كارانا
كارانا (كَرَنا) Karanã مدينة آشورية مسقطها في تل الرماح الحالي على بعد 65 كم تقريباً إلى الغرب من مدينة الموصل. والمسقط تعبير عن تل دائري الشكل تقريباً تبرز في وسطه بقايا الزقورة التي يصل ارتفاعها إلى 40م تقريباً فوق مستوى السهل المحيط بالمسقط.
لقد وصف تل الرماح في ملاحظات هنري لايارد H.Layard في عام 1850م. وبدءاً من الثلاثينات حتى السبعينات من القرن العشرين نقبت بعثات إنكليزية، لفها تباعاً سـِتون لويد S.Lloyd وديڤد اوتس D.Oates.
كان اسم كارانا معروفاً في نصوص ماري (تل الحريري)، وازدهرت المدينة منذ أواخر الألف الثالث وعلى امتداد الألف الثاني قبل الميلاد. وكانت لها علاقات متميزة مع مدينة ماري في أثناء العصر البابلي القديم. هجرت المدينة بعد العصر الآشوري الوسيط، لكن العصر الآشوري الحديث شهد عودة جزئية للسكنى في مدينة كارانا التي تغير اسمها ليصبح «زماخ» Zamãkhu، ويبدوأنها كانت تابعة ـ آنذاك ـ إلى حاكم مقاطعة رصاپا Rasappa (الرصافة في سورية) أوResafa مثلما وردت في كتابات فهماء الآثار.
يعود تأريخ أبرز البقايا البنائية المكتشفة في تل الرماح إلى العصر الآشوري القديم، وتضم بقايا المعبد والقصر. ويشغل المعبد الجزء الأوسط والأعلى من المدينة، وكان مشيداً فوق مصطبة من طبقتين، ويرقى إليه عبر الفناء المحيط بالبناء بوساطة سلّم فخم. زينت قابلة المعبد بأنصاف أعمدة بشكل جذوع النخيل من الآجر غير المشوي، يعود تشييده إلى عهد الملك الآشوري شمشي عضد الأول (1813-1781 ق.م.)، أما الزقورة فقد شُيدت خلف المعبد بعد إنجاز بنائه، وهي ملاصقة لجداره الشمالي ـ الغربي، وجدرانها الخارجية مزينة بأشكال بارزة ومتراجعة بما يشابه الجدران الخارجية للمعبد نفسه، وأبعادها 30×21.5 م. كشفت التنقيبات عن الطبقتين السفليتين المتبقيتين من طبقاتها، ويلاحظ وجود ثقب ينزل عمودياً في وسط بناء الزقورة عثر في داخله على أنقاض، بينها دمى وعظام مختلفة. ويرجح حتى الصعود إلى الزقورة كان عن طريق سطح المعبد، إذ لم يعثر على بقايا سلالم عند جدرانها السفلية. وعلى الرغم من حتى التنقيبات الأثرية لم تظهر سوى جزء صغير من القصر؛ يمكن القول: إنه كان بناءً فخماً بدليل الوصف الذي تتضمنه إحدى رسائل ماري عنها.
تشتمل بقايا العصر الآشوري الوسيط في كارانا على المعابد والبنايات الإدارية، والدور السكنية، وفضلاً عن ذلك اكتشفت نصوص مسمارية تدور موضوعاتها حول التجارة بالقصدير والحبوب. ويرجّح حتى إعادة تشييد المدينة جزئياً في العصر الآشوري الحديث- بعد هجرها في أواخر العصر الآشوري الوسيط ـ كان بغرض توطين سكان مهجرين من مناطق أخرى. وكما سبقت الإشارة أطلق اسم «زَماخُ» على المدينة في هذا العصر، وشيد فيها معبد حديث خصص لعبادة الإله عضد. وقد اكتشفت في داخل هذا المعبد مسلة حجرية للملك الآشوري عضد نِراري الثالث (810-783 ق.م.) نقشت عليها أخبار حملته الحربية في سورية.
كشفت النصوص المسمارية في تل الرماح عن صلة مدينة كارانا بمدينة ماري من خلال المراسلات التي تبودلت بين المدينتين. وقد عثر في بقايا القصر على نصوص معاصرة لعهد ملك ماري زمري-لم (1775ـ1761 ق.م.) فضلاً عن مجموعة رسائل للملكة إلتاني Iltani زوجة حاكم كارانا اقبَ-خَمّوالذي كان ـ على ما يرجح ـ تابعاً للملك البابلي حمورابي، وشقيقه أشكر-عضد حاكم كارانا أيضاً.
من المكتشفات المهمة في معبد تل الرماح، الرقم المسمارية من العصر الآشوري الوسيط المؤرخة بعهدي الملكين الآشورين شلمنصر الأول (1274ـ 1245ق.م) وتوكلتي-نِنورتا الأول (1244ـ1208ق.م)، وعددها 165، وتدور موضوعاتها حول قروض وفوائد وعقود بيع وشراء ومسائل قضائية ورسائل وغير ذلك.
اتىت أهمية مدينة كارانا في الألف الثاني قبل الميلاد من مسقطها على طريق التجارة بالبضائع، و(أهمها القصدير)؛ التي كانت تنقل عبرها من الشرق إلى الغرب، ولكن تحوّل مسار هذه الطريق في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد وتحولها إلى المناطق الشمالية أدّى إلى اضمحلال موارد المدينة وتناقص أهميتها، ولم تسترد هذه المدينة مكانتها القديمة إلا بعد حتى أعيد استيطانها في العصر الآشوري الحديث.
المصادر
- نائل حنون. "كارانا (تل الرماح)". الموسوعة العربية.