يوحنا الدمشقي
يوحنا الدمشقي قديس سوري هو( منصور بن سرجون الدمشقي ) ولد سنة 676 م في مدينة دمشق - سوريا من عائلة سورية مسيحية عربية عريقة وغنية، عُرفت بفضيلتها ومحبتها للفهم وبمكانتها السياسية والاجتماعية، إذ إذا سرجون، والد يوحنا ومنصور جده، كانا يعملان على إدارة أموال الخلفاء الأمويين وعلى جمع الخراج من المسيحيين 1. وعلى ما يظهر حتى منصور، في مطلع شبابه، قد شَغِلَ هذه الوظيفة لمدة من الزمن 2.
يوحنا الدمشقي اومنصور بن سرجون حصل منذ نعومة أظافره على ثقافة أدبية وفلسفية ودينية مهمة: فقد ذكرت لنا سيرته حتى مفهمه كان راهباً من جزيرة صقلية، من أسرى الحرب اشتراه والده وكان في خدمة يوحنا واخية ثم حرّره (أعتقه) وعَهِدَ إليه بتعليم ابنيه: أولهما منصور والثاني قزما ابنه بالتبني. وقد أتقن اليونانية، لغة الطبقة الراقية من كبار المتعلّمين ايامها في دمشق، واللغة السريانية السورية القديمة ، لغة الشعب المستعملة في الليتورجيا ولغة السيد المسيح ورغمّ حتى جميع كتاباته التي وصلت إلينا كانت باليونانية فمن المؤكد أنه كان يعهد العربية أيضاً لغة عائلته الأصلية.
وما حتى توفيَ سرجون، والده، حتى أخذ يوحنا مكان أبيه في إدارة أموال الدولة في العهد الاموي ، بينما انتحل قزما الحياة الرهبانية في سيق مار سابا. ثم ما لبث منصور -وكان قد بلغ حوالي الثلاثين من عمره- ولأسباب نجهلها وقد تكون سياسية - حتى هجر مركزه والتحق بمفهمه قزما وبأخيه إلى سيق مار سابا أيضاً. فأحب هناك الحياة النسكية وراح يتعمق في اللاهوت على يد البطريرك يوحنا الرابع (706-734) الذي كان يطلبه غالباً لإلقاء المواعظ والخطب في أورشليم. وهناك اتخذ اسم يوحنا -ربما تيمناً بأستاذه البطريرك-.
في ذلك الوقت (حوالي سنة 725)، قامت بدعة تحارب تكريم الأيقونات المقدسة. مدعية حتى هذا التكريم إنما هوعبادة وثنية 3. فهبَّ يوحنا بكل ما لديه من قوة وثقافة يدافع عن التمسك بالسجود للأيقونات المقدسة مشروحاً حتى هذا السجود إنما هومجرد تكريم للأشخاص الممثلة في الأيقونات، وليس هوعلى الإطلاق عبادة الصور. وقد عمل جميع ذلك، "رغم أنه لم يكن بعد من ذوي مراتب البيعة المقدسة".
وفي هذا المجال، تسرد لنا سيرته حتى لاون الملك، ماقت الأيقونات المقدسة، لحقده على يوحنا اتهمه زوراً بالخيانة، مما سبب له بتر يده. وتقول الرواية فما كان من يوحنا إلا حتى ولج غرفته "وطرح على الأرض كلية جسده قُدام أيقونة السيدة المجيدة، ذات الشفاعات غير المردودة، وألصق كفه المقطوع إلى زنده وتوسّل إليها من قعر قلبه، وفاضت عيناه دموعاً محرقة منحدرة على صدره، قائلاً: أيتها السيدة القديسة الطاهرة والدة إلهنا الحدثة الأزلية، بتجسده من دمائك النقية لمحبته الجزيلة لجنس البشرية، أسألك حتى تتوسلي إليه من أجلي... لكي تردي يدي إلى ما كانت عليه أولاً كاملة، سليمة من جميع ألم وبتر، معافاة، وتظهري عبدك جزيل تحننك (كذا) لكي ما يبطل لساني ما عشت من مديحك، لأنك قادرة على ما سألتكِ". "وللحين غفت عيناه فرأى المتحننة بشكلها وهيئتها ناظرة إليه بطرفها وقائلة له: قد عُفيت يدك، فأنجز لإلهك نذرك، ولا تؤخر عهدك. فاستيقظ بفرح مسرور، ونهض واقفاً على رجليه، مصلياً شاكراً. وترنم للوقت بما يلائم سرعة إجابته في توسله وكما عافيته لساعته" 4. وأيقونة العذراء ذات الأيدي الثلاث هي رمزاً للأعجوبة المذكورة.
وعلى أساس تلك الحملة التي شنّها يوحنا ضد معارضي الأيقونات المقدسة، واضعاً أسساً ثابتة ونهائية لهذا التكريم، عقد الأمبراطور قسطنطين (كبرونيم) مجمعاً سنة 754، تغيّب عنه أبرز المدعوين (بطاركة الإسكندرية وأنطاكية وأورشليم) حيث رفض الحاضرون رفضاً قاطعاً تكريم الأيقونات المقدسة وقرّروا حتى جميع من يخالف ذلك يعتبر متمرداً على وصايا الله وعدواً مخالفاً للعقائد المحددة في مجمع (هييرا) هذا المؤلف من 338 أسقف، ثم حرموا أشهر الذين دافعوا عن هذا التكريم أي جاورجيوس وجرمانوس القسطنطيني ومنصور بن سرجون يوحنا الدمشقي .
إلا حتى المجمع النقاوي الثاني 787 (المجمع المسكوني السابع)،اعاد الاعتبار للايقونات بعد حتى تبّت تكريم الأيقونات المقدسة، أعاد لهؤلاء المحرومين ومنهم يوحنا في مجمع هييرا سنة 754، كرامتهم "رحمة أبدية لجرمانوس ويوحنا وجاورجيوس، أبطال الحقيقة... إذا الثالوث قد مجّد ثلاثتهم" 6.
وكان يوحنا الدمشقي يعتكف في صومعته، في سيق مار سابا يؤلف مع أخيه قزما الترانيم والقوانين الدينية التي لا تزال الكنيسة تترنم بها إلى يومنا هذا. وكانت قريحته فيّاضة لدرجة أنه استحق حتى يُدعى فيما بعد بـ "مجرى المضى". ثم شاءت العناية الإلهية حتى يُنتخب قزما أسقفاً على مايوم، وطُلب مراراً إلى يوحنا حتى يُرتسم كاهناً. وكان في جميع مرة يرفض، إلى حتى "اصبح في البيت المقدس قسيساً بغير مراده، بل بكثرة الزامه إياه غلبه على رأيه. ولما عاد من عنده إلى السيق زاد في نسكه وتعبده. وانعطف إلى تصنيف أقواله التي سرت إلى أقصى المسكونة" -7.
ويعتبر المؤرخون حتى رسامته قد تمت بوضع يدي البطريرك الأورشليمي يوحنا الخامس (735) -8.
توفي القديس يوحنا الدمشقي على الأرجح سنة 749 -9 في ديره المذكور، بعد حتى قضى حياة طويلة في النسك والتأليف. فدفن هناك وبقي قبره معروفاً ومكرماً حتى القرن الثاني عشر. ومن ثم نُقلت عظامه، على مايبدو، إلى القسطنطينية -10. وما كاد يموت حتى ذاع صيت قداسة يوحنا الدمشقي، فأخذ الشعب في تكريمه وإنشاد تآليفه الليتورجية والرجوع إلى خطه اللاهوتية. ..