عبد العزيز الميمني الراجكوتي (1888 - 1978) لسان العربية في الهند.

شارك الفهماء المسلمون في الهند في إحياء التراث العربي، ونشر كنوزه، ولهم في ذلك أياد بيضاء على الرغم من ضعف المال وهزال الإمكانات، ولم يقف ذلك عائقا دون موالاة الصدور، ونشر أمهات الخط في التاريخ والحديث.

وكان يقف وراء ذلك الإنتاج قلعة كبيرة من قلاع نشر التراث العربي المعروفة باسم دائرة المعارف العثمانية التي تأسست سنة (1306هـ = 1888م) بحيدر آباد الدكن، معتمدة على ريع وقف عليها، ومنحة مالية من الحكومة الهندية، ثم ألحقت هذه الدائرة سنة (1337هـ = 1918م) بالجامعة العثمانية بحيدر آباد عند إنشائها.

وقد بلغ ما نشرته حتى الآن حوالي مائتي كتاب في مختلف ميادين الثقافة العربية والإسلامية، ويعد ما نشرته من خط الحديث ورجاله من أوسع وأعظم ما نشرته الدائرة، وهوما لم تقم به هيئة أخرى في العالم العربي أوخارجه، وحسبك حتى تفهم أنها نشرت السنن الكبرى للبيهقي فيعشرة مجلدات، ومستدرك الحاكم في أربعة مجلدات، وكنز العمال في سنن الأقوال والأعمال في 22 جزءا، ولسان الميزان لابن حجر فيستة مجلدات.

وإلى جانب هذه الجهود الجماعية المخلصة، برز اسم "عبد العزيز الميمني" الذي أوقف عمره على البحث عن التراث العربي ونشر نوادره، ووقف بمفرده يواصل جهده المبارك في تحقيق التراث.

المولد والنشأة

ولد عبد العزيز الميمني سنة (1306هـ = 1888م) ببلدة راجكوت، ومنها اتى نسبته الراجكوتي، وهي تقع في إقليم كاتهيا دار بولاية گوجرات (التي تعهد الآن باسم سوراشترا على الساحل الغربي للهند)، ونشأ في بيت عريق في التجارة.

التحق عبد العزيز الميمني بالكتاب، وتفهم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ثم استكمل دراسته العالية في "لكهنو" و"رامبور" و"دهلي"، والتقى بشيوخ كثيرين من أمثال الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخرزجي السعدي، وقد أجازه برواية الحديث النبوي، ونذير أحمد الدهلوي، ومحمد طيب المكي.

وشغف الميمني بالعربية، فتعمق فيها وعكف على الشعر العربي قراءة وحفظا، حتى إنه حفظ ما يزيد على 70 ألف بيت من الشعر القديم، وكان يحفظ ديوان المتنبي كاملا.

في رحاب الدرس

وبدأ الميمني حياته بالكلية الإسلامية ببيشاور، حيث قام بتدريس العربية والفارسية، ثم انتقل منها إلى الكلية الشرقية بمدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب، ثم استقر بالجامعة الإسلامية في عليكرة، وظل يتدرج بها في المناصب الفهمية حتى عين رئيسا للأدب العربي بالجامعة، ومكث بها حتى أحيل إلى التقاعد. لكنه لم يركن للراحة فلبى دعوة جامعة كراتشي بباكستان، ليتولى رئاسة القسم العربي بها، وأسندت إليه مناصب فهمية أخرى، فتولى إدارة معهد الدراسات الإسلامية لمعارف باكستان، وظل يعمل في هذه الجامعة حتى وفاته.

الرحلة لهجريا والمشرق العربي

وكان الميمني واسع الثقافة العربية، وأتاح له دأبه الشديد في مطالعة خزائن الهند التي تحوي آلاف الخط العربية المخطوطة، حتى يقف على النوادر منها، وأن يتحف المخطة العربية بما تيسر له طبعه فيها.

ولم تشف خزائن الخط في الهند ظمأه الفهمي، فاتجه إلى البلاد العربية وهجريا سنة (1354هـ = 1936م) بحثا عن المخطوطات، ووفق في الوقوف على النادر منها، فطاف بخزائن إستانبول وزار مخطاتها التي تضم أكبر مجموعة خطية من التراث العربي، وزار القاهرة وتوثقت صلته بفهمائها، واتصل بلجنة التأليف والترجمة والنشر التي كان يرأسها الأديب الكبير أحمد أمين، كما زار سوريا، واستعانت به وزارة الثقافة بدمشق للاستفادة من خبرته في مجال المخطوطات، وكان المجمع الفهمي العربي بدمشق قد اختاره عضوا مراسلا به في سنة (1347هـ = 1928م) وهوفي الأربعين من عمره تقديرا لنبوغه المبكر، ومعهدته العميقة بالعربية وآدابها، وظل في المجمع 50 عاما أويزيد.

اتصال بالمؤسسات الثقافية المصرية

وكان لمصر فضل التعريف بالشيخ عبد العزيز الميمني وإظهار فهمه فقد نشرت له لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة كتاب سمط اللآلي لأبي عبيد البكري، وقد صدر الكتاب في مجلدين سنة (1354هـ = 1936م)، والكتاب في شرح كتاب الآمالي لأبي علي النطقي.

وقد أبان العلامة الميمني في تحقيق هذا الكتاب عن "فهم غزير وإحاطة جامعة بالتراث العربي، وبخاصة ما يتصل بالشعر ورواياته، وأخبار الشعراء والرواة ومداخلة الخط وبراعة التعامل معها، ويعد تحقيق الكتاب آية من آيات الإبداع في تحقيق النصوص وتوثيقها".

وكان الشيخ أثناء إقامته بالقاهرة يمضي أكثر وقته في دار الخط المصرية عاكفا على نسخ المخطوطات التي يرى أهميتها، وكذلك كان يعمل في أثناء زيارته للشام والعراق وهجريا، باحثا عن النفائس، ومنقبا عن النوادر مما لم يسبق نشره، ولم يسمع به إلا العدد القليل من الفهماء.

وقد تهيأت له عدة رسائل صغيرة نادرة ضمت ديوان الأفوه الأودي، وديوان الشنفرى، وديوان إبراهيم بن العباس الصولي، والمختار من شعر المتنبي والبحتري وأبي تمام للإمام عبد القاهر الجرجاني، وقد نشرت له لجنة التأليف والترجمة هذه الرسائل سنة (1356هـ = 1937م) تحت عنوان الطرائف الأدبية.

وكان لهذا الجهد الفهمي الرفيع في حتى يعمق صلاته بفهماء مصر من أمثال محب الدين الخطيب ومحمود محمد شاكر، ومحمد أبوالفضل إبراهيم، ورجال دار الخط المصرية، الأمر الذي ترتب عليه حتى قام الميمني بنشر إنتاجه الفهمي في القاهرة التي كانت تعهد قدر الرجل وسعة فهمه، وظهر ذلك في اختيار مجمع اللغة العربية بالقاهرة له عضوا مراسلا، اعترافا بفضله وجهده.

الإنتاج الفكري والفهمي

دار إنتاج الميمني حول التراث العربي تعريفا به وتحقيقا له، ومن هذا الإنتاج:

• ديوان حميد بن ثور الهلالي، وهذا الديوان جمعه الميمني وأعاد بناءه ونشرته دار الخط المصرية بالقاهرة.

• ديوان سحيم عبد بني الحسحاس، وقد حققه الميمني ونشرته دار الخط المصرية، ثم أعيد طبعه في القاهرة سنة 1384هـ.

• الوحشيات وهي الحماسة الصغرى لأبي تمام الطائي، وقد نشرت دار المعارف تحقيقه لهذا الكتاب في سلسلتها ذخائر العرب المعروفة سنة 1383هـ، ويذكر حتى العلامة محمود محمد شاكر قد راجع هذا التحقيق وزاد في حواشيه.

• الفاضل في اللغة والأدب لأبي العباس المبرد، وتولت نشره دار الخط المصرية وهوثالث الخط التي حققها الميمني وقدمها لدار الخط لتقوم بطبعها بعد ديوان سحيم وديوان حميد بن ثور الهلال، وقد طبع في القاهرة سنة (1357هـ = 1955م).

وهذا الكتاب لم ينشر من قبل، ولم يكن معروفا أومتداولا بين الفهماء، وقد عثر عليه الميمني في أثناء تطوافه في مخطة أسعد أفندي بإستانبول.

• أبوالعلاء وما إليه، فائت شعر أبي العلاء، ونشر هذا التحقيق في القاهرة سنة 1344هـ بالمطبعة السلفية.

• نسب عدنان وقحطان لأبي العباس المبرد، وهي رسالة صغيرة حققها ونشرتها لجنة التأليف والترجمة سنة 1354هـ.

• المنقوص والممدود للفراء والتنبيهات على أغاليط الرواة لعلي بن حمزة، ونشر الكتابان معا في سلسلة ذخائر العرب التي تصدرها دار المعارف بالقاهرة سنة 1397هـ.

ومن تآليفه النافعة كتاب إقليد الخزانة، وهوفهرس للخط الواردة في خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي، وقد طبعته جامعة البنجاب بالهند سنة 1927م.

وقد جمعت منطقاته وبحوثه في اللغة والأدب بعد وفاته في مجلدين تحت عنوان بحوث وتحقيقات قام عليها محمد اليعلاوي، ونشرته دار الغرب الإسلامي ببيروت.

وفاته

وقد امتد به العمر حتى بلغ التسعين من عمره، وهوموفور النشاط حتى توفي في يوم (الجمعة الموافق 26 من ذي القعدة 1398هـ = 27 من أكتوبر 1978م) بعد حياة حافلة، وأصدرت مجلة المجمع الفهمي الهندي عددا ممتازا عنه، وقام شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق بدراسة مؤلفاته وتحقيقاته، ونشر هذه الدراسة في مجلة المجمع في المجلد الرابع والخمسين سنة (1399هـ = 1979م).

مصادر

• محمود محمد الطناحي – مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي – مخطة الخانجي – القاهرة – 1984م.

• محمد خير رمضان يوسف – تتمة الأعلام – دار ابن حزم – بيروت – 1418هـ = 1998م.

• عبد العزيز الميمني: الطرائف الأدبية – لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة – 1937م.

إسلام أون لاين: الراجكوتي.. لسان العربية في الهند       تصريح