العلوم في بابل

عودة للموسوعة

العلوم في بابل

إن الحياة في أي حضارة سابقة ما هي إلا مهادا للحياة لنا في عصرنا هذا وبالتأكيد فلإن التأثير لن يأتينا فقط من حضارة المكان الجغرافي الذي نعيش فيه في الوقت الحاضر فقط ، لكن من كرم التاريخ وعطاياه علينا حتى الحضارات البائدة الباقية تتجمع كلها وتعتصر لنا خبرات وتعاليم وقصص وعلوم مجمعة كلها لتصب علينا في العصر الحديث ، وإذا نظرنا مثلا للحضارة البابلية فسوف نجد حتى البابليون كانوا تجاراً ، ومن أجل هذا كان نجاحهم في الفهم أيسر من نجاحهم في الفن. لقد أوجدت التجارة علوم الرياضة ، وتعاونت مع الدين على إيجاد الفلك. وكانت الأعمال المتعددة التي يقوم بها كهنة أرض الجزيرة، من قضاء بين الناس، وهيمنة على المصالح الحكومية ، وزراعة وصناعة ، وعرافة وخبرة بالنظر في النجوم وفي أحشاء الحيوانات - كانت الأعمال التي يقوم بها هؤلاء الكهنة حافزاً لهم على حتى يضعوا على غير فهم منهم ، أسس العلوم التي كانت في أيدي اليونان الملحدين سبباً في إنزال الدين من مركز الزعامة والسيطرة على العالم. كانت علوم البابليين الرياضية تستند إلى تقسيم الدائرة إلى 360 درجة ، وتقسيم السنة إلى 360 يوم. وعلى هذا الأساس وضعوا نظاماً ستينياً للعد والحساب بالسنين. وهوالنظام الذي نشأت منه فيما بعد النظم الإثنى عشرية التي تعد بالإثنى عشرات. وكانوا لا يستخدمون في العد إلا ثلاثة أرقام - منها علامة للواحد تتكرر حتى تكون تسع علامات متماثلة للرقمتسعة ، وعلامة ثانية للرقمعشرة تتكرر حتى تصل إلى 50 ، وعلامة للرقم 100 ؛ وكان مما سهل لهم عملية العد والحساب حتى وضعوا جداول لا تقتصر على ضرب الأعداد السليمة وقسمتها بل تضم أيضاً أنصاف الأعداد الرئيسية وأثلاثها ومربعاتها ومكعباتها. وتقدم فهم الهندسة حتى كان في وسعهم ان يقدروا المساحات المعقدة ومساحات الأشكال غير المنتظمة. وكانوا يقدرون النسبة التقريبية (النسبة بين محيط الدائرة وقطرها) بثلاثة وهوعدد تقريبي لا يليق بأمة من الفلكيين.

وكان الفلك هوالفهم الذي إمتاز به البابليون ، وهوالذي إشتهروا به في العالم القديم كله. وهنا أيضاً كان السحر منشأ الفهم ، فلم يفهم البابليون النجوم ليرسموا الخرائط التي تعين على مسير القوافل والسفن ، بل درسوها أكثر ما درسوها لتعينهم على التنبؤ بمستقبل الناس ومصائرهم ، وبذلك كانوا منجمين أكثر منهم فلكيين. وكان جميع كوكب من الكواكب إلهاً تهمه شئون الناس ولا غنى عنه في تدبيرها. فكان المشتري مردك ، وعطارد نابو، والمريخ نرجال ، والشمس شمش ، والقمر سِنْ ، وزحل نبيب ، والزهرة إشتار. وكانت جميع حركة من حركات جميع نجم أوكوكب تدل على حتى حادثاً سقط على الأرض أوتتنبأ بوقوعه. فإذا كان القمر منخفضاً مثلاً، كان معنى ذلك حتى أمة بعيدة ستخضع للملك ، وإذا كان هلالاً كان معناه حتى الملك سيظفر بأعدائه. وأضحت الجهود التي تبذل لاستخلاص الفهم بالمستقبل من حركات النجوم شهوة من شهوات البابليين ، إستطاع بها الكهنة الخبيرون بالتنجيم حتى يجنوا أطيب الثمرات من الملوك والشعب على السواء. وكان من هؤلاء الكهنة من هومخلص لفهمه مؤمن به ، ينقب بغيرة وحماسة في المجلدات التي تبحث في التنجيم ، والتي وضعت ، حسب رواياتهم المأثورة ، في عهد سرجون ملك أكد. وكانوا يشكون من الدجالين الذين يسيرون بين الناس يقرءون لهم طوالعهم أويتنبئون بما سيكون عليه الجوبعد عام شأن تقويمنا في هذه الأيام، جميع هذا نظير أجور يتقاضونها وهم لم يدرسوا من التنجيم شيئاً. ونشأ فهم الفلك نشأة بطيئة من هذه الأرصاد ومن خرائط النجوم التي كانت تهدف إلى التنجيم والتنبؤ بالغيب. وقد إستطاعوا منذ عام 2000 ق.م حتى يسجلوا بدقة شروق الزهرة وغروبها بالنسبة إلى الشمس ، وحددوا مواضع عدة نجوم ، وأخذوا يصورون السماء على مهل. فلما فتح الكاشيون بلاد بابل توقف هذا التقدم نحوألف عام. ثم واصلوه من حديث في عهد نبوخد نصر ، فصور الفهماء الكهنة مسارات الشمس والقمر ، ولاحظوا إقترانهما كما لاحظوا الخسوف والكسوف ، وعينوا مسارات الكواكب، وكانوا أول من ميز النجوم الثوابت من الكواكب السيارة تمييزاً دقيقاً ، وحددوا تاريخ الإنقلابين الشتائي والصيفي ، وتاريخي الإعتدالين الربيعي والخريفي ؛ وساروا على النهج الذي سبقهم إليه السومريون فقسموا دائرة فلك البروج (أي مسار الأرض حول الشمس) إلى الأبراج الاثنى عشر. وبعد حتى قسموا الدائرة إلى 360 درجة عادوا فقسموا الدرجة إلى ستين دقيقة والدقيقة إلى ستين ثانية. وكانوا يقدرون الزمن بالساعة المائية والمزولة، وأكبر الظن أنهم لم يعملوا على ترقية هاتين الآلتين فحسب بل إنهم إخترعوهما إختراعاً. وقسموا السنة إلى إثني عشر شهراً قمرياً، منها ستة في جميع منها ثلاثون يوماً والستة الأخرى في جميع منها تسعة وعشرون. ولما كان مجموع أيامهما على هذا الحساب لا يبلغ إلا 354 يوماً فإنهم كانوا يضيفون في بعض السنين شهراً آخر لكي يتفق تقويمهم مع الفصول. وقسموا الشهر إلى أربعة أسابيع تتفق مع أوجه القمر الأربعة. وحاولوا حتى يتخذوا لهم تقويماً أسهل من هذا بأن قسموا الشهر إلى ستة أسابيع جميع منها خمسة أيام ؛ ولكن ثبت بعد إذ حتى ُوجد القمر أقوى أثراً من رغبات الناس ، وبقي التقسيم الأول كما كان. ولمقد يكونوا يحسبون اليوم من منتصف الليلة إلى منتصف الليلة التي تليها ، بل كان عندهم من شروق القمر إلى شروقه التالي ، وقسموا هذه المدة إلى إثنتي عشرة ساعة ، في جميع ساعة منها ثلاثون دقيقة ، وبذلك كان طول الدقيقة البابلية أربعة أضعاف ما قد يوحي إلينا إسمها. إذن فتقسيم الشهر عندنا إلى أربعة أسابيع ، وتقسيم أوجه ساعاتنا إلى إثنتي عشرة ساعة (لا إلى أربع وعشرين) وتقسيم الساعة إلى ستين دقيقة ، والدقيقة إلى ستين ثانية ، جميع هذه آثار بابلية لا ريب فيها باقية من أيامهم إلى عهدنا الحاضر ، وإن كان هذا لا يخطر لنا على بال. وكان اعتماد العلوم البابلية على الدين وإرتباطها به أقوى أثراً في ركود الطب منه في ركود الفلك. على حتى أساليب الكهنة الخفية لم تحل دون تقدم العلوم بقدر ما حال دونه تخريف الشعب. ذلك حتى علاج السقمى قد خرج إلى حد ما عن إختصاص الكهنة وسيطرتهم من أيام حمورابي ، ونشأت مهنة منتظمة للأطباء ذات أجور وعقوبات يحددها القانون ، فكان المريض الذي يستدعي طبيباً لزيارته يعهد مقدماً كم من المال يجب عليه حتى يؤديه نظير هذا العلاج أوذاك ونظير هذه الجراحة أوتلك ؛ وإذا كان هذا المريض من الطبقات الفقيرة نقص الأجر لكي يتناسب مع فقره. وإذا أخطأ الطبيب أوأساء العمل كان عليه حتى يؤدي للمريض تعويضاً. لقد بلغ الأمر في بعض الحالات التيقد يكون فيها الخطأ شنيعاً حتى تبتر أصابع الطبيب كما تجاوز القول ، حتى لا يمارس صناعته عقب هذا الخطأ مباشرة. ولكن هذا الفهم الذي تحرر من سلطان الدين تحرراً يكادقد يكون تاماً كان عاجزاً بسبب حرص الشعب على التشخيص القائم على الخرافات والأوهام ، وعلى العلاج بالأساليب السحرية. ومن أجل هذا كان السحرة والعرافون أحب إلى الشعب من الأطباء ؛ وقد فرضوا على الناس، بفضل نفوذهم عندهم ، طرقاً للعلاج أبعد ما تكون عن العقل. فكان منشأ السقم في رأيهم تقمص الشيطان جسم المريض لذنب إرتكبه ، وكان أكثر ما يعالج به لهذا السبب تلاوة العزائم وأعمال السحر والصلوات. فإذا ما أستخدمت العقاقير الطبية ، فإنها لم تكن تستخدم لتطهير جسم المريض ، بل كان إستخدامها لإرهاب الشيطان وإخراجه من الجسم. وكان أكثر الأدوية شيوعاً عقاراً مكوناً من خليط من العناصر التي تعافها النفس اختيرت لهذا السبب عن قصد ، ولعلهم كانوا يفترضون حتى معدة المريض أقوى من معدة الشيطان الذي يتقمصه. وكانت العناصر المألوفة لديهم هي اللحم الني ، ولحم الثعابين ، ونشارة الخشب الممزوجة بالنبيذ والزيت ؛ أوالطعام الفاسد ، ومسحوق العظام ، أوالشحم والأقذار ، ممزوجة ببول الحيوان أوالإنسان أوبرازه. وفي بعض الحالات كان يستبدل بهذا العلاج بالأقذار لبن وعسل وزبد وأعشاب عطرة يحاولون بها إسترضاء الشيطان فإذا لم يفلح مع المريض جميع علاج ، ُحمل في بعض الحالات إلى السوق لكي يتمكن جيرانه من حتى يشبعوا رغبتهم القديمة فيصفوا له العلاج الفعال الذي لا يخطئ. على حتى من واجبنا حتى نقول حتى الثمانمائة لوح التي بقيت لدينا لتحدثنا عن طب البابليين لا تحتوي على جميع ما كان لديهم منه ولعلنا نظلمهم إذا حكمنا عليهم بما نجده فيها وحدها. ذلك حتى ستعادة الكل الضائع من جزء صغير عثر عليه منه من أشد الأعمال خطورة في التاريخ، وليست كتابة التاريخ إلا إعادة الكل من جزئه. وليس ببعيد حتى لاقد يكون العلاج بالسحر إلا إستخداما لقوة الإيحاء إستخداماً ينطوي على كثير من الدقة ؛ ولعل هذه المركبات الكريهة كان يقصد بها حتى تكون مقيئات. ولعل البابليين حين يقولون إذا السقم ينشأ من غزوالشياطين جسم المريض عقاباً له على ما يرتكبه من الذنوب ، لا يقصدون بقولهم هذا شيئا أبعد عن المعقول من قولنا نحن حتى السقم ينشأ من غزوالبكتريا لجسم المريض بسبب إهماله الإجرامي أوعدم نظافته أونهمه. وقصارى القول حتى من واجبنا حتى لا نكون واثقين جميع الثقة من جهل أسلافنا.


المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 04:19:00
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بعد أزمة روايته الجديدة.. عبده خال: وجدت 6 روايات بنفس الاسم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:54
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 70%

ضُرة بوسي.. وصلة رقص لهشام ربيع مع زوجته الجديدة (فيديو)

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:22:11
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

فوكس نيوز: هجمات 11 سبتمبر ما زالت كابوسا يهدد مصالح أمريكا عالميا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:45
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

مباحثات بين العراق والأردن بشأن التعاون الاقتصادى والتجارى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:44
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

الشباب والرياضة تطلق رسميًا المنصة الوطنية للشباب “كياني”

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:22:01
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

«الكرة السعودية في 95 عاما».. كتاب جديد عن المصري للنشر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:53
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

صباح الخير يا مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:22:06
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

حكم مشاركة المرأة بأموال أطفالها الصغار في التجارة؟.. الإفتاء تجيب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:59
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

المجد لله

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:22:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

اليوم الأحد.. فصل التيار الكهربائي عن عدد من القرى بكفر الشيخ

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:22:07
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 61%

الخميس.. آخر موعد لاختبارات القدرات بكليات جامعة الأزهر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:58
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

منتدى مصر للتعاون الدولي: تنظيم 3 فعاليات تدريبية لبناء القدرات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:50
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

مدرس الفرنساوي يفض عذرية طالبات الإعدادي والثانوي في درس خصوصي

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:22:10
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

برلمانية تهنئ مقررى لجان الحوار الوطنى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:47
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 60%

أهم معلومات تحتاجها لتنمية صوتك وملكاتك الموسيقية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:22:03
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

عرض فني جديد لفرقة غزل المحلة للفنون الشعبية على مسرح 23 يوليو (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:53
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

ارتفاع أسعار البترول وخام برنت يسجل 92.84 دولار

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-11 12:21:49
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية