كسينوفون

زينوفون أوكسينوفون (بالإنجليزية: Xenophon)‏ (باليونانية: Ξενοφῶν)‏ (ولد تقريبا عام 430 تقريبا – توفي 354 قبل الميلاد) هوفيلسوف يوناني قديم ومؤرخ وجندي ومرتزق وكان أحد طلاب سقراط. عهد زينوفون بتأريخه لزمانه المعاصر في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع قبل الميلاد، حيث يروي عمله "هيلينيكا" السنوات السبع الأخيرة للحرب البيلوبونيسية وآثارها (431–404 قبل الميلاد)، ويعتبر استمرارا لتاريخ ثوسيديديس للحرب البيلوبونيسية. كان أحد المرتزقة اليونانيين "العشرة آلاف" الذين شاركوا أيضاً في حملة قورش الأصغر الفاشلة للمطالبة بعرش الدولة الأخمينية من أخيه أردشير الثاني، وسرد هذه الأحداث في كتاب أناباسيس. يعتبر زينوفون مصدرا مهما عن سقراط مثل زميله أفلاطون (427-347 قبل الميلاد)، وخط عنه الكثير من خط الحوارات (التذكارات) ودفاع سقراط أمام هيئة المحلفين، الذي يروي محاكمة الفيلسوف في عام 399 قبل الميلاد.

ورغم كونه مواطناً أثينياً، إلا حتى زينوفون كان مرتبطًا أيضًا بمدينة إسبرطة، العدوالتقليدي لأثينا. كانت سياسته المؤيدة لحكم القلة، وحروبه تحت قيادة الجنرالات الإسبرطيين في الحملة الفارسية ومعارك أخرى، وصداقته مع الملك أجيسلاوس الثاني، كلها عوامل قربته من الأسبرطيين. تحوي بعض أعماله تحيزا للإسبرطيين، ولا سيما سيرة الملك أجيسلاوس ودستور الإسبرطيين.

تضم أعمال زينوفون أصنافا عديدة، وهي مكتوبة بلغة أهل أتيكا، ولهذا السبب فهي تمثل تمرينا لطلاب الترجمة المعاصرين من اللغة اليونانية القديمة. وصفه ديوجينس لايرتوس في سيرته عن الفلاسفة البارزين بأنه "إله إلهام من أتيكا" لأسلوبه السلس في الإلقاء.

حياته

بدايات حياته

قد زينوفون ولد في أثينا حوالي العام 430 ق م. أبوه يدعى غريلوس ويعود أصله إلى عائلة من الفرسان في مجلس الشعب من إرخيا. ويمكن حتى نستنتج من المقاطع في كتابه هيلينيكا بأنه قاتل في معركة أرغينوساي عام 406 ق م، وبأنه كان حاضرا عند عودة ألكيبيادس عام 408 ق م، ومحاكمة الجنرالات وسقوط الطغاة الثلاثين. وقد تأثر بسقراط منذ صغره، لكنه انجذب أكثر للحياة العملية.

حروب الفرس

في 401 ق م نادىه صديقه بروكسينوس للانضمام إلى حملة قورش الأصغر ضد أخيه أرتحششتا الثاني الإمبراطور الأخميني، وقبل زينوفون العرض على الفور. فقد منحته هذه المغامرة فرصة نيل الثروة والشرف، ولم يكن ليجد هذه الفرصة في أثينا الديمقراطية، حام الشك حول طبقة الفرسان بعد حتى دعموا الطغاة الثلاثين. مضى زينوفون باقتراح من سقراط إلى ديلفي لاستشارة الكاهن؛ لكنه كان قد عقد عزمه مقدما، ومضى إلى سارديس. ومنح وصفا كاملا وتفصيليا للرحلة بنفسه في كتابه أناباسيس ويعني الزحف العسكري، أو"الزحف في داخل البلاد".

حارب زينوفون في معركة كوناكسا (401 ق م) التي فيها فقد قورش الأصغر حياته، وقتل قادة الضباط في الجيش اليوناني غدرا من قبل المرزبان الفارسي تيسيفيرنس، والذي كان يتفاوض معهم على هدنة والعودة بأمان. أصبح الجيش الآن في قلب بلاد مجهولة وبعيدا عن الوطن وفي رحمة عدوشديد. وتقرر الذهاب شمالا نحووادي دجلة والوصول لشواطئ البحر الأسود، حيث توجد هناك عدة مستعمرات يونانية. وأصبح زينوفون القائد الروحي للجيش فانتخب ضابطا وهوالذي قاد تراجع الجيش.

كان جزء من الطريق يمر خلال براري كردستان، حيث توجب عليهم لقاءة هجمات قبائل الجبال، وجزء آخر يمر خلال مرتفعات أرمينيا وجورجيا. وصلوا إلى ترابيزوس (طرابزون) على البحر الأسود بعد مسيرة خمسة أشهر (فبراير 400 ق م)، حيث بدأت معنوياتهم تنهار، وحتى زينوفون كان فاقد السيطرة تقريبا على العساكر. وتطلع لتأسيس مستعمرة جديدة في كوتيورا؛ لكن الفكرة طويت عندما لم تتم الموافقة بالإجماع، وفي النهاية وصل زينوفون مع رفاقه اليونانيين إلى خريسوبوليس (سكوتاري) على البسفور واللقاءة لمستوطنة بيزنطة.

خدم بعدها لفترة قصيرة لصالح الزعيم التراقي سيوثس، وتم دمجهم في النهاية في الجيش اللاكيداموني، ويظهر حتى زينوفون كان جزءا من هذه الحملة كما يؤخذ من مذكراته، وكان يتجاوز العشرين في ذلك الوقت. ثم عبروا إلى آسيا لشن حرب ضد مرزبانات الفرس تيسافيرنس وفارنابازوس (فرنواز)، وأما زينوفون الذي رافقهم فقد أسر نبيلا فارسيا غنيا مع عائلته قرب بيرغاموم، وضمنت الفدية التي دفعت ثمن استعادته لزينوفون مالا يكفيه مدى الحياة.

في خدمة إسبرطة

عند عودته إلى اليونان خدم زينوفون تحت إمرة أجيسلاوس الثاني ملك إسبرطة التي كانت في ذلك الوقت القوة الرئيسية في العالم اليوناني. ولم يكن متعاطفا مع مدينته أثينا وسياستها العامة ومؤسساتها. قاتل في معركة كورونيا (عام 394 ق م) مع الإسبرطيين ضد الأثينيين والطيبيين فأمر مواطنومدينته بإبعاده. ومنحته إسبرطة بيتا له في سكيلوس في منطقة إليس، على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من أولمبيا؛ هناك استقر وليشبع شغفه للرياضة والأدب.

حياته اللاحقة

طرد زينوفون من بيته من قبل أهل إليس بعد هزيمة إسبرطة الساحقة عام 371 ق م على يد الطيبيين في معركة ليوكترا. في أثناء ذلك كانت إسبرطة وأثينا قد أصبحتا حليفتين، وأبطل الأثينيون المرسوم الذي أمر بنفيه. ولا يوجد مرشد على أنه عاد بعدها إلى مدينته. وذكر ديوجينس لايرتيوس أنه أقام لنفسه بيتا في كورينث. أما سنة موته غير معروفة؛ ومن المؤكد كان حيا عام 355 ق م وهوتاريخ عمله على كتابه عائدات أثينا.

أعماله

الأناباسيس

كتاب الأناباسيس (أعده في سكيلوس بين أعوام 379 و371 ق م) هوعمل نال من الاهتمام الكثير. يروي زينوفون قصته بمنظور الشخص الثالث، وهوالأسلوب الذي اتبعه قيصر في أعماله. ووصفه للأماكن والمسافات النسبية دقيق جدا. وتشهد بحوث المسافرين الحديثين على دقته. وذكر بلوتارخ وديوجينس لايرتيوس بشكل واضح حتى الأناباسيس كان عمل زينوفون، والدليل من أسلوب الكتابة كان حاسما في إثبات نسبه للمؤرخ. وهناك تلميح يشير إلى حتى اسم المؤلف هوثيميستوجينس السراقوسي، ويظهر بأن زينوفون نشره تحت اسم مستعار.

الكيروبيديا

الكيروبيديا Cyropaedia هوعمل سياسي وفلسفي مثالي، والذي يصف شباب قورش الأصغر وتدريباته، وهوبالكاد يتتماشى مع اسمه، فالجزء الأكبر منه تعبير عن سجل يروي بدايات الإمبراطورية الفارسية وفوزات مؤسسها قورش الثاني. والكيروبيديا يحتوي في الحقيقة على أفكار المؤلف الخاصة حول التدريب والتعليم، كما اشتق من تعاليم سقراط والمؤسسات الإسبرطية. وقيل بأنه قد خط العمل ليعارض جمهورية أفلاطون. اهتم زينوفون بالرسالة الأخلاقية داخل العمل وضحى بالحقائق التاريخية. عملى سبيل المثال ظهر قورش بأنه توفي بسلام في سريره، بينما يقول هيرودوتس بأنه سقط في حملة ضد قبائل الماساغيتيين.

الهيلينيكا

خط عمل هيلينيكا Hellenica في كورنث، بعد 362، وهوالسجل المعاصر الوحيد الذي وصلنا للفترة بين أعوام (411 – 362 ق م). ويضم جزأين متميزين؛ وأولهما الكتابان الأول والثاني اللذان هدفا لوضع استمرارية لأعمال ثوكيديدس، ويسرد التاريخ حتى سقوط الطغاة الثلاثين، ثانيهما الكتابان الثالث والرابع اللذان يتعاملان مع الفترة من 401 إلى 362 ق م، ويسرد تاريخ الإسبرطيين وزعامات الطيبيين حتى موت إيبامينونداس. ولكن لا توجد أسس لوجهة النظر بأن الجزأين خطا ونشرا كعملين منفصلين، ولا يوجد تبرير لتهمة التزييف المتعمد.

ولكن تظهر في هذا العمل تحاملات سياسية قوية والتي أثرت على روايته للأحداث. وكان مناصرا للحركة الرجعية التي انتصرت بعد سقوط أثينا؛ وكانت إسبرطة هي رمز المثالية لديه وكان ملكها أجيسلاوس بطله. وفي نفس الوقت كان مؤمنا بالعناية الإلهية، ولهذا فقد رأى في سقوط إسبرطة العقاب الذي أسقطته السماء على السياسة الغادرة التي جهزت للسيطرة على كادميا والهجوم على سفودرياس. ومن أخطائه أنه غلب تحيزه السياسي على الأحداث وحاجته للاتزان وفشله لإدراك معنى النقد التاريخي. وأكثر ما يمكن حتى ينطق لصالحه بأنه كان صادقا كشاهد وعلى حسن إطلاع بالأمور. وقد كان شاهدا لا غنى عنه لهذه الفترة من التاريخ اليوناني.

الميمورابيليا

المخلفات التذكارية أوالميمورابيليا Memorabilia، أو"ذكريات عن سقراط" ويقع في أربعة خط، خط للدفاع عن سقراط ضد تهم المعصية وإفساد الشاب، وكرره بعد موته السفسطائي بولقراط. العمل ليس بترة أدبية فنية؛ إذ يفتقر إلى التماسك والوحدة، والصورة المعطاة لسقراط لا تنصفه حق الإنصاف. ولكنه يصف أفكار الفيلسوف في الحياة وأسلوب محادثاته. وكان الجانب الأخلاقي والعملي من تعليم سقراط هوالذي أثار اهتمام زينوفون؛ وحاول الدخول إلى تأملاته الغيبية العميقة: ولم يكن زينوفون يمتلك أي حس أوعبقرية في هذا المجال. وكان ينتقل ضمن مجموعة محدودة من الأفكار. ومن المحتمل حتى العمل في شكله الحالي هوتعبير عن تلخيص لعمل أكبر.

الأعمال الثانوية

هجر زينوفون عدة أعمال ثانوية، بعضها كان مهما جدا ويعطي بصيرة إلى حياة اليونانيين الخاصة.

عمل الأويكونوميكس Oeconomics (وهوإلى حد ما استمرار للميمورابيليا، واعتبر الكتاب الخامس من العمل) ويتعامل مع إدارة البيت والمغرسة، ويقدم صورة لطيفة ومسلية عن الزوجة اليونانية وعن واجبات بيتها. وهناك بعض الملاحظات العملية الجيدة عن الزواج وواجبات الزوج والزوجة. وكان العمل على شكل محادثة بين سقراط وشخص يدعى إسخوماخوس وترجم إلى اللغة اللاتينية من قبل شيشرون
في الموضوعات على الفروسية (Hippike) والصيد (Cynegeticus)، يتعامل زينوفون مع الأمور التي كان على فهم شاملة بها. ويعطي في الأولى القواعد عن كيفية اختيار الحصان، وبعد ذلك يتحدث عن سياسته وركوبه والتعامل معه. يتعامل منطق الصيد بصورة رئيسية مع الأرانب البرية، مع ذلك فالمؤلف يتحدث أيضا عن صيد الخنازير ويصف كلاب الصيد، فيتحدث عن كيفية استيلادها وتدريبها، ويعطي نماذج عن الأسماء المناسبة لها. وهويخط عن جميع هذا بحيوية رياضي متحمس، ويرى بأن الأمم التي تملك طبقاتها الراقية ذوق الرياضات الميدانية عملى الأغلب تكون ناجحة في الحرب. كلتا الأطروحتان قد تجدان الاهتمام من القارئ الحديث.
يوضح كتاب هيبارخيكوس Hipparchicus واجبات ضابط سلاح الفرسان؛ هوليس أطروحة فهمية بكامله، حيث يظهر بأن فن الحرب كان متطورا ولكن بشكل ناقص وأن العمليات العسكرية لليونانيين كانت على مقياس صغير. ويشرح بشكل مطول المعايير الأخلاقية اللازمة لصنع الخيّال الجيد، ويلمح بوضوح بأنه لابد حتىقد يكون هناك انتباه صارم للواجبات الدينية.
قصيدة أجيسلاوس هي قصيدة في مديح الملك الإسبرطي، الذي كان يملك فضيلتان مهمتان في وجهة نظر زينوفون: أنه كان صارما متصلبا، وأنه كان متعاطفا مع جميع شريعة دينية. ويوضخ العمل خلاصة عن فضائله بدلا من حتى يروي صورة جيدة وواضحة عن الرجل بنفسه.
يحسب كتاب هييروالخط الفكري المشار إليه في سيرة سيف داموكلس. وهواحتجاج على فكرة حتى "المستبد" هورجل يحسد على ما عليه، كامتلاكه وسائل للسعادة أكثر من أي إنسان آخر. وهذا أحد أفضل أعماله الثانوية؛ وهوموضوع إلى شكل محادثة بين هييروطاغية سراقوسة، والشاعر الغنائي سيمونيدس.
السيمبوسيوم Symposium أوالمأدبة، إلى حد ما يعتبر تكملة المخلفات التذكارية، وهومحادثة صغيرقد يكون فيه سقراط العنصر البارز. وهوممثل بأنه جاء حفل عشاء أثيني بهيج، به استهلك كثير وعزف بالناي، وراسيرة من سراقوسة تسلي الضيوف بأعمال مشعوذة محترفة. ويمر حديث مائدة سقراط عبر عدة مواضيع، وينتهي مع درس فلسفي حول تفوق الحب السماوي الحقيقي إلى نظيره الدنيوي أوالمادي الزائف، وبحث آخر جدي مع أحد ضيوف الحفلة كسب لتوه في الألعاب العامة لعيش حياة النيلاء ويقوم بواجبه إلى بلاده.
هناك أيضا منطقتان قصيرتان نسبتا إليه، على الدستور السياسي لإسبرطة وأثينا، وخطت مع تحيز واضح لمصلحة الأولى، والتي مدحتها دون أي نقد. ويبدوحتى إسبرطة قدمت إلى زينوفون أفضل خليط معقول بين الحكم الملكي والأرستقراطية. أما الثانية بالتأكيد لم تخط من قبل زينوفون، لكن خطت على الأغلب من قبل عضوحزب أوليغاركي بعد فترة قليلة من بداية الحرب البيلوبونيسية. في الموضوعة حول عائدات أثينا (خطت عام 355 ق م) يعطي زينوفون اقتراحات من أجل جعل أثينا أقل اعتمادا على الجزية المستلمة من حلفائها. وقبل جميع شيء سيجعل أثينا تستعمل نفوذها لحفظ السلام في العالم اليوناني ولتسوية المسائل بالدبلوماسية، ومعبد دلفي سيكون مركزا مستقلا.
الاعتذار وهودفاع سقراط أمام قضاته، كان إنتاجا ضعيفا، وفي الرأي العام للنقاد الحديثين ليس عملا أصيلا لزينوفون، لكن يعود إلى فترة تالية.

شخصيته

كان زينوفون رجلا ذا ومواهب ثقافية كبيرة؛ لكنه كان عمليا جدا بطبيعته ولم يهتم بالتأملات الفلسفية العميقة. أما كراهيته لديمقراطية أثينا فقد غرست فيه قلة الوطنية حتى أنه حارب إلى جانب إسبرطة حتى ضد بلاده. وفي الأمور الدينية كان ضيق الأفق، ومؤمنا بكفاءة التضحية والعرافة. وأسلوبه البسيط والذي أصبح مرهقا في بعض الأحيان كان موضع احترام من الكثيرين وحاكاه الكثيرون.

مراجع

^ Lee, John (2005). Vernon, Alex (المحرر). "Xenophon's Anabasis and the Origins of Military Autobiography". Arms and the Self: War, the Military, and Autobiographical Discourse. Kent, OH: Kent State U Press. صفحات 41–60.