هاملت (ألفرد دوبلن)

عودة للموسوعة

هاملت (ألفرد دوبلن)

مقدمة

منذ حقّق السينمائي الألماني الراحل فاسبندر، أواخر سنوات السبعين، مسلسله التلفزيوني الشهير «برلين ألكسندر بلاتز» عن رواية مواطنه «السابق» ألفريد دوبلن المعروفة بالاسم نفسه، صار اسم دوبلن على جميع شفة ولسان في عالمي الأدب والسينما والثقافة عموماً، وراحت تُكتشف تباعاً أعمال هذا المحرر الذي تبيّن تدريجاً أنه واحد من كبار كتاب القرن العشرين. ومع هذا ظلت روايته «برلين...» العمل الأشهر، وخُيِّل إلى كُثُر أنه أصلاً لم يخط من الأعمال الكبيرة سوى هذه الرواية. ولكن لاحقاً، حين اكتُشفت رواية كبيرة أخرى له هي «هاملت... أوالليل الطويل قد انجلى»، زادت قيمة دوبلن أضعافاً، بل إذا تلك الرواية أدت إلى زوال قدْر من سوء التفاهم كان قد قام بين أدب دوبلن وشخصيته من جهة، وبين قرّائه الألمان خصوصاً من جهة ثانية (كما سنرى). وإذا كان دوبلن قد احتاج إلى جميع ذلك الوقت حتى ينجومن سوء التفاهم، فما هذا إلا لأن حياته واختياراته كانت على الدوام مضطربة، تثير أكثر من سؤال. إلى غير ذلك، إذ أتت روايته المتحدثة عن عودة جندي من الحرب، كشفت الكثير من تناقضات هذا المحرر وخيباته وأفكاره... بخاصة أنه أعرب فيها، ضمنيّاً أنه إذا كان للبشرية من خلاص، فإن هذا الخلاص آت، بلا ريب، من طريق الفن: هذا «الإبداع الإنساني الكبير الذي فيه وحده تتجلى روعة الخلق وروعة الخالق معاً» حسب تعبير موفّق له.


السيرة

عالم ألفريد دوبلن في «هاملت... أوالليل الطويل قد انجلى» هوعالم التناقض، أي العالم الذي يعكس بعض تلك التناقضات التي عاشها دوبلن بين أصوله اليهودية واعتناقه المسيحية، بين الإلحاد واللاأدرية، بين ألمانيته المتأصّلة وفرنسيته المكتسَبة، وبين برلينيته المتأرجحة التي لطالما حاول الفكاك منها، وكوزموبوليته التي سوّرته وحاصرته وحصرته وجعلت جزءاً من عالم الأدب ينساه لحقبة. من جميع هذه التناقضات أنبنت حياة ألفريد دوبلن، ومن هذه الحياة بزغت رواية «هاملت...». حياة ورواية أحسهما صاحبهما حالَ انعدام وزن وطيران في اللامكان. سليم حتى هذا الإحساس لم يكن بعيداً من بطل «برلين ألكسندر بلاتز» رواية دوبلن الأخرى والأشهر من «هاملت...»، حيث لم يعد بطل الرواية بيبركوبف يعهد مدينته برلين خلال تجواله فيها بعد حتى خرج من السجن، لكن هذا الإحساس يصبح أكثر إيلاما مع إدوارد أليسون (بيل) الشخصية المحورية في «هاملت... أوالليل الطويل قد انجلى». وأليسون، في الرواية، هوجندي بريطاني يعود إلى وطنه بُعَيْد الحرب العالمية الثانية، وهو، بعد فترة يمضيها في إحدى العيادات، يعود إلى دار أهله وقد فقد - إلى ساقه التي بُترت - جزءاً كبيراً من مقدراته العقلية. وفيما هوطريح الفراش، يائساً مكتئباً وعلى شفير الهاوية، يروح مراقباً العالم الذي يحيط به، العالم الداخلي في البيت، والعالم في الخارج، العالم الذي «يصله ضجيجه وأصداء ذلك الضجيج تباعاً». وفي العالمين يقيّض لأليسون حتى يلمح الظلام المخيِّم نفسَه: الليل الذي يخيَّل إليه أنه ليل بلا نهاية. ولكن في وسط ذلك الخراب العام،قد يكون للخلاص شكله الأغرب... أي شكله الأقرب إلى المنطق، بعد جميع شيء، إنْ نحن فهمنا عوالم ألفريد دوبلن فهماً كافياً:قد يكون الخلاص من طريق المحيطين بالمريض الذين، وفي أسلوب قريب من أسلوب «ألف ليلة وليلة»، يتناوبون على قراءة نصوص أساسية في حضرة المريض: يروون له الأساطير القديمة، وحكايات الفلاسفة، والحكايات الدينية، وقصص حياة كبار الفنانين والمسرحيات... إلى غير ذلك تتواصل هذه القراءة على مدى الخمسمئة صفحة التي تتألف منها، في أصلها الألماني، تلك الرواية الغريبة. ويبدأ الوعي الحاد والجاد في السيطرة على جنان إدوارد أليسون، فإذا به ينتقل من غياهب الظلام إلى نوافذ النور: ينجلي الليل الطويل من طريق غوص المريض في روائع الفكر والفن. لقد كان على إدوارد أليسون حتى يختار بين الانزواء عن العالم والموت بعد عزلة، وبين الانبعاث إلى الحياة من جديد... من طريق الفن والفكر. فكان حتى اختار الحل الثاني، ما أنهى تلك الرواية التي تلوح للوهلة الأولى كابوسية، بالوقوف إلى جانب الأمل ضد اليأس.

فهل نحن في حاجة هنا إلى حتى نقول إذا إدوارد أليسون ليس، في حقيقة الأمر، سوى ألفريد دوبلن نفسه،يا ترى؟ وإن رحلة الليل الطويل إلى النهار هنا، إنما هي الرحلة التي قام بها دوبلن بغية الوصول إلى أمل أخير داعبه خلال السنوات الأخيرة من حياته؟

للإجابة عن هذا السؤال الأساسي، قد يجدر بنا حتى نعهد حتى الفريد دوبلن نطق دائماً عن نفسه إنه تلميذ نجيب لثلاثة: القديس توما الأكويني، سورين كيركغارد، المفكر الوجودي النرويجي، وسيغموند فرويد، مكتشف التحليل النفسي. ولنعهد هذا أيضاً كي ندرك فحوى الشكوك التي ساورت دوبلن طوال حياته... وصولاً إلى فحوى الأمل الذي داعبه في النهاية إذ عثر عليه. وفي هذا المعنى قد نفهم في شكل أوضح ما نطقه الكثير من نقاد أدب دوبلن ودارسي حياته حين وصفوا «هاملت... أوالليل الطويل قد انجلى» بأنها «نص في العلاج الذاتي لا أكثر ولا أقل». ولنقل نحن، بالأحرى، إذا هذه الرواية قد لعبت دوراً أساسيّاً في حياة محررها. لكن المؤسف حتى هذا الأخير لم يعش طويلاً حتى يشهد نجاح روايته، أويتأثر بها إيجابيّاً. فالرواية كانت، منذ خطها دوبلن أواخر سنوات الأربعين طي النسيان، حتى قُيِّض لها ناشر في ألمانيا الشرقية نشرها، للمرة الأولى، في العام 1956، أي قبل عام من رحيل ألفريد دوبلن. ويومها لم تُثِر الرواية - على أي حال - الاهتمام المتسقط... حيث ظل القراء الألمان متناسين معظم أعمال دوبلن، باستثناء «برلين ألكسندر بلاتز»، بخاصة أنه حين عاد إليهم بعد غياب كان قد عاد في رداء ضابط في الجيش الفرنسي المحتل(!). ولكن خلال سنوات السبعين من القرن العشرين، عادت ألمانيا الغربية تكتشف معظم أعمال دوبلن - انطلاقا من انتشار «برلين ألكسندر بلاتز» -. وبخاصة «هاملت... أوالليل الطويل قد انجلى». وراح القراء يتدافعون لقراءة هذه الرواية حتى يكتشفوا من خلال شفافية شخصية إدوارد أليسون، حتى ألفريد دوبلن لم يكن الخائنَ الذي يعتقدون... وصار دوبلن نجماً ساطعاً إلى درجة حتى غونتر غراس - الذي سيفوز لاحقا بنوبل الأدبية - أسّس جائزة كبيرة باسم دوبلن، وخط عنه دراسات عدة اعتبره فيها مفهمَه الأول والأخير.

المؤلف

ألفريد دوبلن ولد العام 1878 في مدينة شتيتين ليموت العام 1957 في مدينة أميندينغن. وهوتفهم أوائل القرن العشرين الطبَّ في برلين وفرايبورغ، وعمل بالعمل طوال 22 سنة طبيباً للأعصاب في العاصمة الألمانية. أما توجهه الى الأدب فكان بدأ حين كان طالباً في الدراسة الثانوية، إذ خط الموضوعات والقصص القصيرة. وهوبين 1910 و1915 ساهم في تأسيس صحيفة «العاصفة» التعبيرية. وفي العام 1933، وعلى رغم تخليه قبل ذلك عن اليهودية لصالحة لاأدرية معلنة سبقت اعتناقه الكاثوليكية لاحقاً، هرب من النازية إلى زيوريخ أولاً ثم الى باريس فالولايات المتحدة. وهوعاد العام 1945 إلى ألمانيا مع عائلته، ولكن بصفته مواطناً فرنسيّاً. وفي العام 1953 عاد مرة أخرى إلى باريس، التي لن يبارحها إلا مريضاً في العام 1956، وكان بقي له عام واحد فقط يعيشه. أما أشهر ما خط دوبلن، إلى الروايتين اللتين ذكرناهما: «مقتل زهرة صفراء» و«جبال وبحار ومردة» و«رحلة القدر» وثلاثية «6 نوفمبر 1918: حكاية ثورة ألمانية».

المصادر

  • ابراهيم العريس (2010-11-11). "«هاملت...» ألفريد دوبلن: الإبداع طريقاً للخلاص والحرية". جريدة الحياة اللبنانية.
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:30:31
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الرجاء.. ارتفاع عدد المصابين بكورونا

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:31:19
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

كنيسة القديس اثناسيوس الرسول تحتفل بعيد الميلاد المجيد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:28:27
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

داعية بالأوقاف: وصفة دينية للاستيقاظ يوميًا مع أذان الفجر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:28:20
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

السعودية وباكستان تتفقان على تعزيز التعاون الثنائي البرلماني

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:26:43
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

طلب إحاطة لتأخر إدخال الصرف الصحي بأحد مناطق شبرا الخيمة الاثنين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:27:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

تشافي يعلق على اختيار حاليلوزيتش للزلزولي للمشاركة في الكان

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:30:59
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

«أنجبت زوجتي في شهرها الـ7.. فما هى أقل مدة للحمل؟».. فتوى الأزهر تُجيب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:28:14
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

أول ظهور لحمد الله بقميص نادي الاتحاد السعودي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:31:37
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 58%

اتحاد الكرة يعتمد أسماء المرشحين لانتخابات الجبلاية بعد فحص الأوراق

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:31:42
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 47%

في خطاب لوزارة الثقافة.. «المحامين» تطالب بحق الترشيح لجوائز الدولة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:27:04
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

رسالة خاصة من وليد الركراكي إلى اللاعبين

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:31:08
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

«فتوى الأزهر» تُحذر: الخصوصية الزوجية ليست مادة للتسلية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:28:18
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

وفاة لاعب مولودية سعيدة سفيان لوكار خلال اللقاء ضد جمعية وهران

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:29:27
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

قتلى وجرحى من الحوثي بنيران الجيش اليمني في مأرب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:26:46
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

بدر بانون يقترب من مجاورة رحيمي في العين.. والرجاء أكبر المستفيدين

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:30:52
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

«الصحة اليابانية» تجيز استخدام دواء كورونا الفموي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-25 17:26:45
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية