العزلة هي حالة من الانعزال بمعني عدم وجود اتصال مع الناس، وقد يتسبب في العزلة العلاقات السيئة، فقدان أحباء، اختيار متعمد، أمراض معدية، اضطرابات نفسية، اضطرابات عصبية عضوية، أوظروف العمل.

غالبا يتم تقدير أهمية العزلة قصيرة المدي، كالوقت الذي يقضيه الشخص في العمل أوالتفكير أوالراحة بدون ازعاج، كما حتى العزلة قصيرة المدي قد تكون مطلوبة من أجل الخصوصية.

هناك فرق واضح بين العزلة والوحدة، حيث تشير العزلة إلي السعادة بكون الشخص بمفرده، بينما تشير الوحدة إلي تألمه من كونه بمفرده.

التأثيرات الصحية

غالبا ما تتضمن أعراض العزلة التامة (والتي تسمي أيضا الحرمان الحسي) القلق والأوهام الحسية، أوحتى تشوهات في الوقت والإدراك، ومع ذلك فهذه الحالة تحدث عندما لاقد يكون هناك أية تحفيز للأنظمة الحسية على الإطلاق، وليس مجرد عدم التواصل مع الناس، ولذا يمكن تجنب هذه الحالة من خلال وجود أشياء أخرى تحافظ علي العقل في حالة من الانشغال.

العزلة طويلة المدي غالبا ما ينظر إليها علي أنها غير مرغوب فيها، كما أنها تسبب الشعور بالوحدة أوالانزواء الناتج عن عدم القدرة على إقامة علاقات تفاعلية، وعلاوة على ذلك، قد تؤدي إلى الاكتئاب.

اعتبرت العزلة القسرية (الحبس الانفرادي) طريقة للعقاب على مر التاريخ، وغالبا ما ينظر إليها على أنها شكل من أشكال التعذيب، وفي اللقاء، فإن هناك بعض الحالات النفسية (مثل الشيزوفرينيا، واضطراب الشخصية الانعزالية) مرتبطة بقوة بميلها إلي البحث عن العزلة، وفي التجارب على الحيوانات تَبَيّن حتى العزلة تسبب الذهان.

العزلة العاطفية هي حالة من العزلة يمتلك فيها الشخص شبكة اجتماعية تعمل بشكل جيد، لكنه لا يزال يشعر بانفصاله عاطفيا عن الآخرين.

الآثار النفسية

توجد آثار نفسية للعزلة، إيجابية وسلبية على حد سواء، وفي أغلب الأوقات تحدد طبيعة ومدي هذه الآثار بمقدار الوقت الذي يقضيه الشخص في العزلة، ويمكن حتى تتراوح الآثار الإيجابية من الحرية إلي زيادة الروحانية، في حين حتى الآثار السلبية تسبب الحرمان الاجتماعي وقد تؤدي إلى ظهور السقم العقلي، وفي الوقت الذي تكون فيه العزلة الإيجابة مطلوبة غالبا، فإن العزلة السلبية في كثير من الأحيان تكون لا إرادية أوغير مرغوب فيها أثناء حدوثها.

الآثار الإيجابية

هناك الكثير من الفوائد في قضاء بعض الوقت بصورة منفردة، وتُعتبر الحرية واحدة من هذه الفوائد، حيث حتى قيود الآخرين لنقد يكون لها أي تأثير على الشخص الذي يمضي وقتا في عزلتة، وبالتالي فإن ذلك يعطي الشخص مجال أكبر لأعماله، وبزيادة الحرية تكون قرارات الشخص أقل عرضة للتأثر بالتبادل مع الآخرين، كما يمكن تحفيز ابداع الشخص بإعطائه قدرا من الحرية، فالعزلة يمكنها حتى تزيد من الحرية وعلاوة على ذلك، فالحرية من مشتتات الانتباه تولد القدرة على إثارة الإبداع.

في عام 1994، عثر أحد فهماء النفس حتى المراهقين الذين لا يستطيعون تحمل حتىقد يكونوا بمفردهم، عادة ما يقف عندهم تعزيز المواهب الإبداعية.

هناك فائدة مؤكدة أخرى للعزلة وهي تطوير الذات، فعندما يقضي الشخص وقتا معزولا عن الآخرين، فإنه قد يقابل تغييرات في مفهوم الذات لديه، وهذا يمكن حتى يساعد الشخص على تشكيل أواكتشاف هويته بعيدا عن التشتت الخارجي، كما توفر العزلة وقت للتأمل والنموفي الروحانية الشخصية، وفي هذه الحالات من العزلة يمكن تجنب الشعور بالوحدة مادام حتى الشخص المنعزل يعهد حتى لديه علاقات ذات معنى مع الآخرين.

الآثار السلبية

الكثير من العزلة لا يعتبر دائما شيء مفيد، وقد لوحظ الكثير من الآثار السلبية في السجناء، ففي كثير من الأحيان، يقضي السجناء وقتا طويلا في العزلة، حيث تسوء سلوكياتهم أكثر ، كما يمكن حتى تطلق العزلة عدد من الاستجابات الفسيولوجية التي تزيد من المخاطر الصحية.

الآثار السلبية للعزلة قد تعتمد أيضا على العمر، فأطفال المدارس الابتدائية الذين يعانون من العزلة المتكررة قد يتفاعلون بصورة سلبية ، وهذا يرجع إلى حد كبير في حتى العزلة في هذا العصر ليست شيئا من اختيار الطفل، كما قد تحدث العزلة عند الأطفال في سن الابتدائية عندماقد يكون الطفل غير متأكد من كيفية التفاعل اجتماعيا مع الآخرين، ولذلك يفضل حتىقد يكون وحده، مما يتسبب في الخجل أوالرفض الاجتماعي.

في حين أنه من المرجح حتى يشعر المراهقين بالوحدة أوالحزن عند تواجد الآخرين حولهم، فإن المراهقين أيضا أكثر عرضة للتجربة الأكثر متعة مع الآخرين إذا قضوا وقت بصورة منفردة أولا، ومع ذلك، فإن المراهق الذي كثيرا ما يقضي وقته منفرد، لاقد يكون لدية القدرة الجيدة علي التكيف مقارنة بالمراهق الذي يوازن وقته من العزلة مع وقته الاجتماعي.

استخدامات أخرى

استخدامها كمتعة

العزلة لا تعني بالضرورة الشعور بالوحدة، ففي واقع الأمر قد تكون العزلة بالنسبة لأولئك الذين يختارونها بشكل متعمد مصدر وحيد للمتعة الحقيقية، على سبيل المثال، في السياقات الدينية يفضل بعض القديسين الصمت ويجدون متعة هائلة في التوحد المتصور مع الإله، وكذلك فإن بوذا وصل التنوير من خلال استخدامات التأمل، والحرمان من المدخلات الحسية، والضروريات الجسدية، والرغبات الخارجية، بما في ذلك التفاعل الاجتماعي، ويُعتبر سياق العزلة هوتحقيق المتعة من الداخل.

استخدامها كعقاب

تستخدم العزلة في شكل الحبس الانفرادي للسجناء المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة كنوع من العقاب أولاحتياطات أخرى في الكثير من البلدان في جميع أنحاء العالم، كما تستخدم تجاه أولئك الذين قد يحدثوا عرضة للخطر في ساحة السجن، أوالذين قد يحاولون الانتحار، أوغير القادرين على مشاركة نزلاء السجون بسبب السقم أوالإصابة، وقد وجدت الأبحاث حتى الحبس الانفرادي لا يردع السجناء عن ارتكاب المزيد من أعمال العنف في السجن.

استخدامها كعلاج

أحيانا تستخدم مستشفيات الأمراض النفسية العزلة الكاملة أوالجزئية لبعض السقمى، وخاصة النوع العنيف أوالتخريبي، من أجل توجيه احتياجاتهم الخاصة ولحماية باقي السقمي من نفوذهم أوالتأثير السلبي عليهم.

العزلة في الدين الإسلامي

العُزلة موجودة منذ عهد الرِّسالات، بَيْد حتى الرسل والأنبياء أنفسهم لما رأوا تكذيب قومهم لهم، واستمرارهم على كفرهم، وعدم الانقياد لطاعة ربهم، اعتزلوهم ومايعبدون من دون الله عزوجل، فحَاق بقومهم ماكانوا به يستهزؤون، وحل بساحتهم العذاب الهُون. نطق تعالى:" فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا"، (مريم:49) ولقد اتى في خبر من قبلنا أنهم ترهبنوا، فكانوا يفرون إلى الجبال والصحاري ليخلصوا من الفتنة في دينهم، فيبترون أنفسهم عن مخالطة الناس، وعن الزواج والنسل.

ولقد بقيت من العزلة بقايا في الشرع الإسلامي، واتىت بها نصوص وآثار، واتىت بضدها نصوص أيضا وآثار، فكان حتى تنازعهما طرفان من أهل الفهم، فبين مستحب لها على المخالطة، وبين مستحب للمخالطة على العزلة، والأمر لابد له من ضابط وإلا خرج عن حد الشرع، فبعض الصالحين قد يدفعه يأسه من عدم قدرته على التغيير إلى اعتزال أهل الباطل ولوكانوا من قرابته وإن كان يستطيع حتى يغير من واقع من حوله وهدايتهم لكن مع شيء من الجهد والتعب.

تعريف العزلة

العُزلة في اللغة: "تَعَاَزَلَ القومُ انْعَزَلَ بَعْضُهم عن بَعَض والعُزْلةُ الانْعِزال نفسُه ينطق العُزْلةُ عِبادة وكُنْتُ بمَعْزِلٍ عن كذا وكذا أَي كُنْتُ بموْضع عُزْلةٍ منه واعْتَزَلْتُ القومَ أَي فارَقْتهم وتَنَحَّيت عنهم". وفي الاصطلاح: "هي الخروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع".

والعزلة الدينية عزلة عن الشرِّ وفضولِ المباحِ، وهي ممّا يشرحُ الخاطر ويُمضىُ الحزن وهي الواردة في الأثر عن عمر بن الخطاب : "خذوا حظكم من العزلة". ونطق: "العزلة راحة من خليط السوء". والحظ أي: النصيب، فكأنه يقول لكل مسلم نصيب في العزلة فليأخذ نصيبه منها ولا يفرط فيه، فعندما يخلوالإنسان بنفسه يراجعها ويحاسبها وفي ذلك سبيل لإصلاحها.

"ونُسِب إلى محمد بن سيرين وسعيد بن المسيب قولهما: "العزلة عبادة". وذكر عبد الله بن حبيق نطق لي يوسف بن أسباط نطق لي سفيان الثوري وهويطوف حول الكعبة والذي لا إله إلا هولقد حلت العزلة ونطق بعض الحكماء الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس نطق وعالجت نفسي على الصمت فلم أظفر به فرأيت حتى العاشرة خير الأجزاء وهي عزلة الناس.

أقوال الفهماء في التفاضل بين العزلة والخلطة

نطق ابن عبد البر: وقد جعلت طائفة من الفهماء العزلة اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك وإن كنت بين ظهرانيهم ذكر ابن المبارك نطق حدثنا وهيب بن الورد نطق اتى رجل إلى وهب بن منبه فنطق إذا الناس قد سقطوا فيما فيه سقطوا وقد حدثت نفسي حتى لا أخالطهم فنطق لا تعمل إنه لا بد لك من الناس ولا بد لهم منك ولك إليهم حوائج ولهم إليك حوائج ولكن كن فيهم أصم سميعا أعمى بصيرًا سكوتًا نطوقًا ونطق ابن المبارك في تفسير العزلة حتى تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت".

ونقل ابن حجر والعيني عن قوم: تفضيل العزلة، لكن يشترط حتىقد يكون عارفا بوظائف العبادة التي تلزمه وما يكلف به، لما فيها من السلامة المحققة وذلك عند ظهور الفتن وفساد الناس، إلا حتىقد يكون الإنسان له قدرة على إزالة الفتنة، فإنه يجب عليه السعي في إزالتها بحسب الحال والإمكان.

نطق الكرماني: (المختار في عصرنا تفضيل الانعزال لندرة خلوالمحافل عن المعاصي)، واحتجوا بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم : "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوربي عسى ألا أكون بنادىء ربي شقيا فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا"،(سورة مريم:48). وبحديث عقبة بن عامر الجهني نطق: قلت يا رسول الله ما النجاة نطق: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك.

ونطق ابن عبد البر في الكلام على قوله : "ألا أقول لكم بخير الناس منزلا رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله ألا أقول لكم بخير الناس منزلة بعده رجل معتزل في غنيمة له يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله لا يشرك به شيئا" "وأما قوله "خير الناس بعده رجل معتزل في غنيمة له" ففي ذلك حض على الانفراد عن الناس واعتزالهم والفرار عنهم وقد فضلها رسول الله كما ترى وفضلها جماعة الفهماء والحكماء لا سيما في زمن الفتن وفساد الناس وقد يحدث الاعتزال عن الناس مرة في الجبال والشعاب ومرة في السواحل والرباط ومرة في البيوت وقد اتى في غير هذا الحديث إذا كانت الفتنة فاخف مكانك وكف لسانك ولم يخص موضعا من موضع..".

وأما في غير الفتن فقد اختلف الفهماء في المفاضلة بين العزلة والخلطة:

• فمضى إلى اختيار العزلة، وتفضيلها على المخالطة: سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وداود الطائي، والفضيل بن عياض، وسليمان الخواص، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، وبشر الحافي.

• ومضى إلي فضل المخالطة: سعيد بن المسيب، والشَّعبي، وابن أبي ليلى، وهشام بن عروة، وابن شبرمة، وشريح القاضي، وشريك بن عبد الله، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل، وجماعة.

والصواب حتى ينطق أنه لا يمكن التفريق بينهما ولا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر، فلكل منهما أثر على المجتمع والفرد في تربية النفس.

ونطق ابن حجر نقلاً عن الخطابي: "أن العزلة والاختلاط يختلفان باختلاف متعلقاتهما، فتحمل الأدلة الواردة في الحض على الاجتماع على ما يتعلق بطاعة الأئمة وأمور الدين وعكسها في عكسه وأما الاجتماع والافتراق بالأبدان فمن عهد الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه فالأولى له الانكفاف عن مخالطة الناس بشرط حتى يحافظ على الجماعة والسلام والرد وحقوق المسلمين من العيادة وشهود الجنازة ونحوذلك والمطلوب إنما هوهجر فضول الصحبة، لما في ذلك من شغل البال وتضييع الوقت عن المهمات ويجعل الاجتماع بمنزلة الاحتياج إلى الغداء والعشاء، فيقتصر منه على ما لا بد له منه فهوروح البدن والقلب..

ونطق الغزالي: "إن وجدت جليسا يذكرك الله رؤيته وسيرته فالزمه ولا تفارقه، واغتنمه ولا تستحقره، فإنها غنيمة المؤمن وضالة المؤمن، وتحقق حتى الجليس الصالح خير من الوحدة، وأن الوحدة خير من الجليس السوء.

النصوص الشرعية في العزلة والخلطة

نطق عز وجلّ: "﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾" (الكهف:10).

نطق القرطبي: "هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة وقد خرج النبي فارًا بدينه وكذلك أصحاب..

نطق ابن كثير: "وهذا هوالمشروع عند وقوع الفتن في الناس، حتى يفر العبد منهم خوفًا على دينه، كما اتى في الحديث: "يوشك حتىقد يكون خيرُ مال أحدكم غنمًا يتبع بها شغف الجبال ومواقع القَطْر، يفر بدينه من الفتن" ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس، ولا تشرع فيما عداها، لما يفوت بها من هجر الجماعات والجمع.".

عن أبي سعيد الخدري نطق: نطق رسول الله " يوشك حتىقد يكون خير مال المسلم غنم، يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن".

نطق ابن حجر: "والخبر دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه وقد اختلف السلف في أصل العزلة فنطق الجمهور الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك.

نطق النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى.

ونطق غيره: يختلف باختلاف الأشخاص فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين ومنهم من يترجح وليس الكلام فيه بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال فان تعارضا اختلف باختلاف الأوقات فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وممن يستوي من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع وهذا حيث لاقد يكون هناك فتنة عامة فان سقطت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما نطق تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" ويؤيد التفصيل المذكور حديث أبي سعيد أيضا: "خير الناس رجل جاهد بنفسه وماله ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره".

نطق الخطابي: "نطق أبوسليمان فالعزلة إنما تنفع الفهماء العقلاء وهي من أضر شيء على الجهال وقد روينا عن إبراهيم، أنه نطق لمغيرة: تفقه ثم اعتزل." .

نطق ابن قدامة المقدسي: "فأما من تفهم الفرض ورأى أنه لا يتأتى منه الخوض في العلوم، ورأى الاشتغال بالعبادة، فليعتزل. وإن كان يقدر على التبرز في علوم الشرع فالعزلة في حقه قبل التفهم غاية الخسران. ولهذا نطق الربيع بن خثيم: تفقه ثم اعتزل، والفهم أصل الدين، ولا خير في عزلة العوام . سئل بعض الفهماء : ما تقول في عزلة الجاهل،يا ترى؟ فنطق : خبال ووبال، فقيل له: فالعالم،يا ترى؟ فنطق : مالك ولها، دعها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها .".

ونطق القاسمي: "وبالجملة فلا تستحب العزلة إلا لمستغرق الأوقات في فهم بحيث لوخالطه الناس لضاعت أوقاته أوكثرت آفاته.".

نطق شيخ الإسلام ابن تيمية: " فأما الخلوة والعزلة والانفراد المشروع فهوما كان مأمورا به أمر إيجاب أواستحباب.

فالأول: كاعتزال الأمور المحرمة ومجانبتها كما نطق تعالى: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره﴾ ومنه قوله تعالى عن الخليل: ﴿فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا﴾ وقوله عن أهل الكهف: ﴿وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف﴾ فإن أولئك لمقد يكونوا في مكان فيه جمعة ولا جماعة ولا من يأمر بشرع نبي فلهذا أووا إلى الكهف وقد نطق موسى: ﴿وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون﴾. وأما اعتزال الناس في فضول المباحات وما لا ينفع وذلك بالزهد فيه فهومستحب وقد نطق طاوس: نعم صومعة الرجل بيته يكف فيه بصره وسمعه. وإذا أراد الإنسان تحقيق فهم أوعمل فتخلى في بعض الأماكن مع محافظته على الجمعة والجماعة فهذا حق كما في السليمين: «أن النبي سُئل: أي الناس أفضل ،يا ترى؟ نطق: رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله حدثا سمع هيعة طار إليها يتتبع الموت مظانه، ورجل معتزل في شعب من الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويدع الناس إلا من خير».

ونطق أيضا: "فحقيقة الأمر: حتى "الخلطة" تارة تكون واجبة أومستحبة والشخص الواحد قد يحدث مأمورا بالمخالطة تارة وبالانفراد تارة. وجماع ذلك: حتى "المخالطة" إذا كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي مأمور بها وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان فهي منهي عنها فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات: كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوذلك هومما أمر الله به ورسوله. وكذلك الاختلاط بهم في الحج وفي غزوالكفار والخوارج المارقين وإن كان أئمة ذلك فجارًا وإن كان في تلك الجماعات فجار وكذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانا: إما لانتفاعه به وإما لنفعه له ونحوذلك. ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في نادىئه وذكره وصلاته وتفكره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه؛ إما في بيته، كما نطق طاوس: نعم صومعة الرجل بيته يكف فيها بصره ولسانه ، وإما في غير بيته. فاختيار المخالطة مطلقا خطأ واختيار الانفراد مطلقا خطأ.

وأما مقدار ما يحتاج إليه جميع إنسان من هذا وهذا وما هوالأصلح له في جميع حال فهذا يحتاج إلى نظر خاص." نطق ابن القيم في بيان قاعدة نافعة فيما يعتصم به العبد من الشيطان ويستدفع به شره ويحترز به منه وأن من مسببات دخول الشيطان على ابن آدم فضول المخالطة: "ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة وإنما ينبغي للعبد حتى يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما ولج عليه الشر.

• أحدها:

من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة فإذا أخذ حاجته منه هجر الخلطة ثم إذا احتاج إليه خالطه هكذا على الدوام وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر وهم الفهماء بالله تعالى وأمره ومكايد عدوه وأمراض القلوب وأدويتها الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله .

• القسم الثاني:

من مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند السقم فما دمت سليما فلا حاجة لك في خلطته وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها فإذا قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم كالداء.

• القسم الثالث:

وهم من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه فمنهم من مخالطته كالداء العضال والسقم المزمن وهومن لا تربح عليه في دين ولا دنيا ومع ذلك فلا بد من حتى تخسر عليه الدين والدنيا أوأحدهما فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت فهي سقم الموت المخوف ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضربا عليك فإذا فارقك سكن الألم ومنهم من مخالطته حمى الروح وهوالثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن حتى يتحدث فيفيدك ولا يحسن حتى ينصت فيستفيد منك ولا يعهد نفسه فيضعها في منزلتها بل إذا تحدث فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به فهويحدث من فيه حدثا تحدث ويظن أنه مسك يطيب به المجلس وإن سكت فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض ويذكر عن الشافعي أنه نطق: "ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هوفيه أنزل من الجانب الآخر" ورأيت يوما عند شيخنا رجلا من هذا الضرب والشيخ يحمله وقد ضعف القوى عن حمله فالتفت إلي ونطق: "مجالسة الثقيل حمى الربع ثم نطق: لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى فصارت لها عادة" أوكما نطق وبالجملة فمخالطة جميع مخالف حمى للروح فعرضية ولازمة ومن نكد الدنيا على العبد حتى يبتلى بواحد من هذا الضرب وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجًا ومخرجًا.

• القسم الرابع:

من مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم فإن اتفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله الداعون إلى خلافها".

ونطق الملا علي القاري: "والمختار هوالتوسط بين الغزلة عن أكثر الناس وعوامهم، والخلطة بالصالحين والاجتماع مع عامتهم في نحوجمعهم وجماعاتهم."

ونطق الخطابي: "ولسنا نريد بهذه العزلة التي نختارها مفارقة الناس في الجماعات والجمعات وهجر حقوقهم في العبادات وإفشاء السلام ورد التحيات وما جرى مجراها من وظائف الحقوق الواجبة لهم ووضائع السنن والعادات المستحسنة فيما بينهم فإنها مستثناة بشرائطها جارية على سبلها ما لم يحل دونها حائل شغل ولا يمنع عنها مانع عذر، إنما نريد بالعزلة هجر فضول الصحبة ونبذ الزيادة منها وحط العلاوة التي لا حاجة بك ."

واحتج القائلون بأفضلية المخالطة: بأن الله سبحانه وتعالى أمر بالاجتماع، وحض عليه، ونهى عن الافتراق وحذر منه، فنطق تعالى ذكره: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" ~(سورة آل عمران: 103). وأعظم المنة على المسلمين في جمع الحدثة وتأليف القلوب منهم فنطق عز وجل: "وألف بين قلوبهم لوأنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" ،(سورة الأنفال: 63). واحتجوا بأحاديث نبوية منها: ما اتى عن [[ابن عمر] نطق: نطق رسول الله : "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم".

نطقوا: إذا المخالطة فيها اكتساب الفوائد، وشهود شعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال الخير إليهم ولوبعيادة السقمى، وتشييع الجنائز، وإفشاء السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، وإعانة المحتاج، وحضور جماعاتهم، وغير ذلك مما يقدر عليه جميع أحد.

فوائد العزلة

• الفائدة الأولى:

تقوية الصلة بالله عز وجل وهذا أبرز الجوانب وآكدها، فكل مابعده إنما هوثمرة ونتيجة له، ومن وسائل تحقيق ذلك: عناية الإنسان بالفرائض واجتناب المعاصي، ومحاسبة النفس على ذلك ومبادرتها بالعلاج حين التقصير، وبعد ذلك استزادته من النوافل كنوافل الصلاة، ونوافل الصدقة والصيام والتلاوة والذكر.

• الفائدة الثانية:

التفرغ للفكر والاستئناس بمناجاة الله تعالى عن مناجاة الخلق فإن ذلك يستدعى فراغاً، ولا فراغ مع المخالطة، فالعزلة وسيلة إلى ذلك خصوصاً في البداية. نطق أويس القرني : ما كنت أرى حتى أحداً يعهد ربه فيأنس بغيره، ومن تيسر له بدوام الذكر الأنس بالله، أوبدوام الفكر تحقيق فهم الله، فالتجرد لذلك أفضل من جميع ما يتعلق بالمخالطة.

ويتضح هذا جليا في الحث على قيام الليل والناس نيام والحث على صلاة المرء في بيته عدا المكتوبة. ومن الأمثلة في ذلك سيرة أصحاب الكهف الذين اعتزلوا قومهم فرارا بدينهم وتفرغا لعبادة الله، نطق تعالى: "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا"،(الكهف: 16). وكذلك اعتزال أهل الفسق والباطل ومفاصلتهم وخاصة أثناء مقارفتهم للمعاصي والمنكرات كي يسلم المرء من أذاهم وباطلهم كما نطق إبراهيم عليه السلام لقومه: " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوربي عسى ألا أكون بنادىء ربي شقيا"،( مريم: 48).

قيل لبعض الحكماء ما الذي أرادوا بالخلوة واختيار العزلة فنطق يستدعون بذلك دوام الفكرة وتثبيت العلوم في قلوبهم ليحيوا حياة طيبة ويذوقوا حلاوة الفهم. وقيل لبعضهم : ما أصبرك على الوحدة . فنطق : ما أنا وحدي . أنا جليسي الله تعالى إذا شئت حتى يناجيني قرأت كتابه وإذا شئت حتى أناجيه صليت، ونطق الفضيل: إذا رأيت الليل مقبلا فرحت وقلت: أخلوبربي ، وإذا رأيت الصبح أدركني استرجعت كراهية لقاء الناس وأن يجيئني من يشغلني عن ربي

• الفائدة الثالثة:

الابتعاد بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض الإنسان لها غالبًا بالمخالطة، ويسلم منها في الخلوة، مثل: الغيبة، والنميمة، والرياء، والتزين للناس، ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة، والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا. وقد نطق رسول الله : تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.

ونطق الخطابي: ولولم يكن في العزلة إلا السلامة من آفة الرياء والتصنع للناس وما يدفع إليه الناس إذا كان فيهم من استعمال المداهنة معهم والخداع المواربة في رضاهم لكان في ذلك ما يرغب في العزلة ويحرك إليها.

• الفائدة الرابعة:

الخلاص من الفتن والخصومات وصيانة الدين والنفس عن الخوض فيها والتعرض لأخطارها، وقلما تخلوالبلاد عن تعصبات وفتن وخصومات، فالمعتزل عنهم في سلامة منها وقد روى ابن عمر ، حتى النبى صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الفتن، ووصفها ونطق: "إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا" وشبك بين أصابعه، فقمت إليه فقلت: كيف من الممكن أن أعمل ند ذلك جعلني الله فداك،يا ترى؟ فنطق: "الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعهد، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة، نفسك ودع عنك أمر العامة".

ويتأكد اعتزال الناس حينما تظهر الفتن برؤوسها، نطق : إذا بين أيديكم فتنا كبتر الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. نطقوا: فما تأمرنا،يا ترى؟ نطق : كونوا أحلاس بيوتكم.

فيتعين على الإنسان الاعتزال وذلك عندما لاقد يكون هناك فائدة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس من المستطاع الاحتفاظ بالمبادئ والقيم ويكون في هذه الحالة من الأولى التزام البيوت سلامة للدين وحفظا للذات من الانسلاخ.

• الفائدة الخامسة:

السلامة من شرور الناس وحسدهم، فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة، ومرة بالنميمة، ومرة بسوء الظن، ومرة بالتهمة، ومرة بالأطماع الكاذبة، ومن خالط الناس لم ينفك من حاسد وعدو، وغير ذلك من أنواع الشر التي يلقاها الإنسان من معارفه، وفي العزلة خلاص من ذلك، وبالجملة حتى ينبترَ الناسُ عنك، وينبتر طمعك عن الناس.

وهذه الفائدة متحصلة في جميع حال من اعتزال الناس. نطق تعالى: ﴿ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى﴾ ( طه: 131).

ونطق : «انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هوفوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله».

ونطق رجل لأخيه: أصحبك إلى الحج،يا ترى؟ فنطق: دعنا نعش في ستر الله، فإنا نخاف حتى يرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه. وهذه فائدة أخرى في العزلة، وهى بقاء الستر على الدين والمروءة وسائر العورات. بل إنها تعين المرء على عدم حب الاشتهار والظهور بين الناس.

وبالجملة فالعزلة استثمارُ العقلِ، وقطْفُ جَنَى الفكرِ، وراحةُ القلبِ، وسلامةُ العرْض، وموفورُ الأجرِ، والنهيُ عن المنكر، واغتنامُ الأنفاسِ في الطاعةِ، وتذكُّرُ الرحيمِ، وهجرُ الملهياتِ والمشغلاتِ، والفرارُ من الفتنِ، والبعدُ عن مداراةِ العدوِّ، وشماتةِ الحاقدِ، ونظراتِ الحاسدِ، ومماطلةِ الثقيلِ، والاعتذارِ على المعاتِبِ، ومطالبةِ الحقوقِ، ومداجاةِ المتكبِّرِ، والصبرِ على الأحمقِ.

فوائد الخلطة

• الفائدة الأولى:

التَّفهم والتعليم، هناك علوماً لا يعذر المرء المسلم بجهلها وينبغي عليه حتى يتفهمها وهذه غالبا لا يمكن تحصيلها بغير المخالطة. ووسائل تحصيله لا تخفى علينا إما من خلال الدراسة النظامية، أومن خلال مجالس الفهم وحلقاته المقامة في المساجد، أومن خلال الأنشطة الشبابية حيث تقام فيها دروس فهمية وحلقات فهمية، أومن جانب البحث الفردي الذي يبذله صاحبه، من خلال القراءة والإطلاع، أومن خلال الاستماع للأشرطة الفهمية والدروس الفهمية. كما يجب على من آتاه الله فهما أوفقها ألا يكتمه ويحجر عليه، بل الواجب مخالطة أفراد المجتمع لتعليمهم وإفادتهم.

• الفائدة الثانية:

التأدب والتأديب، وهاتان اللفظتان تحمل معنى أخص من التفهم والتعليم. فالتأدب كما نطق الإمام الغزالي يعني: الارتياض بمقاساة الناس والمجاهدة في تحمل أذاهم كسرا للنفس وقهرًا للشهوات.

والمقصود من ذلك ترويض النفس على التحلي بالأخلاق الفاضلة التي لا تظهر إلا بالاحتكاك مع الآخرين وكثرة التعامل معهم . ومن هذه الأخلاق التضحية والإيثار والتعاون والصفح عن الإساءة وغير ذلك.

أما التأديب فتعني ترويض الآخرين وتأديبهم وتهذيبهم. وهذا المقام يناسب حال المفهم مع طلابه والمربي مع مريديه أوالعالم والشيخ مع أفراد مجتمعه، فيصبر على كثرة مخالطتهم وشغل أوقاته احتسابا لله ومتأسيا في ذلك بأحوال النادىة الأوائل من سلف هذه الأمة الذين ندبوا أنفسهم وأوقاتهم في الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير. نطق تعالى: "قل هذه سبيلي أدعوإلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " ( يوسف: 108). ونطق : "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" .

• الفائدة الثالثة:

التربية على العمل، إذا الإنسان في حياته الخاصة حين يريد إتقان نشاط أوحرفة معينة، كالسباحة، أوقيادة السيارة -على سبيل المثال- حين يريد ذلك فإنه لايقتصر على الجانب النظري، وعلى سؤال من يجيدونها، بل يعتني بالتدريب والممارسة، والمهارات الدعوية كذلك فهي تُتقن من خلال التدريب والممارسة فحسن الإدارة والتدريس والخطابة كلها مهارات في حاجة للتدريب عليها.

• الفائدة الرابعة:

نيل الثواب وترويح النفس، ففي مخالطة الناس أداء بعض الفرائض والواجبات كحضور الجمع والجماعات وأداء الحقوق المفروضة بين المسلمين أنفسهم كعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وكذا حضور مجالس الذكر التي يباهي الله بها ملائكته، كما حتى في اللقاء بالإخوان ترويحا للقلب وتهييجا لدواعي النشاط في العبادة والاستئناس بالمشاكلين والحديث معهم ولذا يوصي الإمام الغزالي في هذا المقام بوصية ثمينة فيقول: "وليحرص حتىقد يكون حديثه عند اللقاء في أمور الدين وحكاية أحوال القلب وشكواه وقصوره عن الثبات على الحق والاهتداء إلى الرشد ففي ذلك متنفس ومتروح للنفس وفيه مجال رحب لكل مشغول بإصلاح نفسه فإنه لا تنبتر شكواه ولوعمر أعمارا طويلة، والراضي عن نفسه مغرور بترا". وفي أداء الجمع والجماعات وحضور اجتماعات إخوانه المسلمين تحقيق للعبودية المطلقة للخالق، والنفس بطبعها تضعف وتفتر أحيانا ولكنها تقوى وتثبت عند مخالطة مثيلاتها ممن يسيرون على ذات المنهج.

• الفائدة الخامسة:

فهم الواقع المحيط بنا وكيد الأعداء، إذا المسلم المعاصر يعيش في ظروف وملابسات تختلف عن تلك التي كان يعيشها إخوانه الذين سبقوه بالإيمان في العصور الماضية. فللباطل اليوم صولة وجولة، والجاهلية المعاصرة تخطوخطوات حثيثة وبوسائل حديثة لإقصاء تيار التربية الإسلامية عن التغيير في مجريات الأحداث لتعبيد العباد لرب العباد في الوقت الذي بذلت فيه تلك الجاهلية قصارى جهودها وإمكانيتها لتعبيد العباد للشهوات والطواغيت. ولقد نجحت في ذلك إلى حد كبير.

إن الإسلام اليوم لا يستقيم عموده فقط بنادىء شيخ في زوايا المسجد أوبإلقاء خطب رنانة جوفاء لا مكان لها في الواقع، ولا يستقيم كذلك بنشر تصريحات في الجرائد والمجلات بل لابد فهم ورصد الخطط والمؤامرات التي يدبرها أولئك الأعداء ضد المسلمين عملا وتطبيقا لقوله تعالى: "وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين" (الأنعام: 55)

فلا يمكن لمسلم اليوم حتى يعيش بمعزل عن البيئة والأحداث ولا يمكن حتى ينجومن أحابيل شياطين الإنس والجن إذا لم يكن يقظا فطنا لما يجري حوله وما يقع تحت بصره ويده من مستجدات وأمور، وفهم الواقع تضم العناية والاهتمام بأحوال المسلمين في أراتى المعمورة لقوله : "المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الرأس لما يصيب الجسد". ولقوله من حديث النعمان بن بشير: "المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكى عينه اشتكى كله".

إن دراسة الواقع وفهمه فهما جيدا من الأمور الهامة جدا في حياة المسلمين لأنها تتعلق ليس بالأفراد فحسب ولكن بالمجتمعات أيضا. وتعد فترة دراسة الواقع من المراحل المتقدمة المهمة في العودة بالإسلام عوداً حميداً

فالخلاصة فيما ذكر من فوائد العزلة والمخالطة حتى لكل منهما حالات وأوقات، وهي تختلف من إنسان لآخر حسب وضعه الاجتماعي وفهمه وفقهه وحسب الباعث له على أي منهما.

ضوابط العزلة

• الضابط الأول:

أن يعتقد باعتزاله عن الخلق سلامة الناس من شره، ولا يقصد سلامته من شر الخلق، فإن الأول نتيجة استصغار نفسه، والثاني شهود مزيته على الخلق، ومن استصغر نفسه فهومتواضع ومن رأى لنفسه مزية على أحد فهومتكبر، وأنقد يكون خاليا من جميع الأذكار إلا ذكر ربه، خاليا من جميع الإرادات إلا رضا ربه، وخاليا من مطالبة النفس من جميع الأسباب، فإن لم يكن بهذه الصفة فإن خلوته تسقطه في فتنة أوبلية .

• الضابط الثاني:

أن يهجر الخصال المذمومة؛ لأن العزلة الحقيقية هي اعتزال الخصال المذمومة، فالتأثير لتبديل الصفات لا للتنائي عن الأوطان، وأن يأكل الحلال، ويقنع باليسير من المعيشة، ويصبر على ما يلقاه من أذى الجيران ، ويسد سمعه عن الإصغاء إلى ما ينطق فيه من ثناء عليه بالعزلة وليكن له أهل صالحة، أوجليس صالح لتستريح نفسه إليه في اليوم ساعة من كد المواظبة، ففيه عون على بقية الساعات وليكن كثير الذكر للموت ووحدة القبر.

• الضابط الثالث:

عدم المبالغة في العزلة لكي لا يقع في الحرام. كذلك العزلة، فإذا بالغ الإنسان في العزلة يقع في الحرام، فيهجر الجمعة والجماعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء حقوق الأخوة، وزيارة الأقارب والجيران، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وأداء الحقوق وما أشبه ذلك؛ فالعدل مطلوب في هذه الأمور.

• الضابط الرابع:

أنقد يكون عارفاً بوظائف العبادة التي تلزمه وما يكلف به لما فيها من السلامة المحققة وذلك عند ظهور الفتن وفساد الناس.

ضوابط الخلطة

• الضابط الأول:

حفظ الوقت والاعتناء به، ويتأكد هذا الأمر في حق من اشتغلوا بدعوة غيرهم وتربيتهم؛ فهذا العمل يأخذ عليهم زبدة أوقاتهم، لكن الاعتناء بتنظيم الوقت والحزم مع النفس في ذلك مما يعينهم على حتى يوفروا لأنفسهم قدرا من الوقت كان يضيع سدى؛ فيستثمروه في تربية أنفسهم والرقي بها، إذا استغلال الوقت مهارة وقدرة يحتاج الشاب حتى يربي نفسه عليها، وليست مجرد اقتناع من الإنسان بأهمية الوقت.

• الضابط الثاني:

التفاعل مع البرامج العامة، هناك برامج عامة يتلقاها الشاب مع إخوانه، كالدرس الفهمي والمحاضرة وخطبة الجمعة واللقاءات الجماعية إلى غير ذلك، وهذه البرامج بحاجة منه إلى حتى يتفاعل معها، من خلال الهجريز والاستيعاب، ومن خلال أخذ النفس بالعمل والتطبيق بعد ذلك.

• الضابط الثالث:

الجماعية لمن أراد حتى يختلط بالناس وكيفقد يكون ذلك،يا ترى؟ يقول محمد قطب :"وينبغي حتى نذكر بصفة عامة حتى التنمية النفسية السليمة لا تتم في كيان فرد يعيش بمفرده في عزلة عن الآخرين وفي هذه الفترة بالذات –وهويتحدث عن فترة الشباب الباكر– كيف من الممكن أن يتدرب الإنسان على الأخوة إذا لم يمارس الأخوة بمشاعرها،يا ترى؟ مع الإخوة الذين يربطهم به هذا الرباط،يا ترى؟ كيف من الممكن أن يتدرب على التعاون إذا لم يقم بهذا العمل مع أفراد آخرين،يا ترى؟ كيف من الممكن أن يتعود حتى يؤثر على نفسه إذا لم يكن هناك إلا نفسه،يا ترى؟ إذا الوجود في الجماعة هوالذي ينمي هذه المشاعر وهذه الألوان من السلوك، والشاب الذي يعيش في عزلة عن الآخرين وإن حاول حتى يستقيم على المنهج السليم تنموبعض جوانب نفسه وتظل جوانب أخرى ضامرة؛ لأنها لا تعمل".

-بعض الشباب يقول: علي حتى أنعزل لوحدي لأهتم بتربية نفسي، وهذا غير سليم فالجماعية مهمة للتربية الذاتية لأمور:

أولاً: هناك أمور جماعية لا يمكن حتى تؤديها إلا من خلال الجماعة، كمشاعر الأخوة والتعاون والإيثار والصبر على جفاء الآخرين.

ثانياً: من خلال الجماعة تجد القدوة الصالحة وهي مهمة للتربية.

ثالثاً: من خلال الجماعة تجد القدوة السيئة وهي أيضاً مهمة للتربية؛ فحين ترى فرداً سيء الخلق تدرك كيف من الممكن أن يخسر الآخرين، ومن ثم تدرك شؤم سوء الخلق، وترى إنساناً كسولاً فتدرك أثر الكسل والتفريط، إذاً أنت بحاجة إلى القدوة السيئة لا تلازمها وتعاشرها لكن عندما ترى هذا النموذج تجتنبه.

رابعاً: اكتشاف أخطاء النفس، وترويضها؛ فالإنسان الذي يعيش في عزلةقد يكون في الأغلب إنساناً حاداً في تعامله مع الآخرين، مثاليّاً في أحكامه وفي المشروعات التي يطرحها وعندما ينتقد الآخرين وعندما يوجههم، فهومهما امتلك من القدرات تظل لديه جوانب قصور واضحة، من خلال العزلة والسياج الذي فرضه على نفسه، ومن هنا نقول لابد من الجماعة في التربية الذاتية.

إذاً فمهما كنت في ميدان من ميادين الخير: ميدان أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، أوميدان تعليم فهم، أوميدان جهاد في سبيل الله، فلابد حتىقد يكون لك نصيب -ولوكان يسيراً- تخلوفيه مع الله عز وجل، فتتلوفيه كتاب الله عز وجل وتتدبره، وتقوم الليل أوتصوم، فهذا زاد لك يعينك على هذا العمل الذي تفرغت له.

• الضابط الرابع:

هجر فضول الصحبة: لما في ذلك من شغل البال وتضييع الوقت عن المهمات وأن يجعل الاجتماع بمنزلة الاحتياج إلي الغذاء والعشاء فيقتصر منه على ما لابد منه فهوروح البدن والقلب.

• الضابط الخامس:

القصد في حالتي العزلة والخلطة: لأن الإغراق في جميع شيء مذموم وخير الأمور أوسطها، والحسنة بين السيئتين.

نطق الخطابي: والطريقة المثلى في هذا الباب ألا تمتنع من حق يلزمك للناس وإن لم يطالبوك به، وألا تنهمك لهم في باطل لا يجب عليك وإن دعوك إليه، فإن من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه، ومن انحل في الباطل جمد عن الحق، فكن مع الناس في الخير، وكن بمعزل عنهم في الشر، وتوخ حتى تكون فيهم شاهدا كغائب وعالما كجاهل.

انظر أيضا

• ناسك
• ذئب وحيد (سمة شخصية)
• هيكيكوموري

مراجع

وصلات خارجية

• Deresiewicz, William (March 2010). Solitude and Leadership. "If you want others to follow, learn to be alone with your thoughts."