انتقام

الانتقام أوالثأر هوعمل ضار ضد إنسان أومجموعة ما، استجابة لمظلمة حقيقية أومتصورة.

والانتِقَام لغةً: مصدر انتقم، وأصل هذه المادة يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه، ينطق: لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت، إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. والنِّقْمَةُ العقوبة، وانْتَقَمَ الله منه أي: عاقَبَه، والاسم منه: النَّقْمة، ونَقَمْت ونَقِمْتُ: بالَغْت في كراهة الشَّيء.

والانتِقَام اصطلاحًا هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط . ونطق أبوهلال العسكري: (الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب).

والفرق بين الانتقام والعقاب: حتى الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب، والعقاب: جزاء على الجُرم بالعذاب، لأنَّ العقاب نقيض الثَّواب، والانتِقَام نقيض الإنعام.

وعلى الرغم من حتى الكثير من جوانب الانتقام تتفق مع مفهوم العدالة، فإن الانتقام يعني ضمنًا الهجريز على إحداث مزيد من الضرر والعقاب في لقاء عقاب متصالح ومتناغم. في حين حتى العدالة عمومًا تعني الإجراءات المتخذة التي يدعمها نظام قضائي شرعي، عن طريق نظام من الأخلاق، أونيابة عن الأغلبية الأخلاقية، والانتقام عمومًا يعني الإجراءات المتخذة من قبل فرد أومجموعة محددة خارج حدود السلوك القضائي أوالأخلاقي. هدف الانتقام عادة ماقد يكون إرغام الظالم المتصور على حتى يعاني القدر من الألم نفسه أوأكبر من ذلك الذي لحق بالمظلوم في الأصل.

بين العفووالانتقام

حثَّت الشريعة الإسلامية على العفوفي مواضع عدة من القرآن الكريم منها:

نطق الله تعالى: ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) ~[الشُّورى: 37]... ونطق أيضًا: ((فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) ~[الشُّورى:40].

بيَّن تعالى أنَّ العفوعن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه.

نطق الطبري: (يقول تعالى: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جُرمًا، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه). ونطق أبوإسحاق: (في هذا مرشد على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم نطقوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر).

وفي السنَّة النبوية: عن عائشة أنَّها نطقت: ((ما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله لنفسه، إلا حتى تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها)).

نطق النَّوويّ في شرح الحديث: (قولها: ((إلَّا حتى تُنْتَهك حُرْمَة الله)) استثناء منبتر، معناه: لكن إذا انتُهِكت حُرْمَة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحثُّ على العفووالحِلْم واحتمال الأذى، والفوز لدين الله تعالى ممَّن عمل محرَّمًا أونحوه، وفيه أنَّه يُسْتَحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى).

- وقد نطق المنصور: (لذَّة العفوأطيب مِن لذَّة التَّشفِّي).

- ونطق ابن القيِّم: (وفي الصَّفح والعفووالحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة، والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها وحملتها عن تشفِّيها بالانتِقَام ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام).

قد يُباح الانتقام في حالات معينة وفق ضوابط وشروط، فقد أُذِنَ لمن اعتُدِيَ عليه حتى يردَّ بالمثل على مَن اعتدى عليه:

نطق تعالى: ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) ~[البقرة: 194]

نطق السعدي في تفسيرها: (ولما كانت النُّفوس -في الغالب- لا تقف على حدِّها إذا رُخِّص لها في المعاقبة لطلبها التَّشفِّي -أي الانتِقَام-، أمر تعالى بلزوم تقواه، التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها، وأبلغ تعالى أنَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ، أي: بالعون، والنَّصر، والتَّأييد، والتَّوفيق).

ونطق أيضًا: ((وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا...)) ~[الشُّورى: 40]

نطق القرطبيُّ في تفسيرها: (نطق الفهماء: جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنفٌ يعفون عن الظَّالم، فبدأ بذكرهم في ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) ~[الشُّورى: 37]. وصنفٌ ينتصرون من ظالمهم، ثمَّ بيَّن حدَّ الفوز بقوله: ((وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)) فينتصر ممَّن ظلمه مِن غير حتى يعتدي. نطق مقاتل وهشام بن حجير: هذا في المجروح ينتقم مِن الجارح بالقِصَاص دون غيره مِن سبٍّ أوشتمٍ).

- ويقول ابن تيمية: (وقد يُهجر الرَّجل عقوبةً وتعزيرًا، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله، للرَّحمة والإحسان، لا للتَّشفِّي والانتِقَام).

نطق تعالى: ((وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُون)) ~[الشورى:39]

نطق السدي: أي ينتصرون ممن بغى عليهم من غير حتى يعتدوا... فإن نطق قائل: وما في الفوز من المدح،يا ترى؟ قيل: إذا في إقامة الظالم على سبيل الحقّ وعقوبته بما هوله أهل تقويما له، وفي ذلك أعظم المدح.

نطق ابن رجب الحنبلي: (وأما قوله: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ" ~[الشُّورى: 39]، فليس منافيًا للعفو، فإنَّ الفوزقد يكون بإظهار القُدْرة على الانتِقَام، ثمَّ يقع العفوبعد ذلك، فيكون أتمَّ وأكمل).

نطق الأبشيهي: (والذي يجب على العاقل إذا أَمْكَنه الله تعالى حتى لا يجعل العقوبة شيمته، وإن كان ولا بدَّ مِن الانتِقَام، فليرفق في انتقامه، إلَّا حتىقد يكون حدًّا مِن حدود الله تعالى).

لكن إذا كان الاعتداء حاصلًا في شيء مِن حقوق الله، فإنَّ الاعتداء بالمثْل حينئذ لا يجوز. كمن جار في الحكم بين الخصوم، أوخان في الأهل ونحوذلك، فلا يناسبك حتى تجور في الحكم، ولا حتى تخونه في أهله؛ لأنَّ ذلك اعتداء آخر على حقوق الله وحدوده.

مساوئ الانتقام وعواقبه

يَحْرِم المنتقم نفسه من نيل السؤدد والشرف في قومه، ويَحرم نفسه من حتى يُحمد ذكره، وأن يوجب شكره، ويُعَرِّض نفسه للندامة وقد يورث الحقد والضغائن، وهوليس من صفات الكرام:

نطق الأبشيهي: (قيل: مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكرُه، ولم يُحمَد في العالمين ذِكْرُه).

نطقت حكماء الهند: (لا ظفر مع بغي... ولا سؤدد مع انتقام).

نطق ابن القيِّم: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة).

ونطق بعضهم: (لا يحملنَّك الحَنَق على اقتراف إثم؛ يشفي غيظك، ويسقم دينك).

ونطق الشَّاعر مبينًا سبب هجره للانتقام ممَّن يتعدَّى عليه.:

إذا كان دوني مَن بُليت بجهلِه		أبيتُ لنفسي حتى أقابلَ بالجهلِ
وإن كان مثلي في محلِّي مِن العُلا		هويت إذَا حِلْمًا وصَفْحًا عن الْمَثْلِ
وإن كنتُ أَدنَى منه في الفضلِ والحجا		فإن له حقَّ التَّقَدُّمِ والفضلِ

انظر أيضًا

جريمة شرف
انتقام اباحي

مراجع

^ Marie Joseph Eugène Sue (1846). . صفحة 303. مؤرشف من الأصل في 27 يونيو2014.
^ Eugène Sue (1845). . Welter. صفحة 148. مؤرشف من الأصل في 24 يناير 2020. اطلع عليه بتاريخ 26 ديسمبر 2012.
^ Peacemaker breaks the ancient grip of Albania's blood feuds". كريسشان ساينس مونيتور June 24, 2008 نسخة محفوظة 23 نوفمبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
^ لسان العرب، لابن منظور، (12/590)
^ نضرة النعيم، 9/4007
↑ الفروق اللغوية، لابن هلال العسكري، ص77
^ جامع البيان، للطبري، ص21/545
^ رواه البخاري ومسلم
^ (شرح النووي على مسلم)، 15/84
^ (نهاية الأرب)، للنويري، 6/95
^ (مدارج السالكين)، لابن القيم، 2/303
^ تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص89
^ (الجامع لأحكام القرآن)، 16/40
^ (منهاج السنة النبوية)، 5/329
^ تفسير الطبري، من برنامج آيات
^ (جامع العلوم والحكم)، لابن رجب، 1/450
↑ (المستطرف)، 197
^ (المجالسة وجواهر الفهم)، للدينوري، 4/358
^ (مدارج السالكين)، 2/3038
^ (غرر الخصائص الواضحة)، للوطواط، ص504
^ (الجليس الصالح الكافي..)، لابن طرار، 386