هل ستتوحد الفيزياء مع حلول عام 2050

عودة للموسوعة

هل ستتوحد الفيزياء مع حلول عام 2050

نبغي معالجة الطبيعة الكمومية للزمان والمكان في نظرية موحَّدة. وفي سُلم المسافات القصيرة جدا، يمكن الاستعاضة عن الفضاء ببنية مؤلّفة من أوتار وأغشية تتصل ببعضها وتنفصم بشكل مستمر ـ أويُستعاض عنه بشيء آخر أكثر غرابة.

من المنتظر حتى تتيح لنا التجارب التي تجرى في عدة مراكز أبحاث في العالم أخرى إتمام النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، لكن من المحتمل حتى تتطلب نظريةٌ موحَّدة لجميع القوى أفكارا جديدة تماما.

إن فهم مختلف الأحداث الطبيعية بطريقة موحدة يشكل إحدى أبرز مهام الفيزياء. ولم يكن جميع تقدم كبير وقع في الماضي إلا خطوة نحوهذا الهدف: توحيد نيوتن للميكانيك الأرضي والميكانيك السماوي في القرن السابع عشر، وتوحيد ماكسويل للضوء مع نظريتي الكهرباء والمغنطيسية في القرن التاسع عشر، وتوحيد آينشتاين لهندسة الزمان والمكان مع نظرية التثاقل بين عامي 1905 و1916، وأخيرا توحيد الكيمياء مع الفيزياء الذرية بواسطة الميكانيك الكمومي في عشرينات القرن العشرين [انظر الشكل في الصفحتينستة و7].

وقد كرس آينشتاين السنوات الثلاثين الأخيرة من حياته لبحث غير ناجح عن «نظرية حقل موحد» unified field theory. تجمع بين النسبية العامة ـ وهي نظريته في الزمكان space-time والتثاقل gravitation ـ وبين نظرية ماكسويل في الكهرمغنطيسية. وأتى التقدم نحوالتوحيد حديثا من اتجاه آخر. فقد وحّدت نظريتنا الحالية عن فيزياء الجسيمات الأولية وقواها، المعروفة باسم النموذج المعياري، الكهرمغنطيسية مع التفاعلات الضعيفة، وهي القوى التي تبادل بين النيوترونات والپروتونات في السيرورات الإشعاعية وفي النجوم. كما يطرح النموذج المعياري بصورة مماثلة ومنفصلة التفاعلات الشديدة؛ وهي القوى التي تمسك بين الكواركات في الپروتونات والنيوترونات، وبين هذه الأخيرة في نويّات الذرات.

نعهد إلى حد ما كيف من الممكن أن يمكن توحيد نظرية التفاعلات الشديدة مع نظرية التفاعلات الكهرمغنطيسية والضعيفة (المسماة غالبا نظرية التوحيد الكبرى Grand Unification). ويتوقف نجاح هذه النظرية على شمولها للثنطقة gravity، وهنا تكمن الصعوبة. ويتراءى لنا حتى الفروق الظاهرية بين هذه القوى ناتجة من أحداث سقطت في بداية نشأة الكون بُعيد الانفجار الأعظم، لكننا لن نتمكن من تتبع تفاصيل التاريخ الكوني في تلك الأزمنة المبكرة من عمر الكون إلا إذا كانت لدينا نظرية للتثاقل والقوى الأخرى أفضل من النظرية الحالية. وقد يتم التوحيد في حدود عام 2050، لكننا لا نستطيع تأكيد ذلك بكل ثقة.

الحقول الكمومية

إن النموذج المعياري هونظرية حقل كمومي. والحقول هي المكونات الأساسية للنظرية، بما في ذلك الحقلان الكهربائي والمغنطيسي المعروفان في الكهرديناميك منذ القرن التاسع عشر. تحمل التموجات الصغيرة لهذه الحقول الطاقة والعزم momentum من نقطة إلى أخرى. وتأتي هذه التموجات، كما يُفهمنا الميكانيك الكمومي، على شكل حُزَم، أوكمومات quanta، نتعهدها في المختبرات بوصفها جسيمات أولية. وكموم الحقل الكهرمغنطيسي على سبيل المثال هوالجسيم المسمى فوتونا photon.

يقرن النموذج المعياري حقلا بكل جسيم أولي رصدته مختبرات فيزياء الطاقات العالية [انظر الشكل العلوي في الصفحة 8]. فهناك حقول الليپتونات leptons: يضم كمومها الإلكترونات المألوفة المكوِّنة للقسم الخارجي للذرات العادية، وجسيمات أخرى مماثلة أثقل من الإلكترونات تسمى الميونات muons والتاونات tauons إضافة إلى جسيمات حيادية الشحنة الكهربائية تسمى النيوترينوهات neutrinos. وهناك حقول الكواركات quarks المتنوعة التي يرتبط بعضها بالپروتونات والنيوترونات neutrons لتكوين نويات الذرات العادية. وتنتج القوى بين هذه الجسيمات من تبادل الفوتونات وجسيمات أولية مماثلة: تنقل Z˚ ، W-، W+ القوة الضعيفة، كما حتى ثمانية أنواع من الگلوونات تُنتج القوى الشديدة.

تختلف كتل هذه الجسيمات اختلافا كبيرا من واحد إلى آخر. ولا يخضع هذا الاختلاف إلى أي قاعدة مقبولة. فكتلة الإلكترون أخف ب350 ألف مرة من كتلة أثقل الكواركات؛ والنيوترينوهات أخف من ذلك بكثير. وليس في النموذج المعياري آلية ما تفسر منشأ أي من هذه الكتل، اللهم إلا إذا أضفنا إليه حقولا جديدة من نوع يعهد بالحقول السُّلّمية scalar fields. وتعني حدثة «سُلَّمي» حتى ليس لهذه الحقول اتجاه خلافا للحقلين الكهربائي والمغنطيسي وغيرهما من حقول النموذج المعياري الأخرى. وهذا ما يفتح أمامنا مجال نشر هذه الحقول السلمية في الفضاء كله من دون الوقوع في تناقض مع أحد أبرز المبادئ المعتمدة في الفيزياء والقائل بأن الفضاء يُرى على السواء في جميع الاتجاهات وعلى العكس، فلوكان هناك على سبيل المثال حقل مغنطيسي ذودلالة في جميع مكان من الفضاء، لأمكننا تعيين اتجاه مفضل بمجرد استعمال البوصلة العادية.) ويعتقد حتى كتل جسيمات النموذج المعياري ناتجة من تفاعل مختلف حقول هذا النموذج مع الحقول السلّمية المنتشرة في جميع مكان من الفضاء.


ما وراء القمة

إن توحيد ظواهر فيزيائية متباينة في نظرية جامعة يشكل أحد الموضوعات الأساسية في الفيزياء. والنموذج المعياري يصف بنجاح ثلاث قوى من قوى الطبيعة الأربع (الكهرمغنطيسية الضعيفة والشديدة) ويبقى إذًا توحيد هذا النموذج مع النسبية العامة التي تتحكم في قوى التثاقل وفي طبيعة الزمكان.
وماذا بعد،يا ترى؟ هناك إمكانيات عديدة لفيزياء موحدة تتجاوز النموذج المعياري. تدخل النماذج الملونة (a) (Technicolor) تفاعلات جديدة مماثلة لقوة «اللون» التي تربط بين الكواركات. سترافق هذه التفاعلات أجيال جديدة من الجسيمات تختلف عن الأجيال الثلاثة المعروفة. يربط التناظر الفائق (b) بين الفرميونات والبوزونات ويضيف شريكا فائق التناظر لكل جسيم في النموذج. تعيد نظرية الأغشية ونظرية الأوتار (c) صياغة جميع نموذج انطلاقا من كيانات جديدة كالأوتار الرقيقة والعُرى والأغشية التي تسلك سلوك الجسيمات في الطاقات المنخفضة.

يشكل أحد الموضوعات الأساسية في الفيزياء. والنموذج المعياري يصف بنجاح ثلاث قوى من قوى الطبيعة الأربع (الكهرمغنطيسية الضعيفة والشديدة) ويبقى إذًا توحيد هذا النموذج مع النسبية العامة التي تتحكم في قوى التثاقل وفي طبيعة الزمكان.]] لإكمال النموذج المعياري، نحتاج إلى حتى نؤكد وجود هذه الحقول السلمية ونحدد عدد أنواعها. ومن ثم يتعلق الأمر باكتشاف جسيمات أولية جديدة هي كمومات هذه الحقول، وتعهد هذه الجسيمات غالبا باسم جسيمات هيگز Higgs. ولدينا ما يكفي من الأسباب لتسقط تحقيق هذه المهمة قبل عام 2020، أي بعد ما ينوف على عقد من بدء عمل مصادم الهدرونات الكبير في المركز CERN، وهوالمختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات الواقع قرب جنيڤ.

سَيُكْتَشفُ على الأقل جسيم سُلَّمي واحد محايد كهربائيا. وستكون كارثة إذا اقتصر الاكتشاف حتى عام 2020 على هذا الجسيم وحده، إذ إننا سنبقى عندئذ من دون مفتاح لحل اللغز الضخم المتعلق بالطاقات المميزة التي نصادفها في الفيزياء والمعروفة باسم مسألة الهرمية hierarchy problem.

إن الكوارك الذروي هوأثقل جسيم معروف في النموذج المعياري وتعادل كتلته طاقة قيمتها 175 جيگاإلكترون ڤلط (GeV). (اختصارًا: جيڤ، والجيڤ الواحد (1GeV) أكبر بقليل من الطاقة المحتواة في كتلة پروتون واحد) [انظر: «اكتشاف كوارك القمة»،مجلة العلوم، العدد 5(1998) ، ص 54]. ويتسقط حتى تكون كتل جسيمات هيگز التي لم تكتشف بعد مماثلة لهذه الكتلة وتتراوح بين مئة وعدة مئات جيڤ. إلا حتى هناك ما يشير إلى وجود سلم للكتل أوسع من هذا المجال بكثير ستُعبِّر عنه معادلات النظرية الموحَّدة المرتقبة. تختلف شدات تفاعل حقول الگلوون وW وZ والفوتون في النموذج المعياري مع الحقول الأخرى لهذا النموذج؛ وهذا يفسر سبب كون القوى الناتجة من تبادل الگلوون أشد بمئة مرة من القوى الأخرى في الشروط العادية. أما التثاقل فهوفي غاية الضعف: إذا قوة التثاقل بين الإلكترون والپروتون في ذرة الهدروجين هي نحو39-10 مرة شدة القوة الكهربائية.

إلا حتى شدات التفاعل هذه تتوقف على الطاقة التي يجري فيها القياس [انظر الشكل العلوي في الصفحة 9]. ومما يلفت النظر حتى التقدير الاستقرائي يساوي بين مختلف تفاعلات حقول النموذج المعياري في طاقة تتجاوز 1016جيڤ (GeV) بقليل، وتتساوى شدة قوة التثاقل مع شدات القوى الأخرى في طاقة لا تزيد كثيرا على الأولى، نحو1018 جيڤ. (وقد اقتُرِحت تحسينات على نظرية التثاقل إلى درجة أنها تساوي بين شدة التثاقل وشدة القوى الأخرى في نحو1016 جيڤ). ونحن وإن كنا قد اعتدنا في فيزياء الجسيمات على نسب كتل كبيرة إلى حد ما، كنسبة 1 إلى000 350، وهي نسبة كتلة الإلكترون إلي كتلة الكوارك الذروي، فإن هذه النسبة لا تساوي شيئا إذا ما قورنت بنسبة سُلّم ال100 جيڤ: النموذجي لطاقة التفاعلات الشديدة في النموذج المعياري، إلى سلم 1016جيڤ (وربما 1018جيڤ): طاقة التوحيد الأساسية [انظر الشكل السفلي في الصفحة 8]. تكمن عقدة مسألة الهرمية في فهم هذه النسبة الهائلة، هذه القفزة الواسعة من سوية إلى التالية في تسلسل سلالم الطاقة. ونحن لا نعني بالفهم هنا مجرد تعديل الثوابت في مختلف النظريات للحصول على النسبة السليمة، وإنما فهمقد يكون نتيجة طبيعية لمبادئ أساسية.

اقترح النظريون أفكارا عدة جديرة بالاهتمام لحل مسألة الهرمية بشكل طبيعي، تُدخل بعض هذه الأفكار مبدأ تناظر جديدا يعهد باسم فائقية التناظر supersymmetry (الذي يحسن أيضا الدقة التي بها تتقارب تفاعلات في 1016جيڤ)، ويدخل بعضها قوى شديدة جديدة تعهد باسم technicolor؛ ويجمع بعضها الآخر بين المفهومين [انظر الشكل في الصفحة 19]. تحتوي هذه النظريات كلها على قوى إضافية تتحد مع القوى الشديدة والضعيفة والكهرمغنطيسية في 1016جيڤ تقريبا. وتصبح القوى الجديدة شديدة في طاقة تقل كثيرا عن 1016 جيڤ، ولكننا لا نستطيع رصدها مباشرة لأنها لا تؤثر في جسيمات النموذج المعياري المعروفة؛ بل إنها تؤثر في جسيمات أخرى كتلها كبيرة بحيث لا يمكن تكوينها في المختبرات. ومع ذلك فإن هذه الجسيمات «الثقيلة جدا» أخف بكثير من 1016جيڤ، إذ إنها تكتسب كتلها من القوى الجديدة التي لا تتسم بالشدة إلا في طاقات أقل بكثير من 1016جيڤ. وفي إطار هذه النظريات تتفاعل جسيمات النموذج المعياري المعروفة مع الجسيمات الثقيلة جدا، وتظهر كتلها كمفعول ثانوي لهذا التفاعل الضعيف نسبيا. وقد تحلّ هذه الآلية مسألة الهرمية فهي تفضي إلى جعل الجسيمات المعروفة أخف من الجسيمات الثقيلة جدا، وإلى جعل هذه الأخيرة بدورها أخف بكثير من 1016جيڤ.

تشهجر هذه الأفكار في صفة أخرى: إنها تتطلب وجود طائفة متنوعة من الجسيمات الجديدة لا تتجاوز كتلها ألف جيڤ بكثير. فإن صحت هذه الأفكار فستُكتشف تلك الجسيمات قبل عام 2020 في مصادم الهدرونات الكبير، وقد يُكْتشف بعضها قبل هذا التاريخ في المختبر فِرمي لاب أوفي سيرن CERN، مع أنه قد يحتاج عقودا من الزمن التحري التام عن مختلف خصائصها وعن المُسرعات اللازمة لذلك. وعندما يتم اكتشاف هذه الجسيمات وقياس خصائصها، فسنتمكن عندئذ من القول بثقة إذا ما كان بعضها قد استطاع البقاء بعد اللحظات الأولى من الانفجار الأعظم وإذا ما كان من الممكن حتى تكون الآن مصدر «المادة المظلمة» dark matter في الفضاء بين المجرات، والتي يعتقد أنها تشكل القسم الأكبر من كتلة الكون. ومهما يكن من أمر فمن المرجح حتى نصل في حدود عام 2050 إلى فهم سبب النسبة الهائلة في سلالم الطاقات التي نصادفها في الطبيعة.


إن النموذج المعياري هونظرية حقل كمومية(1) من نوع خاص، إنها نظرية قابلة لإعادة الاستنظام renormalizable. يرجع هذا المصطلح إلى الأربعينات حين كان الفيزيائيون يتفهمون كيفية استخدام أولى نظريات حقل كمومية لحساب انزياحات صغيرة في مستويات طاقة الذرة. فقد وجدوا حتى حسابا كهذا ينتج باستمرار كميات لامنتهية، وهذا يعني عادة أحد أمرين: إما وجود عيوب كبيرة في النظرية وإما تجاوزها حدود صلاحها. كما وجدوا حينذاك طريقة لمعالجة هذه الكميات اللامنتهية بفهمها في إعادة تعريف (أوإعادة استنظام) مجرد بضعة ثوابت فيزيائية كشحنة الإلكترون وكتلته. (تحتوي النسخة الأدنى من النموذج المعياري المعدلة بجسيم سلمي وحيد، على 18 ثابتا من هذا النوع). نقول عن نظرية تصلح فيها هذه الطريقة نظرية قابلة لإعادة الاستنظام. إذا بنية هذه النظريات أبسط من بنية النظريات غير القابلة لإعادة الاستنظام.

تفاعلات مُخمدة

يطرأ التقدم الأكثر عمقا في الفيزياء الأساسية عندما تتواءم مبادئ مختلف النظريات وتنتظم في إطار واحد. ونحن لا نعهد حتى الآن ماهية المبدأ الموجِّه الذي يكمن وراء توحيد نظرية الحقل الكمومية (التي تضم النموذج المعياري) مع النسبية العامة.

أدت البنية البسيطة القابلة لمعاودة الاستنظام للنموذج المعياري إلى استخلاص تنبؤات كمية محددة للنتائج التجريبية، وقد عزز نجاح هذه التنبؤات صحة النظرية. عملى الخصوص، يُبطل مبدأ قابلية معاودة الاستنظام، مع مختلف مبادئ تناظر النموذج المعياري، سيرورات غير ملاحظة؛ كمثل تفكك پروتونات منفردة، كما يحظر هذا المبدأ حتىقد يكون للنيوترينوهات كتل. وقد ساد الاعتقاد لدى الفيزيائيين بارتباط صحة نظرية حقل كمومية بإمكان معاودة استنظامها. وتحقيق هذا المتطلب قاد بشكل فعال الفيزيائيين النظريين إلى صياغة النموذج المعياري. وقد كان من المقلق جدا أنه بدا من المحال، لأسباب أساسية، استنباط نظرية حقل كمومية للتثاقل قابلة لمعاودة الاستنظام.

أما الآن فقد تغير المنظور؛ فنظريات فيزياء الجسيمات تبدومختلفة بحسب طاقة السيرورات والتفاعلات التي تؤخذ في الاعتبار. فالقوى الناتجة من تبادل جسيم كبير الكتلة ضعيفة جدا، وعلى نحونموذجي، في الطاقات المنخفضة بالنسبة إلى هذه الكتلة. وبالمثل يمكن إخماد تأثيرات أخرى بحيث لا يبقى في الطاقات المنخفضة إلا ما يُعهد باسم نظرية الحقل الفعّال(2)، وهي النظرية التي تهمل جميع هذه التفاعلات. وقد استوعب الفيزيائيون حتى أي نظرية كمومية أساسية تتسق والنسبية الخاصة ستبدوعلى شكل نظرية حقل كمومية قابلة لمعاودة الاستنظام في الطاقات المنخفضة. ولكن ليس للنظريات الفعالة، على الرغم من حذف القيم اللامتناهية منها، تلك البنية البسيطة للنظريات القابلة لمعاودة الاستنظام بالمعنى المعهود. وهناك تفاعلات معقدة إضافية، وبدلا من إقصائها كليا، تُخمد بشدة عند انخفاض سلم الطاقة إلى أقل من حد مميز.

والتثاقل نفسه هومجرد تفاعل مُخمد غيرقابل لمعاودة الاستنظام. ونستدل من شدة هذا التفاعل (أوبالأحرى من ضعفه) في الطاقات الضعيفة، على حتى سلم طاقاته الأساسي هو 1018جيڤ تقريبا. وقد يؤدي تفاعل آخر مخمد غير قابل لمعاودة الاستنظام إلى عدم استقرار الپروتون بعمر نصف يراوح بين 1031 و 1034سنة، وهوأمر من البطء بحيث لا يمكن رصده حتى في حدود عام 2050(3). كذلك قد يعطي تفاعل آخر مخمد غير قابل لمعاودة الاستنظام كتلا ضئيلة للنيوترينوهات، نحو11-10جيڤ، وهناك ما يشير عملا إلى وجود كتلة بهذه الرتبة. وسيبت في هذا الأمر قبل عام 2050(4).

ستقدم رصود من هذا النوع إرشادات ثمينة إلى نظرية موحدة للقوى، إلا أنه من المحتمل ألا نستطيع اكتشاف هذه النظرية من دون توفر أفكار جذرية جديدة. وبعض هذه الأفكار الواعدة متداول حاليا. فهناك خمس نظريات مختلفة لكائنات دقيقة ذات بعد واحد اسمها الأوتار strings. تظهر هذه الأوتار في الطاقات المنخفضة حسب أنماط اهتزازها على شكل جسيمات متنوعة، وتزودنا على ما يظهر بنظريات منتهية تماما للتثاقل والقوى الأخرى في زمكان ذي عشرة أبعاد. طبعا نحن لا نعيش في عشرة أبعاد، إلا أنه يمكننا حتى نقبل حتى ستة من هذه الأبعاد قد تراكمت وارتصت بحيث يستحيل رصدها في سيرورات تقل طاقة الجسيم فيها عن 1016 جيڤ. وفي السنوات القليلة الماضية ظهرت أدلة تبين حتى نظريات الأوتار الخمسة هذه (وكذلك نظرية الحقل الكمومية بأحد عشر بعدا) هي نسخ لنظرية أساسية واحدة تسمى النظرية(5) M أونظرية الأغشية) تطبق مختلف التقريبات [انظر «النظرية التي كانت تسمى فيما مضى أوتارا»،مجلة العلوم، العدد12(1998) م، ص 34]. ولكن حتى الآن لم يتوصل أحد إلى كتابة معادلات هذه النظرية.ج


خارج الزمكان

يصف النموذج المعياري جميع جسيم مادي وكل قوة بحقل كمومي. والجسيمات المادية الأساسية هي الفرميونات المكونة من ثلاثة أجيال (a)، ويخضع جميع جيل إلى النمط نفسه من الخواص. أما القوى الأساسية فتسببها البوزونات (b)، وهي منظمة تبعا لثلاثة تناظرات يرتبط أحدها بالآخر ارتباطا وثيقا. إضافة إلى ذلك، فإن واحدا أوأكثر من جسيمات أوحقول هيگز (c) تولد كتل الجسيمات الأخرى.

يقف في طريق هذه المهمة عائقان كبيران. أولهما أننا لا نعهد ما المبادئ الفيزيائية التي تتحكم في النظرية الأساسية. في وضعه لنظرية النسبية العامة استرشد آينشتاين بمبدأ استخلصه من خواص التثاقل المعروفة؛ هومبدأ التكافؤ(6) بين قوى التثاقل والآثار العطالية(7) كالقوة النابذة مثلا. كما استُرشد في وضع النموذج المعياري بمبدأ يعهد باسم التناظر العياري(8) وهوتعميم لخاصة معروفة جيدا في الكهرباء وهي حتى ما يهم هوفروق الڤلطية وليس الڤلطية نفسها.

لكننا لن نكتشف أي مبدأ أساسي يتحكم في نظرية الأغشية. وتبدوالتقريبات المتنوعة لهذه النظرية على شكل نظريات أوتار أوحقول في زمكان تختلف أبعاده من نظرية إلى أخرى. ومن المحتمل مع ذلك ألا بحاجة صياغة النظرية الأساسية إلى الزمكان إطلاقا. وهناك مبادئ تتعلق بطبيعة الزمكان ذي الأبعاد الأربعة وتدخل في صلب نظرية النسبية الخاصة، تُقيد نظرية الحقل الكمومية تقييدا قويا. كيف من الممكن أن يمكن حتى تتأتى لنا الأفكار التي نحتاج إليها لصياغة نظرية أساسية حقا حينما تصِف هذه النظرية عالما لا تنطبق عليه أحداسنا النابعة من حياتنا اليومية في الزمكان؟

أما العائق الثاني فهوأننا، بافتراض تمكننا من صياغة نظرية أساسية، من الممكن لا نعهد كيفية استعمالها للقيام بتنبؤات والتحقق من صحتها. لقد اعتمدت معظم التنبؤات الناجحة في النموذج المعياري طريقة في الحساب تعهد باسم نظرية الاضطراب perturbation theory. في الميكانيك الكمومي، تعطى معدلات سيرورات فيزيائية معينة بجمع جميع المتتاليات من المراحل المتوسطة الممكنة التي يمكن للسيرورة حتى تحدث بها. وعند استعمال نظرية الاضطراب نأخذ أولا بعين الاعتبار أبسط المراحل المتوسطة، ثم أقلها بساطة، إلى غير ذلك بالتدريج. ويتوقف نجاح العملية على تواؤم انخفاض إسهام خطوة متوسطة ما في المعدل مع ازدياد درجة تعقيدها. وهذا ما يقع عملا عندما تكون القوى ضعيفة بما فيه الكفاية. في بعض الأحيان تكون نظرية ذات قوى شديدة جدًا مكافئة لنظرية ذات قوى ضعيفة جدا، التي نحلها بطريقة الاضطراب. وتنطبق هذه الحالة على ما يظهر على بعض أزواج نظريات الأوتار الخمسة ذات الأبعاد العشرة، وعلى نظرية الحقول بأحد عشر بُعْدا التي أشرنا إليها آنفا. ولسوء الحظ، فإنه من المحتمل ألا تكون قوى النظرية الأساسية بالغة الشدة أوبالغة الضعف، الأمر الذي يبطل أي استخدام لنظرية الاضطراب.

تعرُّفُ جواب

ليست مسألة الهرمية إلا مقياسا لمدى جهلنا. فقد عاينت التجارب (الشريط الأصفر) طاقات تصل إلى 200 جيڤ (GeV)، وكشفت النقاب عن تشكيلة من كتل الجسيمات (الأحمر) وعن سلم لطاقات التفاعل (الأخضر) تتفق كليا مع ما يصفه النموذج المعياري لها. واللغز هوهذه الهوة السحيقة التي تفصل سلّمي طاقتين أخريين، سُلّم طاقة توحيد القوى الشديدة مع القوى الكهرضعيفة في جوار 1016 جيڤ، وسلم پلانك وهوالمميز للتثاقل الكمومي، نحو 1018جيڤ.

يستحيل تحديد تاريخ للتغلب على هذه المشكلات. فقد تُحلّ غدا من قبل نظري شاب في منطقة موزعة على نطاق ضيق قبل نشرها في إحدى المجلات، وربما لا تحل لا مع حلول عام 2050 ولا حتى مع حلول عام 2150. ولكنها عندما تجد حلا فلن نجد أي صعوبة في تعرّف حقيقة النظرية الموحّدة الأساسية وإن كنا لا نستطيع إجراء تجارب في طاقة 1016 جيڤ أوتفحص أبعاد تزيد على الأربعة. وسيقع اختبار النظرية على مدى نجاحها في تعليل قيم ثوابت النموذج المعياري واتفاقها مع القيم المقيسة وفي فهمها لأي تأثير يتجاوز النموذج المعياري قد يُكتشف حينذاك.

ومن الممكن أيضا أنه ما إذا نفهم سلوك الجسيمات والقوى في طاقات تصل إلى 1018 جيڤ حتى نصطدم بأسرار جديدة تُبعدنا أكثر من أي وقت مضى عن نظرية موحدة. ولكني أشك في ذلك؛ فليس هناك ما يشير إلى وجود سلم أساسي للطاقات يتجاوز 18 10جيڤ، بل وتوحي نظرية الأوتار بعدم وجود أي معنى لطاقات أعلى من ذلك.

إن اكتشاف النظرية الموحدة التي تصف الطبيعة في جميع الطاقات سيتيح لنا الإجابة عن أعمق أسئلة فهم الكونيات: هل الغيمة المتوسعة من المجرات التي نسميها الانفجار الأعظم بداية زمنية محددة،يا ترى؟ هل انفجارنا الأعظم ليس سوى وقع فحسب في كون أكبر من كوننا بكثير تقع فيه الانفجارات الأعظمية والصغرية على شكل أبدي،يا ترى؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل تتغير القيم المسماة ثوابت الطبيعة وهل تتغير حتى قوانين الطبيعة من انفجار إلى آخر؟

لنقد يكون هذا نهاية الفيزياء، كما أنه من الممكن لا يفيدنا في فهم بعض مسائل الفيزياء المطروحة حاليا كفهم الاضطراب turbulence والموصلية الفائقة super conductivity في درجات الحرارة العالية. ولكنه سيضع حدا لنوع معين من الفيزياء، ألا وهوالبحث عن نظرية موحدة نستنبط منها جميع وقائع فهم الفيزياء.

وماذا بعد،يا ترى؟ هناك إمكانيات عديدة لفيزياء موحدة تتجاوز النموذج المعياري. تدخل النماذج الملونة (a) (Technicolor) تفاعلات جديدة مماثلة لقوة «اللون» التي تربط بين الكواركات. سترافق هذه التفاعلات أجيال جديدة من الجسيمات تختلف عن الأجيال الثلاثة المعروفة. يربط التناظر الفائق (b) بين الفرميونات والبوزونات ويضيف شريكا فائق التناظر لكل جسيم في النموذج. تعيد نظرية الأغشية ونظرية الأوتار (c) صياغة جميع نموذج انطلاقا من كيانات جديدة كالأوتار الرقيقة والعُرى والأغشية التي تسلك سلوك الجسيمات في الطاقات المنخفضة.

المؤلف

يُظهر التقدير الاستقرائي النظري التساوي التقريبي بين شدات قوى النموذج المعياري الثلاث (القوة الشديدة والقوتان المتحدتان الضعيفة والكهرمغنطيسية) في طاقة مرتفعة جدا (a). ويبدوالتساوي أفضل عندما ندخل التناظر الفائق (b). ويشير سُمْك المنحني إلى عدم التعيين التقريبي في شدة القَرْن coupling.

ستيڤن واينبرگ Steven Wainberg ، رئيس فريق النظريين في جامعة تكساس بأوستن، وعضوهيئة التدريس بقسم الفيزياء والفلك فيها. كوفئ واينبرگ عدة مرات على أعماله في فيزياء الجسيمات الأولية. حاز جائزة نوبل عام 1979 والميدالية القومية للبحوث عام 1991. وقد قُرظ الجزء الثاني من مؤلفه "النظرية الكمومية للحقول" تقريظا كبيرا" لا يعادله في ذلك أي كتاب في نظرية الحقل الكمومية وذلك من حيث عمقه وشموله ودقته."


انظر أيضا

  • منطقات في الفهم تتضمن نصوصا من مجلة العلوم.
  • بوابة مجلة العلوم

المراجع

  • UNIFIED THEORIES OF ELEMENTARY-PARTICLE INTERACTION. Steven Weinberg in Scientific American, Vol. 231, No. 1, pages 50-59; July 1974.

DREAMS OF A FINAL THEORY. Steven Weinberg. Pantheon Books, 1992.

  • REFLECTIONS ON THE FATE OF SPACE-TIME. Edward Written in Physics Today, Vol. 49, No. 4, pages 24-30; April 1996.
  • DUALITY, SPACE-TIME AND QUANTUM MECHANICS. Edward Written in Physics Today, Vol. 50, No. 5, pages 28-33; May 1997.
  • THE ELEGANT UNIVERSE: SUPERSTRINGS, HIDDEN DIMENSIONS, AND THE QUEST FOR THE ULTIMATE THEORY. Brian Greene. W. W. Norton, 1999.

المصادر

  1. ^ مجلة العلوم
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:54:06
التصنيفات: مقالات مجلة العلوم الأميريكية, عن مجلة العلوم, فيزياء

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الهلال يطلق شركته العقارية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:17:54
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

لماذا غابت بعض اسماء الأهلي الإفريقية عن القائمة المحلية ؟

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:22
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 37%

لا أنباء سارة.. بايدن يلتقي عائلتي معتقلين في روسيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:17:34
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 96%

بيسكوف ينفي تعرض بوتين لمحاولة اغتيال

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:16:54
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 99%

نهى العمروسي عن تورط ابنتها بقضية فيرمونت: أخطأت في تربيتها

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:17:59
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 98%

سافيو وبيرسي تاو يقودان قائمة الأهلي الإفريقية

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:27
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 35%

الأهلي يعلن عبر El-Ahly.com قيد محمود كهربا في القائمة المحلية

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:25
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 45%

الاتحاد السكندري يضم أحمد سيد غريب من الأهلي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:32
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 45%

كهربا وشادي على رأس قائمة الأهلي المحلية في الموسم الجديد

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:24
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 42%

بيع قميص "الرقصة الأخيرة" بـ10 ملايين دولار

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:17:56
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 89%

مصطفى سعد يكشف تفاصيل مفاوضاته مع الأهلي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:29
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 35%

لـ ركاب القطارات.. تعديل مواعيد عدة رحلات بدءًا من الغد

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:41
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

«الأطباء» تنظم احتفالية باليوم العالمي لتنظيم الأسرة .. الاثنين المقبل

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:43
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

ماريوبول جديدة.. زيلينسكي: عثرنا على مقبرة جماعية في إيزيوم

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:17:11
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 99%

كهربا وصلاح محسن خارج قائمة الأهلي الإفريقية

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:27
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 45%

بعد تخفيض سعر التذاكر.. مواعيد عمل القطار الكهربائي الخفيف

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:18:45
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

المصري مصطفى محمد يتعرض مع فريقه نانت لهزيمة مدوية أمام قره باغ

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:16:59
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 85%

نظام فردي بـ100 تزكية.. رئيس تونس يصدر قانونا للانتخابات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-16 00:17:43
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 90%

تحميل تطبيق المنصة العربية