الإيمان بالقدر
الإيمان بالقدر
معنى الإيمان بالقدر ودليله:
هوالتصديق الجازم بأن جميع خير وشر فهوبقضاء الله وقدره، وأنه الفعّال لما يريد، لاقد يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا مَحيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خُط في اللوح المسطور، وأنه خالق أفعال العباد والطاعات والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم، غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يُسأل عما يعمل وهم يسألون.
والإيمان بقدر الله تعالى أحد أركان الإيمان، كما في جواب الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان نطق: « "أن تؤمن بالله وملائكته وخطه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره » رواه مسلم.
ونطق صلى الله عليه وسلم: « "لوحتى الله سبحانه عذّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم، ولورحمهم كانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم، ولوكان لك مثل جبل أحد مضىا أنفقته في سبيل الله تعالى ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر وتفهم حتى ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأنك إذا مت على غير هذا دخلت النار » رواه أحمد
والقدر - بفتح الدال -: هوتقدير الله تعالى للكائنات حسبما تجاوز به فهمه، واقتضته حكمته.
حكم الاحتجاج بالقدر في هجر ما أمر الله به :
إن الإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي حتىقد يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية، وقدرة عليها، لأن الشرع والواقع دالان على إثبات ذلك له. أما الشرع، فقد نطق الله تعالى في المشيئة: { فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا سورة النبأ آية: 39.
ونطق تعالى في القدرة: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ سورة البقرة آية: 286
وأما الواقع فإن جميع إنسان يفهم حتى له مشيئة وقدرة بهما يعمل، وبهم يهجر، ويفرِّق بين ما يقع بإرادته كالمشي وما يقع بغير إرادته كالارتعاش، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته، لقول الله تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ سورة الإنسان آية: 30 ولأن الكون كله مُلك لله تعالى فلاقد يكون في ملكه شيء بدون فهمه ومشيئته.
والإيمان بالقدر على ما تجاوز تقريره لا يمنح العبد حُجّةً على هجر ما أمر الله به أوفِعل ما نهى الله عنه
آثار الإيمان بالقدر:
إن الإيمان بالقدر مع أنه عقيدة يجب الإيمان بها، وركن من أركان الإيمان يَكفُر مُنكره، إلاَّ حتى له آَثارا محسوسة في حياة الناس، ومن هذه الآثار ما يلي:
1- القدر من أكبر الدواعي التي تدعوالفرد إلى العمل والنشاط والسعي بما يرضي الله في هذه الحياة، والإيمان بالقدر من أقوى الحوافز للمؤمن لكي يعمل، ويُقدم على عظائم الأمور بثبات ويقين. إن المؤمنين مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، والإيمان بأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله، لأن الله هوالذي خلق الأسباب، وهوالذي خلق النتائج. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، إحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لوأني عملت لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء عمل، فإن لوتفتح عمل الشيطان » رواه مسلم.
2- ومن آثار الإيمان بالقدر حتى يَعْرِف الإنسان قَدْر نفسه، فلا يتكبر ولا يَبْطُر ولا يتعالى أبدا ؛ لأنه عاجز عن فهم المقدورِ، ومستقبل ما حادث، ومن ثم يقرّ الإنسان بعجزه وحاجته إلى ربه تعالى دائما .
3- إذا الإنسان إذا أصابه الخير بَطَر واغتر به، وإذا أصابه الشر والمصيبة جزع وحزن، ولا يعصم الإنسان من البطر والطغيان إذا أصابه الخير، والحزن إذا أصابه الشر، إلا الإيمان بالقدر، وأن ما سقط فقد جرت به المقادير، وسبق به فهم الله.
يقول أحد السلف: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنَّ بعيشه .
4- والإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات، وتغرس الأحقاد بين المؤمنين، وذلك مثل رذيلة الحسد، فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأن الله هوالذي رزقهم وقدّر لهم ذلك، وهويفهم أنه حين يحسد غيره إنما يعترض على القدر.
5- الإيمان بالقدر يغرس في نفس المؤمن حقائق الإيمان المتعددة، فهودائم الاستعانة بالله، يعتمد على الله ويتوكل عليه مع عمل الأسباب، وهوأيضا دائم الافتقار إلى ربه تعالى يستمد منه العون على الثبات، وهوأيضا كريم يحب الإحسان إلى الآخرين فتجده يعطف عليهم ويسدي المعروف إليهم.