التصوف والصوفية
'التصوف والصوفية
نطق الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) [سورة النازعات]، ونطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أحب العباد إلى الله الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يُعهدوا، أولئك هم أئمة الهدى ومصابيح الفهم] رواه أبونعيم إفهم حتى اسم الصوفي لم يكن في الصدر الأول، لكن المعنى كان موجودا، فقد ثبت عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نطق: "اخشوشنوا وتمعددوا" ومعنى "اخشوشنوا"، أي الزموا خشونة العيش أي لا تتنعموا، وأما قوله "تمعددوا" فهوالتشبه بمعدّ بن عدنان أحد أجداد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا على الإسلام، وكان ذا شهامة وملازمة لخشونة العيش. يقول الإمام الجنيد سيد الطائفة الصوفية عن التصوف: "الخروج عن جميع خُلُقٍ دني، والدخول في جميع خُلُقٍ سني". ويقول الإمام القشيري في وصف الطائفة الصوفية: "فقد جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه". وعن أبي الحسن الفرغاني نطق: سألت أبا بكر الشبلي ما علامة العارف،يا ترى؟ فنطق: "صدره مشروح، وقلبه مجروح، وجسمه مطروح"، نطق: هذه علامة العارف، فمن العارف،يا ترى؟ نطق: "العارف الذي عهد الله عزوجل على ما ورد في كتاب الله، وعمل بما أمر الله، وأعرض عما نهى الله، ونادى عباد الله إلى الله عزوجل". فقلتُ: هذا العارف، فمن الصوفي،يا ترى؟ فنطق: "من صفا قلبه فصفى، وسلك طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورمى الدنيا خلف القفا، وأذاق الهوى طعم الجفا". قلت له: هذا الصوفي، ما التصوف،يا ترى؟ نطق:"تصفية القلوب لعلام الغيوب" قلت له : أحسن من هذا ما التصوف ،يا ترى؟ نطق : "تعظيم أمر الله، والشفقة على عباد الله". فقلت له: أحسن من هذا من الصوفي،يا ترى؟ نطق: "من جفا عن الكدر، وخلص من العكر، وامتلأ من الفكر، وتساوى عنده المضى والمدر (أي التراب). وقيل: التصوف الجد في السلوك إلى ملك الملوك. ونطق الحافظ أبونعيم: "التصوف أحوال قاهرة، وأخلاق طاهرة تقهرهم الأحوال فتأسرهم، ويستعملون الأخلاق فتطهرهم، تحلوا بخالص الخدمة، فكفوا عن طوارق الحيرة، وعصموا عن الانقطاع والفترة، لا يأنسون إلا بالله، ولا يستريحون إلا بحبه، فهم أرباب القلوب المراقبون للمحبوب، والتاركون للمسلوب، سلكوا مسلك الصحابة والتابعين ومن نحى نحوهم من المتقشفين والمتحققين، والمميزين بين الإخلاص والرياء، والعارفين بالخطرة والهمة والعزيمة والنية، والمحاسبين للضمائر، والمحافظين للسرائر، والمخالفين للنفوس، والمحاذرين من الخنوس [(5)] بدائم التفكر، وقائم التذكر، طلبا للتداني، وهربا من التواني، لا يستهين بحرمتهم إلا مارق، ولا يدعي أحوالهم إلا مائق، ولا يعتقد عقيدتهم إلا فائق، ولا يحسن إلى موالاتهم إلا تائق، فهم سرج الآفاق، والممدود إلى رؤيتهم بالأعناق، بهم نقتدي، وإياهم نوالي إلى يوم التلاق". ونطق معروف الكرخي: "التصوف هوالأخذ بالحقائق، واليأس مما في أيدي الخلائق". ونطق الشيخ زكريا الأنصاري: "التصوف فهمٌ تعهد به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الاخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية". وقيل: "التصوف الموافقة للحق، والمفارقة للخلق". ونطق سيد الطائفة الإمام الجنيد البغدادي: "التصوف صفاء المعاملة". وقيل: "التصوف الانكباب على العمل تطرقا إلى بلوغ الأمل". ونطق أبوبكر الطمستاني: "الطريق واضح، والكتاب والسنة قائمان بين أظهرنا، فمن صحب منا الكتاب والسنة، وتغرب عن نفسه والخلق، وهاجر بقلبه إلى الله تعالى، فهوالصادق والمصيب". وقيل: "التصوف تصفية القلب عن موافقة البرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، والتعلق بالعلوم الحقيقية، واتباع الرسول في الشريعة النقية". وقيل: "التصوف الأخذ بالأصول، والهجر للفضول، والتشمير للوصول". وسئل الجنيد بن محمد البغدادي رحمه الله عن التصوف فنطق: "اسم جامع لعشرة معان، الأول: التقلل من جميع شيء من الدنيا عن التكاثر فيها، والثاني: اعتماد القلب على الله عزوجل من السكون إلى الأسباب، والثالث: الرغبة في الطاعات من التطوع في وجود العوافي، والرابع: الصبر على فقد الدنيا عن الخروج إلى المسألة والشكوى، والخامس: التمييز في الأخذ عند وجود الشيء، والسادس: الشغل بالله عزوجل عن سائر الأمور، والسابع: الذكر الخفي عن جميع الأذكار، والثامن: تحقيق الإخلاص في دخول الوسوسة، والتاسع: اليقين في دخول الشك والعاشر: السكون إلى الله عزوجل من الاضطراب والوحشة، فإذا استجمع هذه الخصال استحق بها الاسم وإلا فهوكاذب". ويقول رويم بن أحمد: "التصوف مبني على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار، والتحقق بالبذل والإيثار، وهجر التعرض والاختيار". وقيل: "التصوف المنافسة في نفائس الأخلاق، وفض النفس عن أنفس الأعلاق". وسئل أبوهمام عبد الرحمن بن مجيب الصوفي عن الصوفي فنطق: "فالصوفي لنفسه ذابح، ولهواه فاضح، ولعدوه جارح، وللخلق ناصح، دائم الوجل، يحكم العمل، ويبعد الأمل، ويسد الخلل، عَذَرُهُ بضاعة، (أي يتهم نفسه أنه من أهل التقصير) وحزنه صناعة،وعيشه قناعة، بالحق عارف، وعلى الباب عاكف، وعن الكل عازف". وقيل: "التصوف ابتغاء الوسيلة، إلى منتهى الفضيلة". وسُئل ذوالنون المصري عن الصوفي فنطق: "مَن إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق، وإن سكت نطقت عنه الجوارح ببتر العلائق". ونطق بعضهم في وصفهم: "لهم الأحوال الشريفة، والأخلاق اللطيفة، مقامهم منيف، وسؤالهم ظريف، هم المنبسطون جهرا، المنقبضون سرا، يبسطهم رَوْحُ الارتياح والاشتياق، ويقلقهم خوف القطيعة والفراق، والحاكمون بالعدل، هم مصابيح الدجى وينابيع الرشد والحجى، خصوا بخفيّ الاختصاص، ونقوا من التصنع بالإخلاص، هم الشغفون به وبوده، والمكلفون بخطابه ووعهده، هم المصونون عن مرافقة حقارة الدنيا بعين الاغترار، المبصرون خلق محبوبهم بالفكر والاعتبار، إنهم سُباق الأمم والقرون، وبإخلاصهم يمطرون وينصرون، وإن ليقينهم تنفلق الصخور، وبيمينهم تتفتق البحور، إنهم المضرورون في الأطعمة واللباس، المبرورة أقسامهم عند النازلة والباس، نظروا إلى باطن العاجلة فرفضوها، وإلى بهجتها وزينتها فوضعوها". وقيل: "التصوف بتر العلائق والأخذ بالوثائق". فالصوفي من كان عاملا بشريعة الله تبارك وتعالى وخالف هواه، من لا يتبع نفسه الهوى في المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك، بل يقتصر على القدر الذي يحفظ صحة جسده من المأكل والمشرب والملبس، مع بذل الجهد في عبادة الله تبارك وتعالى في أداء الفرائض، والإكثار من النوافل. وأنشدوا: (الخفيف) عمدة الدين عندنا حدثاتٌ أربع نطقهن خير البرية اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس يعنيك واعملنَّ بنية يقول الجنيد: "طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق مسدود إلا على المقتفين ءاثار رسول الله صلى الله عليه وسلم". ويقول سهل التستري: "أصول ممضىنا (يعني الصوفية) ثلاثة: اقتداء بالنبي في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأفعال". وفي هذا بيان حتى التصوف الحقيقي ليس فقط لبس الصوف دون اتباع للشرع الشريف بل الصوفي الحقيقي هوالذي يتبع الحق ويؤدي حقوق الله عليه، وفي ذلك انشدوا: (البسيط) ليس التصوف لبس الصوف ترقعهُ< ولا بكاؤك إذا غنى المغنونا بل التصوف حتى تصفوبلا كدر وتتبع الحق والإسلام والدينا وكان سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه إذا رأى على فقير جبة صوف يقول له: "يا ولدي انْظر بزيّ من تزييت، وإلى من انتسبت، قد لبستَ لبسة الأنبياء وتحليت بحلية الأتقياء، هذا زيّ العارفين فاسلُك فيه مسالك المقربين وإلا فانزعه". ويروى عن السري السقطي أنه نطق: "المتصوف اسم لثلاث معان: هوالذي لا يطفئ نور معهدته نور ورعه، ولا يتحدث بباطن في فهم ينقضه عليه الكتاب أوالسنة، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله". ويقول الإمام الرفاعي: "الصوفي هوالفقيه العامل بفهمه، وعلى هذا نطقوا ما اشتهر في وصفهم: الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وسلك طريق المصطفى، وأذاق النفس طعم الجفا، وكانت الدنيا منه على القفا". ونطق الجنيد: "ما أخذنا التصوف بالنطق والقيل، ولكن أخذناه بالجوع والسهر وهجر المألوفات والمستحسنات". فالتصوف حاصله اتصاف بالمحامد، وهجر الأوصاف المذمومة مع الزهد في المأكل والملبس وقبل ذلك كله الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بأداء الفرائض واجتناب المحرمات. فالصوفية موصوفون بأنهم هجروا الدنيا فخرجوا عن الأوطان، وهجروا الأخدان [(6)]، وساحوا في البلاد، وأجاعوا الأكباد، وأعرَوا الأجساد، وإنما ينالون من الطعام قدر ما يقيم الصلب للضرورة، كما نطق النبي صلى الله عليه وسلم: [بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه] رواه الترمذي. وأنشدوا: (الطويل) لوكانت الدنيا جزاء لمحسنٍ إذاً لم يكن فيها معيشٌ لظالمِ لقد جاع فيها الأولياء كرامةً وقد شبعت فيها بطون البهائمِ ويقول الكلاباذي: "وعلى هذا سماهم قومٌ جوعية لأن الجوع من صفات القوم وهومن أبرز أمور المجاهدة، ومخالفة النفس وغلبتها، فإن أرباب السلوك قد تدرجوا إلى اعتياد الجوع والإمساك عن الأكل إلا عند الضرورة وخشية الضرر، ووجدوا ينابيع الحكمة في الجوع، لأن الشبع يحرك شهوات الإنسان ويستثيرها، والجوع يحرك الإنسان إلى الطاعة، وكثرت الحكايات عنهم في ذلك. نطق الله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) [سورة البقرة]. فبشرهم بجميل الثواب في الصبر على مقاساة الجوع. نطق يحيى بن معاذ: "لوحتى الجوع يباع في السوق لما كان ينبغي لطلاب الآخرة إذا دخلوا السوق حتى يشتروا غيره". ونطق أبوسليمان الداراني: "جوع قليل وسهر قليل يبتر عنك الدنيا". وافهم حتى هذا كله لمن لا يخشى على نفسه الضرر والهلاك فالمطلوب حتى يأكل القدر الضروري الذي ينجيه من حتى يضر نفسه ويهلكها. ونطق بشر بن الحارث: "الصوفي من صفا قلبه". ونطق رجل لسهل بن عبدالله التستري: "مَنْ أصحبُ طوائف الناس،يا ترى؟ فنطق: "عليك بالصوفية، فإنهم لا يستكبرون، ولا يستكثرون". وأما تسميتهم بالصوفية فنطقت طائفة: "إنما سموا صوفية لصفاء أسرارهم، ونقاء ءاثارهم". ونطق آخرون: "إنما سموا صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،فمن باطنهم الموصوف بالصفاء ، ومن لبسهم وزيهم سموا صوفية ، لانهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ما لانَ ملمسه وحسن منظره، وإنما لبسوا لستر العورة، فاكتفوا بالخشن من الشعر والغليظ من الصوف". ثم هذه كلها صفة أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا غرباء فقراء مهاجرين، أُخرجوا من ديارهم وأموالهم ووصفهم أبوهريرة وفضالة بن عبيد فنطقا: "يـخرّون من الجوع حتى تـحسبهم الأعراب مجانين"، وكان لباسهم الصوف فلما كانت هذه صفة أهل الصفة في حالهم وزيهم سموا صوفية وصُفّية، وسماهم قوم فقراء، لأن أحدهم لا يملك شيئا وإن ملكَه بذله وذلك لتخليهم من الأملاك. ونطق السهروردي: "بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد عهد الصحابة مَن أخذ منهم الفهم سمي تابعيا، ثم لما تقادم زمان الرسالة وبَعُدَ عهدُ النبوة وانبتر الوحي السماوي، اختلفت الآراء وتنوعت الأنحاء وتفرد جميع ذي رأي برأيه وكدّر استهلك العلوم شوب الأهوية، وتزعزعت أبنية المتقين، واضطربت عزائم الزاهدين، وغلبت الجهالات وكثف حجابها، وكثرت العادات، وتزخرفت الدنيا وكثر خطابها، تفردت طائفة بأعمال صالحة وأحوال سنية، وصدق في العزيمة وقوة في الدين، وزهدوا في الدنيا ومحبتها ، واغتنموا العزلة والوحدة ، واتخذوا لنفوسهم زوايا يجتمعون فيها تارة وينفردون أخرى أسوة بأهل الصفة تاركين للأسباب متبتلين إلى رب الأرباب، فأثمر لهم صالح الأعمال سنيَّ الأحوال، وتهيأ لهم صفاء الفهوم لقبول العلوم، وصار لهم بعد اللسان لسان، وبعد العهدان عهدان... فصار لهم يمقتضى ذلك علوم يعهدونها وإشارات يتعاهدونها، فحرروا لنفوسهم اصطلاحات تشير إلى معانٍ يعهدونها، وتُعرِبُ عن أحوال يجدونها، فأخذ ذلك الخلف عن السلف حتى صار ذلك رسما مستمرا، وخبرا مستقرا في جميع عصر وزمان، فظهر هذا الاسم بينهم وتسموا به وسُموا به". ويقول الإمام الرفاعي الكبير رضي الله عنه: "قيل لهذه الطائفة الصوفية، واختلف الناس في سبب التسمية وسببها غريب لا يعهده كثير من الفقراء، وهوحتى جماعة من مضر ينطق لهم بنوالصوفة، وهوالغوث بن مر بن أد بن طابخة الربيط كانت أمه لا يعيش لها ولد، فنذرت إذا عاش لها ولد لتربطن برأسه صوفة وتجعله ربيط الكعبة، وكانوا يجيزون الحاج، إلى حتى منَّ الله بظهور الإسلام فأسلموا وكانوا عبَّادا، ونقل عن بعضهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن صحبهم سمي بالصوفي، وكذلك من صحب مَن صحبهم، أوتعبد ولبس الصوف مثلهم ينسبونه إليهم فينطق: صوفي، ونوَّع الفقراء الأسباب فمنهم من نطق التصوف الصفاء، ومنهم من نطق المصافاة، وغير ذلك، وكله سليم من حيث معناه". إ.هـ ويقول السهروردي في تسميتهم صوفية للبسهم الصوف: "وهذا الاختيار يلائم ويناسب من حيث الاشتقاق لأنه ينطق: [تصوَّف] إذا لبس الصوف"، ونطق: "ولما كان حالهم بين سير وطير لتقلبهم في الأحوال وارتقائهم من عالٍ إلى أعلى منه... وأبواب المزيد فهما عليهم مفتوحة وبواطنهم معدن الحقائق ومجمع العلوم، فلما تعذر تقيدهم بحال تقيدهم، لتنوع وجدانهم وتجنس مزيدهم، نسبوا إلى ظاهر اللبسة، وكان ذلك أبين في الإشارة إليهم، وأدعى إلى حصر وصفهم، لأن الصوف غالبا على المتقدمين من سلفهم، وأيضا لأن حالهم حال المقربين ولما كان الاعتزاء إلى القرب أمر قاسي يعز كشفه والإشارة إليه، سقطت الإشارة إلى زيهم سترا لحالهم، وغيرة على عزيز مقامهم، حتى تكثر الإشارة إليه وتتداوله الألسنة، فكان هذا أقرب إلى الأدب، والادب في الظاهر والباطن والقول والعمل عماد أهل الصوفة". وفيه معنى آخر: "وهوحتى نسبتهم إلى اللبسة تنبئ عن تقللهم من الدنيا، وزهدهم فيما تدعوالنفس إليه بالهوى من الملبوس الناعم، حتى إذا المبتدئ المريد الذي يؤثر طريقهم ويحب الدخول في أمرهم، يوطن نفسه على التقشف والتقلل، ويفهم حتى المأكول أيضا من جنس الملبوس، فيدخل في طريقتهم على بصيرة، والإشارة إلى شيء من حالهم في تسميتهم أولى". وقيل: "إنهم لما ءاثروا الذبول والخمول والتواضع والإنكسار والتخفي والتواري كانوا كالخرقة الملقاة والصدفة المرمية التي لا يُرغب فيها ولا يلتفت إليها، فينطق صوفي نسبة إلى الصوفة، كما ينطق كوفي نسبة إلى الكوفة، وهذا ما ذكره بعض أهل الفهم والمعنى المقصود به قريب ويلائم الاشتقاق، ولم يزل لبس الصوف اختيار الصالحين والزهاد والمتقشفين والعباد" انتهى كلام السهروردي. وعلى هذا فإن طرق الصوفية طرق سنية، موافقة للشريعة المحمدية، وفي ذلك يقول الإمام الشعراني في كتاب لواقح الأنوار القدسية: "إياك حتى تقول إذا طرق الصوفية لم يأتِ بها كتاب ولا سنة فإنها أخلاق محمدية". فهاك ما ذكرناه عن أعيانهم وساداتهم ما يُظهر لك حقيقة أمرهم، ظاهرة وباطنه مما يقوي عندك اليقين انهم صفوة القوم، وما ذاك على إلا باقتدائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم. (1) مرط : أي كساء. (2) مرحل : فيه صور تشبه الرحل، الرحل ما يوضع على البعير للركوب ، يقول امرؤ القيس: خرجت بها أمشي تجر ورائنا ..... على أثرينا ذيل مرط مرحل (3) الشعر : الصوف. (4) لابيتها : واللابة هي الحرة ، والحرة أرض فيها حجارة سود وللمدينة المنورة لابتان وهي حدود الحرم . (5) الخنوس : التأخر. (6) جمع خدن وهوالصديق المقرب المؤتمن على الأسرار . منقول للفائدة
الصوفية طريق إلى الله
[1]