التودد (خلق)

التَّودُّد لغةً: من الوُدِّ، والوُدُّ مصدر الموَدَّة. والوُدُّ هوالحُبُّ ويكون في جميع مداخل الخير، والتواد التحاب.

وتودَّدَ إليه: تَحَبَّبَ. وتَوَدَّدَه: اجْتَلَبَ وُدَّه.

والتَّودُّد اصطلاحًا هو(طلب مَوَدَّة الأكفاء بما يوجب ذلك) . نطق ابن أبي جمرة: (التَّوَادُد هوالتَّواصل الجالب). ونطق ابن حجر: (هوتقرُّب شخصٍ من آخر بما يحب).

الفرق بين التَّودد والتَّعاطف والتَّراحم

نطق ابن أبي جمرة: (الذي يظهر أنَّ التَّراحم والتَّوادُد والتَّعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى، لكن بينها فرق لطيف، فأمَّا التَّراحم، فالمراد به: حتى يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر. وأما التَّوادُد، فالمراد به: التَّواصل الجالب للمحبَّة، كالتَّزاور والتَّهادي. وأما التَّعاطف، فالمراد به: إعانة بعضهم بعضًا، كما يعطف الثَّوب عليه ليقوِّيه).

الفرق بين الحبِّ والوُدِّ

الحبقد يكون فيما يوجبه ميل الطباع والحِكْمَة جميعًا، والوُدُّ ميل الطِّباع فقط؛ ألا ترى أنَّك تقول: أحبُّ فلانًا وأودُّه، وتقول: أحبُّ الصَّلاة، ولا تقول: أودُّ الصَّلاة. وتقول: أودُّ أنَّ ذاك كان لي، إذا تمنيت وِدَادَه.

التودد في القرآن

وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34].

قيل لابن عقيل: أسمع وصية الله عزَّ وجلَّ يقول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وأسمع النَّاس يعدُّون من يُظهر خلاف ما يبطن منافقًا، فكيف لي بطاعة الله تعالى، والتَّخلُّص من النِّفاق،يا ترى؟ فنطق: النِّفاق هوإظهار الجميل وإبطان القبيح، وإضمار الشَّر مع إظهار الخير لإيقاع الشَّر. والذي تضمنته الآية: إظهار الحسن في لقاءة القبيح لاستنادىء الحسن .

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]]

نطق الطبري وقوله: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي جعل بينكم بالمصاهرة والخُتُونة، (مَوَدَّة) تتوادُّون بها، وتتواصلون من أجلها، (وَرَحْمَةً) رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض .

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].

عن مجاهد بن جبر، في قوله: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)، نطق: (يحبهم ويحبِّبُهم إلى المؤمنين).

التودد في السنة

روي عن النعمان بن بشير أن رسول الله نطق:

(مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى).

ففي هذا الحديث تعظيم لحقوق المسلمين، والحضُّ على تعاونهم، وملاطفة بعضهم بعضًا.

روي عن أبي هريرة أن رسول الله نطق:

(أنَّ رجلًا نطق: يا رسول الله! إنَّ لي قرابة أصلهم ويبتروني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأَحْلُم عنهم ويجهلون علي، فنطق: لئن كنت كما قلت، فكأنَّما تُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).

فأيَّده النَّبي صلى الله عليه وسلم على تودُّدِه إليهم، وإن لم يجد منهم لقاءًا لما يقوم به، إلَّا الإساءة إليه.

و[تسفهم الملُّ: أي تطعمهم الرماد الحار، ظهير عليهم: أي المعين والدافع لأذاهم].

روي عن ابن مسعود أن رسول الله نطق:

(ألا أقول لكم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه،يا ترى؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل).

نطق القاري: "قريب" أي: قريب من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الطَّاقة. و"سهل" أي: في قضاء حوائجهم، أومعناه: أنه جاز القضاء، جاز الاقتضاء، جاز البيع، جاز الشِّراء) .

التودد في أفعال النبي

من ذلك توَدُّده لمن حوله، بتبسُّمه في وجوه أصحابه، ونادىئه لهم،

روي عن جرير أن رسول الله نطق:

(ما حجبني النَّبي منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي، ولقد شكوت إليه أنِّي لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري، ونطق: اللهمَّ ثبِّته، واجعله هاديًا مهديًّا).

- ومِنْ توَدُّده أنَّه (كان يمرُّ بالصِّبيان فيسلم عليهم).

- وكان ((إذا لقيه أحد من أصحابه، قام معه فلم ينصرف حتىقد يكون الرَّجل هوالذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده، ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتىقد يكون الرَّجل هوالذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحدًا من أصحابه فتناول أذنه، ناوله إياها ثم لم ينزعها حتىقد يكون الرَّجل هوالذي ينزعها عنه)).

- ومِنْ توَدُّده لأصحابه أنَّه: ((كان يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم ويعود سقماهم، ويشهد جنائزهم))

مقولات وحكم عن المودة والتودد

نطق أبوحاتم: (الواجب على العاقل أنْ يتحبَّب إلى النَّاس بلزوم حسن الخلق، وهجر سوء الخلق؛ لأنَّ الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشَّمس الجليد، وإن الخلق السَّيئ ليفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل، وقد تكون في الرَّجل أخلاق كثيرة صالحة كلُّها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السَّيئ الأخلاق الصَّالحة كلَّها).

- نطق الحسن البصري: (التَّقدير نصف الكسب، والتَّودُّد نصف العقل، وحسن طلب الحاجة نصف الفهم). - وسئل الحسن عن حسن الخلق، فنطق: (الكرم، والبذلة، والتَّودُّد إلى النَّاس).

- وروي عن لُقْمان أنَّه نطق لابنه: (يا بنيَّ تَوَدَّدْ إلى النَّاس، فإنَّ التَّوَدُّد إليهم أمنٌ، ومعاداتهم خوفٌ).

- ونطق المنصور: (إذا أحببت المحمدة من النَّاس بلا مؤونة، فالْقَهم ببِشْر حَسَن).

- وقيل: (استدم مَوَدَّة أخيك بهجر الخلاف عليه، ما لم تكن عليه منقة أوغضاضة).

- ونطق الحسن بن وهب: (من حقوق الموَدَّة، أخذ عفوالإخوان، والإغضاء عن تقصيرٍ إذا كان).

- ومن كلام العرب: (خطب وُدَّ فلان)، أي: أرضاه، تودَّد إليه، طلب صداقته .

- ونطق الخوارزمي في كتابه (مفيد العلوم): وإن جفاك إخوانك وكفروا نعمتك، وأنكروا صنعك، ورأيت ممَّن أحسنت له سيِّئة، أوسقمت فلم يعدك، أوقدمت فلم يزرك، أوتشفَّعت فلم يقبلوا، فلا تغتمَّ، وتسَلَّ بهذه الأبيات التي لأبي بكر الصديق رضي الله عنه:

تغيَّرتِ الأحبةُ والإخاءُ		وقلَّ الصِّدقُ وانبتر الرَّاتىُ
وأسلمني الزَّمانُ إلى صديقٍ		كثيرِ الغدرِ ليس له وفاءُ
يديمون الموَدَّةَ ما رأوني		ويبقوا الوُدَّ ما بقي اللِّقاءُ
وكلُّ مَوَدَّةٍ للهِ تصفو		ولا يصفوعلى الخلقِ الإخاءُ
وكلُّ جراحةٍ فلها دواءٌ		وخُلُقُ السُّوءِ ليس له دواءُ