شبلي النعماني
شبلي النعماني (1858 - 18 نوفمبر 1914) مصلح هندي ومن حماة اللغة العربية. ويعد "شبلي حبيب الله بن سراج الدولة النعماني" واحدًا من أبرز فهماء الهند في العصر الحديث، وأحد أعلام النهضة الأدبية والفهمية بها، ومن رواد الإصلاح والفكر الإسلامي الذين ساهموا بجهود ملموسة في حركة الأدب والتاريخ والدعوة الإسلامية في شبه القارة الهندية.
ولد شبلي النعماني في قرية "بندول" من أعمال "أعظم كرة" بالهند سنة (1275هـ=1858م) لأب من أصل برهمي، وكان جده الثالث عشر "سيوراج سنك" قد اعتنق الإسلام وتسمى "سراج الدين".
وكان والده الشيخ "حبيب الله" من الفهماء فاعتنى بتنشئته ورعايته ليشب محبا للفهم، وقد رحل شبلي في طلب الفهم وتنقل بين لكنوودلهي ولاهور ورامبور وسهارنبور وغيرها من المدن الهندية؛ فدرس الأدب والفقه والحديث وعلوم الفارسية والأدبية والعربية، كما تفهم الهندسة والمنطق والفلسفة، وتلقى الفهم على عدد من أعلام الهند، منهم الشيخ "محمد فاروق الجرياكوتي"، والشيخ "أحمد علي"، والشيخ "إرشاد حسين"، والشيخ "فيض الحسن".
وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره سنة (1293هـ=1876م) قرر شبلي أداء فريضة الحج، وهناك اتصل بعدد من فهماء الحجاز، وأتم تعليمه بالأراضي المقدسة، ثم عاد بعد ذلك إلى "أعظم كره" حيث عمل بالمحاماة لفترة قصيرة، ولكنه لم يستطع حتى يندمج في تلك المهنة طويلا وسرعان ما هجرها ليعمل بوظيفة أخرى، إلا أنه لم يستطع حتى يعيش بعيدا عن البحث والدراسات فنادىه حنينه للفهم وشوقه للفهم إلى التفرغ للقراءة والاطلاع فهجر الوظائف العامة وعكف على المطالعة والدراسة والبحث، ثم ما لبث حتى بدأ في الكتابة والتصنيف، وظهرت مواهبه وقدراته في التأليف ونظم الشعر، وبدأ اسمه يلمع ويشتهر ذكره بين قراءة الأردية والفارسية.
الرحلة في طلب الفهم
وفي تلك الفترة وبالتحديد في سنة (1300هـ=1882م) التقى شبلي النعماني الذي كان في نحوالخامسة والعشرين من عمره "سيد أحمد خان" مؤسس جامعة عليكرة؛ فعرض عليه حتى يعمل معه في التدريس، وتردد شبلي في البداية، ولم يبد رغبة في العمل بالتدريس، إلا أنه بعد مناقشات ومحاورات وافق على حتىقد يكون أستاذا لآداب اللغتين العربية والفارسية فكانت تلك هي البداية الحقيقة لنشاطه الفهمي الجاد.
واستمر شبلي في عمله في جامعة عليكرة الإسلامية لمدة عشر سنوات حتى سنة (1310هـ=1892م)، أقام خلالها في بيت السيد أحمد خان في صحبة واحد من كبار أدباء الأردية وشعرائها هو"ألطاف حسني"، كما صاحب المستشرق الإنجليزي المعروف "توماس أرنولد" صاحب كتاب "دعوة الإسلام"، وأفاد من صحبتهما ومجالستهما، كما أفاد من مخطة السيد أحمد خان العامرة بمختلف العلوم والفنون التي كانت تضم الكثير من المطبوعات المصرية والأوروبية؛ فكان يقضي فيها الساعات الطوال بين البحث والاطلاع.
وكانت ثمرة تلك الفترة حتى قام بتأليف عدد من الخط والرسائل تتناول تاريخ الإسلام والمسلمين، وتنوه بأمجادهم الغابرة، من أشهرها "مسلمانون كي كي كذشته تفهم" أي تعليم المسلمين في الماضي، و"أميد" أي فجر الأمل، كما ألف كتابا عن الخليفة المأمون، وآخر عن سيرة أبي حنيفة النعمان.
وفي سنة (1310 هـ=1892م) قام شبلي النعماني برحلة إلى منطقة الشرق الأوسط فزار الشام ومصر وإستانبول وبيروت والقدس، وقد منحه السلطان العثماني النيشان المجيدي تقديرا لفهمه ومكانته واحتراما له، وقد أفاد النعماني من هذه الرحلة أمورا كثيرة أهمها أنه استطاع التعهد على نفائس خط التراث والأدب واللغة الموجودة بالمخطات وبخاصة في مصر.
وعاد شبلي النعماني مرة أخرى إلى جامعة عليكرة حيث قوبل بحفاوة بالغة، وسجل مشاهداته وانطباعاته عن رحلته الفهمية الطويلة في كتاب بعنوان "سفرنامة مصر وروم".
وبالرغم من محاولات شبلي الكثيرة لهجر التدريس بالجامعة، فإنه كان يُقابل بالرفض من السيد أحمد خان في جميع مرة يقدم فيها استنطقته.
فلما توفي سيد أحمد خان سنة (1316هـ= 1898م) هجر الجامعة، وعاد إلى مسقط رأسه في "أعظم كره" حيث استطاع إنجاز كتابه القيم عن سيرة الفاروق عمر بن الخطاب الذي ظل يعد له سنوات طويلة، واتجه شبلي إلى المشاركة في النهضة الفكرية الإسلامية وعكف على البحث والتأليف.
تأسيس ندوة الفهماء
ثم تولى بعد ذلك رئاسة "دار العلوم والفنون" في حيدر آباد، وقضى بها بضع سنوات خط خلالها عددا من المصنفات عن الغزالي، وسوانج مولائارم، وفهم الكلام، وموازنة أنيس ودبير، وغيرها من الأعمال، ولكنه ما لبث حتى استنطق وعاد إلى مسقط رأسه.
وقد شارك شبلي النعماني في تأسيس جمعية ندوة الفهماء سنة (1312هـ=1894م)، ثم اختير أمينا لها سنة (1319هـ=1901م)، واجتهد شبلي في وضع منهج تعليمي متطور لكلية دار العلوم ضمنه جميع ما استفاده من رحلاته الفهمية وتجاربه العملية في مجال التعليم.
واستطاع شبلي من خلال عمله بالتدريس ومشاركته في الجمعيات المتنوعة حتى يكشف ويفند كثيرا من الشبهات التي حوتها بعض الاتجاهات الفكرية والثقافية الغربية، والتي ظهرت من خلال مؤلفات عدد من المستشرقين والمبشرين.
وكان منهجه في الرد على تلك الشبهات وتفنيد تلك المزاعم والافتراءات وإبطالها شبيها بمنهج الشيخ "محمد عبده" في ضرورة الالتقاء بالفكر الغربي والانتفاع بمناهجه في الكشف عن جوهر الإسلام، مع الحفاظ على شخصية الأمة ومقوماتها، والمزاوجة بين الموروث النافع وعلوم العصر وفنونه التي لا يمكن للأمم التقدم أوالنهوض دون الأخذ بها.
وقد أبدى السيد "محمد رشيد رضا" نقدين لشبلي النعماني، وأعرب عن إعجابه بفهمه وفكره حينما جاء مؤتمر المسلمين في لكنوفنطق عنه: "هوعالم مستقل لا عالم رسمي مقلد، وإنه أستاذ نفسه وتلميذ همته، وقد استطاع بجده واجتهاده حتى يصبح أشهر نوابغ فهماء الهند في هذا العصر، لا يعهد له ضريب في إتقان اللغة العربية وطول الباع وحسن التذوق في فهم منثورها ومنظومها والقدرة على الكتابة بها".
في معهجر الثقافة والفكر
ولم يكن شبلي النعماني بمعزل عن الحركة الثقافية والفكرية في العالم العربي والإسلامي، فعندما أصدر "جورجي زيدان" كتابه "تاريخ التمدن الإسلامي" الذي نال شهرة كبيرة وذاع صيته بعد حتى تداولـه الناس وأقبلوا عليه، وحينما اطلع النعماني على الكتاب استطاع بعقليته الفهمية النافذة وبصيرته الواعية حتى يقف على كثير مما اتى فيه من أخطاء فهمية وتجاوزات، فوضع كتابه "انتقاد تاريخ التمدن الإسلامي"، الذي طبع بمطبعة المنار بالقاهرة سنة (1330 هـ=1912م).
وبعد رحلة كفاح طويلة انطفأت تلك الجذوة التي طالما أضاءت الطريق أمام الدارسين وطلاب الفهم ورواد الحقيقة، وتوفي شبلي النعماني في (30 ذوالحجة 1332 هـ=18 نوفمبر 1914م) عن عمر بلغ 56 عاما بعد حتى ساهم بنصيب وافر في نشر الدعوة الإسلامية، وإبراز الكثير من الجوانب الحضارية المشرقة في تاريخ الإسلام.
وقد لقي النعماني ما يليق به من الوفاء والتكريم، فقد أطلقت ندوة الفهماء اسمه على مخطتها الجديدة؛ تكريما له وتخليدا لذكراه.
المصادر
-
^ سمير حلبي. "شبلي النعماني.. للهند مصلحوها المسلمون". إسلام أون لاين . نت. Retrieved 16 سبتمبر 2007. Check date values in:
|accessdate=
(help)
- أعلام القرن الرابع عشر الهجري: أنور الجندي - مخطة الأنجلوالمصرية – القاهرة – (1390هـ=1970م).
- سيرة الفاروق عمر بن الخطاب: شبلي النعماني – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – (1420هـ=2000م).
- الموسوعة المضىية: د. فاطمة محجوب – دار الغد العربي – القاهرة – د.ت.
- مجلة منار الإسلام: العدد 11 - السنةتسعة – (ذوالقعدة 1404 هـ=أغسطس 1984م)– في ندوة الفهماء بالهند ومخطة شبلي النعماني – عبد الفتاح سعيد.
إسلام أون لاين: شبلي النعماني.. للهند مصلحوها المسلمون تصريح