الشعر الحر الجزء الأول

عودة للموسوعة

الشعر الحر الجزء الأول

 == + الشعر الحر == 
 +  
 + ( من كتابنا نشأة الشعر العربي السعودي واتجاهاته الفنية ) 
 +  
 + الجزء الأول 
 +  
 +  
 +  
 + لم تقف حركة التطور الموسيقية للقصيدة العربية عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية ، بل تخطتها إلى بعد من ذلك ، فقد ظهرت محاولة جديدة وجادة في ميدان التجديد الموسيقى للشعر العربي عهدت " بالشعر الحر " . 
 +  
 + وكانت هذه المحاولة أكثر نجاحا من سابقتها كمحاولة الشعر المرسل ، أونظام المقطوعات ، وقد تجاوزت حدود الإقليمية لتصبح نقلة فنية وحضارية عامة في الشعر العربي ، ولم يمض سنوات قلائل حتى شكل هذا اللون الجديد من الشعر مدرسة شعرية جديدة حطمت جميع القيود المفروضة على القصيدة العربية ، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقا . 
 +  
 + وبدأ رواده ونقاده ومريدوه يسهمون في إرساء قواعد هذه المدرسة التي عهدت فيما بعد بمدرسة الشعر الحر ، ومدرسة شعراء التفعيلة أوالشعر الحديث ، وفي هذا الإطار يحدثنا أحد الباحثين قائلا " لقد اتىت خمسينيات هذا القرن بالشكل الجديد للقصيدة العربية ، وكانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينيات ، بل ولا نكون مبالغين ( إذا قلنا ) في الثلاثينيات من أجل التحرك إلى فترة جديدة ، منادىة للبحث عن أشكال جديدة في التعبير ، لتواكب هذا الجديد من الفكر المرن ... وقد وجدت مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين ، وترسخت بصورة رائعة في جميع البلدان بدءا ( بالملائكة والسياب والبياني ) في العراق في الأربعينيات ، ثم ما لبثت هذه الدائرة حتى اتسعت في الخمسينيات فضمت إليهم شعراء مصريين آخرين مثل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازي ، وفي لبنان ظهر أحمد سعيد ( أدونيس ) وخليل حاوي ويوسف الخال ، وكذلك فدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي في فلسطين ، أما في السودان فقد برز في الأفق نجم جميع من محمد الفيتوري وصلاح محمد إبراهيم . 
 +  
 +  
 +  
 + مسميات الشعر الحر وأنماطه : 
 +  
 + لقد اتخذ الشعر الحر قبل البدايات العملية له في الخمسينيات مسميات وأنماطا مختلفة كانت مدار درس من قبل النقاد والباحثين ، فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم " الشعر المرسل " " والنظم المرسل المنطلق " ranning blank veres و" الشعر الجديد " و" شعر التفعيلة " أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى " الشعر الحر " ومن أغرب المسميات التي اقترحها بعض النقاد ما اقترحه الدكتور إحسان عباس بأن يسمي " بالغصن " مستوحيا هذه التسمية من عالم الطبيعة وليس من عالم الفن ، لأن هذا الشعر يحوى في حد ذاته تفاوتا في الطول طبيعيا كما هي الحال في أغصان الشجرة وأن للشجرة دورا هاما في الرموز والطقوس والمواقف الإنسانية والمشابه الفنية . 
 +  
 + أما أنماطه فهي أيضا كثيرة وقد حصرها ( س . مورية ) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث في خمسة أنماط من النظم أطلق عليها جميعا مصطلح الشعر الحر فيما بين عامي 1926 م ـ 1946 م وها هي بتصرف . 
 +  
 + النمط الأول :استخدام البحور المتعددة التي تربط بينها بعض أوجه الشبه في القصيدة الواحدة ، ونادرا ما تنقسم الأبيات في هذا النمط إلى شطرين . ووحدة التفعيلة فيه هي الجملة التي قد تستغرق العدد المعتاد من التفعيلات في البحر الواحد أوقد يضاعف هذا العدد وقد اتبع هذه الطريقة جميع من أبى شادي ومحمد فريد أبي حديد . 
 +  
 + النمط الثاني : وهواستخدام البحر تاما ومجزوءا دون حتى يختلط ببحر آخر في مجموعة واحدة مع استعمال البيت ذي الشطرين ، وقد ظهرت هذه التجربة في مسرحيات شوقي . 
 +  
 + النمط الثالث : وهوالنمط الذي تختفي فيه القافية وتنقسم فيه الأبيات إلى شطرين كما يوجد شيء من عدم الانتظار في استخدام البحور ، وقد اتبع هذه الطريقة مصطفى عبد اللطيف السحرتى . 
 +  
 + النمط الرابع : وهوالنمط الذي يختفي فيه القافية أيضا من القصيدة وتختلط فيه التفعيلات من عدة بحور ، وهوأقرب الأنماط إلى الشعر الحر الأمريكي ، وقد استخدمه محمد منير رمزي . 
 +  
 + النمط الخامس : ويقوم على استخدام الشاعر لبحر واحد في أبيات غير منتظمة الطول ونظام التفعيلة غير منتظم كذلك ، وقد استخدم هذه الطريقة جميع من علي أحمد باكثير وغنام والخشن . 
 +  
 + وهذا النمط الأخير من أنماط الشعر الحر التي توصل إليها موريه هوفقط الذي ينطبق عليه مسمى الشعر الحر بمفهومه بعد الخمسينيات ، والذي نشأت أولياته على يد باكثير ـ كما ذكر موريه ـ ومن ثم أصبحت ريادته العملية لنازك الملائكة ومن اتى بعدها ، ولتأكيد هذا الرأي نوجز مفهوم الشعر الحر في أوائل الخمسينيات وجوهره ونشأته ودوافعه وأقوال بعض النقاد والباحثين حوله . 
 +  
 +  
 +  
 + مفهوم الشعر الحر : 
 +  
 + تقول نازك الملائكة حول تعريف الشعر الحر ( هوشعر ذوشطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح حتى يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه ) . 
 +  
 + ثم تتابع نازك قائلة " فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم حتى الحرية في تنويع عدد التفعيلات أوأطوال الأشطر تشترط بدءا حتى تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ، فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق : 
 +  
 + فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن 
 +  
 + فاعلاتن فاعلاتن 
 +  
 + فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن  
 +  
 + فاعلاتن  
 +  
 + فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن 
 +  
 + فاعلاتن فاعلاتن  
 +  
 + ويمضي على هذا النسق حرا في اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد غير خارج على القانون العروضي لبحر الرمل جاريا على السنن الشعرية التي أطاعها الشاعر العربي منذ الجاهلية حتى يومنا هذا . 
 +  
 + ومن خلال التعريف السابق تؤكد نازك ما توصل إليه موريه في النمط الخامس من أنماط الشعر الحر الذي أشرنا إليه سابقا والذي يعتمد على البحر الواحد في القصيدة مع اختلاف أطوال البيت وعدد التفعيلات ، مع تعديل يسير في تعريف موريه وهوحتى تضع حدثة شطر بدلا من حدثة بيت ليستقيم التوافق مع مفهوم الشعر الحر بعد الأربعينيات لأن حدثة بيت تعني التزام نظام الشرطين المتساويين في عدد التفعيلات والروي الواحد ، وهوالنظام المتبع في القصيدة التقليدية بشكلها الخليلي ، والشعر الحر الذي يعنيه موريه ليس كذلك .  
 +  
 + وقد أشار الدكتور محمد مصطفى هدارة إلى نظام التفعيلة في الشعر الحر وعدم التزامه بموسيقى البحور الخليلية فنطق : " إذا الشكل الجديد ( أي الشعر الحر ) يقوم على وحدة التفعيلة دون التزام الموسيقى للبحور المعروفة ، كما حتى شعراء القصيدة الحرة يرون حتى موسيقى الشعر ينبغي حتى تكون انعكاسا للحالات الانفعالية عند الشاعر . 
 +  
 + ومما تجاوز تتضح لنا طبيعة الشعر الحر ، فهوشعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية ، ويلتزم بها ، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل ، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان . فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير ، فإذا أراد الشاعر حتى ينسج قصيدة ما على بحر معين وليكن " الرمل " مثلا استوجب عليه حتى يلتزم في قصيدته بهذا البحر وتفعيلاته من مطلعها إلى منتهاها وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت التقليدي والقافية الموحدة . وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية . 
 +  
 + وإنما الشطر هوالأساس الذي تبنى عليه القصيدة ـ وقد رأى بعض النقاد حتى نستغني عن تسمية الشطر الشعري بالسطر الشعري ـ وله حرية اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد وذلك حسب الدفق الشعوري عنده أيضا ، فقد يتكون الشطر من تفعيلة واحدة ، وقد يصل في أقصاه إلى ست تفعيلات كبيرة " كمفاعلين ومستعملن " ، وقد يصل إلى ثمان صغيرة إذا كان البحر الذي استخدمه الشاعر يتكون من ثماني تفعيلات صغيرة كفعولن وفاعلن ، غير حتى كثير من النقاد لم يحدد عدد التفعيلات في الشطر الواحد ، وإنما هجرت الحرية للشاعر نفسه في تحديدها كما أسلفنا " وفقا لتنوع الدفقات والتموجات الموسيقية التي تموج بها نفسه في حالتها الشعورية المعينة " . 
 +  
 + أما من حيث القافية فيحدثنا الدكتور عز الدين إسماعيل قائلا : " فالقافية في الشعر الجديد ـ بباسطة ـ نهاية موسيقية للسطر الشعري هي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في الشعر الجديد وكانت قيمتها الفنية كذلك ... فهي في الشعر الجديد لا يبحث عنها في قائمة الحدثات التي تنتهي نهاية واحدة ، وإنما هي حدثة " ما " من بين جميع حدثات اللغة ، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري ، لأنها هي الحدثة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها . 
 +  
 + ومع حتى الشاعر الذي يخط قصيدة الشعر الحر ، يمكنه استخدام البحور الخليلية المفردة التفعيلات والمزدوجة منها على حد سواء إلا حتى البحور الصافية التفعيلات هي أفضل البحور التي يمكن استخدامها وأيسرها في كتابة الشعر الحر ، لاعتمادها على تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى حتى لا يقع الشاعر في مزالق الأخطاء العروضية ، أويجمع بين أكثر من بحر في القصيدة الواحدة .  
 +  
 + والبحور الصافية التفعيلات هي : التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك . كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر " مفاعلتن مفاعلتن " . وهذا ما جعل نازك الملائكة تقرر بان الشعر الحر اتى على قواعد العروض العربي ، ملتزما بها جميع الالتزام ، وكل ما فيه من غرابة أنه يجمع الوافي والمجزوء والمشطرور والمنهوك جميعا . ومصداقا لما نقول حتى نتناول أي قصيدة من الشعر الحر ، ونعزل ما فيها من مجزوء ومشطور ومنهوك ، فلسوف ننتهي إلى حتى نحصل على ثلاث قصائد جارية على الأسلوب العربي دون أية غرابة فيها . 
 +  
 +  
 +  
 + جوهر الشعر الحر : 
 +  
 + أما جوهره فهوالتعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة . 
 +  
 + فالقصيدة الشعرية إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حج ذاتها ، ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف ، والمشاعر ، والأخيلة ، والتراكيب اللغوية فحسب ، وغنما هوإلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها جميع القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة ـ كما حتى موضوعاته هي موضوعات الحياة عامة ، تلك الموضوعات التي تعبر عن لقطات عادية تتطور بالحتمية الطبيعية لتصبح كائنا عضويا يقوم بوظيفة حيوية في المجتمع . ومن أبرز تلك الموضوعات ما يكشف عما في الواقع من الزيف والضلال ، ومواطن التخلف والجوع والسقم ، ودفع الناس على عمل التغيير إلى الأفضل .  
 +  
 +  
 +  
 + نشأة الشعر الحر ودوافعه ومميزاته :  
 +  
 + تقول نازك الملائكة " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 م في العراق ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، وكادت بسبب الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعا ، وكانت أولى قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " ، تم قصيدة " هل كان حبا " لبدر شاكر السياب من ديوانه أزهار ذابلة ن وكلا القصيدتين نشرتا في عام 1947 م .  
 +  
 + عير حتى نازك وغي مقدمة كتابها " قضايا الشعر المعاصر " الذي نقلنا منه النص السابق ، تعترف بأن بدايات الشعر الحر كانت قبل عام 1947 م فتقول : " في عام 1962 م صدر كتابي هذا وفيه حكمت بأن الشعر الحر قد طلع من العراق ، ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم قررت هذا الحكم أدري حتى هناك شعرا حرا قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 م ، سنة نظمي لقصيدة " الكوليرا " ، ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والخط منذ سنة 1932 م ، وهوأمر عهدته من كتابات الباحثين والمعلقين ، لنني لم أقرأ بعد تلك القصائد من مصادرها ، وإذا بأسماء غير قليلة ترد في هذا المجال منها اسم على أحمد باكثير ، ومحمد فريد أبي حديد ، ومحمود حسن إسماعيل ، وعرار شاعر الأردن، ولويس عوض وسواهم . 
 +  
 + وعبثا تحاول نازك بعد حتى ايثقنت حتى أوليات الشعر الحر لم تكن لها ، وذلك باعترافها الذي دوناه سابقا ـ حتى تجعل موطن الشعر الحر هوالعراق ـ وإن كان ذلك لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على نشأة أي عمل أدبي حتىقد يكون من العراق ، أومن مصر ، أومن الحجاز ، أوغيرها من أقطار الوطن العربي ، وإنما الغرض هوتسليم مسار النشأة وتاريخها ليس غير ـ فتقول نازك " ثم حتى الباحث الدكتور أحمد مطلوب قد أورد في كتابه النقد الأدبي الحديث في العراق قصيدة من الشعر الحر عنوانها " بعد موتي " نشرتها جريدة العراق ببغداد سنة 1921 م تحت عنوان النظم المطلق ، وفي تلك السن المبكرة من تاريخ الشعر الحر لك يجرؤ الشاعر على إعلان اسمه ، وغنما سقط ( ب ن ) " ثم تذكر نازك جزءا من القصيدة ، وتعقب قائلة : " والظاهر حتى هذا أقدم نص من الشعر الحر " ، وقد أحسنت نازك عندما نطقت ( والظاهر حتى هذا أقدم نص من الشعر الحر ، لأنها حينئذ لم تجزم بأقدمية النص ، وبالعمل أثبتت الدراسات الأدبية بأن هذا النص لم يكن أقدم نص ، وإنما هناك ما أقدم منه إذا لم يكن في نفس الحقبة الزمنية . ـ وسوف نتحدث عن ذلك النص الشعري في موضعه عند حديثنا عن الشعر الحر عن الشعراء السعوديين إذا شاء الله . 
 +  
 + ثم تحاول نازك مرة أخرى نفي تلك البدايات ن فتطرح سؤالا تبرز من خلال إجابته حتى تلك البدايات غير موفقة ، أولم تخضع لشروط ومواصفات معينة سنعهدها فيما بعد ، فتقول : " هل نستطيع حتى نحكم بأن حركة الشعر الحر بدأت في العراق سنة 1921 م ، أوأنها في مصر سنة 1923 م .  
 +  
 + وبالعمل حتى ما توصلت إليه نازك من خلال إجابتها بنفسها على سؤالها المطروح آنفا يؤكد من جانبها نفي الحكم عن بدايات تلك الحركة ، لأنها لم تنطبق عليها الشروط التي رسمتها لفاعلية تلك الأوليات ، ومن هنا احتفظت نازك لنفسها بفضل السبق في ولادة الشعر الحر عام 1947م ، وكأن ما ولد قبل ذلك كان خداجا ، ولم يستوف مدة الحمل التي حددتها السيدة نازك لمثل هذه البدايات الفنية . 
 +  
 + أما الشروط التي فرضتها لتطبيقها على تلك الأوليات هي : ( بتصرف )  
 +  
 + 1 ـ حتىقد يكون ناظم القصيدة واعيا إلى أنه قد استحدث بقصيدته أسلوبا وزنيا جديدا . 
 +  
 + 2 ـ حتى يقدم الشاعر قصيدته تلك أوقصائده مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة .  
 +  
 + ثلاثة ـ حتى تستثير دعوته صدى بعيدا لدى النقاد والقراء .  
 +  
 + أربعة ـ حتى يستجيب الشعراء للدعوة ، ويبدؤوا فورا باستعمال اللون الجديد .  
 +  
 + وبتلك الشروط الآنفة تنفي نازك البدايات الأولى للشعر الحر سواء أكانت في العراق سنة 1921 م أوفي مصر سنة 1932 م ، لأنها لم تنطبق على تلك الأعمال الشعرية ، والتي تعتبر الإرهاصات الأولى للشعر الحر . كما حتى نازك بهذه الشروط كأنها نصبت نفسها حاميا ومقننا للشعر الحر ، فما تجاوز منه هذه الشروط التي لا تمت لفنيات القصيدة بصلة لا يعد منه . 
 +  
 + وإذا كانت هذه الشروط التي وضعتها نازك باختيارها الشخصي لم تنطبق على الأعمال التي أشارت إليها بنفسها ن هل يعني هذا حتى نسلم حتى بدايات الشعر الحر لك يكن لها وجود قبل عام 1947 م ، وهوالتاريخ الذي حددت فيه نازك البداية العملية لهذا اللون من الشعر ،يا ترى؟ 
 +  
 + إذا الإجابة على هذا السؤال ـ في رأيي ـ بحاجة إلى وقفة متأنية ، لأن نازك عندما قررت تلك البداية لم تطلع على الأعمال الشعرية الأخرى لشعراء آخرين غير التي اطلعت عليها في الشعر الحر قبل عام 1947 م ، ولها في ذلك عذر ، لأنه حينئذ ليس من اليسير على الإنسان حتىقد يكون على فهم تام بكل ما أنتجه الشعراء ، أوالأدباء في حقبة زمنية ليست بالقصيرة ، وعلى اتساع أقطار العالم العربي ، في فترة كانت وسائل الإعلام والنشر أعجز مما حتى تؤدي مهمتها بنجاح ، وإن كان الأمر يحتاج بعدم الجزم في مثل هذه الأحوال ـ بأن الساحة الأدبية خلوتماما من أمثال هذه الأعمال الأدبية ، وهذا ما سقطت فيه نازك عندما ظنت أنه لم يسبقها إلى هذا العمل أحد من الشعراء ، فأصدرت حكمها وأطلقته ، وقررت حتى البدايات العملية للشعر الحر كانت في العراق ن ومن بغداد بالذات عام 1947 م . 
 +  
 + وبعد هذا العرض المفصل لنشأة الشعر الحر ، إذا ما نريد الوصول إليه حتى السيدة نازك الملائكة قد حكمت وأطلقت الحكم وعممته دون ترومنها ، لأن هناك بدايات غير التي أشارت إليها أيضا ، وإن كانت هذه البدايات لم تحفل باهتمامها ، أولم تنطبق عليها شروطها ، فإن هذه البدايات من الممكن تكون ذا شأن في تحديد نشأة الشعر الحر تحديدا عمليا ، ويحسم الموقف ، على الرغم بأننا لا نريد حتى نجزم بأنها قد تكون البداية الأولى أيضا فنطلق الحكم ونعممه ، ونقع فيما سقطت فيه نازك ، لن التاريخ من الممكن يثبت غير ذلك فيما بعد . أما هذه البدايات فسوف نتحدث عنها في موضعها إذا شاء الله ، وقد ألمحنا لهذا سابقا . 
 +  
 +  
 +  
 + الجزء الثاني 
 +  
 +  
 +  
 + دوافعه ومميزاته : 
 +  
 + لقد أكدت الأبحاث الأدبية والنقدية التي دارت حول مفهوم الشعر وجوهره حتى هذا اللون من الشعر لم ينشأ من فراغ ، وتلك قاعدة ثابتة في جميع الأمور التي ينطبق عليها قانون الوجود والعدم تقريبا . فما من عملية خلق أوإيجاد إلا ولها مكونات ودوافع تمهد لوجودها وتبشر بولادتها كما أنه لا بد من وجود المناخ الملائم والبيئة الصحية التي ينموفيها هذا الكائن أوتلك . 
 +  
 + وكذلك الشعر فهوكالكائن الحي ـ إذا لم يكن كائناً حياً كغيره من الكائنات الأخرى كما يذكر مؤرخوالأدب والنقاد ـ الكائن الذي يولد صغيراً ثم يشتد ويقوى على عنفوان الصبا والشباب وأخيراً لا يلبث حتى يشيخ ويهرم بمرور الزمن وتقادم العهد وإن كان في النهاية لا يموت كغيره من الكائنات الحية وإنما يبقى خالداً ما بقى الدهر إلا ما كان منه لا يستحق البقاء فيتآكل كما تتآكل الأمور ويبلى ثم ينقرض دون حتى يهجر أثراً أويخلف بصمة تدل عليه . 
 +  
 + ومن هذا المنظور كان الشعر الحر ـ ولا أريد حتى أقول الشعر الحديث أوالجديد لأن الحداثة والجدة شيء نسبي لا تتغير بتغير الزمن وتتقادم بقدمه فما هوحديث اليوم يصبح قديماً غداً وما كان جديداً بالأمس يصبح اليوم قديماً ـ كان وليد دوافع وأسباب تضافرت معاً وهيأت لولادته كغيره من الأنماط الفنية الأخرى التي تولد على أنقاض سابقتها بعد حتى شاخت وهرمت وأمست أثراً من آثار الماضي وربما تلازمها وتسير إلى جانبها ما دام لكل منها ملامحه الخاصة وأنصاره ومؤيدوه . 
 +  
 + وقد رأى كثير من الباحثين والنقاد حتى من أبرز العوامل التي ساعدت على نشأة الشعر الحر وهيأت له إنما تعود في جوهرها إلى دوافع اجتماعية وأخرى نفسية بالدرجة الأولى إلى جانب بعض العوامل الأخرى المنبثقة عن سابقتها . 
 +  
 + فالدوافع الاجتماعية تتمثل فيما يطرأ على المجتمع من مظاهر التغيير والتبديل لأنماط الحياة ومكوناتها وللبنية الاجتماعية والتكوين الحضاري والأيدلوجي ، والشاعر المبدع كغيره من أفراد المجتمع ـ وإن كان يمثل شريحة مثقفة ـ يتأثر ويؤثر في الوسط الذي يعايشه ، فإذا رأى حتى الإطار الاجتماعي ومكوناته أصبح عاجزاً عن مواكبة الركب الحضاري المتقدم في حقبة زمنية ما أحس في داخله رغبة إلى التغيير ، وأن هناك هاجساً داخلياً يوحي إليه بل ويشده إلى خلق نمط حديث ولون مغاير لما تجاوز ليسد الفراغ الذي نشأ بعمل التصدع القوى في البنية الاجتماعية للأمة ، ولم يكن أمام الشاعر ما يعبر عنه عن هذا التغيير الملح والذي يؤيده إلا بالشعر ، فهوأداته ووسيلته التي يملك زمامها وله حرية التصرف فيها فيصب عليه تمرده وثورته مبنادىً وخالقاً ومبتكراً ومغيراً ومجدداً كيفما تمليه عليه النزعة الداخلية لبواطن النفس تعبيراً عن ذاتية نزعت إلى التغيير والتحرير في البناء الاجتماعي المتصدع ومعطياته ومكوناته الأساسية لما تقتضيه سبل الحضارة وعوامل التطور . 
 +  
 + أما الدوافع النفسية فهي انعكاس لما يعانيه الشاعر من واقع مؤلم نتج عن الكبت الروحي والمادي الذي خلقه الاستعمار على عالمنا العربي ، وكانت نتيجته وأد الحريات في نفوس الشعوب وقتل الرغبة في التطلع إلى الحياة الفضلى مما أدى إلى الشعور بالغبن والظلم والاستبداد والضيق الشديد والمعاناة الجامحة من هذا التسلط الذي نمى في النفوس حب الانطلاق والتحرر من عنطق الماضي ، وأوجد الرغبة في التحرر على المخلفات البالية ـ فتولد عن الميل بل الجنوح إلى خلق نوع حديث من العطاء الفني تلمس فيه الأمة بأنها بدأت تستعيد نشاطها وحريتها ، وأن سحابة الكبت المخيمة على سمائها قد تبددت وإلى الأبد وأعقبها الغيث الذي سيغسل النفوس من أدرانها ويعيد إليها حيويتها وجدتها ، وما هذا العطاء الفني المتجدد إلا ثمرة من ثمار الثورة والتمرد على الواقع المرير والبوح بالمعاناة التي يحس بها الشاعر ، وترجمة لنوازع نفسية داخلية تميل إلى الرفض وتنزع إلى العطاء المتجدد . 
 +  
 + وإلى جانب الدافع الاجتماعي والنفسي ثَمَّ دوافع أخرى لا تق أهمية عن سابقتها بل هي وليدة عنها ، منها " النزعة إلى تأكيد استقلال الفرد التي فرضت على الشعراء الشبان البعد عن النماذج التقليدية في الشعر العربي ، وإبراز ذاتيتهم بصورة قوية مؤكدة " . 
 +  
 + كما يؤكد الدكتور محمد النويهي بأن الدافع الحقيقي إلى استخدام هذا اللون من الشعر هو" الرغبة في استخدام التجربة مع الحالة النفسية والعاطفية للشاعر ، وذلك لكي يتآلف الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية في وحدة موسيقية عضوية واحدة " . 
 +  
 + أما مميزات الشعر فلا تقل أهمية عن غيرها من مميزات المدارس الشعرية الأخرى بل من الممكن كان هذا اللون من الشعر أكثر تحقيقاً لبعض العناصر التي لم تتوفر في الأنماط الشعرية الأخرى كالوحدة العضوية مثلاً ، وفي هذا الإطار يقول أحد الباحثين : " وإذا كان شعراء المدرسة الرومانسية قد نجحوا في تحقيق الوحدة الموضوعية للقصيدة الشعرية ، فإن شعراء مدرسة الشعر الحر قد وفقوا في تحقيق الوحدة العضوية المبنية على التناسق العضوي بين موسيقى اللفظ أوالصورة وحركة الحدث أوالانفعال الذي يتوقف عليه " . 
 +  
 + ثم يواصل الباحث حديثه قائلاً : " وإن هذا بدوره يؤدي إلى إبراز مظاهر النموالعضوي للانفعالات والمشاعر ، ومن هنا نستطيع حتى نفهم لما كان الشكل الجديد للقصيدة العربية أقرب معانقة لروح العصر الذي نعيشه وأكثر استيعاباً لمضامينه الحية ، بالإضافة إلى ما يتميز به من مرونة في موسيقاه حيث تتلون بتلون الانفعال ، وتنموبنموالموقف وديمقراطية اللغة حيث تقترب هذه اللغة من الإنسان العادي في الشارع والمصنع والحقل ، وكذلك من الممكن يرمز إليه من تعدد في التشكيل وترادف في الهجريب وموضوعية في الرصد وشمولية في التمثيل والهروب من الذات " . 
 +  
 + وقد أشار إلى بعض الميزات السابقة أحد الباحثين أيضاً نطق : " وقد تميزت قصيدة الشعر الحر بخصائص أسلوبية متعددة فقد اعتمدت على الوحدة العضوية ، فلم يعد البيت هوالوحدة وإنما صارت القصيدة تشكل كلاماً متماسكاً ، وتزاوج الشكل والمضمون ، فالبحر والقافية والتفعيلة والصياغة وضعت كلها في خدمة الموضوع وصار الشاعر يعتمد على " التفعيلة " وعلى الموسيقى الداخلية المناسبة بين الألفاظ " . 
 +  
 + وخلاصة القول إذا انطلاقة القصيدة العربية وتحررها من عنطقها جعلها أكثر مرونة وحيوية وتجاوباً مع نوعية الموضوع الذي تخط فيه ، ومنحت الشاعر الفرصة في التعبير عن مشاعره وتجاربه الشعورية بحرية تامة فلا تقيد بأطوال معينة للبيت الشعري ولا كد للذهن بحثاً عن الألفاظ المتوافقة الروى ليجعل القصيدة على نسق واحد وما تتهيأ تلك الأمور للشاعر إلا على حساب الموضوع من جانب وفقدان الوحدة العضوية وعدم الترابط بين مكونات القصيدة من جانب آخر ، ومن هنا نجد ميل الشعراء المحدثين إلى استخدام قصيدة الشعر الحر للتعبير عن مشاعرهم وذلك لما تميزت به من سمات فنية جمعت فيها إلى جانب الوحدة الموضوعية ، والوحدة العضوية والموسيقية أضف إلى تحررها من القيود الشكلية التي تحد من قدرات الشاعر وانطلاقه في التعبير عن خوالج نفسه بحرية وعفوية تامتين . 

تاريخ النشر: 2020-06-04 03:52:33
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مصر تطفئ أنوار شرم الشيخ احتفالا بساعة الأرض 2022 - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:20:37
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

«تأمين الغذاء».. مجمعات «حياة كريمة» الزراعية: توعية وإرشاد وخدمات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:13
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالرحمن أبو زهرة (فيديو)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:05
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

جمعية المسنين بالدقهلية تُكرم 18 أمًا مثالية احتفالًا بعيد الأم (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:16
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

النائب العام ينعى نقيب المحامين رجائي عطية

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:20:51
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 57%

الحرب الروسية الأوكرانية.. تفاصيل وفاة مصري في ماريوبل (خاص)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:11
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

مصر تشارك العالم الاحتفال بساعة الأرض 2022 تحت شعار «نشكل كوكبنا»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:10
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

القضاء الإداري يقضي بعدم الاختصاص في دعوى وقف تدفق اللاجئين إلى مصر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:19
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

حصاد «التضامن» اليوم.. دفع 84 مليون جنيه مصروفات دراسية لـ 1439 طالبا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

انتشال 24 ألف قطعة من حطام الطائرة الصينية المنكوبة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:18:32
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

هدية الرئيس.. توزيع 6 آلاف كرتونة مواد غذائية بالساحل وروض الفرج

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:20:50
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

بمناسبة رمضان.. 289 سلعة غذائية مدعومة للمواطنين في أبوظبي

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:18:33
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

كيفية الاستعلام عن فاتورة الكهرباء بالاسم فقط لعام 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:10
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

إحالة عاطل إلى المفتى بتهمة قتل شخص في الإسكندرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-26 21:21:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية