاً هوجماع الأحوال النفسية والعمليات الذهنية( 43). سليم حتى الجوهر المادى والجوهر الروحى مختلفان في طبيعتهما ومضمونهما، إلا حتى الذهن يتوصل إليهما عن طريق نفس العملية الذهنية التي تلحق أحوالاً، مادية أونفسية، بشئ ثابت يشكل لها النادىمة والقوام. وليس معنى هذا حتى لوك يعتقد في وجود الجوهر بل هويحلل مجرد أفكارنا عنه. والحقيقة حتى توحيد لوك للجوهر المادى والروحى على أساس العمليات الذهنية التي تنتج جميع منهما شبيه بنظرية سبينوزا في الجوهر، والذي مضى إلى حتى هناك جوهر واحد في الكون ذوطبيعة مزدوجة، مادية وروحية في نفس الوقت، وإلى حتى الجوهر إذا نظرنا إليه من ناحية صفاته المادية ظهر على أنه جوهر مادى، وإذا نظرنا إليه من ناحية صفاته الفكرية ظهر أنه جوهر فكرى أوروحى، وإلى حتى الجوهر الواحد يحمل صفات الفكر والامتداد في نفس الوقت. جميع الفرق بين لوك وسبينوزا حتى لوك يعتبر الجوهر واحداً من منطلق وحدة العمليات الذهنية التي تنتجه، في حين حتى سبينوزا يعتبر الجوهر واحداً من حيث المضمون والوضع الأنطولوجى. كما حتى لوك ينتهى إلى اعتبار الجوهر مجرد فكرة عقلية ناجمة عن عمليات ذهنية في حين يعتبره سبينوزا حقيقياً وليس مجرد نتاج للذهن. لكن وراء جميع هذه الاختلافات نكتشف حتى لوك وسبينوزا قد وحدا بين الجوهر المادى والجوهر الفكرى أوالروحى، الأول عن طريق وحدة العمليات الذهنية التي تنتج الجوهر المادى والجوهر الروحى معاً، والثانى عن طريق توحيد صفات الامتداد والفكر في جوهر واحد. والاختلاف الأساسى بينهما حتى لوك يعتبر الجوهر مجرد فكرة أوظاهرة إبستمولوجية في العقل البشرى، في حين يعتبره لوك وجوداً أنطولوجياً وليس مجرد نتاج للتفكير.

مراتب الفهم وحدودها

يمضى لوك إلى حتى العقل البشرى يستطيع الوصول إلى الصدق والحقيقة في معارفه، ولذلك فهويرفض وجهة النظر الشكية رفضاً تاماً. والحقيقة حتى ممضىه التجريبى كان يمكن حتى يؤدى به إلى نزعة شكية، مثلما هوالحال عند هيوم، وذلك من منطلق حتى جميع فهم تأخذ نقطة انطلاقها من الحواس والإدراكات الحسية معرضة للشك. لكن نفس المنطلق التجريبى الذي أدى ببعض المذاهب الفلسفية إلى الشك مثل مذاهب الشك اليونانية كممضى زينون الإيلى والممضى الشكى الحديث لدى هيوم، يؤدى لدى لوك إلى البتر بيقين وصحة الفهم الإنسانية. وتنقسم الفهم عند لوك حسب طبيعتها ودرجة اليقين فيها إلى فهم حدسية intuitionist وفهم استدلالية demonstrative( 44). والفهم الحدسية عنده أكثر يقينية وصدقاً من الفهم الاستدلالية. وهذا الرأى غريب بعض الشئ، ذلك لأن لوك يرفض فيه حتى تكون الفهم القائمة على مبادئ عقلية مجردة تستخدمها في براهين للوصول إلى الصدق ذات أولوية أوأفضلية على الفهم الحدسية، ذلك لأنه يرفض نظرية الأفكار الفطرية منذ البداية، ويرفض فكرة حتىقد يكون لدى العقل البشرى مبادئ قبلية يتوصل بها إلى حقائق بالاستدلال والبرهان. ولذلك لا ينتمى لوك إلى فئة الفلاسفة العقليين الذين يعطون الأولوية للفهم الاستدلالية من مبادئ عقلية، وينضم إلى فئة التجريبيين. ويبدولأول وهلة حتى إعطاء لوك الأولوية للفهم الحدسية متناقض مع ممضىه التجريبى، ذلك لأن رده جميع الفهم البشرية إلى الخبرة التجريبية يجعل قوله بأولوية الفهم الحدسية متناقضاً، وهوتناقض ينشأ عن الاعتقاد في حتى الحدس الذي يقصده لوك هوعمل روحى خالص متحرر من أى خبرة تجريبية. لكن مفهوم لوك عن الحدس مختلف تماماً عن أى معنى عقلى أومثالى للحدس، فالحدس عنده تجريبى تماماً؛ إذ هوقوة في الذهن يستطيع بها إدراك الحقيقة تماماً كما تدرك الحواس الأمور( 45)، ولذلك فهوفي نفس مرتبة الإدراك الحسى. وإذا كان الإدراك الحسى هوالعمل الذي تقوم به الحواس، فإن الحدس هوالعمل الذي يقوم به العقل، وهذا الحدس هونوع من الإدراك الحسى الخاص بالعقل. وعلى الرغم من حتى هذا الحدس غير حسى، إلا أنه مثل الرؤية الحسية تماماً، فهومباشر وغير متوسط، وفيه لا ينشغل العقل بإثبات أوفحص أى شئ برهانياً، بل يدرك الحقيقة مثلما تتلقى العين الضوء بمجرد حتى تتوجه إليه. وما يجعل لوك يعطى الأولوية للحدس حتى جميع برهان أواستدلال في الدرجة الثانية من الفهم وهي الفهم الاستدلالية تعتمد على حدس مباشر وواضح، إذ تبدأ بهذا الحدس صانعة منه جميع العلاقات والارتباطات بين الأفكار. ويرفض لوك حتى تكون الفهم سائرة في طريقها بالطريقة المنطقية( 46)، ذلك لأن شكل القياس المكون من البدء بمقدمات والوصول منها إلى نتائج تلزم عنها ليس هوكيفية التفكير التي يتبعها العقل في معهدته، بل هومجرد تحليل منطقى للفهم الإنسانية ولا يبين لنا كيفية التفكير. ولا يقلل لوك من شأن المنطق أوالبرهان الرياضى، لكنه يعتبرهما أسلوباً تحليلياً يأتى لتحليل ما تحصل عليه العقل من فهم بعد عملية تفكير لا تسير هي ذاتها بهذه الطريقة، بل تسير على طريقة الحدس المباشر. والحدس عند لوك ليس حدساً بالماهيات والكليات والمبادئ الأولى والحقائق الثابتة مثل الحدس عند ديكارت وغيره من العقليين، بل هوحدس من طابع حسى تماماً، ذلك لأنه يتمثل في إدراك عقلى مباشر للعلاقة بين الأفكار التي ترجع إلى الإدراك الحسى( 47). ومعنى هذا حتى الحدس الذي يقصده لوك هوحدس بالعلاقة بين الإدراكات الحسية. سليم حتى ملكة الإدراك الحسى لا تحتوى على حدس بالعلاقات بين الإدراكات لأنها مجرد ملكة متلقية للاحساسات، إلا حتى هناك ملكة أخرى هي الفهم الإنسانى والتي تدرك العلاقات عن طريق حدس حسى. والفهم عند لوك ليست سوى إدراك للعلاقات بين الأفكار، واتفاقها أواختلافها عن بعضها البعض. وهويمضى إلى حتى كون العقل يحتوى على أفكار لا يعنى أنه يحتوى على فهم، ذلك لأنه طالما لم يربط العقل بينها ويعهد العلاقات التي تربطها واختلافها أواتفاقها مع بعضها فهذا معناه أنه ليست لديه فهم( 48). وبذلك تكون حصيلة العقل من الأفكار أكبر من حصيلته من الفهم، فالأخيرة محدودة للغاية بالنسبة لحصيلة الأفكار. والصدق عند لوك هواتفاق أفكار العقل عن الإدراكات الحسية، واتفاقها فيما بينها، بحيث تكون الفكرة الصادقة هي المتفقة مع الإدراك الحسى أولاً، وهذا هوالتفسير التجريبى لقانون الهوية، وهي المتفقة مع ذاتها دون حتى تتناقض مع أفكار العقل الأخرى، وهذا هوالتفسير التجريبى لقانون عدم التناقض. والفهم عند لوك محدودة واحتمالية. فهى محدودة لأنها لا تستطيع حتى تتجاوز مجال الخبرة التجريبية ومقيدة بها، واحتمالية لأن العلاقات التي يقيمها العقل بين الأفكار ليس شرطاً فيها حتى تكون حاضرة للخبرة التجريبية، ذلك لأن فهم مثل الهندسة يتوصل إلى قوانين لا يشاهدها مباشرة في إدراك حسى بل هي مجرد علاقات بين الأفكار المكانية الرياضية، وكل ما يتوصل إليه العقل من علاقات بين الأفكار احتمالى وليس يقينياً تماماً( 49). والغريب حتى يأتى لوك بهذا الرأى الذي يرفض حتى يلحق بالرياضيات اليقين التام، بعكس جميع الفلاسفة من قبله والذين نظروا إلى الرياضيات على أنها تتمتع بأقصى درجات اليقين، ويرجع السبب في ذلك إلى حتى اليقين عند لوك يجب حتىقد يكون مرتبطاً بإدراك حسى، وإذا لم يكن مرتبطاً به فهواحتمالى. فالرياضيات تتوصل إلى مفاهيم عن الأعداد المتناهية في الصغر والكسور والأعداد المتناهية في الكبر، وهذه المفاهيم احتمالية لأن مدلولاتها لا تخضع للخبرة التجريبية. ومصدر اليقين في الرياضيات لا يأتى من اتفاقها مع الخبرة، بل يأتى من منهجها البرهانى الدقيق الذي يعتمد على الحدس الحسى. ولأن الرياضيات تعتمد على الحدس الحسى فهى من هذه الناحية يقينية تماماً. والرياضيات تفكير حول العلاقات بين أفكارنا البسيطة حول الأجسام، وهي كلها علاقات مكانية. ونستطيع حتى نتوصل في الرياضيات إلى نتائج يقينية على صلة حقيقية بالواقع نظراً لأن الرياضيات معتمدة حصرياً على أفكار بسيطة، لكن ليست جميع نتائج الرياضيات واستنباطاتها مما يمكن حتى ينطبق على الواقع الحسى المدرك، إذ تظل سليمة باعتبارها وصفاً لعلاقات ضرورية بين أفكارنا، وليس شرطاً لازماً حتى تكون العلاقات الرياضية موجودة في الواقع. إلى غير ذلك أدخل لوك تمييزاً في الرياضيات بين الطابع اليقينى والحتمى لنتائجها ونظرياتها والطابع الاحتمالى لتحقق نتائجها في الواقع. والغريب والمدهش حقاً حتى يجد لوك قرابة بين طبيعة الرياضيات هذه والأخلاق، ذلك لأن فهم الأخلاق عنده هوالآخر فهم نظرى يعتمد حصرياً على أفكار بسيطة، ومن هنا طابعه التجريبى الواقعى، لكنه من جهة أخرى يقيم علاقات، في صورة معايير ومبادئ أخلاقية سليمة في ذاتها لكن صحتها هذه لا تجعلها حتمية التحقق في الواقع. أما الوجود الحقيقى فلا يقصد به لوك الوجود العملى الواقعى مثل وجود الأمور المادية، بل يقصد به الوجود الضرورى الذي تحتويه جميع فهم، وهوثلاثة أنواع: وجود النفس، والإله، والعالم. وجود النفس نعهده بالحدس، الذي هوعند لوك نوع من الإدراك العقلى أوالذهنى المباشر لا الإدراك الحسى، ذلك لأننا لا نجد النفس من بين أشياء العالم المادى بل نشعر بها فقط وتكون لدينا عنها فكرة بسيطة. أما فهم الإله فهى فهم برهانية استدلالية، إذ نعهد وجود الإله من ملاحظتنا للترتيب والنظام في الطبيعة متوصلين بذلك استدلالياً إلى ضرورة وجود كائن وضع هذا النظام والترتيب. أما وجود العالم فهوفهم حسية، إذ نعهد وجوده بما نتلقاه من إحساسات بأشيائه المتنوعة.

مراجع

  1. ^ http://www.bbc.co.uk/arts/yourpaintings/paintings/john-locke-156637
  2. ^ http://www.bbc.co.uk/news/mobile/world-11200987
  3. ^ John Locke — تاريخ الاطلاع:سبعة مايو2019
  4. المؤلف: Sheldon G. Cohen — العنوان : John Locke (1632-1704) British physician and philosopher. — المجلد: 16 — الصفحة: 322-325 — العدد:ستة — نشر في: Allergy proceedings : the official journal of regional and state allergy societies — https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/8747319 وسم <ref> غير صالح؛ الاسم "44d894f0024ff5939a60d76ec1a0bd5f4883a407" معهد أكثر من مرة بمحتويات مختلفة. وسم <ref> غير صالح؛ الاسم "44d894f0024ff5939a60d76ec1a0bd5f4883a407" معهد أكثر من مرة بمحتويات مختلفة.
  5. ^ وصلة : https://d-nb.info/gnd/118573748 — تاريخ الاطلاع: 24 يونيو2015 — الرخصة: CC0
  6. ^ http://www.nndb.com/people/813/000055648/
  7. ^ وصلة : معهد المخطة الوطنية الفرنسية (BnF)
  8. ^ الفيلسوف والمفكر السياسي جون لوك صبحي درويش - رابطة أدباء الشام نسخة محفوظة 25 أبريل 2015 على مسقط واي باك مشين.
  9. ^ مسقط الفهم
  10. ^ مسقط شفاف الشرق الأوسط
  11. ^ صانعوالتاريخ - سمير شيخاني .
  12. ^ 1000 شخصية عظيمة - ترجمة د.مازن طليمات .
  13. تاريخ الفلسفة الحديثة، أشرف حسن منصور

وصلات خارجية

  • مؤلفات جون لوك في مشروع غوتنبرغ
  • أعمال أونبذة عن جون لوك على أرشيف الإنترنت
  • أعمال جون لوك في ليبري فوكس
تاريخ النشر: 2020-06-02 00:59:16
التصنيفات: مواليد 1632, زملاء الجمعية الملكية, جون لوك, أشخاص من مؤامرة راي هوس, أطباء إنجليز في القرن 17, أنجليكانيون إنجليز, بريطانيون مغتربون في جمهورية هولندا, خريجو كنيسة المسيح (أوكسفورد), زملاء كنيسة المسيح (أكسفورد), فلاسفة أنجليكان, فلاسفة التنوير, فلاسفة العصر الحديث المبكر, فلاسفة القرن 17, فلاسفة اللغات, فلاسفة بريطانيون, فلاسفة سياسيون إنجليز, فلاسفة قانون, فلاسفة نظرية المعرفة, كتاب إنجليز في القرن 17, كتاب في القرن 17, لاهوتيون مسيحيون إنجليز, ليبراليون كلاسيكيون بريطانيون, منتقدو الإلحاد, منظرون سياسيون, مواليد في برستل, ميتافيزيقيون, ناشطون مؤيدون للعبودية, وفيات 1704, صفحات بأخطاء في المراجع, صفحات ويكي بيانات بحاجة لتسمية عربية, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات بحاجة لتهذيب منذ أبريل 2016, جميع المقالات التي بحاجة لتهذيب, مقالات بحاجة لتهذيب منذ 2016, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, مقالات تحتوي نصا بالإنجليزية, صفحات تستخدم خاصية P1559, مواليد 29 أغسطس, صفحات تستخدم خاصية P509, صفحات بها مراجع ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P27, صفحات تستخدم خاصية P463, صفحات تستخدم خاصية P1050, صفحات تستخدم خاصية P69, صفحات تستخدم خاصية P106, صفحات تستخدم خاصية P1412, صفحات تستخدم خاصية P101, صفحات تستخدم خاصية P108, صفحات تستخدم خاصية P800, صفحات تستخدم خاصية P737, صفحات تستخدم خاصية P135, صفحات تستخدم خاصية P166, صفحات تستخدم قالب:صندوق معلومات شخص مع وسائط غير معروفة, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, مقالات تحتوي نصا بالفرنسية, مقالات تحتوي نصا باللاتينية, بوابة المرأة/مقالات متعلقة, بوابة تشيلي/مقالات متعلقة, بوابة القرن 17/مقالات متعلقة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, بوابة ليبرالية/مقالات متعلقة, بوابة إنجلترا/مقالات متعلقة, بوابة المملكة المتحدة/مقالات متعلقة, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة القانون/مقالات متعلقة, بوابة السياسة/مقالات متعلقة, بوابة المسيحية/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات بها شريط بوابات بأكثر من 10 بوابات, صفحات تستخدم خاصية P214, صفحات تستخدم خاصية P1309, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P213, صفحات تستخدم خاصية P227, صفحات تستخدم خاصية P906, صفحات تستخدم خاصية P268, صفحات تستخدم خاصية P1015, صفحات تستخدم خاصية P245, صفحات تستخدم خاصية P409, صفحات تستخدم خاصية P396, صفحات تستخدم خاصية P2963

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"الصحة" تصدر توجيهًا جديدًا بشأن أسعار مسحات كورونا

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:31:39
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

تبوك وطريف تتوشحان بالأبيض السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:29:31
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 57%

مجلس التعاون يبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:32:54
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 36%

سياسي / الاتحاد الأوروبي يدين بشدة هجوم ميليشيا الحوثي على مطار أبوظبي

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:31:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

ميسي ورونالدو يقودان التشكيلة المثالية لعام 2021

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:33:14
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 42%

7 ملايين إيرادات الأسر المنتجة من أكشاك المأكولات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:29:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

الحمير تتربص بسالكي طريق نجران - ظهران السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:29:32
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

قفصة: أم لـ4 أطفال تضع حدا لحياتها

المصدر: تونس الرقمية - تونس التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:33:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 70%

سياسي / سمو وزير الخارجية يجري اتصالاً هاتفياً بوزير خارجية الإمارات

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:31:36
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

اقتصادي / وزارة الاستثمار تُنظِّم أعمال المنتدى السعودي - الكوري غداً في الرياض

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:31:38
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

باجة: غلق مؤسسة تربوية وأقسام بسبب تفشي كورونا

المصدر: تونس الرقمية - تونس التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:33:05
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

97 % من حالات الهلال الأحمر عولجت في الموقع السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:29:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

التحالف: تنفيذ عمليات جوية على مدار 24 ساعة فوق صنعاء

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:33:32
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

‫رئيسة الحكومة تستقبل رئيس هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية

المصدر: جوهرة أف أم - تونس التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:33:23
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 44%

‫أعوان الديوان الوطني للبريد في إضراب عام بداية من يوم غد الثلاثاء

المصدر: جوهرة أف أم - تونس التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:33:24
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 36%

ضبط 6 أشخاص لسلبهم متاجر باستخدام مركبة مسروقة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:33:35
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

القومي للبحوث يكشف أسباب تأخر طرح اللقاح المصري

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:31:40
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

فرنسا: 7 % عجز الموازنة من الناتج المحلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:29:29
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

ضبط مخالفات لعدم تطبيق الاحترازات بأحد مجمعات الظهران

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:32:36
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 36%

رياضي / فروسية نجران تقيم سباقها الـ 13 على كأس سمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 21:31:35
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية