عبد القاهر البغدادي
البغدادي (عبد القاهر ـ) (… ـ 429هـ /… ـ 1037م)
أبومنصور، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي التميمي، متحدث من أئمة الأصوليين وأعيان فقهاء الشافعية. ولد في بغداد ونشأ فيها ثم رحل مع أبيه إلى خراسان واستقرّ في نيسابور، وتفقه على أهل الفهم والحديث، وكان من شيوخه أبوعمروإسماعيل بن نُجيد النيسابوري شيخ الصوفية بنيسابور (ت 366 هـ) وأبوأحمد عبد الله بن عدي الجرجاني أحد الأئمة الثقات في الحديث (ت 365 هـ) وأبوإسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، العالم الفقيه بالأصول (ت 418 هـ).
كان البغدادي ماهراً في علوم كثيرة، وفي فهم الحساب خاصة. وكان عارفاً بالنحو، وبرع في علوم الدين، فاشتهر اسمه وبعد صيته. ولما توفي شيخه الإسفراييني قام مقامه في التدريس بمسجد عقيل، فأملى سنين، واختلف إليه الأئمة فقرؤوا عليه، وكان منهم ناصر المروزي وزين الإسلام القشيري وغيرهما..وقيل إنه كان يدّرس في سبعة عشر فناً. ولما نشبت فتنة الهجرمان في نيسابور فارقها إلى إسْفَرايين سنة 429هـ/1037م فابتهج الناس بمقدمه، ولكنه لم يعش فيها إلا زمناً يسيراً فقد توفي في السنة ذاتها ودفن إلى جانب شيخه أبي إسحاق.
كان البغدادي ذا مال كثير، أنفقه على الفهم والحديث، ولم يكن يسعى بفهمه ليكسب مالاً. صنف في العلوم المتنوعة، وأكثر مصنفاته في علوم الدين، ومنها: «تفسير القرآن» و«الناسخ والمنسوخ»، و«التكملة في الحساب»، و«تفسير أسماء الله الحسنى»، و«فضائح المعتزلة»، و«فضائح القدرية»، و«تأويل المتشابهات في الأخبار والآيات»، و«الإيمان وأصوله»، و«نفي خلق القرآن»، و«الصفات»، و«بلوغ المدى في أصول الهدى»، و«معيار النظر»، و«العماد في مواريث العباد». ومن أجلّ خطه كتاب «الفَرْق بين الفِرَق»، وكتاب «أصول الدين». وينطلق في كتابه «الفرق بين الفرق» من الإجابة عن شرح معنى الخبر المأثور عن النبي e في افتراق الأمة ثلاثاً وسبعين فرقة، منها واحدة ناجية. فيذكر في كتابه الذي قسم مضمونه إلى خمسة أبواب أسماء الفرق التي تنسب إلى الإسلام والمعنى الجامع الذي تعتقده في انتسابها، فيتحدث عن الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة وما توزع عنها من فرق وما تؤمن جميع فرقة به، وقد حكم على جميع فرقة من الفرق الإسلامية من وجهة النظر الأشعرية إذ نراه يعود في كثير مما خطه إلى أبي الحسن الأشعري، ويبدومتعصباً للسنية الشافعية، وقد نقل عن كتابه هذا كثير من الباحثين في الشؤون الدينية عبر العصور، ووصف بأنه من أجلّ الخط الموضوعة في هذا الباب.
أما كتابه «أصول الدين» فقد ذكر فيه خمسة عشر أصلاً من أصول الدين، وشرح جميع أصل منها بخمس عشرة مسألة من مسائل العدل والتوحيد والوعد والوعيد، وما يتعلق بها من مسائل النبوات والمعجزات، وأشار في جميع مسألة منها إلى أصولها، كما ردّ بقسوة على القدرية والروافض والخوارج وغير ذلك من الملل والنحل، وقد هاجم في كتابه «فضائح المعتزلة» وردّ على الجبّائي وغيره من أئمتهم، وانتصر لأهل السنة، وتحدث عن صفات الله والأحكام الدينية والمحرمات والمباحات والطاعات والمعصيات وتحدث عن الإمامة وذكر شروطها وشروط الزعامة من الأولياء وأهل الكرامة، ودافع في هذا البحث عن وجهة نظر الخلافة السنية.
ويعرض البغدادي في كتابه «مسائل فهم الكلام» التي اتى بها أبوالحسن الأشعري ولكن على نحومنظم ومبوب، وقد اعتمد في مسألة بيان حدوث العالم على نظرية الجوهر الفرد، وهي تمثل العقلية الكلامية التي تتأسس عليها طريقة المتحدثين المتقدمين.
والبغدادي يمثل فكر المتحدثين الذين يخطون في مسائل فهم الكلام فيعمدون إلى المقدمات العقلية ثم يتحدثون عن المعتقدات الدينية، والمقدمات عنده صنفان: صنف يقدم نظرية في الفهم وأقسامه وأصنافه، وصنف يطرح فروضاً نظرية حول الفهم والإنسان، أما المعتقدات الدينية فموضوعها ذات الله وصفاته وأسماؤه وأفعاله والمعاد والثواب والعقاب والقول في الإمامة. والمقدمات بصنفيها هي للدفاع عن وجهة نظر معينة داخل الممضى أوتجاه المذاهب الأخرى.