أبويوسف الأنصاري
أبويوسف الأنصاري (113 هـ = 731 م - 182 هـ = 800 م) هوأبويوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري ، فقيه إسلامي وقاضي شهير وأحد تلامذة الإمام أبوحنيفة النعمان.
النشأة
ولد يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري المعروف بأبي يوسف في الكوفة ، وبها نشأ وتفهم ، واتجه مبكرا إلى دراسة الحديث ، فسمع أبا إسحاق الشيباني ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، وعطاء بن السائب ، وتفهم المغازي على محمد بن إسحاق ، صاحب السيرة النبوية المعروفة باسمه ، ثم تتلمذ على عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف ، ثم اتصل بالإمام أبي حنيفة ، ولازم حلقته ودروسه ، غير أنه أحيانا كان ينبتر عنها ؛ لاضطراره حتى يعمل حتى يقابل نفقات الحياة ، فلما رأى أبوحنيفة ذلك وأحزنه حتى تصرف ضرورات العيش تلميذه النجيب عن طلب الفهم ؛ تكفله بالعيش ، وأمدّه بماله حتى يفرغ تماما للدراسة.
وصُنْع أبي حنيفة مع تلميذه خليق بالإعجاب والتقدير ، فهويتحمل أعباءه المالية كما يتحمل أعباء تعليمه وتهذيبه، ويسوّي بينه وبين ولده في الإنفاق والتهذيب، وإذا كان التاريخ لا يعتد بما خلّفه أبوحنيفة من أموال وعقار، فإنه يفخر بما أنجب من تلاميذ، ملئوا الدنيا فهمًا وفقهًا، وحسبك من أستاذقد يكون بين تلاميذه: أبويوسف ، ومحمد بن الحسن الشيباني، وزفر، والحسن بن زياد.
ولم يكتف أبويوسف بما حصله من فهم أبي حنيفة، فرحل إلى المدينة المنورة، واتصل بعالمها المبرز الإمام مالك، فأخذ عنه الحديث والفقه، ووجد منهجًا يختلف عن منهج إمامه أبي حنيفة، فوازن بينهما وقارن، وجادل شيخه وحاجّه، ثم عاد إلى العراق مزودًا بفهم أهل المدينة، فجمع بين المدرستين: مدرسة الأثر في المدينة، ومدرسة الرأي في العراق، وقرّب بينهما، وساعده على ذلك اشتغاله برواية الحديث.
أبويوسف قاضيا
روي عن أبي حنيفة أنه نطق عن تلاميذه: أصحابنا ستة وثلاثون رجلا ، ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء، وفيهم ستة يصلحون للفتوى، وفيهم اثنان يصلحان لتأديب القضاة وأصحاب الفتوى، وأشار إلى أبي يوسف، وزفر.
وحين استشار الإمام أبوحنيفة تلميذه أبا يوسف في قبول وظيفة القضاء ونصحه أبويوسف بالقبول، نطق له شيخه: لكأني بك قاضيا، وهي النبوءة التي نطق عنها هارون الرشيد فيما بعد: إذا أبا حنيفة كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه.
اشتغل أبويوسف بالقضاء في سنة (166هـ = 782م) في عهد الخليفة العباسي "المهدي"، وبلغ الغاية في عهد الخليفة "هارون الرشيد" حيث تولى منصب قاضي القضاة، وهومنصب استُحدث لأول مرة في تاريخ القضاء، وشاءت الأقدار حتىقد يكون أبويوسف هوأول من يشغله في التاريخ الإسلامي.
وقد أعطى هذا المنصب الجليل لأبي يوسف حتى ينشر ممضىه وفقه شيخه أبي حنيفة، وجعله الفقه الرسمي بالقضاء والإفتاء والتدوين الرقمي، وأتاح له الذيوع والانتشار، وصقله عمليًا، فإن القضاء فيه لقاءة لمشاكل الناس، ووضْع طرق لمعالجتها، ووقوف على الشئون العامة، ومن ثم مكّن أبويوسف للممضى الحنفي بأن يسود ويعم بتعيين أتباعه في كراسي القضاء، حيث كان يناط به تعيينهم في الولايات؛ باعتباره القاضي الأول في الدولة العباسية.
أبويوسف والرشيد
ارتبط أبويوسف بعلاقة وثيقة مع الخليفة الرشيد، وتبوأ عنده مكانة عالية، فكان يؤاكله ويحج معه ويؤمه ويفهمه.. خط له في كتاب "الخراج": "وقد خطت لك ما أمرت وشرحته لك وبينته فتفقهه وتدبره، وردد قراءته حتى تحفظه، فإني قد اجتهدت لك في ذلك ولم آلك والمسلمين نصحا".
وهذا الكتاب الذي يعد من أعظم خط الفقه الإسلامي، كان استجابة لرسالة من الرشيد إلى قاضيه أبي يوسف في حتى يضع له كتابا في مالية الدولة وفق أحكام الشرع الحنيف، وقد تضمن الكتاب بيانا بموارد الدولة على اختلافها، حسبما اتىت به الشريعة، ومصارف تلك الأموال، وتطرّق إلى بيان الطريقة المثلى لجمع تلك الأموال، وتعرض لبعض الواجبات التي يلزم بيت المال القيام بها.. وهوما أغفله بعض الولاة.
والكتاب وثيقة تاريخية مهمة في تصوير بعض الأحوال المالية والاجتماعية في هذا العصر، فهويندد ببعض ممارسات بعض الولاة مع أهل الخراج، حيث يطالبونهم بما ليس واجبا عليهم من أموال، ويشتطون في تحصليها.
ويقترح أبويوسف في "الخراج" على الخليفة حتى يجلس للنظر في مظالم الرعية مجلسا واحدا في الشهر أوالشهرين، يسمع فيه من المظلوم، وينكر على الظالم؛ حتى ينتهي الولاة عن ظلم رعيتهم، كما حثّه على حتى يجيب مطالب المزارعين وأهل الخراج في جميع ما فيه مصلحة لهم، كحفر الأنهار. ويلتزم بيت المال بالإنفاق على تلك المشروعات.. وخلاصة القول إذا أبا يوسف وضع نظاما شاملا للخراج يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
أبويوسف مجتهدا
يتفق المؤرخون في حتى أبا يوسف يعد صاحب الفضل الأكبر في نشر الممضى الحنفي، وأنه كان من أفقه أهل عصره، فهوأول من وضع في أصول الفقه على ممضى الإمام أبي حنيفة، وأملى المسائل، وبث فهم الإمام في أقطار الأرض.
ومع اتصاله بأبي حنيفة اتصال التلميذ بالأستاذ، وأخذه الفقه عنه.. فإنه خالف إمامه في مسائل متعددة، واستقل في تفكيره عنه؛ ولذا عدّه بعض الفهماء من المجتهدين المستقلين الذين يستخرجون الأحكام من الكتاب والسنة وليسوا تابعين لأحد في اجتهادهم، كالأئمة الأربعة.
مؤلفًا
ولأبي يوسف خط كثيرة دوّن فيها آراءه وآراء شيخه، ذكرها ابن النديم في "الفهرست"، فنطق: ولأبي يوسف من الخط في الأصول والأمالي: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة ، كتاب الصيام، كتاب الفرائض، كتاب البيوع، كتاب الحدود… غير حتى أشهر خطه: كتاب الخراج، وقد تحدثنا عنه، وكتاب الآثار، وهومسند لأبي حنيفة رواه أبويوسف عنه، ويضم طائفة من الأحاديث التي اعتمد عليها أبوحنيفة في بعض ما استنبطه من أحكام وفتاوى، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من فتاوى التابعين من فقهاء الكوفة والعراق.
"وكتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي، وهوكتاب جمع فيه أبويوسف مسائل اختلف فيها أبوحنيفة مع ابن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف، وهويصور ما كان يجري بين فهماء ذلك العصر من دراسة عميقة للمسائل المتنوعة ، وعُنِي أبويوسف فيه بذكر آراء المختلفين مدعومة بالدليل، وإن كان ينتصر كثيرا لآراء شيخه أبي حنيفة".
وكتاب الرد على سير الأوزاعي وفي هذا الكتاب يرد أبويوسف على الأوزاعي فيما خالف فيه أبا حنيفة من أحكام الحروب، وما يتصل بها من الأمان والهدنة والأسلاب والغنائم، وينتصر لشيخه على الأوزاعي في هذه المسائل وما يتصل بها.
وفيخمسة من ربيع الأول 182 هـ= 21 من إبريل 798م توفي أبويوسف وصلى عليه الخليفة هارون الرشيد، وأمر بدفنه في مقابر قريش، وسمعه السامع يوم توفي يقول: اللهم إنك تفهم أنني لم أَجُر في حكم حكمت فيه بين اثنين من عبادك تعمدًا، وقد اجتهدت في الحكم بما وافق كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
المصادر
- ابن خلكان – وفيات الأعيان – تحقيق إحسان عباس- دار الثقافة – بيروت – 1968.
- أبوالوفاء القرشي – الجواهر المضية في طبقات الحنفية – تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو– عيسي البابي الحلبي- القاهرة – 1399هـ – 1979.
- محمد أبوزهرة – أبوحنيفة حياته وعصره – دار الفكر العربي – القاهرة – 1977م.
- محمد ضياء الدين الريس- الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية – دار المعارف – القاهرة – 1969م.
