رغبات ذلك الخريف

عودة للموسوعة

رغبات ذلك الخريف

رغبات ذلك الخريف رواية للمحررة الأردنية ليلى الأطرش عام 2010.

المقدمة

تمضى الأردنيّة ليلى الأطرش في روايتها الخامسة «رغبات... ذاك الخريف» إلى خيار في بناء العمل لم يحضر في رواياتها السابقة، (أولاها «وتشرق غرباً» 1988)، وليس ملحوظاً كثيراً في المدوّنة الروائية العربيّة. يقوم على تعدّد الأبطال وعوالمهم، لكلّ منهم قضاياه التي تغاير ما لدى غيرهم، ويتمّ السرد عن كلّ منهم، من دون حتى تكون صلات بين كثيرين منهم، فتغيب الجوامع بينهم، ومن دون حتى تكون روابط بين الحوادث والوقائع المتصلة بهم والمتحدّث عنها. هكذا يجد قارئ النصّ نفسه أمام عدد من الروايات، تلتقي نهاياتها في زمن واحد هو«ذاك الخريف» الذي يحضر في عنوان الرواية. وتوحي تلك النهايات بأنّها لرغبات الشخوص الرئيسيين في النص، الذين يتوزّعون في 320 صفحة، انشغلت بمسارات لأزمنة تحرّكت وأمكنة تنوّعت. وكذلك بمسارات أوجاع وخيبات وآمال وشهوات ورهانات وتطلعات، أحالت كلها، غالباً، إلى مدينة عمّان بتنويعاتها المكانيّة وبمكابدات ناسها وأهلها، والعابرين فيها والمرتحلين منها أيضاً. والبادي أنّ ليلى الأطرش صدرت في كتابتها روايتها، والتي نشرت ضمن أعمال «التفرغ الإبداعي» لدى وزارة الثقافة الأردنية (2010)، عن اعتبار الكتابة الروائيّة كتابة عن الحياة والواقع في تفاصيلهما المتنوّعة، أي عن النبض المتوتر في هذه التفاصيل التي تتعلق (بالضرورة؟) بأحاسيس الإنسان العربيّ وانفعالاته وانشغالاته اليومية والمصيرية، وكذلك بتصوراته في شؤون السياسة والمجتمع والعالم.


السيرة

تتألف «رغبات... ذاك الخريف» من 25 فصلاً، يطغى المكان في عناوينها، منها: عمّان، مخيم الحسين، مقهى عبدون، إيوا، الكويت، بيروت، حي الياسمين، مركز البحث الفهمي، باريس. وتتسمّى عناوين قليلة باسم شخصيات في الرواية، وتأخذ عناوين أخرى أسماء حالات شعورية ذاتية وجمعية، (صقيع الروح، جموح جسد). وعمّان، «العاصمة التي يدغدغ الفقر أطرافها»، مبتدأ السرد في أولى صفحات الرواية ومنتهاه في آخرها. أمّا الزمن الموضوعيّ الذي تحضر فيه شواغل شخصيات العمل فبين تموز (يوليو) 2002 إلى يوم التفجيرات التي استهدفت ثلاثة فنادق في عمّان فيتسعة تشرين الثاني (نوفمبر) 2005. وبالضبط من ساعة ذهاب الشاب غيث، ومعه والده (الاشتراكي) ووالدته إلى المطار، مغادراً عمان إلى أميركا للدراسة، إلى ساعة توزّع شخصيات في الرواية، ومنهم غيث، في تلك الفنادق، ليس في مصادفة أرادتها ليلى الأطرش، أوالراوي العليم الذي يهيمن في المساحات الأوسع في السرد، بل في مسار زمني مضى فيه القصّ إلى تحولات ومستجدات طرأت في شواغل هذه الشخوص ومآلاتها، وفي انتنطقاتها بين أمكنة غير قليلة أخذتْها إلى خيارات في الحياة، حادّة أحياناً.

يتقطّع مسار ذلك الزمن ويتكسر في استرجاعات واستباقات وتداعيات واستذكارات، محكمة، ليصير ممكناً القول إنّ «رغبات... ذاك الخريف»، بنهايتها المفتوحة هذه، معنية بالإحالة إلى تحولات اجتماعية وسياسية في الأردن، وجواره إلى حدّ ما، طوال نحوستين عاماً، منذ نكبة فلسطين وقبلها هجرة عشيرة الحسنات من الكرك إلى مأدبا ثم عمّان، في محكيات غالباً ما يتداخل فيها تنويع سرديّ، يتبدّى في التباس جماليّ وفنيّ رائق بين حكي الراوي وحكي الشخصية المرويّ عنها، ما ييسّر تعبيرها عن نفسها، مع الحضور الطاغي للأول في عموم العمل، إلى جانب إفادات من تقنيات الرسائل الإلكترونية.

تروح الانتنطقات الزمنية في «رغبات... ذاك الخريف» إلى غزوالكويت، وإلى مقاومة الفلسطينيين ما قبل 1984، وخلافات اجتماعية بين وجهاء بينهم إبّان ذلك التاريخ. وتروح إلى حياة اجتماعية في الكويت في سنوات وجود الفلسطينيين الكثيف فيها، وإلى خلافات عوائل في مدينة الكرك الأردنية وتنطقيدهم، وإلى وقائع أخرى متصلة بشخصيات الرواية، ومتصلة بالفضاء السياسيّ والتاريخيّ والاجتماعيّ العام. وفي واحدة من الانتنطقات المكانية في الرواية، يمضى القارئ، بعد وجوده في خيام اللاجئين الفلسطينيين والطوابير أمام معونات وكالة الغوث، إلى إيوا في أميركا ومنازلها المتناسقة وأناقة أجوائها الهادئة، وحيث الامتداد الأخضر لحقول الذّرة. وفي زمن السرد عن الشخصيات وشواغلها يحضر جلاء إسرائيل عن قطاع غزة، وفوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، والحصار على العراق ثم الحرب عليه واحتلاله، واغتيال رفيق الحريري في لبنان، وحصار ياسر عهدات. وتضيء الإحالات إلى هذه الحوادث الظلال الزمنية العامّة للمستجدّات التي تطرأ على الشخصيات، من قبيل تحوّل الشاب أحمد الذي يقيم في مخيم الحسين في عمّان إلى متدين جداً، بعد توترات لديه، تعود إلى رغبته في الانعتاق من وضعه المعيشيّ إلى ما يماثل ما يراه في حي عبدون الراقي، وقد «ضاقت حياته حتى الاختناق «، بحسب الراوي، حتى إذا صار يعمل في أحد الفنادق التي وقع فيها واحد من الانفجارات كان قلقه يتعلق بمسألة تقديم المشروبات الروحية للزبائن، وكان قد سأل أمّه مرّة ما إذا كانت فلسطين «لن ترجع إلا إذا تمرمطْنا»، بعد محاولتها إقناعه بأنّ المخيم هو«إحنا الفلسطينيين».

تفجيرات وضحايا

التفجيرات التي كانت حدثاً مدوياً في الأردن هي الواقعة التي تختتم بها رواية ليلى الأطرش، حين يتواجد في الفنادق التي سقطت فيها أحمد، وكذلك غيث الذي كان هجر دراسته الفهمية في إيوا في أميركا وصار يعمل في المقاولات، ويكون على موعد في فندق آخر مع موسى لاتمام صفقة معه، وكانا قد تعرّفا بعضهما الى بعض في المطار في طريق موسى إلى باريس. ويتواجد في فندق ثالث السوداني عثمان الذي من ذكاء الرواية وجود شخصيته فيها، وهويقيم في عمّان، بعد حتى أقنعته زوجته التي تحبّه بإجراء تخصيب صناعيّ فيها لينجبا، وهي المحرومة من الأطفال ومن المتعة بسبب ختان ظالم، يمضى إلى الفندق لموعد مع عراقي. وهناك اللبناني زياد البستاني الذي يحلّ في فندق ويكون في انتظار راتى الطيراوي التي تعرّف عليها في بيروت، ويريد الزواج منها، وهي التيقد يكون والداها منفصليْن، وكانت حكايات جدّتها لها عن تاريخ العائلة في فلسطين ومقام الأسرة في الكويت طويلاً من المحطات الرائقة في الرواية، وهي «الجدة التي تتوهج ذاكرتها بالتفاصيل، وكأنها امرأة خلقت لتروي».

مع «المتناثرات الروائيّة» أو«المتواليات الحكائية» أو«المحكيات المتعددة»، في أمكنة وأزمنة ومشاهد متنوعة عن هؤلاء، ومع حديث الارتحالات والهجرات والعولمة والتحولات والمتغيرات السياسية والاجتماعية، ثمّة الحضور الغنيّ لشخصيات أخرى في الرواية ذات إشراقات خاصّة، لا سيّما الشخصيات النسوية، ومنها عمّة غيث التي يقضي عريسها يوم زقابلا منه قبل خمسة عقود، وكانت اختارتْه على رغم معارضة أهلها ولأنه ليس من دينها، ما اضطرّ الأسرة إلى «الجلوة» من الكرك إلى مأدبا ثم إلى عمّان، وظلّ طيف العريس حاضراً في ذهنها على الرغم من مضي السنوات، ورأت صورته يوماً في عامل نظافة، تعطف عليه بالطعام وبعض النقود. ومن النساء في الرواية، محاسن الطيراوي التي اقترنت بزوجها على الضدّ من رغبة أهلها، لكنهما ينفصلان لاحقاً، بعد عيش طويل في الكويت وتفاصيل تتصّل بالغنى والثراء. وهناك ابنتها راتى التي درست في الجامعة الأميركية في القاهرة، وتتعرّف في بيروت إلى اللبناني زياد الذي ترغب في الزواج منه، على الرّغم من معارضة أسرتها. واللافت أنّ الشخصيات النسائية أكثر نجاحاً في تحقيق ذواتهن من الرجال، ما يتبدّى، إلى حدّ ما، لدى نوال المطلقة أخت أحمد في مخيم الحسين، ولدى هبة ابنة عم غيث في أميركا والتي تزوجته، وكذلك لدى راتى وأمها محاسن الطيراوي. ويمكن حسبان عمة غيث كذلك، حين بدت مقتنعةً بتصالحها مع ذاتها، وقد «مرّت مخالب السنوات على وجهها وجسدها فلم تحفر إلا قليلاً».

تدل هذه الملاحظة على غزارة التفاصيل والحوادث في الرواية، وغنى الإحالات فيها، ما يتكشّف في اعتناء الرواية، في مواربة فنية، بصراعات الشخصيات مع رغباتهم الذاتية، المجهضة والمتحققة، ومع تطلعاتهم الفردية في بيئاتهم وأوساطهم الاجتماعية، في عمّان والكويت وأميركا مثلا. وفي وسع قارئ الرواية حتى يقع على أنصبة كلّ شخصية في الرواية، بتنوّع محكياتها ومروياتها، من الانكسارات والنجاحات، فيعثر، مثلاً، على شغف محاسن الطيراوي، في لحظة اصطدام مع زوجها عند طلاقها منه، بحكاية ساحر في سريلانكا «يقرأ الغيب، وله قدرة على تقريب القلوب لا يملكها غيره»، سمعتها من خادمتها السريلانكية.

لم يغيّب حضور الراوي العليم في الرواية تظهير الشخصيات من دواخلها، في استبطان مشاعرها، وكذلك تعبير الشخصيات نفسها عما تتناهبها من توترات بشأن الحاضر والمستقبل، ما قد يحيل إلى توصيف للرواية عموماً بأنها كتابة عن القلق أساساً. ويشهجر الراوي مع الشخصيات المروي عنها في توصيف الأمكنة والفضاءات، الواسعة والمغلقة، ومن ذلك ارتعاش غيث في شقـتّه الباردة في إيـوا بالوحـدة، وضـيق شـوارع الكويت شبه الخالية في منتصف الخمسينات.

المصادر

  • ابراهيم العريس (2010-11-15). "ليلى الأطرش تخوض جحيم الواقع العربي". جريدة الحياة اللبنانية.
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:30:32
التصنيفات: كتب 2010

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

‫ وزيرة البيئة: إطلاق أول برنامج تدريبي لشباب الجامعات حول تغير المناخ

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:17:19
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

مستند.. فتح باب العمل لرؤساء ومراقبي كنترولات الشهادة الإعدادية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:17:22
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

بعد هجمات إيران.. الكاظمي من أربيل "احترموا سيادة العراق"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:16:34
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 87%

مديرية الطب البيطري بالقاهرة ينظم قافلة طبية ضمن مبادرة «حياة كريمة»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:17:18
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

49 عضواً بمجلس الشيوخ الأميركي: لن نؤيد الاتفاق النووي الجديد

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:16:23
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 88%

تأجيل لأسباب فنية.. مفاوضات الروس والأوكران تستمر غداً

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:16:09
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 98%

وثيقة تأمين للعاملين بـ«نظافة وتجميل القاهرة»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:17:21
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

موجز الاقتصاد

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:16:36
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 90%

سهم تينسنت الصينية ينخفض 10% بعد غرامة قياسية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:16:45
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 97%

لماذا أغلقت تركيا مكتباً للائتلاف السوري بأنقرة؟ مصادر تكشف

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:16:20
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 94%

طقس الثلاثاء.. أمطار ورياح باردة مثيرة للأتربة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:17:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

الكنيسة تحي وفاة الأنبا صرابامون أسقف دير أنبا يحنس

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:17:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

من هو أحمد سالم مدرب يد الأهلي الجديد؟

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:17:10
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 45%

ما هي الألوان المفضلة لنجمات Critic’s Choice Awards؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-14 18:16:43
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية