الحِلْمُ - لغةً -:

الأَناةُ والعقل، وجمعه: أَحْلام وحُلُومٌ .

والحِلْم خلافُ الطَّيش. ينطق: حَلُمْتُ عنه أحلُم، فأنا حليمٌ

والحِلْم - اصطلاحًا- عُرِّف بعدَّة تعريفات منها:

• (ضبط النَّفس والطَّبع عن هيجان الغضب).

• وقيل: (الطُّمَأْنِينَة عند سَوْرَة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظَّالم).
• وقيل هو: (اسم يقع على زمِّ النَّفس عن الخروج عند الورود عليها، ضدُّ ما تحبُّ إلى ما نهي عنه. فالحِلْم يشتمل على الفهم والصَّبر والأَنَاة).

الفرق بين الحلم وغيره من المعاني

الفرق بين الحِلْم والصَّبر

الحِلْم هوالإمْهَال بتأخير العقاب المستحقِّ... ولا يصحُّ الحِلْم إلَّا ممَّن يقدر على العقوبة وما يجري مجراها... والصَّبر حبس النَّفس لمصادفة المكروه وصَبَر الرَّجل حَبَس نفسه عن إظهار الجزع .

الفرق بين الحِلْم والأَنَاة والرِّفق

وأمَّا الأَنَاة: فهي التَّأنِّي في الأمور وعدم العجلة، وألَّا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجَّل ويحْكُم على الشَّيء قبل حتى يتأنَّى فيه وينظر. وأمَّا الرِّفق: فهومعاملة النَّاس بالرِّفق والهون حتى وإن استحقُّوا ما يستحقُّون مِن العقوبة والنَّكال، فإنَّه يرفُق بهم .

الفرق بين الحِلْم والوَقَار

الوَقَار: الهدوء وسكون الأطراف، وقلَّة الحركة في المجلس، ويقع أيضًا على مفارقة الطَّيش عند الغضب، مأخوذ مِن الوَقْر وهو: الحِمْل .

الفرق بين الحِلْم والإمْهَال

أنَّ كلَّ حلمٍ إمهالٌ، وليس كلُّ إمهالٍ حلمًا.

ورود الحلم في القرآن الكريم

نطق عزَّ وجلَّ (في سورة الأعراف):  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ   .

يقول ابن تيمية (وقد انطوت البشارة على ثلاثٍ: 1-على أنَّ الولد غلامٌ ذكرٌ، 2-وأنَّه يبلغ الحِلْم، 3-وأنَّهقد يكون حليمًا، وأيُّ حلمٍ أعظم مِن حلمه حين عرض عليه أبوه الذَّبح فنطق: سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ .وقيل: لم ينعت الله الأنبياء بأقلَّ مِن الحِلْم ونعت إبراهيم به في قوله تعالى في التوبة: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ  ،وفي هود: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ  ؛ لأنَّ الحادثة شهدت بحلمه.).

نطق تعالى: ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ ُينفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) ~[آل عمران: 133- 134].

نطق ابن كثير: ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)) أي: لا يعملون غضبهم في النَّاس، بل يكفون عنهم شرَّهم، ويحتسبون ذلك عند الله عزَّ وجلَّ. ثمَّ نطق تعالى: ((وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)) أي: مع كفِّ الشَّرِّ يعفون عمَّن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم مَوجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا نطق: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، فهذا مِن مقامات الإحسان).

نطق تعالى: ((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)) [فصِّلت:34].

نطق ابن كثير: (أي: إذا أحسنت إلى مَن أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبَّتك، والحنوعليك، حتى يصير كأنَّه وليٌّ لك حميم، أي: قريب إليك مِن الشَّفقة عليك والإحسان إليك. ثمَّ نطق: ((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا)) [فصِّلت:35]، أي: وما يقبل هذه الوصيَّة ويعمل بها إلَّا مَن صبر على ذلك، فإنَّه يشقُّ على النُّفوس، ((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُوحَظٍّ عَظِيمٍ)) أي: ذونصيب وافر مِن السَّعادة في الدُّنْيا والآخرة.

نطق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: (أمر الله المؤمنين بالصَّبر عند الغضب، والحِلْم عند الجهل، والعفوعند الإساءة، فإذا عملوا ذلك عصمهم الله مِن الشَّيطان، وخضع لهم عدوُّهم كأنَّه وليٌّ حميم).

ورود الحلم في السنة

نطق لأشجِّ عبد القيس:

(إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم والأَنَاة).

نطق رسول الله :

(ليس الشَّديد بالصُّرَعَة إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

نطق ابن عبد البر: (في هذا الحديث مِن الفقه: فضل الحِلْم. وفيه دليلٌ على أنَّ الحِلْم: كتمان الغيظ. وأنَّ العاقل مَن مَلَك نفسه عند الغضب؛ لأنَّ العقل -في اللُّغة-: ضبط الشَّيء وحبسه منه).

وعن أنس بن مالك نطق: نطق :

((التَّأنِّي مِن الله والعجلة مِن الشَّيطان وما أحدٌ أكثر معاذير مِن الله وما مِن شيءٍ أحبُّ إلى الله مِن الحِلْم)).

الحلم في أقوال السلف والفهماء

• نطق عمر بن الخطاب : (تعلَّموا الفهم وتعلَّموا للفهم السَّكينة والحِلْم).

• ونطق علي بن أبي طالب : (ليس الخير حتى يَكْثُر مالك وولدك، ولكنَّ الخير حتى يَكْثُر فهمك ويَعْظُم حلمك، وأن لا تباهي النَّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت: حمدت الله تعالى، وإذا أسأت: استغفرت الله تعالى).

ينبغي لحامل القرآن حتىقد يكون باكيًا محزونًا حكيمًا حليمًا سكينًا،ولا ينبغي لحامل القرآن حتىقد يكون جافيًا ولا غافلًا ولا صخَّابًا ولا صيَّاحًا ولا حديدًا —عبد الله بن مسعود

• ونطق معاوية بن أبي سفيان : (لا يبلغ العبد مبلغ الرَّأي حتى يغلب حِلْمُه جهله، وصبرُه شهوته، ولا يبلغ ذلك إلَّا بقوَّة الحِلْم).

• وعن الحسن نطق: (المؤمن حليمٌ لا يجهل وإن جُهِل عليه، حليمٌ لا يظلم، وإن ظُلِم غَفَر، لا يبتر، وإن قُطِع وصل، لا يبخل، وإن بُخلِ عليه صبر).

• ونطق أكثم بن صيفي: (نادىمة العقل الحِلْم، وجماع الأمر الصَّبر، وخير الأمور العفو).

• ونطق مُرَّةً لعَرَابَة بن أوس: (بم سدت قومك يا عَرَابَة،يا ترى؟ نطق: كنت أحْلُم عن جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في حوائجهم...).

• ونطق الحسن البصري في تفسير قوله تعالى (في سورة الفرقان): ((وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)): أي (حُلَمَاء: إذا جُهِل عليهم لم يجهلوا).

مشاهد من حِلْم النبي والصحابة الكرام

عن أنس نطق: ((كان رسول الله مِن أحسن النَّاس خُلُقًا، فأوفدني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أمضى، وفي نفسي حتى أمضى لما أمرني به نبيُّ الله ، نطق: فخرجت حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السُّوق، فإذا رسول الله ، قابضٌ بقفاي مِن ورائي، فنظرت إليه وهويضحك، فنطق: يا أنيس! امضى حيث أمرتك، قلت: نعم، أنا أمضى يا رسول الله. نطق أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أوتسع سنين ما فهمت نطق لشيء صنعتُ: لم عملتَ كذا وكذا،يا ترى؟ ولا لشيء هجرتُ: هلَّا عملتَ كذا وكذا؟)).

نطق النَّوويُّ: (فيه ما كانوا عليه مِن الحِلْم والتَّصبُّر والعفووالشَّفقة على قومهم، ونادىئهم لهم بالهداية والغفران، وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنَّهم لا يفهمون، وهذا النَّبيُّ المشار إليه مِن المتقدِّمين، وقد جرى لنبيِّنا مثل هذا يوم أحد).

عن أنس بن مالك نطق: ((كنت أمشي مع رسول الله ، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه⁽¹⁾ بردائه جبْذَةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته، ثمَّ نطق:يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء))

(1)- جبذه: أي جذبه وشدَّه إليه بخشونة.

وعن أبي هريرة أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ يتقاضاه فأغلظ، فهمَّ به أصحابه، فنطق رسول الله : دعوه فإنَّ لصاحب الحقِّ منطقًا. ثمَّ نطق: أعطوه سِنًّا مِثْل سِنِّه، نطقوا: يا رسول الله، لا نجد إلَّا أمثل⁽¹⁾ مِن سِنِّه، فنطق: أعطوه، فإنَّ مِن خيركم أحسنكم قضاءً)).

(1)- أمثل: أفضل، أحسن.

(اتى أعرابي يتقاضى النبي بعيراً له، أي: يطلب منه قضاء ماله عنده، (فأغلظ) أي: الدائن -كعادة الأعراب- (له): اللام فيه للتبليغ والضمير للنَّبي ، (فهم به أصحابه) أي: أرادوا حتى يعملوا به جزاء إغلاظه، (فنطق النبي دعوه) أي: اهجروه وعلل الأمر بقوله: (فإن لصاحب الحق منطقاً) أي: نوعاً خاصاً من الموضوع، وهوما فيه علوعلى المدين (ثم نطق: أعطوه سِناً مثل سنه) طلباً للمماثلة في القضاء. -نطق الحافظ في الفتح: المخاطب بذلك أبورافع مولى النبي ، كما أخرجه مسلم- (فنطقوا: يا رسول الله لا نجد إلا أمثل) أي: إلا سناً أعلى (من سنه نطق: أعطوه) أي: الأعلى (فإن خيركم أحسنكم قضاء)أي: خيركم في المعاملة).

مما يعين على التَّخَلُّق بالحِلْم

1- تذكُّر كثرة حِلْم الله على عباده، وأنه من أسمائه تعالى: الحليم.

فالله تعالى حليم؛ يرى معصية العاصي ومخالفته لأمره فيمهله، نطق أبوحاتم: (الواجب على العاقل، إذا غضب واحتدَّ، حتى يذكر كثرة حلم الله عنه، مع تواتر انتهاكه محارمه، وتعدِّيه حرماته، ثمَّ يَحْلُم، ولا يخرجه غيظه إلى الدُّخول في مسببات المعاصي).

2- تذكُّر الأجر العظيم مِن الله تعالى لمن يكظم غيظه ويعفوعن النَّاس.

3- الرَّحمة والشفقة على الجاهل والضعيف.

4- كراهية رد السَّيِّئة بمثلها، والتَّحمل عن ذلك.

يقول جابر بن عبد الله : ((غزونا مع رسول الله غزوة نَجْدٍ، فلمَّا أدركته القائلة وهوفي واد كثير العِضَاه، فنزل تحت شجرة، واستظلَّ بها وعلَّق سيفه، فتفرَّق النَّاس في الشَّجر يستظلُّون، وبينا نحن كذلك إذ نادىنا رسول الله فجئنا، فإذا أعرابيٌّ قاعد بين يديه، فنطق: إنَّ هذا أتاني وأنا نائمٌ، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهوقائمٌ على رأسي مخترطٌ صلتًا، نطق: مَن يمنعك مني،يا ترى؟ قلت: الله. فشَامَه ثمَّ قعد، فهوهذا، نطق: ولم يعاقبه رسول الله )).

5- اتقاء مضرة أوسوء أكبر قد يجره الرد على الإساءة.

وكان الأحنف بن قيس يقول: (مَن لم يصبر على حدثة سمع حدثات، ورُبَّ غيظٍ قد تجرَّعته مخافة ما أشدُّ منه، وأنشد:

رضيت ببعض الذُّل خوف جميعه **** كذلك بعض الشَّرِّ أهونُ مِن بعض.

7- تذكر المحاسن والأفضال أوالعِشْرَة السابقة.

عن حفص بن غياث نطق: (كنت جالسًا عند جعفر بن محمد، ورجل يشكورجلًا عنده، نطق لي كذا، وعمل لي كذا، فنطق له جعفر: مَن أكرمك فأكرمه، ومَن استخفَّ بك فأكرم نفسك عنه).

ونطق الشَّاعر:

(إنَّ الوفاء على الكريم فريضـة ***** واللُّؤم مقرون بذي الإخـلاف

وترى الكريم لمن يعاشر منصفًا ***** وترى اللَّئيم مجانب الإنصاف ) .

المراجع