المسرح العراقي

عودة للموسوعة

المسرح العراقي

كشفت التنقيبات الأثرية في العراق عن أنقاض مسرحين يعودان إلى منتصف الألف الثانية قبل الميلاد؛ أي قبل الإغريق بألفية كاملة، وهما متطوران معمارياً، لهما شكل مستطيل، تحتل أحد طوليه منصة العرض، تليها فسحة ضيقة بعرض ثلاثة أمتار، ثم يبدأ مدرج الجمهور حتى الطول الثاني للمستطيل، وهناك فتحتان نحوالخارج عند طرفي المنصة، وبوابتان لدخول الجمهور وخروجه عند طرفي الفسحة، وهومكشوف السقف. كما أسفرت التنقيبات عن نصين مسرحيين شبه كاملين، أولهما بعنوان «رثاء أور» يعود إلى الألف الثالثة ق.م، وثانيهما بعنوان «حوارية السيد والعبد» يعود إلى منتصف الألفية الثانية ق.م. ولاشك في حتى هذه المكتشفات تدل على وجود فن مسرحي متطور في العراق القديم، لكنه اندثر لأسباب مجهولة، كما وقع في مصر الفرعونية. وبدهي حتى العراق، كغيره من البلدان العربية، قد عهد كثيراً من الظواهر المسرحية الشعبية منذ القدم، كخيال الظل والكراكوز، والحكواتي وغيره، إلا حتى أول نص حديث مجهول المؤلف هو«نبوخذ نصر» الذي عرضته كنيسة الموصل عام 1889م. وبعده بثلاثين عاماً خط الشاعر محمد مهدي البصير مسرحية «نعمان بن المنذر» المستوحاة من التاريخ العربي. إلا حتى الأب الحقيقي للمسرح الحديث في العراق هوحقي الشبلي، الذي تأثر بزيارات الفرق المسرحية المصرية وعمل معها، ثم تدرب في مصر ودرس المسرح في فرنسا، وكان قد أسس عام 1927 أول فرقة مسرحية محترفة في العراق. وبعد عودته من فرنسا افتتح قسماً للتمثيل في معهد الفنون الجميلة ببغداد، أشرف على إدارته، ودرب طلابه، ونظم عروضه اعتماداً على نصوص مترجمة أومقتبسة أومحلية. وفي عام 1929 ابتكر نوري ثابت شخصية «حبظوظ» المستلهمة من شخصية «كشكش بيك» لنجيب الريحاني وقدمها، التي لاقت نجاحاً كبيراً لدى الجمهور. ثم انشق عبد الله الغزاوي عن حقي الشبلي ليؤسس في عام 1934 فرقته الخاصة.

واللافت للنظر هوحتى المسرح العراقي لم يعهد في عروضه الغناء والرقص والموسيقى كما كانت الحال لدى أبوخليل القباني السوري، والشيخ سلامة حجازي المصري وغيرهما في المسارح العربية الأخرى حينذاك، حتى في عروض «فرقة المسرح الشعبي» التي أسسها في عام 1947 جميع من إبراهيم جلال، وعبد الله الغزاوي، وجعفر السعدي، وخليل شرقي. وبعد خمس سنوات أسس إبراهيم جلال مع يوسف العاني، وسامي عبد الحميد «فرقة مسرح الفن الحديث» التي كان لهـا أكبر الأثر في بلورة صورة تجارب مجموعة من المخرجين والممثلين الشباب خلال اثنتين وعشرين عاماً.

كان لنكبة فلسطين عام 1948، ولثورة الضباط الأحرار في مصر عام 1952، تأثيرهما الواضح في الطابع السياسي الذي اتخذه المسرح العراقي منذئذٍ، سواء على صعيد الصراع ضد المستعمر الإنكليزي أوفي الكشف عن مفاسد الحكم، أوفي معالجة القضايا الاجتماعية البالغة الحساسية. ومنذ تلك الفترة برز اسم يوسف العاني واحداً من أبرز كتّاب المسرح في العراق إلى جانب عادل كاظم، وجليل القيسي، ونور الدين فارس، ومحيي الدين زنكنة، وعبد الرحمن مجيد الربيعي وغيرهم. وعلى الرغم من حتى إبراهيم جلال قد تفهم المسرح في الولايات المتحدة الأمريكية، كان أول من أدخل منهج برتولد برشت B. Brecht الملحمي في الأداء التمثيلي والأسلوب الإخراجي وتأويل النص إلى المسرح العراقي.

ومع أواخر الستينات ومطلع السبعينات من القرن العشرين عادت إلى بغداد مجموعة من خريجي المعاهد المسرحية العليا في غربي أوربا وشرقيها. وكان من أبرز وجوهها قاسم محمد صاحب المسرحية الشهيرة «بغداد الأزل بين الجد والهزل» التي استوحى مادتها وموضوعها من التراث العربي، وعرضها بإخراجه عام 1973 معتمداً على أجواء وشخصيات السوق الشعبي. ولاشك في حتى توجه معظم الفنانين والمثقفين العرب آنذاك نحوالفكر الاشتراكي قد وسم أعمال الكتاب والمخرجين بطابعه الواضح، حتى على صعيد الترجمة عن المسرح العالمي. ونتيجة لذلك سعى المسرح العراقي إلى توسيع رقعة فعاليته باكتساب فئات أخرى من الجمهور خارج المدن، فالتفت إلى الأرياف بدعم من وزارة الزراعة، وبالاعتماد على خريجي المعاهد المسرحية الشباب الذين أسهموا أيضاً في تنشيط الفرق المسرحية العمالية في المدن. إلا حتى طابع الحكم الشمولي للنظام في العراق قصم ظهر الوحدة الوطنية السياسية، كما حتى التدخل السافر للرقابة في عمل الفرق المسرحية وأكاديمية الفنون الجميلة أدى إلى انكماش الحركة المسرحية وإلى هجرة أعداد غفيرة من المخرجين والممثلين والكتّاب إلى البلدان العربية المجاورة حيث شاركوا في مسارحها بنشاط ملحوظ، مثل جواد الأسدي، وعوني كرومي في دمشق وعمان وبيروت. ومنهم من تابع طريقه إلى المنافي الأوربية مثل نماء الورد، وروناك شوقي، وغيرهما كثير من الفنانين والأدباء والصحفيين الذين هجروا بصمات واضحة في الثقافة العربية.

وقد أقامت وزارة الثقافة العراقية منذ منتصف السبعينات من القرن العشرين مهرجانات مسرحية محلية وعربية ودولية شاركت فيها أعداد كبيرة من الفرق المحلية والعربية والأجنبية، مما نشَّط الحركة المسرحية آنئذ إلى جانب نشر المسرحيات والخط النظرية المترجمة بكثافة لافتة.

انظر أيضا

  • المسرح العربي
  • مجتمع عراقي


المصادر

  1. ^ نبيل الحفار. "العراق (المسرح في ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2012-01-16.
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:40:34
التصنيفات: مسرح عربي, ثقافة عراقية, مسرح حسب البلد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كييف: اقترحنا على الصين أن تصبح ضامنا لأمن أوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:16:04
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 86%

"السديس": جاهزية كاملة لصلاة عيد الفطر

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:22
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 38%

«الأسعار والزحام» وراء عزوف المستهلكين عن أسواق حفر الباطن

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:31
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 41%

متظاهرون يشوشون على خطاب وزيرة الخارجية الألمانية (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:16:05
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 95%

مكاسب شهرية وأسبوعية للنفط وسط تعاملات متقلبة

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 41%

صراع الألقاب.. الريال يتفوق على البارسا

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:37
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 41%

اقتران الزهرة والمشتري: الكوكبان يتلامسان تقريبًا في السماء

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:15:57
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 95%

ارتفاع 13 قطاعا بسوق الأسهم خلال أسبوع

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:32
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 45%

باحثون يحددون شبكة “فائقة الحساب” في الدماغ البشري

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:15:16
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 36%

مؤتمر «مستقبل الطيران»

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:27
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 37%

عززي مائدة سحورك بطبق الفطائر المقلية بدون خميرة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:15:15
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 48%

العثور على بطاطا مقلية عمرها 63 عاما.. واكتشاف مفاجأة مريبة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:15:17
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 48%

الكرة في ملعب الرواية.. مدرب يتنكر في زي امرأة هربا من الجمهور الغاضب

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:36
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 40%

غوتيريش يدين تفجيرا استهدف مسجدا في كابل أدى لمقتل العشرات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:16:06
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 87%

انتعاش الحركة التجارية بأسواق الجوف

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-01 03:25:25
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 49%

بيان سعودي باكستاني مشترك عقب زيارة شهباز شريف للمملكة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-01 06:16:05
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 96%

تحميل تطبيق المنصة العربية