تياذوق
كان تياذوق طبيباً فاضلاً وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب وعمر وكان في أول دولة بني أمية ومشهوراً عندهم بالطب وصحب أيضاً الحجاج بن يوسف الثقفي المتولي من جهة عبد الملك بن مروان وخدمه بصناعة الطب وكان يعتمد عليه ويثق بمداواته وكان له منه الجامكية الوافرة والافتقاد الكثير ومن كلام تياذوق للحجاج نطق لا تنكح إلا شابة ولا تأكل من اللحم إلا فتياً ولا تشرب الدواء إلا من علة ولا تأكل الفاكهة إلا في أوان نضجها وأجد مضغ الطعام وإذا أكلت نهاراً فلا بأس حتى تنام وإذا أكلت ليلاً فلا تنم حتى تمشي ولوخمسين خطوة فنطق له بعض من جاء إذا كان الأمر كما تقول فلم هلك بقراط ولم هلك جالينوس وغيرهما ولم يبق أحد منهم نطق يا بني قد احتججت فاسمع إذا القوم دبّروا أنفسهم بما يملكون وغلبهم ما لا يملكون - يعني الموت - وما يرد من خارج كالحر والبرد والوقوع والغرق والجراح والغم وما أشبه ذلك وأوصى تياذوق أيضاً الحجاج فنطق لا تأكلن حتى تجوع ولا تتكارهنّ على الجماع ولا تحبس البول وخذ من الحمام قبل حتى يأخذ منك ونطق أيضاً للحجاج أربعة تهدم العمر وربما قتلن دخول الحمام على البطنة والمجامعة على الإمتلاء وأكل القديد الجاف وشرب الماء البارد على الريق وما مجامعة العجوز ببعيدة منهن ووجد الحجاج في رأسه صداعاً فبعث إلى تياذوق وأحضره فنطق اغسل رجليك بماء حار وادهنهما وخصي للحجاج قائم على رأسه فنطق واللَّه ما رأيت طبيباً أقل فهم بالطب منك شكى الأمير الصداع في رأسه فتصف له دواء في رجليه فنطق له أما حتى علامة ما قلت فيك بينة نطق الخصي وما هي نطق نُزعت خصيتاك فمضى شعر لحيتك فضحك الحجاج ومن حضر.
وشكى الحجاج ضعفاً في معدته وقصوراً في الهضم إلى تياذوق فنطققد يكون الأمير يحضر بين يديه الفستق الأحمر القشر البراني ويكسره ويأكل من لبه فإن ذلك يقوي المعدة فلما أمس الحجاج بعث إلى حظاياه ونطق إذا تياذوق وصف لي الفستق فبعث إليه جميع واحدة منهن صينية فيها قلوب فستق فأكل من ذلك حتى إمتلأ وأصابته بعقبه هيضة كادت تأتي على نفسه فشكى حاله إلى تياذوق ونطق وصفت لي شيئاً أضرَّ بي وذكر له ما تناول فنطق له إنما قلت لك حتى جاء عندك الفستق بقشره البراني فتكسر الواحدة بعد الواحدة وتلوك قشرها البراني وفيه العطرية والقبض فيكون بذلك تقوية المعدة وأنت فقد عملت غير ما قلت لك وداواه مما عرض له قيل ومن أخباره مع الحجاج أنه ولج عليه يوماً فنطق له الحجاج أي شيء دواء أكل الطين فنطق عزيمة مثلك أيها الأمير فرمى الحجاج بالطين من يده ولم يعد إليه أبداً وقيل حتى بعض الملوك لما رأى تياذوق وقد شاخ وكبر سنه وخشي حتى يموت ولا يعتاض عنه لأنه كان أفهم الناس وأحذق الأمة في وقته بالطب فنطق له صف لي ما أعتمد عليه فأسوس به نفسي وأعمل به أيام حياتي فلست آمن حتى يحدث عليك وقع الموت ولا أجد مثلك فنطق تياذوق أيها الملك بالخيرات أقول لك عشرة أبواب إذا فهمت واجتنبتها لم تعتل مدة حياتك وهذه عشر حدثات:
1 - لا تأكل طعاماً وفي معدتك طعام.
2 - ولا تأكل ما تضعف أسنانك من مضغه وفتضعف معدتك عن هضمه.
3 - ولا تشرب الماء على الطعام حتى تفرغ ساعتين فإن أصل الداء التخمة وأصل التخمة الماء على الطعام.
4 - وعليك بدخول الحمام في جميع يومين مرة واحدة فإنه يخرج من جسدك ما لا يصل إليه الدواء.
5 - وأكثر الدم في بدنك تحرص به نفسك.
6 - وعليك جميع فصل قيئة ومسهلة.
7 - ولا تحبس البول وإن كنت راكباً.
8 - وإعرض نفسك على الخلاء قبل نومك.
9 - ولا تكثر الجماع فإنه يقتبس من نار الحياة فلا يكثر أويقل.
10 - ولا تجامع العجوز فإنه يورث الموت الفجأة.
فلما سمع الملك ذلك أمر محرره حتى يخط هذه الألفاظ بالمضى الأحمر ويضعه في صندوق من مضى مرصع وبقي ينظر إليه في جميع يوم ويعمل به فلم يعتل مدة حياته حتى اتىه الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه وذكر إبراهيم بن القاسم المحرر نطق نطق الحجاج لابنه محمد يا بني إذا تياذوق الطبيب كان قد أوصاني في تدبير الصحة بوصية كنت استخدمها فلم أر إلا خيراً ولما حضرته الوفاة دخلت عليه أعوده فنطق الزم ما كنت وصيتك به وما نسيت منها فلا تنس لا تشربن دواء حتى بحاجة إليه ولا تأكلن طعاماً وفي جوفك طعام وإذا أكلت فامش أربعين خطوة وذا امتلأت من الطعام فنم على جنبك الأيسر ولا تأكلن الفاكهة وهي مولية ولا تأكلن من اللحم إلا فتياً ولا تنكحن عجوزاً وعليك بالسواك ولا تتبعن اللحم اللحم فإن إدخال اللحم على اللحم يقتل الأُسود في الفلوات ونطق أيضاً إبراهيم بن القاسم المحرر في كتاب أخبار الحجاج إذا الحجاج لما اغتال سعيد بن جبير وكان من خيار التابعين وجرى بينهما كلام كثير وأمر به فذبح بين يديه وخرج منه دم كثير استكثره وهاله فنطق الحجاج لتياذوق طبيبه ما هذا نطق لإجتماع نفسه وأنه لم يجزع من الموت ولا هاب ما عملته به وغيره تقتله وهومفترق النفس فيقل دمه لذلك.
ومات تياذوق بعد ما أسن وكبر وكانت وفاته بواسط في نحوسنة تسعين للهجرة ولتياذوق من الخط كناش كبير ألفه لابنه كتاب إيدال الأدوية وكيفية دقها وإيقاعها وإذابتها وشيء من تفسير أسماء الأدوية.