مكيافيلي الجديد
المؤلف | هربرت جورج ويلز |
---|---|
الناشر | |
الإصدار | 1910 |
ماكيافيللي الجديد كتاب من تأليف الأديب هربرت جورج ويلز عام 1910.
المقدمة
ملايين القراء الذين يعهدون الكثير عن روايات الخيال الفهمي، والروايات الفهمية الأخرى التي خطها الإنكليزي هـ ج ويلز، خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، يصعب عليهم بكل تأكيد حتى يصدّقوا حتى ويلز نفسه هومحرر رواية «ماكيافيللي الجديد» التي صدرت في طبعة أولى، في عام 1910، حاملة اسم صاحب «حرب العوالم» و«آلة الزمن» و«جزيرة الدكتور مورو» وغيرها من روايات كانت، في زمنها، أعطت ذلك النوع المسلّي والمحرّك للمخيلة من الأدب، بعض أفضل ما خط فيه في اللغة الانكليزية. ذلك ان رواية «ماكيافيللي الجديد» تكاد تكون، شكلاً وجوهراً، منتمية الى أدب أوسكار وايلد: الشخصيات نفسها تقريباً، الحبكة والمسار نفسهما الى حد ما. والنظرة التهكمية الساخرة نفسها الى الانتهازية المسيطرة على عالم السياسة. ومع هذا يتوجب على قراء ويلز حتى يصدقوا هذا، خصوصاً حتى هذا المحرر، حين أصدر هذه الرواية، كان يعيش واحداً من التغيرات الأساسية في حياته، وكان قد انتهى لتوه من خوض تجربة في العمل السياسي الاشتراكي المباشر، قرّبته لسنوات قليلة من أقطاب تيار الفابية الاشتراكي ولا سيما من جورج برنارد شوومن سيدني وبياتريس ويب. غير حتى تلك التجربة كانت انتهت الى الإخفاق، ومن بعدها سعى ويلز الى رسم فكرانية جديدة همها ان توجد ارستقراطية جديدة «تعثر في الفهم وحده على الدروب الموصلة الى سلطة مطلقة على الطبيعة نفسها». وهوعبّر عن هذا المسعى في كتاب له صدر عام 1905 في عنوان «يوتوبيا حديثة». سليم ان هذا الكتاب كان متميزاً وحافلاً بالأفكار المقنعة، لكن ويلز خرج منه، أيضاً، خائب المسعى سياسياً. ولعل خيبته هذه هي التي دفعته في ذلك الحين بالذات، الى كتابة «ماكيافيللي الجديد» التي، إذ قورنت في ذلك الحين، من ناحية بأعمال ويلز الكثيرة والمتنوعة التي كانت صدرت من قبلها، وطوال العقود السابقة، وقورنت من ناحية ثانية بمسرحيات وأعمال لأوسكار وايلد ولغيره تنحوالمنحى نفسه من المضمون، قيل ان ويلز بات يعيش هبوطاً في قدراته الكتابية.
والحقيقة ان هذا كان الى حد ما سليماً، إذ إذا هذا المحرر الذي كانت له سيطرة شبه تامة على العالم الإنكليزي الأدبي، خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لم يقدم ما جدير بالانتباه حقاً، خلال الربع الأول من القرن العشرين، بل حتى رحيله مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، هوالذي راحت «الرسائل» و«الدلالات» و«المعارك» تكثر في خطه الأخيرة على حساب الخيال والقوة الأدبية.
لكنّ في هذا القول، على أية حال، ظلماً لويلز في اتجاهين: اتجاه أعماله الأخيرة والتي كانت، في الحسابات كافة، جزءاً من معركة تنويرية انسانية آثر المحرر ان يخوضها مضحّياً من أجلها ببعض ملكة إبداعه، واتجاه اعماله الأولى التي علينا حتى نلاحظ دائماً انها، ومهما بلغ مدى الخيال والبعد الفني فيها، تظل أعمالاً تنويرية حافلة بالدلالات تبحث للإنسان عن آفاق محورها العقل والفهم قطبا معركة هـ ج ويلز الدائمة.
السيرة
أما «ماكيافيللي الجديد» فتقف عند الحافة بين ذينك الاتجاهين، إذ إذا ويلز حرص فيها على حتى يزاوج بين فن الحكاية الخالصة، وبين النظرة الأخلاقية الى السياسة. وهي، في هذا المعنى، تبدولنا أكثر معاصرة من أعماله الأخرى كافة. خصوصاً أننا لا نزال قادرين على قراءتها اليوم وكأنها عمل حديث، في وقت اتىت فيه التطورات الفهمية لتتجاوز ما كان مدهشاً ومفاجئاً في معظم روايات هذا المحرر السابقة.
على أية حال، تعارف المؤرخون والنقاد دائماً على ان «ماكيافيللي الجديد» هي واحدة من أطول روايات ويلز ومن أكثرها طموحاً. ناهيك بوجود راوٍ في هذه الرواية، هورمنغتون بطلها، والذي سنكتشف بسرعة انه هومن يطلق عليه المؤلف اسم «ماكيافيللي الجديد»، وسنعهد بعد قليل لماذا. فالحال ان كون رمنغتون يعيش زمنه ويريد حتى يلعب دوراً أساساً في أحداث هذا الزمن، أمر يضعنا مباشرة في قلب الأحداث والمواضيع ذات العلاقة بالإمبراطورية البريطانية في ذلك الزمن... بل انه يؤدي في بعض الأحيان، بسبب مباشرة ما ينقله الينا الراوي، الى تحطيم تعاقبية السرد الروائي، لكن هذا كان مقصوداً من أجل الوصول الى واقعية، أوالى إيهام بالواقع، يعطي العمل أبعاده الأخلاقية - السياسية.
ان رمنغتون هنا، شاب نراه في البداية، وكما يحدثّنا هوعن نفسه، شديد الطموح ومستقلاً من الناحية الفكرية، وهويقبل على الحياة بالطموح نفسه الذي كان لويلز حين كان في عمره ، وكما سيقول لنا المحرر في نصوص أخرى هي أقرب الى السيرة الذاتية. وكذلك فإن ما يميّز رمنغتون هومثاليته المطلقة، التي تقود خطواته الأولى على درب الحياة العامة. وإذ نراه أولاً في جامعة كامبريدج، نرى رمنغتون وقد اتصل بالشبيبة الاشتراكية، محاولاً اعتناق أفكاره. والحقيقة ان وصف الراوي - وبالتالي ويلز - الأجواء الثقافية والطالبية كما كانت سائدة في ذلك الحين، يبديها عابقة بالحياة وبالحيوية، حيث يخيل الى القارئ ان المحرر يتعمد وضع راويه في قلب تلك الحياة... ولكن فقط لكي يخرجه منها بعد حين وقد استبدت به الخيبة، الخيبة نفسها التي كانت من نصيب ويلز، ولكن آثر انفصاله عن الاشتراكيين الغابيين. المهم ان رمنغتون بعد تلك الانطلاقة الاشتراكية، نراه وقد ولج الى مجلس العموم البريطاني، ولكن - ولأسباب شديدة التعقيد قد لا يتسنى فهمها وفهم دلالاتها للجميع، ما يحول النظرة الى هذا الشخص الى نظرة انتهازي يقتنص الفرص - سنجد رمنغتون، البرلماني، في صفوف المحافظين، لا في صفوف «العمال» أوما شابههم من قوى وتيارات اشتراكية، حتى وإن كان قد دنا من الشبان المحافظين ذوي النزعة الإصلاحية. غير حتى هذا التبدّل يظل منطقياً، ضمن هجريبة رمنغتون، بالمقارنة مع حكاية زقابل، التي تشغل الجزء الأكبر من أقسام الرواية. فعند بداية مساره السياسي كان رمنغتون قد اقتنع بالزواج بالحسناء مارغريت، وهي فتاة ذكية مثالية عاونته كثيراً في الوصول الى مبتغاه، بل يخيّل، اليه وإلينا، في بعض الأحيان انه لولاها لما كان حقق شيئاً. ومع هذا فإن موقف رمنغتون من مارغريت لا يظهر واضحاً. بل انه يميل، على الدوام، ناحية نساء أخريات، ثم بخاصة ناحية ايزابيل التي إذ يلتقيها يكتشف قوة سحرها وحيويتها، ويرتبط بها على رغم احساسها بأنها أدنى من مارغريت بكثير. وفي لحظة من اللحظات يجد رمنغتون وايزابيل انهما وصلا الى مفترق طرق، فإما حتى ينفصلا وإما حتى يتزوجا.
والأدهى من هذا ان رمنغتون إذ يشعر الآن ان عليه حتى يختار بين ايزابيل وبين مساره السياسي، يختار ايزابيل وقد اكتشف انه انما كان قد تخلى عن حماسة ومثالية شبابه من أجل شيء لا يدوم طويلاً. وبهذاقد يكون ويلز قد صور الصراع بين الطموح والحب، منتصراً للحب وسط مجتمع انتهازي منافق لا يتوقف عن دفع المرء الى حتىقد يكون غير ما كان يريد، أيام براءته انقد يكون عليه.
المؤلف
حين خط هربرت جورج ويلز (1866 - 1946) هذه الرواية - التي تبدوأشبه بجزء موارب من سيرته الذاتية - كان أضحى في الرابعة والخمسين من عمره، وكان مرّ بحقبة مجد مدهشة اعطت ملايين القراء نصوصاً أدبية وفكرية طبعت ذلك الزمن، وليس في مجال الكتابة الفهمية أوالأدبية فقط... وكشفت ان تقلبات ويلز طوال سنوات حياته انما كانت صورة لتقلب تلك الأزمان، وتفاعل حساسية الفنان معها.
المصادر
- ابراهيم العريس (2010-11-20). "«ماكيافيللي الجديد» لـ هـ ج ويلز: سياسة وانتهازية على خطى أوسكار وايلد". جريدة الحياة اللبنانية.