العمران في عصر محمد علي

عودة للموسوعة

العمران في عصر محمد علي

من القواعد الاساسية في نهضة الامم ان انماء ثروة البلاد والمحافظة على كيانها المالي من اكبر نادىئم الاستقلال، لان العمران مادة التقدم، والثروة الاهلية هي قوام الاستقلال المالي، ولا يتحقق الاستقلال السياسي مالم يدعمه الاستقلال المالي والاقتصادي، تلك الحقائق التي اجمعت الارء على صحتها ووجوب العمل بها، كان محمد اول من قدرها قدرها، فقد اتجهت انظاره منذ اوائل حكمه الى اصلاح حالة البلاد الاقتصادية وانشاء اعمال العمران فيها لتنموثروتها القومية، ولم تفتر عزيمته عن متابعة جهوده من هذه الناحية حتى خلف اعمالا ومنشات يزدان بها تاريخه.

الري

سد ترعة الفرعونية

فمن اول اعماله سد ترعة الفرعونية، وقد ذكره الجبرتي في حوادث سنة 1221 (1806م) ذي الحجة سنة 1223 (يناير سنة 1809) وذكر اتمامه في شهر ربيع الاول سنة 1224 (ابريل سنة 1809)، وذكر المسيولينان باشا دي بلفون. كبير مهندي الري في عصر محمد علي عن هذه الترعة انها كانت تصل بين فرعي النيل بادئة من بير شمس ومارة بمنوف ثم تصب في فرع رشيد، وكان الغرض منها تغذية هذا الفرع من مياه دمياط وان هذه الترعة قد اضرت بالبلاد والاراضي القائمة على فرع دمياط والتي تروي منه وخاصة من المنصورة وما يليها شمالا، لان الترعة كانت تستنفد الكميات الكبيرة من هذا الفرع فيقل ماؤه، ويطغي عليه البحر فيختلط بماء النيل ويفسده بملوحته الى قبلي فارسكور، فتحرم زراعة الارز في تلك الجهات من ماء الري العذب، وقد شكا اهلها على توالي السنين ما تجلبه عليهم هذه الترعة من المضار، فسدها محمد علي بجسر من الاحجار ليمنع انسياب مياه فرع دمياط الى الفرع الاخر، واشنا ترعا اخرى تعوض جهات البحيرة ما كان يجيئهم من ترعة الفرعونية قبل سدها.

فتح ترعة المحمودية

ومن اعماله الجليلة شق ترعة المحمودية (ترعة الاسكندرية القديمة اوخليج الاشرفية) وكانت الاتربة والرمال قد طمرتها، فشرع في حفرها وجعل فتحتها من العطف بعد ان كانت الترعة القديمة تاخذ مياهها من الرحمانية، ولم يجعل فتحتها عند الرحمانية لما كان بها من تراكم الردم والرمال.

وقد عني بفتح هذه الترعة عناية كبيرة، فكان يتعهد الاعمال فيها بنفسه، وبذل همة عالية في سبيل اتمامها، وكان غرضه من شقها احياء الاراضي في مديرية البحيرة، وجعل الترعة طريق المواصلات النيلية بين الاسكندرية وداخل البلاد، وكانت المواصلات من قبل بطريق رشيد، ولكن صعوبة اجتياز البوغاز كانت تعطل المواصلات من هذا الطريق، وكان ذلك من اهم البواعث التي حفزت محمد علي باشا على انشاء الترع’، وقد عهد بتصميم حفرها الى مهندس فرنسي، وهوالمسيوكوست. ولما تم حفرها افتتحها في 24 يناير سنة 1820 ومضى خصيصا الى الاسكندرية لحضور الافتتاح مصحوبا بابنه ابراهيم باشا وصهره الدفتردار ، وطبوز اوغلي.

وقد اقتضى حفر هذه الترعة بذل مجهودات هائلة ومتاعب جسيمة وضحايا كثيرة احتملها المصريون، واحتسبوا فيها وصابروا وصبروا. ويكفيك لتعهد مبلغ الضحايا التي بذلت في هذا السبيل ما خطه في هذا الصدد المسيومانجان الذي كان شاهد عيان لحوادث مصر في ذلك العصر، فقد ذكر انه توفي من الفلاحين الذين اشتغلوا في حفر ترعة المحمودية اثنا عشر الفا في مدة عشرة أشهر، وان هؤلاء الموتى دفنوا على ضفتي الترعة تحت اكداس التراب الذي كان يحملونه من قاعها، ونطق ان معظمهم توفي من قلة الزاد والمؤونة اومن الاعانات في العمل، وكذلك من سوء المعاملة التي كانوا يلقونها من الجنود القساة المنوط بهم حراستهم، فقد كانوا يجبرونهم على العمل المهلك بدون انقطاع ولا هوادة من الفجر الى الليل، ونطق ان عدد من اشتغلوا في حفرها بلغ 313000 من الفلاحين جئ بهم من مديريات البحيرة، والغربية، والشرقية، والدقهلية، والمنوفية، والقليوبية، والجيزة.

وقد اتت هذه الترعة بثمرات عظيمة، فمن جهة المواصلات صارت تجري فيها السفن بين الاسكندرية والداخل تحمل حاصلات البلاد اووارداتها، وكانت سببا في عمران البلاد التي مرت بها في اقليم البحيرة واحياء اراضيها، وافاد عمران الاسكندرية منها فائدة كبيرة، اذ جعلتها الترعة ملتقى المتاجر الذاهبة الى داخل البلاد اوالاتية منها، فاتسعت حركة التجارة والعمران فيها، فضلا عن ان مياه الترعة قد ساعدت على الاكثار من الغرس وغرس الاشجار والحدائق في ضواحي المدينة، فاتسع نطاق العمران، وابتنى الاغنياء القصور وانشأوا البساتين على ضفاف الترعة في جهات كانت من قبل مقفرة جرداء.

وقد زار المارشال مارمون هذه الجهات سنة 1834 فاستوقفه ما شاهده من الحدائق الغناء المنشأة بعد فتح ترعة المحمودية، وكان يعهد حالة الاسكندرية وضواحيها مذ كان قومندانا للثغر في عهد الحملة الفرنسية، فاستطاع ان يدرك الفارق العظيم بين حالتها القديمة، وما اوجدته الترعة من العمران والتقدم.

وافرد الجبرتي نبذا عديدة لفتح ترعة المحمودية، وهذا يدلك على انها كانت عملا جليلا من اهم اعمال العمران في ذلك العصر، فذكر بدء حفرها في حوادث جمادى الثانية سنة 1232 (ابريل سنة 1817) ، ثم المع الى استمرار العمل فيها في حوادث شعبان سنة 1232 (يونيه سنة 1818)، ثم انبترت اخباره عنها، والظاهر ان انهماك محمد علي في الحرب الوهابية اذ كانت في دورها الاخير ادى الى انقطاع العمل في حفر الترعة وقتا ما، وعاد الجبرتي الى ذكر اهتمام الباشا بامر الترعة وحفرها في حوادث ربيع الثاني وجمادى الاولى سنة 1234 (يناير وفبراير سنة 1819)، وتحدث في حوادث شوال سنة 1234 (اغسطس سنة 1819) عن ضحايا الترعة، ولعمري ان وصفه ليعطينا فكرة جلية عن مبلغ ما قاساه الفلاحون من الاهوال في حفرها، وكثرة من توفي منهم من الشدائد التي عانوها.

فاذا قرات ما ذكره الجبرتي فارجع بفكر الى الماضي، واذكر ان الاراضي الواسعة والبلاد العامرة التي تمر فيها الان ترعة المحمودية من منبعها الى مصبها كانت صحراء قاحلة لا ينبت فيها غرس، ثم تحولت بعد حفرها الى مزارع تزدهر بالحياة والعمران، واذا مضىت يوما الى دمنهور واخذت الطريق الزراعي المعبد الذي يصل بك الى الاسكندرية، رايت ترعة المحمودية تنساب بمنظرها البديع ومائها الرقراق بين بلدان عامرة، وحدائق غناء ومزارع نضرة، واشجار باسقة ، طيور تحلق زرافات في السماء اوتغرد فوق الاغصان المتهدلة على جانبي الطريق، ووجدت على امتداد البصر مناظر تملا النفس بهجة وسرورا، وحدثا سرت على الطريق رايته مكتظا والدواب تنقل الناس من مختلف البلاد، وتحمل حاصلاتهم ومتاجرهم، وترى الترعة ذاتها لا ينبتر فيها اجتياز المراكب والصنادل والبواخر حاملة التجار ذاهبة واتية بين الاسكندرية ودمنهور، فحيثما مضىت تجد معالم العمران المترامي مداه، وتلمح دلائل الحياة والنشاط والتقدم مرتسمة على جميع ما يقع عليه نظرك من مشاهد الطبيعة والخلائق، فاذا سرحت الطرف في تلك المناظر البهجة فاذكر ان الفضل في ذلك العمران يرجع لمن حفروا بايديهم ترعة المحمودية، وبذلوا مهجهم وارواحهم حتى جرى ماء النيل في تلك النواحي حاملا الى الخلائق والناس والاراضي عناصر الخصب والحياة، واذا تاملت في جميع ذلك فاذكر تضحيات الاباء والاجداد، ومبلغ ما بذلوه في سبيل رفاهية الاجيال والاعقاب، وتمهل في سيرك قليلا، واستمطر الرحمة على من استشهدوا في سبيل ذلك العمران، وتمثل بقول المعري:

خفف الوطا ما اظن اديم الارض الا من هذه الاجساد وقبيح بنا وان قدم العهد هوان الاباء والاجداد

نطق الجبرتي في وصفه: "وكان الباشا سافر الى الاسكندرية بسبب ترعة الاشرفية، وامر حكام الجهات بالارياف يجمع الفلاحين للعمل، فاخذوا في جمعهم، فكانوا يربطونهم قطارات بالحبال وينزلون بهم المراكب، وتعطلوا عن غرس الدراوي الذي هوقوتهم، وقاسوا شدة بعد رجوعهم من المرة الاولى بعدما قاسوا ما قاسوه، ومات الكثير منهم من البرد والتعب، وكل من سقط اهالوا عليه تراب الحفر ولوفيه الروح، ولما رجعوا الى بلادهم للحصيدة طوبلوا بالمال وزيد عليهم عن جميع فدان حمل بعير من التين، وكيلة قمح، وكيلة فول، واخذ ما يبيعونه من الغلة بالثمن الدون، الكيل الوافر، فما هم الا والطلب للعود الى الشغل في الترعة ونزح المياه التي لا ينبتر نبعها من الارض، وهي في غاية الملوحة، والمرة الاولى كانت في شدة البرد، وهذه المرة في شدة الحر وقلة المياه العذبة، فينقلونها بالروايا الى الجمال مع بعد المسافة وتاخر ري الاسكندرية:، وذكر انتهاء حفل الترعة في حوادث ربيع الاول سنة 1235 (ديسمبر سنة 1819) ، وختم كلامه بقوله: "ورجع المهندسون والفلاحون الى بلادهم بعدما هلك معظمهم، وذكر سفر محمد علي باشا الى الاسكندرية للاحتفال بفتح الترعة في حوادث ربيع الثاني سنة 1235 (يناير سنة 1820).


الترع الاخرى

وشق محمد علي ترعا اخرى في مختلف المديريات، وكان يعني بتطهيرها وصيانتها، وهاك بيان اهم الترع التي انشئت في عهده:

في البيحرة: المحمودية، والخطاطبة. في الغربية: امتداد ترعة الجعفرية، وترعة مسجد الخضر (الخضراوية)، وبجيرم. في الدقهلية: البوهية، والمنصورية، والشرقاوية، وام سلمة، ودويدة. في المنوفية: النعنانية، والسرساوية والباجورية. في الشرقية: ترعة الوادي، والمسلمية، وبحر مشتول، والصادي، وبحر الرمل، وترعة بردين، ومصرف بلبيس. في القليوبية: الزعفرانية، والباسوسية، والشرقاوية، والقرطامية، والبولاقية القبيلة، وترعة قنبة، ومصرف العموم. في بني سويف: ترعة البرانقة. في المنيا: ترعة الفشن. في جرجا: ترعة السبيخة، والمرعشلي. في قنا واسنا: ترعة الشنهورية، وتوسيع ترعة بلاجيا، والرمادي، والعقيلي والشال، والنابه.

الجسور

ومن اعماله انشاء الجسور على شاطئ النيل من جبل السلسلة الى البحر الابيض المتوسط لمنع طغيان المياه على الضفتين، وقد اشهجرت البلاد والقرى في اقامة هذه الجسور بنسبة ما يخص زمامها، وانشا جسورا اخرى فرعية، منها جسر الرقة في بني سويف، وجسر الطهنشاوي والقيسي والبرانقة في المنيا، وجسر دنهيا، وجسر فاو، وبني كلب، والمحرق ، وكودية باسيوط، وجسر مشطا، والشباسات ، والوادية، والمنشاة في جرجا، وجسر فرشوط، وجسر ابودياب في قنا.

القناطر

وانشا قناطر عديدة على الترع لضبط مياهها تيسيرا للانتفاع بالري منها، واهمها القنطرة الكبرى ذات العيون على بحر مويس بالزقازيق، وقناطر المسلمية، وبحر مشتول، والصفراء، والعلاقمة، وفاقوس بالشرقية، وقناطر البريجات والمحمودية (في البحيرة) – وقناطر البوهية، والمنصورية (في الدقهلية)، وقناطر السنطة، والراهبين، ودميرة، ونيرة. وبيله، ونشرت (في الغربية)، وقناطر النعناعية، والقرينين والسرساوية، والباجورية، وميت عفيف (في المنوفية) – وقناطر الشرقاوية، والزعفرانية، وأبي المنجى (في القليوبية)، وخزان طامية وسنورس (في الفيوم). وقناطر جسر شوشة في بني سويف. وقنطرة الرقة في الجيزة، وقناطر منبال، والجرنوس، وسنشتاد، والطحاوية، والطهنشاوي (في المنيا)، وقناطر العتامية بمنفلوط، وبتر ابوعفريتة بملوي، وعلي بك بالقرب من ابنوب، وبسره، واسيوط، وبني سميع، وقلاي في مديرية اسيوط وقنطرة السوهاجية، وقنطرة الشباسات وسمهود، والمصالحة في مديرية جرجا وقنطرة المراشدة بفرشوط في مديرية قنا.


اصلاح جسر ابوقير

ومن اجل اعماله اصلاح سد ابوقير القديم الذي كان منهدما، وسد فتحة بحيرة ابوقير بجسر من الاحجار يقيها تسرب مياه البحر اليها وبقى ترعة المحمودية طغيان المياه الملحة عليها، ومن ذلك الحين اخذت بحيرة ابوقير تجف تدريجيا حتى صارت الان اراضي غرساية.

نطق لمسيولينان دي بلفون ان اقامة جسر ابوقير وسد فتحة البيحرة كان عملا شاقا اقتضى عدة سنين لعمق المياه في داخل خليج ابوقير، اذا كان عمقها خمسة امتار في ناحية الجسر، وطول هذا الجسر 1243 مترا، وقد ذكر الجبرتي نبا هذا الاصلاح في حوادث سنة 1231 هـ (1816م) ، وعده من محاسن الافعال.

سد اشتوم الديبة في بحيرة المنزلة

وكذلك سد فتحة الديبة من فتحات بحيرة المنزلة بالاحجار، والغرض منه تقليل تسرب مياه البحر الى البحيرة لان هذه المياه كانت تطغى على الاراضي المجاورة لها فتتلفها، ويقول لينان باشا ان الفتحة القريبة من دمياط وفتحة الطينة قد انسدتا من ذاتها، فلا يدخل منهما الا القليل من مياه البحر، وكذلك فتحة ام مفرج ولم يبق من فتحات البحيرة سوى اشتوم الجميل.


القناطر الخيرية

كانت اراضي الوجه البحري الى اوائل القرن الماضي تروي بطريق الحياض كرى الوجه القبلي، فلا يغرس فيها الا الشتوي، ولا يغرس الصيفي الا على شواطئ النيل اوالترع القليلة المشتقة منه، وقد اخذ محمد علي في تغيير هذا النظام تدريجيا، اذ اخذ في شق الترع وتطهيرها واقامة الجسور على شاطئ النيل ليضمن توفير مياه الري في معظم السنة، وصارت الترع تروي الاراضي في غير اوقات الفيضان جهد المستطاع، ولا سيما بعد اقامة القناطر عليها.

وقد توج محمد علي اعمال الري التي اقامتها بانشائ القناطر الخيرية ، واسمها يغني عن التعريف، فانها قوام نظام الري الصيفي في الوجه البحري، وهي وان كانت اخر اعماله في الري الا انها اعظمها نفعا واجلها شانها وابقاها على الدهر اثرا.

وقد فكر فيها بعد ما شاهد بنفسه فوائد القناطر التي انشاها على الترع المتقدم ذكرها، وراى ان كميات عظيمة من مياه الفيضان تضيع هدرا في البحر، ثم تفتقر الاراضي الى مياه البري في خلال السنة فلا تجد كفايتها منها، فاعتزم ضبط مياه النيل للانتفاع بها زمن التحاريق ولاحياء الزراعة الصيفية في الدلتا، وذلك بانشاء قناطر كبرى في نقطة انفراج فرعي النيل المعروفة ببطن البقرة.

عهد محمد علي بدراسة هذا المشروع الى جماعة من كبار المهندسين، منهم المسيولينان دي بلفون (لينان باشا) كبير مهندسيه، فوضع له تصميما وشرع في العمل وفقا لهذا التصميم سنة 1834، ثم هجر لوقت اخر، وعندما اعتزم محمد علي استئناف العمل استرشد بمهندس فرنسي آخر وهوالمسيوموجيل بك اذ اعجبته منه مقدرته الهندسية في انشاء حوض السفن بميناء الاسكندرية ، فعهد اليه وضع تصميم اقامة القناطر الخيرية، فقدم مشروعا يختلف عن تصميم المسيولينان.

فالمسيولينان كان يرى انشاء القناطر على الارض اليابسة بعيدا عن المجرى الاصلي للفرعين، واختار لذلك بترتين بين ملتويين من ملتويات فرعي النيل حتى اذا تم انشاؤها حول الفرعين اليها بحفر مجريين جديدين، ولكن مشروع موجيل بك يقتضي اقامة القناطر مباشرة في حوض النهر.

ويتالف المشروع من قنطرتين كبيرتين على فرعي النيل يوصل بينهما برصيف كبير، وشق ترع ثلاثة كبرى تتفرع عن النيل فيما وراء القناطر لتغذية الدلتا، وهي الرياحات الثلاثة المعروفة برياح المنوفية ورياح البحيرة ورياح الشرقية الذي عهد بالتوفيقي لانه انشئ في عهد الخديوي توفيق باشا.

وقد شرع في العمل على قاعدة تصميم موجيل بك وبمعاونة مصطفى بهجت باشا ومظهر باشا المهندسين الكبيرين المتخرجين من البعثات الفهمية.

ووضع محمد علي الحجر الاساسي للقناطر الخيرية في احتفال فخم يوم الجمعة 23 ربيع الثاني سنة 1263 (سنة 1847)، وكانت مدة حكمة الى ذلك العهد 43 سنة، ولكن العمل كان قد بدا قبل ذلك، واستمر العمل في انفاذ المشروع، ثم اعتراه البطئ والتراخي لما اصاب همة الحكومة من الفتور في اخريات ايام محمد علي، ثم توقف العمل بعد وفاته اثناء ولاية عباس الاول بحجة ان حالة الخزانة لا تسمح ببذل النفقات الطائلة التي يتكلفها انفاذ المشروع، وارتأى عباس توفيرا للنفقات ان تؤخذ الاحجار اللازمة للبناء من الهرم الكبير، ولكن المسيولينان اقنعه بخطا هذا الراي بفكرة ان اقتلاع الاحجار من الهرم يقتضي من النفقات ما يزيد عن نفقات اقتلاعها من المحاجر، وقد تم بناء القناطر وانشئ رياح المنوفية في عهد سعيد باشا.

ويقول المسيوشيلو : " ان مشروع القناطر الخيرية كان يعد في ذلك العهد انه اكبر اعمال الري في العالم قاطبة، لان فن بناء القناطر على الانهار لم يكن بلغ من التقدم ما بلغه اليوم، فاقامة القناطر الخيرية بوضعها وضخامتها كان يعد اقداما يداخله شي من المجازفة".

ونطق المسيوبارو: "ان هذه اول مرة اقيمت فيها قناطر كبرى من هذا النوع على نهر كبير".

وقد ظهر خل في بعض العيون في عهد اسماعيل سنة 1867 فاصلح الخلل طبقا لاراء موجيل بك (وكان قد غادر مصر الى فرنسا) وبهجت باشا ومظهر باشا، ثم اصلح بناء القناطر ثانية في العصر الحديث لتقويتها، وتمت اعمال الاصلاح والتقوية في سنة 1891 حتى بلغت شانها الحالي، ورجعت الحكومة الى راي موجيل بك في هذا الاصلاح، واتى مصر وكان قد بلغ الخامسة والسبعين من سنه، فعينته الحكومة مهندسا مستشار للقناطر، فتم الاصلاح وفقا لرايه، وبذلك تسنى لهذا المهندس الكبير انقد يكون على يده انشاء القناطر من ابتداء العمل فيها الى تمام بناءها.

الزراعة

كانت الحاصلات التي تغرس في مصر هي القمح والشعير والارز والفول والعدس والحمص والذرة والترمس والزعفران والبرسيم وقصب السكر والتيل (القنب) والكتان والنيلة والقرطم والدخان والحناء والبصل والسمسم والسلحم والعصفر والخضر والفواكه، وقليل من القطن الردئ، ففكر محمد على في توسيع نطاق الزراعة بابتكار انواع جديدة زادت في ثروة مصر الزراعية.

غرس أشجار التوت

فعني بغرس اشجار التوت لتريبة دود القز (الحرير) واختار لهذا المشروع اراضي وادي الطميلات بالشرقية، فخصص ثلاثة الاف فدان ليغرس فيها اشجار التوت، وخصص لخدمتها الفين من الفلاحين جهزهم بستة الاف راس من المواشي واحتفر بنحوالف ساقية للري، وجلب من سوريا ولبنان خمسمائة مزارع وصانع من الاخصائيين على تربية دود الحرير، ثم عمم غرس اشجار التوت في الدقهلية والمنوفية والغربية والقليوبية ودمياط ورشيد والجيزة، وبلغ عدد ما خصص لغرس اشجار التوت ثلاثة الاف فدان في وادي الطميلات وسبعة الاف في المديريات الاخرى، وبلغ عدد اشجار التوت في القطر المصري ثلاثة ملايين شجرة باعتبار 300 شجرة في جميع فدان وبلغ محصول الحرير سنة 1832 – 1933 (12000 ) أقة.

وذكر الجبرتي البدء في غرس اشجار التوت بوادي الطميلات في حوادث سنة 1231 (سنة 1816م) وذكر في حوادث جمادى الاولى سنة 1232 (مارس سنة 1817) انفاذ المشروع واتمام انشاء السواقي وغرس الاشجار، وايفاد الفلاحين الى الوادي لتعميره وبناء الكفور والمساكن لهم، وجلب العمال والمزارعين الاخصائيين في تربية دود القز من الشام ولبنان، ونطق في حوادث رجب سنة 1235 (ابريل سنة 1820 ) ان الباشا "توجه لناحية الوادي لينظر ما تجدد به من العمائر والمزارع والسواقي، وقد صار هذا الوادي اقليما على حدته وعمرت به قرى ومساكن ومزارع".

يتبين مما تقدم ان تجربة دود القز في البلاد التي غرست فيها اشجار التوت قد نجحت نجاحا عظيما، ولكنها اصيبت بعد ذلك بسقم انتاب دود الحرير في اوروبا وصر فقل الانتاج وافسد تقاوي الدود واهملت تربيته في اواخر عصر محمد علي.

غرس الاشجار

وقد غرس محمد علي في بعض انحاء القطر العدد الوفير من الاشجار على اختلاف انواعها لاستخدام اخشابها في بناء السفن واعمال العمران، وذلك بعد ان بتر كثيرا من الاشجار المغروسة لاتخاذ اخشابها فيا اقامة السواق وصنع عربات المدافع والسفن الحربية.


زراعة القطن

كان القطن المالوف غرسه الى سنة 1821 من صنف ردئ لا يصلح الا للتجنيد، وكان هناك صنف نادر يغرس في بعض الحدائق ويفوق القطن القديم في طول تيلته ونعومته ومحصول هذا النوع ضئيل لانه يغرس كاشجار الفاكهة، ويغزله النساء في البيوت، ففي سنة 1821 وقع في مصر انقلاب في زراعة القطن بها، ذلك ان المسيوجومل الذي استقدمه محمد علي من فرنسان لتنظيم مصانع النسيج شاهد في حديقة محوبك هذا النوع الجيد من القطن، فاعجبته رتبته واشار على محمد علي باشا ان يعمم زراعته في الاراضي الارباح الوفيرة اذا اكثر من زراعته، فاعتزم تعميمه، وانشا الاسواق اللازمة لري الاطيان التي تغرسه، واشتراه باثمان مرتفعة ليشجع الفلاحين على غرسه، فلم تمض عدة سنوات حتى انتشر هذا النوع من القطن (سي ايلاند) الامريكي، ومن ثم اخذ القطن المصري ينافس قطن البنغال وامريكا، واقبلت على طلبه مصانع النسيج في فرنسا وانجلترا، وتقدمت زراعته واخذ محصوله يزداد سنة فسنة، ولم تمض سنوات معدودة حتى صدرت مصر من هذا القطن سنة 1827 – 344 الف قنطار، واصبح القطن على توالي السنين ثروة مصر الزراعية.

وقد احتكرت الحكومة بيع قطن القطر المصري باكمله طبقا لنظام الاحتكار الذي سنتحدث عنه فيما يلي، فكان الفلاح الذي يغرس القطن لا يتصرف في محصوله الا بالبيع للحكومة والحكومة تشتري القنطار الذي زنته 120 رطلا بثمن يتراوح بين 112 و150 أو175 قرشا، وعلى البائع ان ينقل قطنه الى المخازن (الشون) التي انشاتها الحكومة لهذا الغرض في عواصم المراكز والمديريات، ويخصم من الثمن قيمة ما على الفلاح من الضرائب اذا لم يكن وفاها من قبل، وقد اقيل الفلاحون على زراعة القطن بعد ان راوا الحكومة تشتري القنطار من النوع الجيد ب175 قرشا، فان الفدان كان يغل من الريع اكثر مما تنتجه زراعة الحبوب والغلال، وشجعت الحكومة زراعة القطن بما انشاته من السواقي في القر، وبما فتحت من الترع واقامت من القناطر والجسور، فتوافرت مياه الري اللازمة لزراعة القطن، ويقول المسيومانجان ان الحكومة انقصت ثمن مشترى القطن حوالي سنة 1837 مما حدا بالفلاحين الى التراخي في زراعته.

زراعة الزيتون

كانت زراعة الزيتون قبل عصر محمد علي نادرة في مصر، فلم تكن تغرس اشجاره الا في مديرية الفيوم وفي بعض الحدائق بضواحي القاهرة، ففكر في الاستكثار من اشجار الزيتون لاستخراج الزيت من ثمره، ولكونه غذاء صالحا للجنود، وخاصة بحارة الاسطول.

فامر بغرس كثير من اشجار الزيتون في الوجه البحري والوجه القبلي، وحذا ابراهيم باشا حذوابيه، فغرس الافا عدة من الاشجار في اطيانه الواسعة، ويقول المسيومانجان ان اشجار الزيتون تثمر في مصر بعد ثلاث سنوات اي في اسرع مما تثمر في البلاد الاخرى، وهذا يشير على صلاح معدن الاراضي في مصر ومناخها لهذا النوع من الشجر.


زراعة النيلة

كانت زراعة النيلة معروفة في مصر وبقيت على حالتها القديمة لغاية سنة 1826 الى ان جلب محمد علي في تلك السنة بزور النيلة الهندية، واستحضر بعض الهنود الاخصائيين في زراعتها، فاخذت زراعتها في النمووالتقدم، وبلغ ما تنتجه الاطيان المخصصة لزراعتها، 77300 اقة في السنة، وقد احهجرت الحكومة تجارتها وتبيها لطالبيها، وانشات الفابريقات الخاصة بها.


رزاعة الخشخاش (الأفيون)

واستحضرت الحكومة من ازمير بعض الارمن الذين مارسوا زراعة الافيون وخصصتهم لزراعته في مصر، وقد بلغت حاصلاته سنة 1833 – 14500 اقة، واحتكرت الحكومة بيع الحصول، فكانت تبيع الاقة ب110 قرشا صاغا ويستخرج من بذرة الافيون زيت للوقود، وحاولت الحكومة زراعة البن اليمني في اراضي مصر ولكن المحاولة اخفقت رغم تكرارها، ووسع محمد علي نطاق زراعة القنب (التيل) فنجحت زراعته واستخدام ثمره لصنع التيل والحبال.

منشآت الصناعة

ان الكلام عن الصناعة في عهد محمد علي يقتضي التمييز بين الصناعات الكبرى والصناعات الصغرى، أما الصناعات الصغرى، فيمكن القول اجمالا بانها تقهقرت في هذا العهد بسبب نظامر الاحتكار الذي سنتحدث عنه في موضعه بالفصل الرابع عشر، فان الاحتكار قد ضم الصناعات التي كانت قائمة وهي الصناعات الصغرة فاضر بها وباصحابها ضررا كبيرا، واما النهضة الصناعية التي حدثت في ذلك العهد فهي نهضة الصناعات الكبرى التي استحدثها محمد علي بانشاء الفابريقات اي المصانع الكبيرة التي تدار بالالات.

وقد اسلفنا الكلام عن المصانع الحربية والبحرية التي تعد من اعظم المنشآت الصناعية في ذلك العصر كما بيناه في موضعه بالفصل الحادي عشر والثاني عشر، ونحن ذاكرون هنا معامل الصناعات الاخرى كالغزل والنسيج وما اليها ومعامل الحديد والنحاس.


مصانع الغزل والنسيج

مصنع الخرنفش

من اول المصانع التي انشاها محمد علي باشا فابريقة الغزل والنسيج بالخرنفش، انشئت سنة 1816، واستدعى لها عمالا فنيين من فلورانس بايطاليا، تخصصوا في غزل خيوط الحرير لصناعة القطيفة والساتان الخفيف، وبعد قليل من الزمن نقلت الانوال الخاصة بصناعة الحرير الى فاريقة اخرى، ووضعت بدلها مغازل للقطن وماكينات لصنع الاقمشة القطنية. فركب بها مائة دولاب، عشرة منها للغزل السميك وتسعون دولاب للغزل الرفيع اي بنسبة دولاب للخيوط السميكة الى تسعة للخيوط الرفيعة وهي النسبة المتبعة عادة في معامل الغزل، وتحمل الدواليب الاولى 108 مغزلا على خط واحد، والتسعون الثانية 216 مغزلا، وفي الفابريقة سبعون ماكينة، وعدد يوازيها من العدد الاخر لتجهيز القطن قبل غزله.

وعدا دواليب الغزل ومغازله كان يوجد بالفابريقة قسم للنسيج به ثلثمائة نول تنسج من خيوط القطن اقمشة مختلفة انواعها كالبافتة والموسيلين والبصمة والشاش والباتست، والاقمشة التي تنسج في هذه الفابريقة كانت ترسل لتبييضها في المبيضة التي انشئت لهذه الغاية على شاطئ النيل بين بولاق وشبرا، ثم تعاد الى مخازن الخرنفش لتباع لمن يطلبها، ويوجد بالفابريقة ورش للحدادين والسباكين والخراطين والنجارين لاصلاح الالات التي يصيبها العطب.

فابريقة مالطة ببولاق

وانشات الحكومة في بولاق فابريقة اخرى سميت فابريقة مالطة وسميت بهذا الاسم نسبة الى العدد الكبير من العمال المالطيين الذين كانوا يشتغلون فيها، وعهد بادارتها الى المسيوجومل، وقد اعدت لغزل القطن ثم نسجه اقمشة مختلفة الانواع، وكان فيها من دواليب الغزل 28 دولابا و24 عدة، وآلات تجهيز القطن، وتدور هذه الالات كما في فابريقة الخرنفش بواسطة اربعة عشر طنبورا تحركها هدة يجرها ثمانية من الثيران، وكل دولاب يشتغل عليه رجل وثلاثة أطفال يعقدون الخيوط التي تبترها حركة العدة، ويبلغ عدد الانوال في فابريقة مالطة 200 نول تنسج خيوط القطن ويصنع منها البافتة والبصمة والباتست والموسلين.

وفيها ورشة تحتوي عمالا من سائر الحرف معدين لاصلاح ألاتها واصلاح آلات مصانع الوجهين البحري والقبلي، وفيها ورشة للنجارة يشتغل فيها صناع فرنسيون واروام يصنعون نماذج واشياء اخرى دقيقة الصنع، وفيها ايضا ورشتان للخراطة بكل منها الة ضخمة تحركها ثمانية من الثيران، واحدى هاتين الورشتين اذا تحركت دواليبها تتحرك لها صواني واقلام من الفولاذ للتضليع والتخريم والتثقيب ومحافر ومناشر لنشر الخشب والنحاس، ومخارط عديدة، وفي الورشة الاخرى مخرطة كبيرة ومرازب ومطرقة ومنفاخان كبيران.

وكان بالقرب من فابريقة مالطة ثمانون ورشة حدادة لصنع مراسي المراكب وكل ما يلزم لبناء السفن وما يستهلك من الحديد والفحم في هذه الورش عظيم جدا، ويلحق بالفابريقة معمل لسبك الحديد، وقد لاحظ عليه المسيومانجان بعض العيوب فنطق ان افرانه ليست محكمة الوضع وتستهلك من الوقود اكثر مما يلزم، والرمل المستعمل لم يكن مدقوقا دقا جيدا، وفي غالب الاحيان كان يفسد العمل لاهمال العمال ولكونهم لا يدعون القوالب تجف الجفاف المطلوب، وفي هذا المسبك ثمانية افران كانت تعمل باستمرار، وعمالها مصريون يعملون تحت ادارة رؤساء من السوريين.

فابريقتا ابراهيم اغا والسبتية

وكان بالقرب من فابريقة مالطة مصنعان آخران لغزل القطن يعهد احدهما بفابريقة ابراهيم اغا، والاخر بفابريقة السبتية، وفيهما تسعون دولابا لغزل القطن وستون ماكينة لتجهيز القطن للمغازل، ولم يكن في هاتين الفابريقتين سوى ورش الغزل وليس فيها ورش للصنائع الاخرى كما في فابريقة مالطة، وهذه الفابريقة تمدها بكل ما يلزم لاصلاح عددها وآلاتها وتستورد القطن الذي تغزله من مستودع الحكومة للاقطان كما تعمل الفبريقات الاخرى واجور العمال فيها تساوي اجورهم في تلك الفابريقات.

المبيضة

وقد انشئ فيما بين بولاق وشبرا على شاطئ النيل مبان ومنازل خلوية وحظيرة واسعة اطلق علي ذلك كله اسم المبيضة، وفيها كانت تبيض الاقمشة التي تصنع في الفابريقات بالاساليب الصناعية الحديثة، وتطبع فيها ثياب البصمة (الشيت) بواسطة الالواح اوالاسطوانات، وتطبع في الشهر نحوالثمانمائة مبتر من البصمة، ويقول المسيومانجان الذي نقلنا عنه هذه البيانات ان البصمة التي تصنع في مصر قد امتازت بجودتها واتقانها ودقة صنعها ومتانتها وجمال رسومها وتنوع اشكالها وثبات الوانها على الغسيل، فصار الجمهور يفضلها على انواع الشيت الواردة من المانيا وانجلترا حتى قل الوارد منها، وانشئ ايضا في شبرا شهاب (بالقليوبية) وشبين والمحلة الكبرى والمنصورة مبيضات اخرى، والاثواب المعدة من أجل البيع تلمع في هذه المبيضات ثم تطوى، وتطبع المبيضات المناديل التي تزين بها النساء رءوسهن ويستعمل لهذا الغرض أربعمائة ثوب من الموسلين في الشهر.

مصنع نسيج البركال

وبالقرب من المبيضة بولاق انشئ بناء جميل تم في سنة 1833 لنسج البركال (نوع من الشيت الرفيع) ركب فيه 150 نول للنسيج، منها تسعة فقط تشتغل ، وهي تدار بواسطة ألة بخارية، وكل نول ينسج في الاسبوع اربعة اثواب من البركال، وطول الثوب اربعون ذراعا في عرض ذراع ونصف، وكان في هذا المصنع اربعة من الصناع الانجليز يتولون تعليم العمال المصريين صناعة هذا النسيج، والطابق العلوي لهذا المصنع خاص بالغزل.

مصنع امشاط الغزل بحي السيدة زينب

وانشئ في حي السيدة زينب معمل لصنع امشاط الغزل، يخرج في جميع شهر ثلاثين مجموعة من الامشاط التي تستعمل للغزل ويدرب الصبيان على هذا النوع من العمل، وكان المصنع يورد لفابريقات الغزل الامشاط اللازمة ويتولى ايضا اصلاح ما يعطب فيها، وفي هذا المصنع قسم للنسيج به ثلثمائة نول وخمسمائة عامل ويخرج في الشهر 1200 ثوب تقريبا طول الثورب 32 ذراعات في عرض ذراعين، والعامل ينسج ثمانية اذرع في اليوم من ايام الصيف وستة في ايام الشتاء.

مصنع الجوخ في بولاق

وانشات الحكومة مصنعا للجوخ على شاطئ النيل في بولاق، وقد لقى في مبدا امره عقبات عديدة فانقضت عدة سنوات وهولا يؤتي ثمرة، وكلف الخزانة اموالا طائلة، على ان ارادة محمد علي باشا لم تنثن امام هذه الصعاب ولم يتراجع عن عزمه في انجاح هذا المصنع لما كانت ينتظره من النفع في سد حاجات الجنود من جهة الملبس، وراى ان اساس النجاح هوفي اختيار الخامات وفي مهارة العمال الذين يعهد اليهم بالعمل، فامر وكلاءه في مرسيليا ان ينتخبوا له رؤساء ماهرين للعمل، تتوافر لديهم من الكفاءة اكثر ممن سبقوهم ليعهد اليهم تدريب العمال والتلاميذ على اتقان العمل، جميع فيما يخصه، فاختار خمسة فرنسيين من رؤساء العمل في مصنع الجوخ بلا جندوك قضوا اربع سنوات في تخريج التلاميذ في مصنع بولاق وتعليمهم خفايا الصناعة وادارة الالات الحديثة، وبذلك تكون في مصنع بولاق طائفة من الغزالين والنساجين والكباسين والقصاصين والصباغين والعصارين.

ولم يكتف محمد علي باشا بذلك بل انفذ الى فرنسا طائفة من المصريين الاذكياء والحقهم بالبعثة الفهمية وتفهموا هذه الحرف المتنوعة في معامل ريمسن والييف حيث ارسلهم اليها مدير البعثة المصرية اتباعا لاوامر محمد علي، وكان في المعمل مائة نول لنسيج الجوخ تدور بعدتين يحرك كلا منهما ثمانية ثيران وتحرك العدتان تسع عجلات، ويحتوي المعمل على كثير من العدد، وآلات الكبس والعصر وغيرها من الجهازات والاسطوانات، وفي مصبغة المصنع ست خوابي (قزانات) منها واحدة من القصدير، والالوان التي تستعمل لصبغ الجوخ هي الازرق الداكن، والازرق السماوي، والاحمر والبني ، والاخضر الداكن.

وكان الجوخ ينسج ايضا في دمنهور وفي بعض المصانع الاخرى بالقاهرة، يستعمل في نسجه الصوف الردئ ويعمل منه الكبابيت ويرسل ما يصنع منها الى مصنع بولاق لدهنه وصبغه وكبسه، ويبلغ ما تخرجه هذه المصانع في الشهر نحوعشرين الف ذراع تقريبا ترسل الى الاسكندرية، وتستهلك في ملابس بحارة الاسطول وقد امتاز الجوخ الذي يصنع في مصنع بولاق بالجودة وكان من خير الملابس للجنود والضباط.

مصنع الحرير

كان ينسج في مصر من الاقمشة الحريرية قبل عصر محمد علي باشا القطني والالاجة وبعض انواع الحرير والقطن، ولكن محمد علي اكثر من غرس الاشجار التوت ليكثر من انتاج الحرير. واحضر من الاستانة عمالا متخصصين في الحرير لنسجه وصنع الاقمشة الحريرية منه على اختلاف انواعها كما ينسج في الاستانة وفي الهند، وانشا لهذا الغرض مصنعا للحرير في الخرنفش وتولى اولئك العمال الاخصائيون تدريب العمال المصريين على اتقان نسيج الحرير فلقى المصنع نجاحا وصار به مائتا نول لنسيج الحرير الخام الوارد من الشام اومن تربية دود القز في مصر، ولنسج الاسلاك المضىية المعروفة بالمقصب، وقد بلغت زنة الحرير الذي نسج في مصر سنة 1833 اربعة الاف اقة، وعمال هذه الصناعة يشتغلون بالمقطوعية، وكانوا في غاية من الحذق، ولهم ذوق في تحليته بالالوان والرسوم الجميلة، ولكن منسوجاتهم من الحرير لم تصل الى مرتبة المنسوجات الايطالية في ثبات الالوان.


مصنع الحبال

وانشات الحكومة في القاهرة مصنعا للحبال، ترسل مصنوعاته الى الاسكندرية لاستخدامها في ترسانة الثغر وفي السفن الحربية والتجارية، وتصنع الحبال في هذا المصنع من القنب.


نسيج الصوف

وصنعت في القاهرة منسوجات الصوف وكانت تعمل منها ملابس البحارة المصريين واغطية النوم (البطانيات) ويستعمل لهذا الغرض الصوف السميك الوارد من الوجه القبلي وبلغت انوال نسيج الصوف الموجود منها من قبل وما انشئ في ذلك العصر 4000 نول.


فابريقة الطرابيش في فوه

كانت فابريقة الطرابيش التي انشاها محمد علي في فوه من اهم وانفع المصانع التي اسسها سواء في نظامها اوفي قلة نفقاتها اوفي جودة مصنوعاتها، واول مدير لها تاجر مغربي استدعى لها الصناع من تونس المشهورة بصناعة الطرابيش، وقد تدرب العمال المصريون على يد اولئك الصناع فصاروا مفهمين بعد ان كانوا تلاميذ، واتقنوا كيفية تحضير الصوف ونسجه طرابيش وكسبها وصبغها، ويستورد الصوف المستعمل في هذه الصناعة من اليكانت وثمن الاقة منه 25 قرش، ومن الصنف الجيد الرفيع 30 قرش، ولا يغسل هذا الصوف قبل نسجه لنظافته ونصوع بياضه.

وكان يصنع جميع طربوش من خيط واحد لا من خيوط متعددة، وبغير ذلك لا يمكن كبسه جيدا، وعندما توضع الطرابيش في المكبس تهجر به ثلاثة أيام بلياليها مع صب الماء المغلي عليها باستمرار، ثم يصب عليها مخلوط الصابون الذي يصنع في الفابريقة نفسها، ثم تمر على الماء البارد لتنظيفها.

وكانت الطرابيش تصبغ بالقرمز والعفص والطرطير والشبة.

وتصنع فابريقة فوه جميع يوم ستين دستة (720 طربوشا) مختلفة انواعها واثمانها، وتصنع الطرابيش الرديئة من الصوف المخلوط، ويستورد الجيش المصري من مصنع فوه ما يطلبه من الطرابيش للجنود، واذا ما استكمل الجيش حاجته منها يباع ما زاد الى التجار من الاهلين.

مصانع الغزل والنسيج في الوجه البحري

قليوب

انشئت في الوجه البحري عدة مصانع لغزل القطن ونسجه، واول هذه المصانع مصنع قليوب، وكان واسعا مستوفي العدد والالات تصنع في الدواليب والامشاط ويشتغل فيه عدد كبير من العمال وبه عدة عمال من الافرنج يراسون بعض الاقسام، وبه سبعون دولابا، وثلاثون محلاجا (مشطا) تحركها ثلاث عدد، ويغزل القطن في هذا المصنع من نوع الغزل الذي تصنعه فابريقات القاهرة، وبقليوب مسبك للحديد ولكنه كان غير منتظم وبه عيوب عديدة.

شبين الكوم

وفي شبين الكوم مصنع اخر لغزل القطن به سبعون دولابا وثلاثون محلاجا (مشطا) يحركها عدتان وترسل مصنوعاته من الغزل الى القاهرة.

المحلة الكبرى

وانشئ في المحلة الكبرى مصنع كبير لغزل القطن به مائة وعشرون دولابا وستون محلاجا يحركها ثلاث عدد تدور جميع عدة بواسطة ثمانية من الثيران، وبه مائتا نول تنسج عليها الاقمشة من الخيوط التي تغزل فيه، ويحتوي هذا المصنع على مسبك وورش للحدادة والبرادة والخراطة تصنع فيه دواليب الغول وامشاطه وغيرها من الالات التي ترسل للمصانع الاخرى.

زفتى وميت غمر

وانشئت في زفتى فابريقة لغزل القطن بها 75 دولابا و50 محلاجا بملحقاتها تحركها ثلاث عدد ويستورد هذا المغزل من مصنع المحلة ما يلزمه من المهمات والخامات، وفي ميت غمر مغزل يشبه مغزل زفتى في عدد دواليبه ومحالجه.

المنصورة

وانشئت في المنصورة فابريقة للغزل والنسيج ولها مخزن يلحق بها،وبها اربعة عدد تحرك 120 دولابا وثمانين محلاجا، والخيوط التي تغزلها هذه الدواليب والمحالج تنسج في الفابريقة على 160 نولا، وفي هذه الفابريقة مسبك للحديد ومصنع للحدادة والبرادة والخراطة.

دمياط

وكان في دمياط قبل عصر محمد علي مغزل صغير، فانشئت فيها فابريقة للغزل والنسيج على مثال فابريقة المنصورة.


دمنهور

وانشئ في دمنهور مصنع للغزل به 100 دولاب وثمانون محلاجا، وفابريقة اخرى لغزل الصوف ونسجه تصنع فيها الكبابيت واغطية النوم (البطانيات) اللازمة لجنود البر والبحر، وترسل مصنوعاتها الى مصنع الجوخ في القاهرة ببولاق حيث تضغط وتلون وتكبس.


فوه

وفي فوه مصنع لغزل القطن فيه 75 دولابا للغزل واربعون مشطا تحركها عدتان تدير جميع واحدة منها ثمانية من الثيران.

رشيد

وفي رشيد مصنع للغزل به 150 دولابا للغزل و80 محلاجا يحركها اربع عدد وتنسج فيه قلوع المراكب، وبها مصانع للحدادة لعمل الحدايد اللازمة للسفن، وقد انشا بها المستر توماس جالويه وهوميكانيكي انجليزي الة بخارية لتدير طواحين تبييض الارز.

مصانع الغزل في الوجه القبلي

بني سويف

وانشئت عدة مصانع لغزل القطن في الوجه القبلي، ففي بني سويف مصنع كبير به 120 دولابا وثمانون محلاجا تحركها ثلاث عدد.


أسيوط

وفي اسيوط مصنع للغزل به من العدد والالات مثل ما في مصنع بني سويف، والقطن المغزول في هذين المصنعين يرسل الى القاهرة لنسجه في فابريقاتها وبيعه.

بقية المصانع

واسس محمد علي عدا المصنعين السابقين مصانع لغزل القطن في المنيا وفرشوط وطهطا وجرجا وقنا، فكانت تشتغل ولكن في حالة غير سقمية، ولم ترسل الى الحكومة شيئا من مصنوعاتها.

نظرة عامة في مصانع الغزل والنسيج

كان بمصانع غزل الطقن كافة 1459 دولابا للغزل منها 145 دولاب للغزل السميك و1214 للغزل الدقيق، وتصنع الاولى 14500 رطل من الخيوط جميع يوم من ايام الصيف و1015 رطلا في ايام الشتاء، وتصنع الثانية (دواليب الغزل الدقيق) 12140 رطلا في جميع يوم من ايام الصيف و8540 رطلا في ايام الشتاء.

وكان يصدر جزء من القطن للغزول الى ثغور البحر الادرياتي وثغور التوسكان (ايطاليا) ومن هناك يرسل الى داخل ايطاليا والمانيا، اما باقي القطن المغزول فانه ينسج اقمشة في مصر فتباع الاقمشة المنسوجة في المدن والقرى بالقطر المصري، ويصدر بعضها الى سوريا والاناضول وجزر بحر الارخبيل، نطق المسيومانجان: وكان يمكن ان تزاد مصنوعات الفابريقات بمقدار الخمس اذا ضاعفت رؤساء العمل رقابتهم على العمال واذا دفعت اجور هؤلاء بانتظام.

وقد راجت الاقمشة التي صنعتها الفابريقات المصرية في الاسواق رواجا اضر بالواردات الاجنبية التي من نوعها وخاصة المصنوعات الرخيصة كالبصمة (الشيت) فان وارداتها قلت عن ذي قبل، والبفتة الهندية بعد ان كانت تغمر الاسواق المصرية انبتر الوارد منها لما حلت محلها البفتة المصرية، وكذلك حصل لاقمشة البنغال.

ولكن العيب الجوهري في مصانع الغزل والنسيج التي انشاها محمد علي انها كانت قائمة على نظام الاحتكار، وهذا النظام لا يتفق والتقدم الصناعي، وقد انتقده المسيومانجان الذي عاينه وخبره فنطق في صدده ان الصناعة الحرة هي التي توافق مصلحة الاهلين ومصلحة الحكومة معا، وكان من الاوفق هجر الصناعة حرة في يد الاهلين ما عدا بعض مصانع غزل القطن التي يمكن الحكومة ان تربح من بقائها ، ونطق ان كثيرا من الايدي العاملة التي تستخدمها الحكومة في معاملها كانت تعود على البلاد بفائدة اكبر لواشتغلت في الزراعة.

والواقع ان معظم المصانع التي انشاها محمد علي قد اقفلت في اواخر عهده واقفل باقيها في عهد عباس باشا الاول، وسبب اضمحلالها ان ادارتها كانت في يد موظفي الحكومة، فانعدمت فيها الادارة الحرة التي هي مناط ارتقاء المشروعات الصناعية والاقتصادية ، ولم يكن الموظفون امناء ولا اكفاء لادارتها ولا غيورون على عملهم، وكانت الحكومة تستورد الفحم والالات من اوروبا وتنفق على ادارة المصانع النفقات الطائلة، فكانت النتيجة ان ايراداتها قلت على مر السنين عن مصروفاتها وتسبب عنها خسارة على خزانة الحكومة، كما ان انقاص الجيش والبحرية في اواخر عهد محمد علي قد عطل المصانع التي تصنع حاجات الجيش لعدم الحاجة الى مصنوعاتها.

ولكن مما لا نزاع فيه ان انشاء مصانع الغزل والنسيج كان اساسا لنهضة صناعية كبيرة وتجربة جليلة يمكن الاستفادة منها لاقامة النهضة الصناعية على قواعد سليمة.

مصانع نسيج الكتان

كانت الاقمشة الكتانية تصنع في مصر قبل عصر محمد علي، ومصانعها موزعة في مختلف المديريات، وقد بلغت ما تنتجه في ذلك العصر جميع سنة ثلاثة ملايين مبتر يستهلك اكثرها في مصر، ويصدر قسم منها الى تريستا وليفورن وكان في مصر ثلاثون الف نول لنسيج اقمشة الكتان.

الصناعات المعدنية

معمل سبك الحديد

اقيم في بولاق مسبك للحديد، وهوبناء مشيد تشييدا فما وله منظر رائع، وكان يؤدي اعظم الخدمات، وقد تكلف البناء وحده نحوستين الفا من الجنيهات، وضع تصميمه المستر جالويه المهندس الميكانيكي الانجليزي الذي كان يشتغل في خدمة الحكومة، وجعله على نموذج مسابك لندره، وكان يتولى رئاسة العمل فيه رئيس انجليزي يعاونه خمسة من العمال الانجليز وثلاثة من المالطيين واربعون تلميذا مصريا موزعين على جميع اقسام المسابك، ورئيسه القائد ادهم بك الذي تحدثنا عنه انفا.

وكان يصب في هذا المسبك جميع يوم خمسون قنطارا من الحديد المعد لصابورة السفن والالات اللازمة للمعامل والفابريقات.

مصانع الواح النحاس

وانشات الحكومة مصنعا لعمل الواح النحاس التي كانت تبطن بها السفن، وتولى ادارته المستر جالويه الميكانيكي الانجليزي يعاونه اربعة رؤساء عمل، اثنان للاسطوانة، وثالث لمراقبة الالة البخارية، والرابع للسبك وتنقية النحاس من المواد الترابية.

وكان في المصنع عشرون عاملا مصريا من العمال الفنيين موزعين على الاعمال المتنوعة، منهم واحد للسبك، وثلاثة للاسطوانة ، يشتغلون في اخراج الواح النحاس، وعملية السبك الواحدة تقتضي 35 قنطارا من النحاس، والاسطوانت تخرج جميع يوم من سبعين الى مائة لوح، من النحاس مختلفة المقاس والسمك.

صناعة السكر

معامل السكر في الوجه القبلي

اسست الحكومة سنة 1818 معملا للسكر في الريمرمون على مثال مصانع السكر في جزائر الانتيل بامريكا، تولى ادارته في اول امره انجليزي ثم خلفه صاحب مصنع في جزيرة كوريسكا ، وقد اشتهر هذا المعمل بحسن الادارة والنظام والاقتصاد، فاتسعت اعماله وتقدمت حاصلاته وانتشرت مقطوعيته في البلاد، ولكن استيراد السكر المكرر من معامل اوروبا منذ سنة 1826 اضر بانتاج معمل الريمرون وفضل الناس السكر الوارد من اوروبا لجودته ورخص اسعاره. وبلغ انتاج معمل الريرمون سنة 1833 حوالي 12195 قنطارا من السكر الخام وانشات الحكومة معملين اخرين للسكر احدمها في ساقية موسى والثاني في الروض (مركز ملوي)، وقد يردد من السكر الخام في المعمل الاول 5200 قنطارا، واستخرج الروم من مصنع الريرمون واستخدم لهذا الغرض 4800 قنطارا من العسل.

صناعة الأصباغ

مصانع النيلة

وانشئت مصانع النيلة في شبرا شهاب، والعزازنة وميت غمر، والمنصورة، ومنوف، وابيار، والاشمونيين، وبركة السبع، والمحلة الكبرى، والجيزرة، وابوتيج، وملوي، ومنفلوط، وطهطا، واسيوط، والفشن، وهذه المصانع تستنفد سدس محصول القطر المصري، وكانت النيلة ترسل من المصانع الى القاهرة حيث تبيعها الحكومة وتصدر منها للخارج بعد استنفاد حاجة المستهلكين.

مصانع أخرى

وانشئت مصانع اخرى مختلفة، منها مصنع الصابو، ومدبغة للجلود برشيد ومصنع للزجاج والصيني، واخر للشمع، وانشئ مصنع للورق ولكنه لم ينجح في تجربته واهمل العمل فيه، ومعاصر للزيت وكانت موجودة من قبل.

اعمال العمران الاخرى

وقد عنى محمد علي بعمران المدن بما استحدثه فيها من المباني العامة كالقصور والمصانع ودور الحكومة وما اليها، فمن ذلك انه انشا بالقلعة قصره الشهير (قصر الجوهرة) الذي كان مقر الحكم في عهده، وقصر شبرا، وسراي التي بالاسكندرية، وهي اعظم قصوره وافخمها، وابتنى القصور في بعض عواصم المديريات ليقيم بها اثناء تجواله بالانطقيم.

وانشا الدفترخانة بجوار القلعة لتحفظ بها وثائق الحكومة ودفاترها وسجلاتها، وهي من اجل منشاته ولا تزال قائمة تؤدي الغرض منها، وقد حفظت وثائق الحكومة طوال هذه السنين بعد ان كانت تبدد ويعفى اثرها قبل ذلك العهد.

واصلح قنطرة المجراة التي كانت تنقل المياه من النيل بمصر القديمة الى القلعة، وفتح طريقا واسعا محفوفا بالاشجار بين مصر وشبرا، وهدم كثيرا من التلال والكيمان التي تحيط بالقاهرة اوتتخللها وتثير الرياح ما بها من الاتربة والقاذورات وتهيلها على المدينة فتفسد الجووتضر بصحة الناس وابصارهم.

واصلح بركة الازبكية واحتفر حولها قناة تنصرف اليها مياه البركة فظهرت ارضها وتحولت الى بستان كبير، وهوالبستان الذي انشئت في وسطه حديقة الازبكية الحالية على عهد اسماعيل.

وبنى جامعه الكبير بالقلعة واوصى ان يدفن فيه.

وانشا دارا للرصد (رصدخانة) في بولاق ولكن ادارتها لم تنتظم فاقفلت في اواخر عهده، واصدر امرا بفتح خروج الاثار القديمة من مصر وتاسيس دار للاثار في منزل الدفتردار، وعنى باستخراج الاحجار والرخام من المحاجر المصرية.

وعنى بعمران الاسكندرية التي تقدمت تقدما عظيما في عهده بفضل وصول ترعة المحمودية اليها وانشاء الترسانة والاسطول بها ولانها صارت ملتقى التجارة بين مصر والخارج وكان يطيل الاقامة بها جميع سنة، وقد فتح شارعا كبيرا مرصوفا بالاحجار بين باب رشيد وسراي راس التين.

وانشا مدينة الزقازيق لمناسبة بناء قناطر بحر مويس، وعنى بشئون البلاد الصحية كما بيناه في الكلام عن كلوت بك وانشا المستشفيات والمحاجر الصحية على النظام الاوروبي.

ورتب البريد يحمل برا على ايدي السعاة يبترون المراحل على متون الجياد وبحرا على ظهر السفن.

وانشا خطوطا تلغرافية بان اقام ابنية مرتفعة على شكل ابراج ممتدة على خط واحد، واقام على جميع بناء الة التلغراف على طريقة شاب القديمة فكانت الانباء تنقل من فترة الى اخرى الى ان تصل الى الجهة المقصودة، وتستغرق الرسالة التلغرافية بهذه الطريقة من الاسكندرية الى مصر خمسة وثلاثين دقيقة اما التلغراف الحلاي فقد ادخله سعيد باشا.

التجارة

اتسع نطاق تجارة مصر الخارجية في عهد محمد علي لازدياد حاصلاتها وخاصة القطن، وقد ربحت الحكومة منها ارباحا وفيرة لانها كانت تحتكر التجارة الخارجية باجمعها.

وقد ساعد انشاء الاسطول في البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط على توسيع نطاق المواصلات البحرية بين مصر والبلدان الاخرى، وكان لاصلاح ميناء الاسكندرية فضل كبير في هذا الصدد، فنشطت التجارة الخارجية نشاطا عظيما، ومنذ انشئ اسطول مصر في البحر الاحمر فكر محمد علي في اعادة طريق التجارة بين الهند واوروبا عن طريق مصر عبد ان تعطلت زمنا طويلا لاكتشاف طريق راس الراتى الصالح، فبسط سيادة مصر في البحر الاحمر وطهره من القرصان الذين كانوا يتهددون السفن التجارية فيه، ومد طريقا لسير قوافل التجارة بين السويس والقاهرة وانشا به المحطات وبسط الامن في مراحله لتامين القوافل على متاجرها، وانشا لذلك ديوانا سمي بديوان المرور كان مقره بالازبكية، وكانت المتاجر القادمة من البحر الاحمر ترسل من السويس الى النيل ثم الى الاسكندرية فاعاد جهد المستطاع سبيل المواصلات القديم بين الشرق واوروبا عن طريق مصر.

وقد لفت هذا الطريق انظار الشركة الهندية الانجليزية وراته امن واقصر من طريق راس الراتى الصالح وطريق البصرة والفرات وحلب والاسكندرونة، فاتفقت مع الحكومة المصرية على نقل طرود البريد للمسافرين عن طريق السويس وكان المستر توماس قابلورن احد كبار موظفيها واسطة هذا الاتفاق، وقد لقى من محمد علي باشا تعضيدا كبيرا فكانت السفن التجارية تسير من بمباي الى السويس ثم ينتقل منها البريد والسياح الى الاسكندرية عن طريق القاهرة ومن الاسكندرية الى مرسيليا بحرا ومنها الى انجلترا.

الصادرات والواردات

تتالف صادرات مصر في ذلك العهد من القطن، والارز، والحبوب، والصمغ والانسجة الكتانية، والصودا، والتمر، والخضر الجافة، والافيون، والحناء وغير ذلك.

وكانت تستورد من الخارج الانسجة القطنية، والاجواخ، والطرابيش، والانسجة الصوفية، والاثواب الحريرية، والاخشاب، والحديد ، والاواني، والخردوات، والنحاس، والسكاكين، والورق، والعقاقير، واصناف العطارة، والفحم، والقرمز، والسكر، والزجاج، والمرايا، والزيوت، والانبذة، والمشروبات الروحية، وغير ذلك، وأحصى الدكتور كلوت بك تجارة مصر الخارجية مع اوروبا وهجريا سنة 1836 فبلغت بحسب احصائه:

2196000 جنيه للصادرات، و2679000 للواردات.

واورد علي باشا مبارك احصاء عن صادرات وواردات الاسكندرية دون سواها من سنة 1823 إلى سنة 1842 استخلصنا منه البيان الاتي:

"الصادرات والواردات في عصر محمد علي"
السنة الصادرات الواردات (بالجنيه المصري)
1823 1585764 804519
1842 1806880 2470920

المصادر

  1. ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف.
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:17:44
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, عصر محمد علي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الخارجية الايرانية تتوعد أوكرانيا برد مناسب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:41
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 90%

البرهان يؤكد لغوتيريش انسحاب الجيش من العملية السياسية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:17:06
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 85%

ميزينتسيف يخلف  بولغاكوف في منصب نائب وزير الدفاع الروسي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:44
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 95%

رئيس وزراء ساكسونيا: ألمانيا لا تستطيع التخلي عن الغاز الروسي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:38
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 87%

الفلبين تنوي استيراد الوقود والأسمدة من روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:38
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 92%

خطف واغتصاب ملكة جمال مصرية.. وإحالة المتهم للجنايات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:17:21
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 99%

مقتل اثنين من المدنيين في قصف أوكراني على دونيتسك

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:45
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 97%

نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية وأمطار قوية يومي السبت والأحد بهذه المناطق

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:18:24
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

«الأرصاد» تكشف حالة طقس الـ6 أيام المقبلة.. نشاط للرياح وأمطار

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:18:43
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

مراقب من ألمانيا يقدر عاليا تنظيم الاستفتاء في ميليتوبول

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:42
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 89%

مراقبو استفتاءات دونباس الدوليون: الاقتراع سيتم حتما

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:39
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 88%

تركيا.. توقيف 10 قراصنة لتورطهم باحتيال رقمي عبر رسائل مزيفة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:17:52
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 90%

مدافع يسجل هدفا عالميا بتسديدة مذهلة (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:48
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 98%

إيرادات فنادق أبوظبي ترتفع 26% إلى 3 مليارات درهم في 8 أشهر

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:17:54
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 90%

الأمن الإيراني يقمع مسيرة طلابية احتجاجية في جامعة طهران

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:17:37
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 89%

بينها الخبز الأبيض.. 5 أطعمة يمكن أن تسبب جلطات دموية خطيرة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:18:01
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 87%

شاهد.. قائد سيارة مصري متهور طاردته الشرطة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:17:23
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 87%

تقرير استخباراتي: الصين تجند 154 عالما من مختبر نووي أميركي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:17:29
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 87%

الجيش اللبناني يعلن توقيف مهرب القارب الذي غرق قبالة طرطوس

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-24 15:16:44
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 98%

تحميل تطبيق المنصة العربية